ليلة النصف من شعبان
تؤدي المناسبات الاجتماعية العامة دوراً ايجابياً كبيراً في حياة المجتمعات، ونقصد بها تلك المناسبات التي يتوافق أبناء المجتمع على إحيائها والاحتفال بها، ضمن برامج عامة، يشترك فيها الجميع، بأحاسيس ومشاعر موحدة الاتجاه.
ومن أبرز ما تحققه هذه المناسبات في الحياة الاجتماعية ما يلي:
أولاً: تأكيد هوية المجتمع، فهي غالباً ما تكون منبثقة من معنى ديني، يؤمن به المجتمع، أو تخليداً لحدث وتحوّل في تاريخه، أو تقديساً لرمز من رموزه، أو تحكي عن تفاعل المجتمع مع بيئته واهتماماته.
ثانياً: خدمة تماسك المجتمع عبر التمحور حول توجهات واحدة، والاشتراك في مشاعر موحدة، وما تفرضه برامج الاحتفاء بالمناسبة من تعاون وتفاعل عام.
ثالثاً: تجديد حيوية المجتمع، ببعث حالة من الحركة والنشاط الاجتماعي، وبإضفاء جو من الأمل والبهجة في النفوس، وكذلك بروز المواهب والطاقات من خلال إبداعاتها وإنجازاتها في الاحتفاء بالمناسبة.
من هنا لا تكاد تخلو حياة مجتمع بشري من وجود هذه المناسبات، مع تفاوت في منطلقاتها، وبرامج إحيائها.
فهناك مثلاً عيد أول مايو، الذي تحتفي به مجتمعات غربية كثيرة، ويتحول إلى مناسبة اجتماعية عامة، وهو أول أيام الربيع بعد انتهاء الشتاء، ومنذ العصور الوسطى كان الأوربيون يحتفلون بهذه المناسبة، ويجمعون الأزهار لتزيين بيوتهم وكنائسهم، ويغنون أغاني الربيع، ويتبادلون الهدايا، ويقيمون سارية مايو يرقصون حولها، ممسكين بأطراف أشرطة قماشية تتدلى منها، ويظلون يلفونها حول سارية مايو حتى يتم كساؤها بمزيج من الألوان الزاهية.
وفي فرنسا يأخذ هذا العيد بعداً دينياً، إذ يعتبر الفرنسيون شهر مايو شهراً مقدساً عند مريم العذراء. فكانوا يتوجون صغار الفتيات ملكات في الكنائس ليخرجن بعد ذلك في موكب تشريفاً لمريم العذراء.
ويحتفل الأطفال في كثير من المدن والضواحي الأمريكية بعودة الربيع بالرقص والغناء، وتقام هذه الاحتفالات في الحدائق والمدارس، وغالباً ما يقومون بجمع الأزهار ووضعها في سلال يصنعونها من الورق بأيديهم، ثم يعلقونها على مقابض أبواب بيوت أصدقائهم وجيرانهم صبيحة أول مايو.
وأخيراً أصبح أول مايو عيداً للعمال، وإجازة رسمية لهم في أغلب دول العالم، وهناك عيد رأس السنة الميلادية، الذي تحتفل به الشعوب الغربية والمسيحية بشكل عام، وتعكس وسائل الإعلام برامجه الرسمية والشعبية المختلفة في البلدان. وتشمل العادات الحديثة في رأس السنة لدى الغربيين وبعض الشعوب الأخرى زيارة الأصدقاء والأقارب، وتبادل الهدايا، وحضور الشعائر الدينية.
وفي بلجيكا يكتب الأطفال رسائل لوالديهم على ورق مزخرف، ويقومون بقراءتها لعائلاتهم. وفي اليابان يشغل عدد كبير من الناس أنفسهم بالعبادة في عيد رأس السنة، ويحتفل الناس بالعيد في العديد من المنازل اليابانية عن طريق التنظيف الطقسي للمنازل، وإقامة الولائم، وتبادل الهدايا والزيارات، وقد يعلق حبل مقدس فوق مدخل المنزل لإبعاد الأرواح الشريرة.
ويذهب عدد كبير من الناس إلى حفلات رأس السنة، وعند منتصف الليل تقرع الأجراس، وتطلق الصفارات والألعاب النارية، ويصيح الجميع (كل عام وأنتم بخير) [(1)].
النصف من شعبان
وفي المجتمعات الإسلامية هناك مناسبات اجتماعية دينية يحتفي بها المسلمون جميعاً بمختلف مذاهبهم، وفي جميع بلدانهم، هي عيدا الفطر والأضحى، وهناك مناسبات يحتفي بها بعض المسلمين، إما لثبوت شرعية الاحتفاء بها في مذهبهم، وإما لارتباطها بشأن وطني، أو إرث اجتماعي.
ومن تلك المناسبات البارزة التي تحتفي بها مجتمعات إسلامية كثيرة، هي ليلة النصف من شعبان، وللاحتفاء بهذه الليلة نوعان من البرامج: برامج تعبدية، كالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن، وبرامج اجتماعية كالاحتفالات العامة، وتزيين المنازل والأماكن، وخروج الأطفال مجاميع وزرافات، ينشدون أراجيز خاصة بالمناسبة، ويستقبلهم أرباب المنازل بتوزيع الحلويات والهدايا عليهم.
ويطلق على عادة خروج الأطفال ليلة النصف من شعبان ومثلها ليلة النصف من رمضان، وتوزيع الهدايا عليهم مصطلح (كريكعان)، في بعض مناطق الخليج وفي الأمارات العربية يسمونه (حق الليلة)،وفي سلطنة عمان تسمى (القرنقشوه) أو (الطلبة)، وتسمى أيضاً (طاب طاب)، وفي البحرين تسمى (كرنكعوه)، وفي الساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية تسمى (الناصفة) و(كريكشون)و (حل وعاد)، وفي الكويت تسمى (كريكعان) [(2)].
ويسجل الإمام الشيخ محمود شلتوت (شيخ سابق للجامع الأزهر) صورة عن الاحتفاء الديني بليلة النصف من شعبان في كتابه (من توجهات الإسلام) بالشكل التالي:
«جرت عادة المسلمين في عهودهم الأخيرة أن يحتفلوا بليلة النصف من شعبان احتفالاً دينياً، نرى مظهره في المساجد وفي البيوت. ففي المساجد يجتمعون عقب صلاة المغرب، ويصلون صلاة خاصة تعرف باسم صلاة النصف من شعبان، ثم يقرءون بصوت مرتفع سورة معينة هي سورة (يس)، ثم يبتهلون كذلك بدعاء يعرف بدعاء (ليلة النصف)، ويكررون ذلك ثلاث مرات، أولاها بنية طول العمر، والثانية بنية دفع البلاء، والثالثة بنية الغنى. أما في البيوت فهم يهتمون اهتماماً خاصاً بتهيئة طعام يجتمع عليه جميع أفراد الأسرة بعد صلاة العشاء»[(3)].
ويرى الشيخ شلتوت أن هذه البرامج العبادية لم تثبت نصوص شرعية بحقها، ولكنه لا يرى مانعاً من الاحتفاء بها احتفالاً قومياً على حد تعبيره، يقول ما نصه:
«وإذا كان للناس أن يحتفلوا بليلة النصف من شعبان، فلهم أن يحتفلوا بها احتفالاً قومياً تاريخياً على ما ذهب إليه كثير من المؤرخين من أنها الليلة التي وجه المسلمون فيها من بيت المقدس إلى الكعبة»[(4)].
الجذور الدينية
يبدو أن الاحتفاء بليلة النصف من شعبان لم يحدث من فراغ، وليس مجرد عادة اجتماعية، وموروث شعبي، بل إن له جذوراً دينية يمكن تلمسها عبر النقاط التالية:
أولاً: الروايات والأقوال الواردة عن أئمة السلف حول فضل هذه الليلة، ومكانتها عند الله سبحانه وتعالى.
وقد أشار أغلب المفسرين عند تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ. فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[(5)] إلى وجود رأي بأن تلك الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن، وفيها يفرق كل أمر حكيم، هي ليلة النصف من شعبان. والراجح أن المقصود بتلك الليلة هي ليلة القدر، لكن وجود هذا الرأي ينبئ عن ما ارتكز في الأذهان من فضل هذه الليلة، وفي سياق هذا الرأي تحدث أكثر من عالم ومفسر عن ما ينقل ويروى عن مكانة هذه الليلة.
قال الزمخشري (467-538هـ) في تفسيره: (والليلة المباركة: ليلة القدر. وقيل: ليلة النصف من شعبان، ولها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة الرحمة. . وقيل في تسميتها: ليلة البراءة، والصك: إن البندار إذا استوفى الخراج من أهله كتب لهم البراءة، كذلك الله عز وجل يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة. وقيل: هي مختصة بخمس خصال: تفريق كل أمر حكيم، وفضيلة العبادة فيها: قال رسول الله : «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك: ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشر يدفعون عنه مكايد الشيطان». ونزول الرحمة: قال : «إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب» وحصول المغفرة: قال : «إن الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق للوالدين، أو مصر على الزنا وما أعطي فيها رسول الله من تمام الشفاعة، وذلك إنه سأل ليلة الثالث عشر من شعبان في أمته، فأعطي الثلث منها، ثم سأل ليلة الرابع عشر فأعطي الثلثين، ثم سأل الخامس عشر فأعطي الجميع، إلا من شرد عن الله شراد البعير. ومن عادة الله في هذه الليلة: أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة. والقول الأكثر: أن المراد بالليلة المباركة ليلة القدر»[(6)].
وذكر نحو ذلك وزيادة السيد الآلوسي البغدادي في تفسيره (روح المعاني)، وكذلك الفخر الرازي في (التفسير الكبير)، وأبو حفص عمر بن علي الدمشقي الحنبلي في تفسيره (اللباب في علوم الكتاب). كما أشار إلى هذا الرأي الشوكاني في تفسيره (فتح القدير)، وكذلك الطبري في تفسيره، والبغوي في تفسيره (معالم التنزيل). وغيرهم كثير من المؤلفين.
أحاديث وروايات
ثانياً: الأحاديث المروية عن رسول الله في فضل ليلة النصف من شعبان، وفضل العبادة فيها، وإن كان كثير من علماء السنة يتحفّظ على صحة أسانيد كثير منها، إلا أن هناك من يأخذ بعض تلك الروايات بعين الاعتبار، كما أن مصادر الحديث عند الشيعة قد أوردت نصوصاً وروايات عن أئمة أهل البيت ، في فضل ليلة النصف من شعبان، وفضل الأعمال الصالحة فيها.
وكنماذج نذكر بعض الأحاديث الواردة في مختلف المصادر:
أفرد ابن ماجة القزويني في سننه باباً تحت عنوان: (باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان) جاء فيه مسنداً إلى علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله : إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا، فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا، حتى يطلع الفجر.
وبسنده عن عائشة قالت: فقدت النبي ذات ليلة، فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلى السماء، فقال يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت: قلت وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك. فقال: إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب.
وبسنده عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله قال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن[(7)].
بالطبع لا بد من تأويل نزول الله تعالى بنزول رحمته ولطفه لتنزيه الله تعالى عن التجسيم والتشبيه.
وقد أورد بن حنبل في مسنده حديث عائشة المذكور[(8)].
وجاء في كنز العمال عن عائشة: عنه : «إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم عليه»[(9)].
وفيه عن أبي ثعلبة الخشني: عنه : «إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه»[(10)].
وقريب منه حديث رقم 7461 ورقم 7462 عن أبي بكر، وآخر رقم 7463 عن أبي موسى، ورقم 7464 عن معاذ، ورقم 7465 عن ابن عمرو.
ومما جاء في كنز العمال حول ليلة النصف من شعبان، حديث رقم 34713، عن عائشة وابن عباس عنه : «إن الله تعالى يلحظ إلى الكعبة في كل عام لحظة، وذلك في ليلة النصف من شعبان، فعند ذلك تِحنُّ إليها قلوب المؤمنين. »
وذكر في باب فضل الأزمنة، حول تعبد رسول الله ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث ضمن الأرقام التالية: 38290/38291/38293.
وهناك عدة أحاديث في مختلف المصادر، وإذا كان هناك نقاش عند علماء أهل السنة حول مدى صحة وقوة هذه الأحاديث، فإن ورودها من طرق مختلفة، وفي مصادر عديدة، أوجدت اهتماماً في النفوس بهذه الليلة الكريمة.
أما في مصادر الشيعة، فهناك عدد كبير من الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت حول فضل ليلة النصف من شعبان، واستحباب التعبّد فيها.
منها ما نقله الوسائل بسنده عن بن فضال قال: سألت علي بن موسى الرضا عن ليلة النصف من شعبان؟ فقال: هي ليلة يعتق الله فيها الرقاب من النار، ويغفر فيها الذنوب الكبار، قلت فهل فيها صلاة زيادة على صلاة سائر الليالي؟ فقال: ليس فيها شيء موّظف، ولكن إن أحببت أن تتطوع فيها بشيء فعليك بصلاة جعفر بن أبي طالب، وأكثر فيها من ذكر الله والاستغفار والدعاء، فإن أبي كان يقول: الدعاء فيها مستجاب. قلت: إن الناس يقولون: إنها ليلة الصكاك؟ قال: تلك ليلة القدر في شهر رمضان[(11)].
وبسنده عن جعفر بن محمد الصادق قال: سئل الباقر : عن فضل ليلة النصف من شعبان؟ فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله فيها، فإنها ليلة آلى الله على نفسه أن لا يرد سائلاً له فيها ما لم يسأل معصية[(12)].
وعن زيد بن علي قال: كان علي بن الحسين يجمعنا جميعاً ليلة النصف من شعبان، ثم يجزئ الليل أجزاء ثلاثة، فيصلي بنا جزءاً، ثم يدعو فنؤمن على دعائه، ثم يستغفر الله ونستغفره، ونسأله الجنة حتى ينفجر الفجر[(13)].
تحويل القبلة
ثالثاً: ذكر عدد من المؤرخين ورواة السيرة النبوية أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة كان في الخامس عشر من شعبان، في السنة الثانية للهجرة، ويوافق نوفمبر 623م. وهناك قول أن ذلك منتصف شهر رجب، قال الجمهور الأعظم، إنما صرفت في النصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة[(14)] وبه قال ابن حبيب وذكره النووي في (الروضة) [(15)].
ولا شك أن تحويل القبلة كان حدثاً هاماً في الدعوة الإسلامية، ووقوعه في هذا اليوم يعزز مكانة هذا اليوم، ويجعله حريّاً بالاحتفاء والتكريم، كما تحدث الشيخ محمود شلتوت فيما نقلنا عنه سابقاً.
ولادة الإمام المهدي
رابعاً: مما اتفق عليه المسلمون أن رسول الله بشّر أمته بخروج رجل من ولده من نسل فاطمة الزهراء، آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، هو الإمام المهدي المنتظر.
وقد أخرج الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة عدة أحاديث عن خروج الإمام المهدي وعنونها بعنوان: (خروج المهدي حقيقة عند العلماء) ومن الأحاديث التي أوردها قوله : «لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدوناً، ثم يخرج رجل من عترتي، أومن أهل بيتي، يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً» أخرجه أحمد (3/36) وابن حبان (1880) والحاكم (4/557) وأبو نعيم في الحلية (3/101) وقال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأشار إلى تصحيحه أبو نعيم[(16)].
وأفرد أبو داوود فصلاً في سننه بعنوان (كتاب المهدي) ذكر فيه أحد عشر حديثاً منها حديث سعيد بن المسيّب عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله يقول: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»[(17)].
وقد اتفق علماء الشيعة على أن الإمام المهدي الموعود ولد ليلة النصف من شعبان سنة 255هـ، الموافق سنة 868م. وأبوه الإمام الحسن بن علي العسكري، وأمه نرجس، وكانت ولادته في مدينة (سر من رأي) في العراق.
ولا شك أن ولادة هذا الإمام العظيم، الذي أعدّه الله لدور عظيم، حدث يستحق الاحتفاء والاهتمام، وهو ما يدفع جمهور الشيعة ويبعثهم للاحتفال بهذه الليلة المباركة.
برامج الاحتفاء
هناك ثلاثة ألوان من برامج الاحتفاء بليلة النصف من شعبان، تتكامل فيما بينها لاستثمار هذه الليلة المباركة فيما ينفع المجتمع ويفيده:
الأول: هو البرامج العبادية، التي توجه الإنسان للإقبال على ربه، واستشعار العبودية له، ولتجديد عهود الطاعة والالتزام بأوامره، وطلب المغفرة والخير منه تعالى.
وذلك عبر الصلاة، والمناجاة والدعاء، وتلاوة القرآن الكريم، وتجديد الولاء لنبي الإسلام وأهله الكرام، بزيارتهم والصلاة والتسليم عليهم.
وقد ذكرت كتب الشيعة المختصة بالأدعية والأذكار، مجموعة من الأعمال الصالحة والمستحبة، لإحياء هذه الليلة المباركة بالعبادة والتهجد.
الثاني: برامج التوعية والإرشاد، حيث تقام الاحتفالات ومجالس الخطابات والمحاضرات، لتبيين هدي الإسلام، والحديث عن قضية الإمام المهدي ، وبشارة الرسول بخروجه، وعرض قصة ولادته وسيرته، ومعالجة قضايا الدين والمجتمع.
الثالث: العادات والتقاليد الاجتماعية في إحياء هذه المناسبة بالتواصل، وتبادل التبريكات والتهاني، وزيارة الأقرباء والأرحام، وتقديم الهدايا للأطفال الذين يجوبون الأحياء، ويقصدون المنازل، مما يخلق أجواء البهجة والسرور في سماء المجتمع، ويغرس في نفوس الأبناء حب دينهم ومجتمعهم، ويربيهم على الارتباط والانشداد بتاريخهم وتراثهم.
ولا بد هنا من التنبيه والتحذير مما قد تقوم به بعض العناصر غير المنضبطة من الشباب، من ممارسات طائشة منحرفة، في مثل هذه المناسبات الاجتماعية، كما لوحظ في السنوات الأخيرة، من التعرض للنساء والفتيات، أو الاعتداء على بعض الممتلكات، أو التفحيط بالسيارات، وقيادة الدراجات النارية بسرعة كبيرة وبأصوات مزعجة. . وما أشبه من التصرفات الخاطئة الضارة، التي تسبب الإضرار بالفرد والمجتمع، وتعكّر صفو الاحتفاء بهذه الليلة المباركة، وتعطي صورة مشوهة عن المجتمع وتقاليده.
إن على العوائل تنبيه أبنائها إلى الابتعاد عن مثل هذه التصرفات، ومراعاة الآداب العامة، وأن تلتزم الفتيات بالحجاب الشرعي، والحفاظ على العفة والاحتشام، وإلاّ فلا يجوز خروجهن بحجة الاحتفاء بهذه المناسبة، لأن رعاية أحكام الدين، وصيانة العرض هو الأهم.
وعلى المعلمين في المدارس إرشاد طلابهم في اليوم السابق للمناسبة، ليتحلّوا بالأخلاق والآداب الفاضلة، ولا يستجيبون لدعوات أقران السوء والعناصر الطائشة.
ولا بد من خلق جو عام في أوساط المجتمع، وخاصة الشباب ضد مثل هذه التصرفات، لأن التفرج عليها والسكوت عنها يجعلها مرشحة للاستمرار والاتساع.
كما أن وجود المبادرات الطيبة باستقطاب الشباب ضمن أكبر قدر ممكن من البرامج الجذّابة والشيقة للاحتفاء بالمناسبة، هو البديل الأفضل.