نحو استثمار أفضل للعطلة الصيفية (1/2)
تتفق كل أنظمة التعليم في جميع دول العالم، على منح طلابها إجازة سنوية خلال فترة الصيف، تقارب ثلاثة أشهر يطلق عليها (عطلة الصيف)
وإقرار نظام العطلة الصيفية جاء محصلة ونتيجة لتطور تجارب المجتمع البشري، في مجال علم التربية والاجتماع.
فالدراسة الأكاديمية المنتظمة، تستلزم بذل جهد ذهني ونفسي من الطالب، وتقيّد حريته وحركته ببرنامجها اليومي الرتيب، مما يجعله في حاجة إلى فترة من الراحة، بالتوقف عن التزاماته الدراسية، وشعوره بالحرية والانطلاق.
محطة التوقف هذه أثناء العطلة الصيفية تؤدي عدة وظائف لصالح العملية التعليمية.
فهي أولاً: تعطي الطالب فرصة لتجديد نشاطه الذهني والنفسي، حتى لا يستنـزفه العناء، ولا يسيطر عليه الإرهاق والملل، فيستأنف بعدها عامه الدراسي الجديد برغبة وشوق.
ثانياً: تشكل العطلة الصيفية فاصلة بين المراحل والبرامج التعليمية، تنبه الطالب إلى حركة مسيرته الدراسية، وتجاوزه لأشواطها، ومستوى خطواته في طريقها، وتهيئه للاستعداد لكل مرحلة جديدة.
ثالثاً: تمنحه المجال لاستكمال بعض نواقصه، ومعالجة ثغرات تحصيله، ليواكب مسيرة المنهج الدراسي، ولا يتخلف عن مستوى زملائه وأقرانه.
رابعاً: تتيح الفرصة لتنمية شخصيته الإنسانية، في أبعادها المختلفة، فهو إنسان ذو مشاعر وأحاسيس، وله مواهب وقدرات، فلا بد له من أفق مفتوح أمامه، لإشباع مختلف حاجاته، وممارسة رغباته المتعددة.
لكل هذه الأغراض وأمثالها اتفقت أنظمة التعليم على إقرار العطلة الصيفية، ومن نفس المنطلق، اعتمدت أنظمة العمل في جميع الدول، حق الإجازة السنوية لكل عامل.
صحيح أن العمل ذهنياً كان كالدراسة، أو عضلياً كسائر مجالات الإنتاج، هو القيمة الأساس في الحياة، وهو يعني الفاعلية والنشاط المباشر، لتوفير المتطلبات، وتحقيق الطموحات، لكن وقت العطلة والفراغ، هو الآخر لا يخرج عن هذا الإطار، حيث يقصد منه تحديد رغبة العمل، وتنمية دوافعه، وتوفير مستوى من الارتياح والرضا النفسي.
وقت الفراغ
وهو الوقت الذي يتحرر فيه الإنسان من التزامات العمل وواجباته، أو التزامات الدراسة ووظائفها بالنسبة للطالب، وهناك عدد كبير من التعريفات والتصنيفات، وأساليب القياس لوقت الفراغ، تناولتها الدراسات المختصة.
ويمثل موضوع (وقت الفراغ) ميداناً لبحوث مكثفة من قبل علماء الاجتماع، ورغم حداثة الاهتمام بهذا الموضوع علمياً، إلا أنه سرعان ما جذب اهتمام العلماء، واستقطب جهودهم، فأصبح منافساً لكثير من فروع علم الاجتماع، مع أسبقيتها عليه.
وذلك لما لهذا الموضوع من آثار تمتد لتشمل مختلف جوانب حياة الإنسان، التربوية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية. مما جعل الاهتمام بوقت الفراغ ليس مسألة جانبية أو هامشية، بل جزءاً أساسياً من الاهتمام بشخصية الإنسان، وبالنظم الاجتماعية القائمة في الحياة المعاصرة.
وقد تبلورت ظاهرة وقت الفراغ لدى الإنسان المعاصر، في أعقاب الثورة الصناعية في مجتمعاتها، بعد أن كان العامل في عصور الإقطاع مسخّراً، لا يتمتع بشيء من حقوقه الإنسانية، فضلاً عن حق الإجازة والعطلة السنوية. وفي معظم المجتمعات البدائية والزراعية، يضطر الإنسان للاستمرار في الكدح والعمل طوال السنة، لتوفير احتياجات حياته، والتي تكاد تخلو من الفراغ بالشكل السائد اليوم.
وكشفت دراسات علماء الانثروبولوجيا، لأساليب الحياة اليومية، للمجتمعات البسيطة والتقليدية، أنه لم يكن يوجد في هذه المجتمعات خط فاصل تماماً، بين العمل والفراغ، ذلك أن العمل يستنفذ طاقاتهم، وتختلط أنشطته بأنشطة الترويح والتسلية، حيث كانوا يقومون ببعض العادات والتقاليد الترويحية أثناء العمل، كالرقص أو الغناء أو المزاح أو العمل التعاوني، و بعض هذه العادات والتقاليد كان ذا طابع ديني[1] .
لكن باحثين من علماء الاجتماع، يذهبون إلى عراقة ظاهرة وقت الفراغ، في كل الحضارات، عبر تاريخ البشر، لكنها كأي ظاهرة إنسانية أخرى تعرضت للتغيّر والتطور، حتى أصبحت الآن أكثر تقنيناً وانتظاماً، بفعل تطور الحياة، وتجارب الزمن.
ونجد في كتابات أرسطو وأفلاطون، وسائر فلاسفة اليونان، مؤشراً على وجود ظاهرة وقت الفراغ في تلك المجتمعات، حيث لم تخل تلك الكتابات من تناول هذه الظاهرة، والحديث عنها بدقة وعمق، باعتبارها فرصة للتربية، وتنمية النفس أو الروح.
على أن بعض علماء الاجتماع، يرون أن ظاهرة وقت الفراغ آنذاك، كانت محصورة في إطار الطبقة الممتازة، صاحبة المكانة الرفيعة في المجتمع الإغريقي، ولم تكن حالة عامة لدى سائر الطبقات.
أما في العصر الحديث فيتمتع كل عامل أو طالب بوجود وقت فراغ، نظراً للأنظمة السائدة في العالم، القائمة على تحديد ساعات الدراسة والعمل، وإقرار نظام الإجازات والعطل، ونظراً لتقدم مستوى المعيشة والحياة، مما جعل وقت الفراغ جزءاً من نظام حياة الناس غالباً.
الاهتمام بوقت الفراغ
في وقت مبكر اهتم فلاسفة اليونان بوقت الفراغ، وأكدوا على ضرورة توظيفه روحياً، حيث ركز أرسطو على أهمية استغلال الفراغ في الموسيقى والتأمل، انطلاقاً من رؤيته لدور الأنشطة الموسيقية في تنمية العقل وملكة التفكير، ولمحورية التأمل في بناء شخصية الإنسان وتحقيق إنسانيته.
أما في العصر الحديث فإن الاهتمام بوقت الفراغ أحرز تقدماً كبيراً، وشغل مساحة واسعة، على الصعيد المعرفي والثقافي. فمنذ العشرينيات والثلاثينيات للقرن العشرين، ظهرت كتابات ودراسات كثيرة، في أوروبا وأمريكا، عن وقت الفراغ.
وفي عام 1924م نظم مكتب العمل الدولي أول مؤتمر عالمي عن وقت فراغ العامل، شارك فيه أكثر من 300 عضو يمثلون نحو ثمانية عشر دولة.
وفي أوروبا حقق علم اجتماع الفراغ تقدماً كبيراً، إذ عمل (جورج فريدمان) بوجه خاص، على تنمية الاهتمام بدراسة دور الفراغ في إعادة وضع الإنسان، وتكييفه مع الحضارة التي تسيطر عليها التكنولوجيا.
وفي إنجلترا كان للدراسة التي أجراها كل من (روانتري) و(لافيرز) بعنوان (حياة الإنجليز والفراغ) أثرها في توجيه الاهتمام نحو تحرير عدد من المقالات السوسيولجية، والبحوث المتخصصة. كما بدأ (جو فردي مازدييه) في هولندا بحوثه عام 1953م لعل أهمها أطلق عليه (نحو حضارة الفراغ) وكذلك دراسته بعنوان (الفراغ الحضري) [2] .
رؤية دينية
يمكننا أن نستخلص من النصوص والتعاليم الدينية، رؤية عميقة شاملة للدين، حول موضوع وقت الفراغ، وتعالج هذه الرؤية قضية الفراغ من ثلاث زوايا:
الأولى: تنمية حسّ المسؤولية تجاه الزمن، والحرص على الوقت، باعتبار محدودية عمر الإنسان، وأهمية طموحاته وتطلعاته، وعظيم الطاقات والقدرات التي يختزنها، مما ينبغي أن يحفزه على استغلال كل لحظة من وجوده، بأفضل ما يمكن.
إن ما يعيشه الإنسان من عمر في هذه الحياة يبدو قصيراً، قياساً إلى عمر الزمن، وإلى آمال الإنسان، ورغبته في الخلود، وهذا ما تعبّر عنه آيات عديدة في القرآن الكريم، تحكي عما يدور في نفس الإنسان تجاه الحياة بعد مغادرتها. يقول تعالى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ﴾[3] . ويقول تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ﴾[4] .
ويحكى عن شيخ المرسلين نوح : أنه جاءه ملك الموت ليتوفاه بعد أكثر من ألف سنة عاشها قبل الطوفان وبعده، فسأله: يا أطول الأنبياء عمرا، كيف وجدت الدنيا؟ فقال: كدار لها بابان، دخلت من أحدهما، وخرجت من الآخر.
إن ما يخسره الإنسان من ماله وسائر ممتلكاته ومكاسبه يمكن تعويضه، والتوفّر على بدائله، لكن الوقت هو الشيء الذي لا يعوّض ما فات منه، ولا يمكن تداركه، فكل لحظة تمضي لا تعود، وكل يوم ينقضي لا يرجع. فهو رصيد محدود، ورأس مال نادر، بل هو رأس المال الحقيقي للإنسان، فلا بد من الحفاظ عليه، والاستفادة منه بأعلى حد ممكن.
وفي الحقيقة فإن الوقت هو الحياة يقول الإمام علي : «إنما أنت عدد أيام، فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك» ويقول : «ما نقصت ساعة من دهرك إلا بقطعة من عمرك». وقال الشاعر:
كل يوم يمر يأخذ بعضي يورث القلب حسرة ثم يمضي
وقال شاعر آخر:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى جزء من العمر
وروي عن رسول الله أنه قال: «كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك»[5] .
وتنبيهاً للإنسان على أهمية الزمن يقسم الله تعالى في القرآن الكريم بالعديد من الفواصل والمحطات الزمنية، كما في الآيات التالية:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾[6]
﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ﴾[7] .
﴿وَالضُّحَى وَاللَّيل إذَا سَجَى﴾[8] .
﴿وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾[9] .
هذه النصوص والتعاليم تربي الإنسان على احترام الوقت والاهتمام باستغلاله، وأن يتصرف فيه بمسؤولية وتقدير، ليستطيع تحقيق أكبر قدر من الإنجازات والمكاسب.
فهو مسؤول أمام الله تعالى عن تعامله مع أوقات حياته، ورد عن معاذ بن جبل أن النبي قال: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه. . . » رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح.
وكما يهتم الإنسان باحترام وقته واستثماره، عليه أن يحترم أوقات الآخرين، فلا يكون سبباً في تضييعها وإهدارها بعدم الالتزام في المواعيد، والزيارة في الأوقات غير المناسبة لهم، وإطالة اللقاء والحديث دون فائدة أو غرض. إن احترام الوقت هو أحد أهم مقاييس التقدم للأفراد والمجتمعات.
تنوع المهام والأبعاد
هذه هي الزاوية الثانية من الرؤية الدينية لوقت الفراغ، فالإنسان كائن مميّز، لشخصيته أبعاد مختلفة، فهو مادة وروح، نفس وجسد، وهو مواطن في عالمين: الدنيا والآخرة، له مصالحه الفردية وارتباطاته الاجتماعية، يتمتع بقدرات ذهنية عقلية وقوى عضلية بدنية. .
هذه الأبعاد المختلفة لشخصيته تجعله متنوع الأدوار والمهام، بسبب تنوع قدراته وطاقاته، وإذا ما حصر الإنسان نفسه ضمن بعد واحد، فإنه يئد ويكبت سائر الجوانب والأبعاد.
كما أن استغراق الإنسان لوقته في عمل واحد، قد ينتج عنه الملل والسأم، لذلك تنصح التعاليم الدينية بأن يقسّم الإنسان وقته على وظائفه ومهامه المختلفة، لتنمية شخصيته في مختلف الأبعاد، وتلافياً للتعب والملل. فيكون وقت الفراغ من عمل، فرصة للانتقال إلى عمل من نوع آخر.
وحتى في العبادة المستحبة، لا ينصح الدين بالاستغراق فيها إلى حد فقدان الرغبة والنشاط، ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة عنه أنه قال: «يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يَمَلّ حتى تَمَّلوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دُووم عليه وإن قل»[10] وفي حديث آخر عن أنس عنه : «ليصلّ أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فَتَرَ قعد»[11] .
ومما رواه النبي عن صحف إبراهيم : «ينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر في صنع الله عزوجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب» رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد كما في الترغيب[12] .
وروي عن الإمام موسى الكاظم أنه قال: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات»[13] .
من خلال هذه الرؤية تصبح العطل والإجازات من الدراسة والعمل، فرصة لتنمية أبعاد أخرى في شخصية الإنسان، وللقيام بأدوار ومهام في ميادين وحقول ثانية.
إن الله تعالى يخاطب نبيه محمداً بقوله: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ. وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ﴾[14] إي إذا فرغت من مهمة ودور، فانتصب لمهمة أخرى، ودور آخر.
إن لكل جهة في حياة الإنسان حقوقاً ومستلزمات، فلا يصح أن يستهلك جهده في جهة واحدة على حساب بقية الجهات، روي عن النبي أنه قال: «إن لبدنك عليك حقا، وإن لاهلك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا».
مشروعية الترويح
أما الزاوية الثالثة فهي ما تشير إليه النصوص والتعاليم الدينية، من مشروعية الترويح عن النفس، وممارسة بعض البرامج الترفيهية.
تجاه وقت الفراغ وطريقة التعامل معه، نجد أمامنا ثلاثة اتجاهات:
1/ يتمثل الأول في النظرة الجادة للوقت، ورفض التفريط بأي ساعة من ساعاته خارج إطار العمل، وتحمل الالتزامات والمسؤوليات. ولعلنا نجد في حماس اليابانيين للعمل، وعدم رغبتهم للتعطيل، والاستفادة من الإجازات، نموذجاً لهذا الاتجاه، حتى أن نسبة من الوفيات لديهم تحصل بسبب إرهاق العمل، ذكر (ميشيل البير) في كتابه (الرسمالية ضد الرأسمالية): أن 10٪ من الذكور البالغين الذين يموتون في اليابان كل عام، يقتلون أنفسهم بكثرة العمل، و يحصل اليابانيون على أسبوع واحد إجازة في السنة، واقترحت الحكومة اليابانية تخفيض ساعات العمل من 44 ساعة إلى 42 ساعة أسبوعيا، ولكن الأكثرية من الشعب تخالف هذا الاقتراح.
2/ أما الاتجاه الثاني فعلى العكس من ذلك، حيث ينظر إلى الفراغ والتحلل من واجبات العمل، كهدف وطموح، ويتعاطى مع الالتزامات العملية، كحالة اضطرارية قسرية، يبحث عن أي فرصة للتهرب منها. والتقارير التي تتحدث عن ضعف مستوى الإنتاجية لدى شعوب الدول النامية، مؤشر على شياع هذا الاتجاه فيها.
إن بعض العمال والموظفين يختلق المبررات لأخذ الإجازة للتغيب عن العمل، ويأتي متأخراً عن وقت الدوام، ويخرج قبل انتهائه، وأثناء وقت العمل، يصرف وقتاً كثيراً في قضاياه الشخصية، من شرب الشاي، أو محادثة الزملاء، أو التكلم تليفونياً، وما أشبه ذلك من الظواهر المؤسفة الشائعة، والتي بسببها يتدنى الإنتاج، ويتأخر إنجاز الأعمال.
3/ والاتجاه الثالث يتبنى نظرة تكاملية تعتبر الفراغ وجهاً آخر لعملة العمل، فهما جانبان متفاعلان يُثري كل منهما الآخر.
ففي وقت الفراغ، يمارس الإنسان بعض برامج الترويح والترفيه عن النفس، بهدف تجديد النشاط، وإراحة الأعصاب، وتنفيس ضغوط العمل وصعوباته.
ونجد في التعاليم الدينية إقراراً لمشروعية الترويح والترفيه عن النفس. فقد روي عن النبي قوله: «روحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت».
وعن الإمام علي : «إن للقلوب شهوة وإقبالا وإدبارا، فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها». وفي كلمة أخرى يقول : «إن هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم».
والقرآن الكريم يوجهنا إلى التأمل في الطبيعة، والاستمتاع بجمالها، والتفكر في عظمة الخالق المبدع. .
كما وردت نصوص دينية كثيرة في التشجيع على الأسفار والرحلات، وتجيز الفكاهة والمزاح المناسب، وتحث على الرياضة، من سباحة و ركوب خيل، وسباق وغير ذلك.
لقد أصبح واضحاً في المجتمعات الحديثة تأثير وقت الفراغ في مستوى العمل، فإزداد الاهتمام ضمن العمل بساعات الترفيه وفترات الراحة والإجازات، من أجل أن يتمتع العامل بوقت فراغه، بصورة تنعكس إيجابياً على أدائه للعمل.
إن برامج الترويح عن النفس مصدر حيوية ونشاط، ودافعيه للإنجاز، وهو ما أشار إليه حديث الإمام موسى الكاظم بقوله: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات»[15] .
فساعة الترويح عن النفس، تجدد نشاط الإنسان وقدرته على أداء مهامه واواجباته، في الأبعاد المختلفة.