المجتمع واليتيم
- هل يمكن لليتيم أن يصبح عظيماً؟ أو يكون شخصاً ذا تأثير وفاعلية في المجتمع؟
- هل في اليتم دلالة على ضعف الرعاية والمقام عند الله؟
- ما هو الدور المنتظر من المجتمع تجاه الأيتام؟
الحالة الطبيعية أن ينشأ الولد في أحضان والديه، وفي كنف أسرته، التي تحوطه بالرعاية والعناية، وتغمره بالعطف والحنان، وتقوّمه بالإرشاد والتوجيه.
إلاً أنّ الإرادة الإلهية قد تقتضي أن يفقد الإنسان أحد والديه أو كلاهما في صغره، فيصبح يتيماً.
ويذكر اللغويون لليتم معان كثيرة منها الهم والإبطاء والحاجة والانفراد. فيقال (هذا عمل يتيم) أي ليس له نظير فهو منفرد. وتطلق العرب على من فقد أباه يتيماً، ولا تطلق ذلك على من فقد أمه، هذا بالنسبة للبشر، أما بالنسبة للحيوانات فتطلق العرب على من فقد أمه منها يتيماً، لأن الأم في عالم الحيوان تتحمل الرعاية دون الأب. وفي المصطلح الشرعي يطلق اليتيم على من فقد أباه قبل بلوغه.
حيث يخلف فقد الأب فراغاً حقيقياً لا يمكن سده، ذلك أنه في حالة فقد الأم فإن الأب يوفر الحاضنة ويسد النقص، فلا يصبح الابن محتاجاً للآخرين. مع الاعتراف بما للأم من خصوصية نفسية وعاطفية. أما مع فقد الأب فالولد معرّض للاحتياج والنقص.
ويلازم حالة اليتم عادة أمران:
- شعور بالنقص العاطفي، فاليتيم لا يتمتع بما يتمتع به الآخرون من عاطفة وحنان من قبل آبائهم.
- افتقاد بعض متطلبات الحياة واحتياجاتها من لوازم المعيشة ووسائل الترفيه وبعض الخدمات التي يقدمها الآباء غالباً.
إن الشعور الذي ينتاب اليتيم قد لا يكون مجرد شعور متخيل، بل واقع ملموس يعيشه ويعاني آثاره، غير أن هذا الواقع لا يصح الاستسلام والإذعان له، بل ينبغي مواجهته على الصعيدين النفسي والعملي.
أولاً: على اليتيم أن يسلّم بأنّ هذه الحالة هي قضاء وقدر إلهي، وهي للبشر امتحان وابتلاء من الله جل شأنه. ابتلاء لليتيم في كيفية تقبله لمشيئة الله تعالى، فهل يرضى ويسلّم لإرادة الله؟ أم يحمل روح الرفض والاعتراض؟ وابتلاء للناس في كيفية تعاملهم مع هذا اليتيم، فهل يقومون بما حثّهم الله عليه ندباً أو أوجبه فرضاً؟!
إذاً لا ينبغي لليتيم أن يشعر بالنقص في قيمته عند ربه فاليتم لا يدل على الدونية وضعة المقام عند الله. حيث يذكر التاريخ أن كثيراً من أولياء الله الصالحين كانوا أيتاماً، فنبي الله إبراهيم ولد يتيماً مات أبوه تارخ وهو في بطن أمه، ثم عاش في بيت عمه آزر وهو المشار إليه في الآية الكريمة ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ﴾[1]
ولأن عمه آزر قد ربّاه أطلق عليه أنه أبوه، وإلاّ فهو عمه، حيث لا يكون المشرك عابد الصنم أباً للنبي، كما هو قول أئمة أهل البيت ، ويؤيدهم في ذلك كثير من علماء أهل السنة. يقول الآلوسي: (والذي عوّل عليه الجم الغفير من أهل السنة أن آزر لم يكن والد إبراهيم ، وادعوا أنه ليس في آباء النبي كافر أصلاً لقولـه :« لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات والمشركون نجس»)[2] .
وكذلك نبي الله موسى الذي لا تجد دوراً لأبيه في القرآن أو نصوص التاريخ عند ولادته ونشأته، رغم المخاطر التي حفت بأمه أثناء ولادته، والملابسات التي اكتنفت نشأته.
ومن الواضح أن نبي الله عيسى ولد من غير أب. أما نبينا الأكرم محمد ، وهو أفضل الخلق، وأعزهم على الله، وأحبهم إليه، فقد مات أبوه وهو في بطن أمه، وماتت أمه وعمره ست سنوات، ثم عاش في كفالة جده عبد المطلب، ومن بعده عمه أبي طالب.
ثانياً: على اليتيم أن يفجر طاقاته وكفاءاته، حتى يحيل النقص كمالاً، ويصنع من الهمّ والمعاناة طاقة خلاّقة. وليس ذلك بعيداً فكثير ما تكون حالة الضعف والقصور دافعة نحو البذل والعطاء، فكم من يتيم معدم بزّ أقرانه من أبناء الأغنياء الموفورين. فمن العظماء الشهيد المعاصر السيد محمد باقر الصدر الذي لم تقعد به وفاة والده عن النبوغ والتفوق، فوصل إلى ما لم يصل إليه أقرانه الذين كانوا في ظل آبائهم. وكذلك العلاّمة الشهير الشيخ محمد جواد مغنية والذي فقد أمه ثم فقد أباه في صغره، لكن ذلك لم يحل بينه وبين النجاح والتقدم على نظرائه وأنداده. إذاً علينا أن نشعر اليتيم أن بإمكانه أن يتفوق، ويصل إلى مراتب عالية إذا توجه إلى ذلك، وفجّر طاقاته الكامنة، وبلور قدراته ومواهبه، فاليتم لا يعدو أن يكون امتحاناً وابتلاءاً من الله سبحانه وتعالى لليتيم وللناس من حوله.
أولاً: دور الأم: تقوم الأم بدور كبير في توجيه اليتيم نحو تفجير طاقاته وكفاءاته، ورسالتنا إلى أم اليتيم: أن عليها أن تعوّض ابنها عما قد يشعر به من نقص في العاطفة والحنان، وأن تعكف على تربيته تربيةً صالحة جادة، وتساعده على أن يشقّ طريقه بنجاح، مع ملاحظة عدم الإفراط في الدلال بذريعة التعويض عن النقص العاطفي. فإهمال الرقابة، وإعطاء الحرية المطلقة، والتهاون بالأوامر والنواهي، وإغداق المال، قد يكون له نتائج سلبية جداً على شخصيته. إن من الضروري للأم أن توازن بدقة بين حقوق الطفل وواجباته، وأن تراعي ما يريده ابنها، وما هو محتاج إليه حقاً، فما كل ما يطلبه يحتاج إليه، وقد لا يرغب فيما يحتاج إليه. فليس كل إعطاء مصلحة، ولا كل حرمان مفسدة. وكم من أم كرّست حياتها، وضاعفت جهدها لرعاية أبنائها بعد فقد أبيهم، وصنعت منهم شخصيات ناجحة مؤثرة.
ثانياً: دور المجتمع: من أجلى مظاهر الإيمان في المجتمع رعاية المحتاجين، وفي طليعتهم الأيتام، فهم أشد حاجة للرعاية والاهتمام. حيث يحتاج الفقير إلى النفقات المادية الحياتية.بينما تمتد حاجات اليتيم لتشمل الجوانب المادية والعاطفية. والمجتمع الخاضع لمقاييس الدين والإيمان يشعر بالمسؤولية تجاه الأيتام ويتحسس آلامهم، وينسب للإمام قوله:
«ما إن تأوهت من شيء رزئت به *** كما تأوهت للأيتام في الصغر»
وفي قول الله تعالى: ﴿ كَلاَّ بَل لاَ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ﴾[3] ، تنديد بالمجتمع المادي الجاهلي المعرض عن القيم والمبادئ الأخلاقية. وقد جعل الله تعالى إهمالهم لليتيم عنواناً لانحرافهم، وأول شيء يذكره من مساوئهم.
ومن أبرز مفردات مسؤولية المجتمع نحو الأيتام ما يلي:
1- توفير الحنان والعاطفة للأيتام، وعدم توجيه الإساءة إليهم حيث يولي الإسلام اهتماماً كبيراً للمشاعر والأحاسيس. قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقهَر﴾ [4] وإهمال الأيتام دليل على أن المجتمع غير صادق في تدينه قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾[5] أي يهمله. وهذا الفعل يكشف عن قسوة القلب وتبلّد العاطفة، بينما قد لا يحتاج اليتيم شيئاً سوى المواساة القلبية، ليعوّض بعض ما فقده، قال الإمام علي : « ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم ترحماً إلا كتب الله له بكل شعرة مرت يده عليها حسنة» [6] .
وقال في وصيته الأخيرة قبيل وفاته: « الله الله في الأيتام، فلا تُغبّوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم »[7] ويشير الإمام بهذا إلى الحاجة المادية « لا تغبوا أفواههم » كما يشير إلى الرعاية الشاملة الكاملة بعدم تضييعهم.
2- تلبية المتطلبات والاحتياجات المادية التي يحتاجونها. فقد تكون الاحتياجات سكناً ملائماً، أو ثياباً مناسبةً، أو طعاماً صحياً، أو ما شابه ذلك. يقول : « من عال يتيماً حتى يستغني عنه أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة »[8] .
وعنه أنه قال: « أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) وقال بإصبعيه: السبّابة والوسطى»[9] .
ثالثاً: توفير الإرشاد والتوجيه الثقافي والسلوكي، ولعله الأمر الأكثر أهمية، وأشد خطورة، فالولد ذكراً كان أو أنثى، بحاجة إلى التوجيه والإرشاد، في حداثة سنه، ومقتبل حياته، وخاصة فترة المراهقة، ويفترض أن يقوم الأب بشكل رئيسي بهذا الدور تجاه أولاده، ومع غيابه يخشى على الأولاد من الضياع، وخاصة في هذا العصر، حيث تسود دواعي الإغراء والغواية والانحراف.
فعلى ذوي الأيتام خاصة كإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وسائر أقربائهم أن ينتبهوا لهذا الجانب المهم، فيصرفوا قسطاً من جهدهم واهتمامهم لتوفير التوجيه التربوي والسلوكي لهؤلاء الأيتام.
عند فقد الاب تكون الولاية على اليتيم منحصرة في جده لأبيه، واذا لم يكن الجد موجوداً، فإن الولاية تكون للقيّم من احدهما، وهو الذي اوصى احدهما بأن يكون ناظراً في امر الصغار من اولاده، ومع فقد الوصي تكون الولاية والنظر في شأن اليتيم للحاكم الشرعي، يتولاها بنفسه او يعيّن احداً ولياً على اليتيم.
اما الام والجد للام والاخ، فضلاً عن الاعمام والاخوال، فلا ولاية لهم على اليتيم، ما لم يكن هناك وصية لاحدهم بذلك، من قبل الاب أو الجد للاب، أو تعيين من قبل الحاكم الشرعي.
وحينما يكون على اليتيم ولي بعد ابيه وجده، فإن تصرفاته في شؤن اليتيم يشترط فيها لكي تكون نافذة شرعاً، ان تستهدف مصلحة اليتيم، اما اذا كان هناك ضرر على اليتيم، أو عدم مصلحة له، في أي تصرف من قبل الولي، فلا يكون نافذاً شرعاً.
ويلزم على ولي اليتيم (أن يصونه عما يفسد اخلاقه فضلاً عما يضر بعقائده)[10] .
تحدث القرآن الكريم في آيات عديدة مؤكداً على حماية اموال اليتيم وحفظها وعدم التفريط فيها، وكما سبق فإن الولاية على اموال اليتيم بعد الاب والجد، تكون للوصي المكلف بذلك من قبل احدهما، فإن لم يكن هناك وصي، فالولاية للحاكم الشرعي. هذا في فقه اهل البيت ، اما في المذهب الحنفي فالولاية على اموال الصغير تكون للاب، ثم وصيه بعد موته، ثم وصي وصيه، ثم جده (ابو ابيه)، ثم وصي جده، ثم وصي وصيه، ثم الوالي، ثم القاضي او وصي القاضي. وعند المالكية والحنابلة: الولاية بعد الاب لوصيه، ثم للحاكم، ولا تثبت الولاية المالية للجد والاخ العم الا بايصاء الاب. وقال الشافعية: ان الولاية بعد الاب للجد، ثم وصي من تأخر موته من الاب أو الجد، ثم القاضي أو نائبه. ولا ولاية لسائر العصبات كالأخ والعم، كما لا ولاية للام[11] .
ولكون اليتيم صغيراً ضعيفاً فإن ذلك قد يغري بعض المتولين على امواله من ضعاف النفوس والايمان باسائة التصرف فيها، لذلك يوجه القرآن الكريم الخطاب الى هؤلاء الاولياء، محذراً لهم من هذا التعدي الخطير.
يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [12]
وفي آية اخرى يقول تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ [13] .
ويقول تعالى: ﴿ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا
كَبِيرًا ﴾ [14] .
ومن المناسب ان نشير هنا الى أن المسؤلين والعاملين في لجان كافل اليتيم، مخاطبون بهذه الآيات الكريمة ومطالبون بالحفاظ على ما يردهم من اموال مخصصة للايتام، وان يهتموا بالدقة والاحتياط في صرفها لما فيه خير الايتام ومصلحتهم.
يمكن لكل فرد أن يقوم بواجبه تجاه يتيم واحد أو تجاه بعض الأيتام ويثاب على عمله. ولكن تشكيل المؤسسات، وتنظيم اللجان والهيئات، التي تعمل على تلبية حاجات الأيتام، وتوفير الخدمات المناسبة لهم، يساعد على ضم الجهود إلى بعضها، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة العمل، وتحقيق الأهداف بشكل أفضل. ولهذا العمل قيمة معنوية كبيرة في حل مشاكل الأيتام.
إن وجود لجنة تهتم بالأيتام، يعني وجود جهة توجه الأفراد والتجمعات نحو هذه الفئة، وتحث مختلف الشرائح على دعمها. وقد رأينا أن لجان كافل اليتيم في منطقتنا استطاعت أن تطور وتنوع الخدمات التي تقدم للأيتام. فمعظم هذه اللجان تقدم مساعدات مالية شهرية، وأخرى طارئة، فضلاً عن الإعانات الصيفية والشتوية. وتقوم بصيانة المساكن وغير ذلك.
كما أن وجود لجنة لكفالة الأيتام هو طمأنة للأيتام. فهم يشعرون أن ثمت جهة ومؤسسة ترعاهم، وتتابع شؤونهم، وهذا في حد ذاته مواساة معنوية كبيرة.
بالطبع فإن الجهود تتطور وتتكامل إذا انضمت إلى بعضها. ووجود لجنة يعني ضم كافة الطاقات والكفاءات التي يمكن أن تسهم في إنجاح هذا المشروع، مما يعني إدخال عنصر التخطيط والمشورة وهذا إرساء لأسلوب مهم في العمل.
في الوقت الذي نعرب فيه عن تقديرنا للدور الكبير الذي تقوم به لجان كافل اليتيم، حيث ملئت فراغاً هاماً، وتحملت عن المجتمع مسؤولية عظيمة، فإننا نذكّر هذه اللجان بضرورة مضاعفة الجهد، وتطوير النشاط، خاصة فيما يرتبط برفع كفاءة الأيتام، وتقدمهم على صعيد التعليم وبناء القدرات والمهارات، بمتابعة مسيرتهم الدراسية، وتشجيعهم على التميز والتفوق، ومساعدتهم في تحصيل فرص الدراسات الجامعية والعليا.
ومن ناحية أخرى الاهتمام بإحاطتهم بأجواء الرعاية التربوية، والتوجيه السلوكي، بوضع خطط وبرامج للتوعية والإرشاد، وملاحظة ما قد يطرأ على حياتهم وسلوكهم من نواقص وثغرات، من أجل المعالجة والإصلاح.
ونأمل أن يتفاعل المجتمع أكثر مع هذه اللجان (كافل اليتيم) بدعمها مالياً، وبرفدها بالعناصر المخلصة الكفوءة، والاقتراحات المفيدة البناءة، لتقوم بواجبها على خير وجه.
المنطقة | عدد الأيتام الذين ترعاهم اللجنة |
سنة التأسيس | الواردات (حسب آخر تقرير) |
المصروفات (حسب آخر تقرير) |
القطيف | 609 | 1411هـ | 1.800.000 | 1.900.000 |
صفوى | 162 | 1413هـ | 741.000 | 500.000 |
العوامية | 334 | 1414هـ | 520.000 | 610.000 |
القديح | 127 | 1414هـ | 463.726 | 457.330 |
تاروت | 242 | 1415هـ | 643.320 | 417.928 |
سيهات | 384 | 1416هـ | 901.465 | 714.508 |
الجش | 60 | 1416هـ | 90.000 | 60.000 |