الشيخ الصفار يؤكد أن سياسة الإمام علي (ع) الالتزام بالمبادئ والقيم
بدأ الشيخ الصفار حديثه بتقديم التهاني والتبريكات بمناسبة ذكرى عيد الغدير المبارك، مؤكداً أنه يوم مهم في تاريخ الإسلام، وأن المسلمين اتفقوا على ثبوت الحدث الكبير بالاجتماع الذي عقده رسول الله بعد رجوعه من حجة الوداع وعند مفترق الطرق وفي منطقة يقال لها (غدير خم) وكان معه –حسب اختلاف الروايات- ما بين (90 – 140) ألف حاج.
واستطرد الشيخ الصفار في ذكر بعض تفاصيل هذا الحدث، حتى وصل إلى ذكر الخطبة التي خطبها الرسول الأعظم في ذلك الموقف المهيب، حيث جاء فيها: ««ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: اللهم بلى يكررها ثلاثاً ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأد الحق معه حيثما دار».»
وتطرق الشيخ الصفار إلى بعض مفردات هذه الخطبة، فقال: السؤال الذي بدأ به الرسول خطبته: ««ألست أولى بكم من أنفسكم؟»» يعني:أن سيطرتي عليكم مقدمة على سيطرتكم على أنفسكم، وفيها إشارة إلى ولاية الرسول على الناس. والفقرة التي تلت هذا التساؤل: ««من كنت مولاه فعلي مولاه»»، يؤكد فيها الرسول أن ولاية الإمام علي على الناس بعد الرسول هي بنفس درجة ولاية الرسول على الناس في حياته.
وذكر الشيخ الصفار أن الشيخ الألباني «محدث المدرسة السلفية في هذا العصر» دافع عن صحة هذا الحديث في كتابه: «سلسلة الأحاديث الصحيحة» في المجلد الرابع، حديث رقم (1750) حيث أثبت روايته عن عشرة من الصحابة، بثلاثة وعشرين طريقاً، واستغرق تعداده لتلك الطرق أربعة عشر صفحة من 330 إلى 344، ويقول المحدث الألباني: وللحديث طرق أخرى كثيرة منها الهيثمي في (المجمع) (9/103-108) وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها، مما يقطع الواقف عليها، بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ بن حجر: منها صحاح ومنها حسان.
وأشار الشيخ الصفار إلى الخلاف الذي حصل بين المسلمين في فهم هذا الحديث، فالشيعة، وهم أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، يفهمون أن هذا نص صريح في تنصيب الإمام علي بعد رسول الله ، أما غيرهم من المسلمين فيفهمون أن هذا الأمر لا يعدوا عن كونه بيان لمكانة الإمام علي وفضله، ووجوب محبته ومودته.
وأضاف الشيخ الصفار: الإنسان الموضوعي في قراءته لهذا الحدث، مع دمج الأحاديث الأخرى التي تبين مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) كحديث الثقلين، وبدراسة ظروف الواقعة، وكذلك ما تناقل عن الأصحاب من تهنئتهم للإمام علي حتى قال الخليفة عمر: بخ بخٍ لك يا علي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمنٍ ومؤمنة، من خلال هذا كله يتضح بجلاء النص على ولاية الإمام علي وأحقيته بالإمامة، وأما ما يفهمه الآخرون فهم أحرارٌ في فهمهم وحسابهم على الله، فليس من حق أي أحدٍ أن يُحاسب الآخرين على أفكارهم ومعتقداتهم.
وتحدث الشيخ الصفار عن موقعية الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب مؤكداً أن الإمام لا ينظر إلى مسألة الخلافة إلا من خلال المصلحة العامة للدين والأمة.
وأضاف الشيخ الصفار: وحيث أن الدنيا لا قيمة لها عند الإمام علي ، فإن الخلافة والمنصب، والتي هي متعةٌ من متع الدنيا، لا تمثل شيئاً عند الإمام علي ، كيف لا وهو القائل: ««والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإن دنياكم عندي أهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيمٍ يفنى، ولذةٍ لا تبقى»»، وأكد أن الإمام علي يريد بقوله هذا أن يُعطي قاعدةً للطامحين للمناصب والسلطة بأن الوصول إلى المنصب يجب أن يكون عن الطريق الشرعي الصحيح، مؤكداً أن سيرة الإمام علي ونهجه خير شاهدٍ على ذلك، فلو أراد الإمام استخدام منطق القوة والعنف للوصول للحكم لحقق ذلك، وهو القائل: «لو اجتمعت عليَّ العرب والعجم ما وليت منهم فراراً»، ولكنه أبى إلا أن يكون النموذج الأمثل في تكريس المبادئ والقيم، وإن كان ذلك على حساب فوات فرص الوصول إلى الخلافة والحكم. وهذا ما حصل بالفعل فقد استغنى الإمام علي عن الخلافة بعد مقتل الخليفة عمر، حيث رفض شرط الالتزام بسيرة الشيخين حين عرض عليه في الشورى: إنا نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فقال: على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي. وحتى بعد مقتل الخليفة عثمان أعلنها صريحةً بقوله: «دعوني والتمسوا غيري».
وقد جسّد الإمام علي في خلافته أرقى الصور لما يجب أن يكون عليه الحاكم المبدئي، وللإمام العديد من الكلمات النورانية التي ينبغي أن يتمعّن فيها كل أصحاب المواقع والسلطة. يقول : ««والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولو لا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس»»، ويقول : ««يا أهل الكوفة، أتروني لا أعلم ما يُصلحكم؟ بلى، ولكني أكره أن أصلحكم بفساد نفسي»»، ويقول : ««قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين»».
وتحدث الشيخ الصفار عن بعض الصور والمشاهد من حياة أمير المؤمنين والتي تبرز هذه القناعة عنده ، معقباً حديثه بقوله: نحن حينما نصر على ولاية الإمام علي وندفع ضريبة على ذلك ما نُقاسيه على مر التاريخ، لأننا نؤمن بأنه ليس هناك شخصية كشخصية الإمام علي بعد رسول الله ، وليس هناك صفاء ونقاء في الشخصية كما هو الحال في شخصية الإمام علي ، فهل يحق لأحدٍ بعد هذا أن يلومنا على ولايتنا لأمير المؤمنين .
وأضاف الشيخ الصفار: إن ولاية أمير المؤمنين تعني الالتزام بسيرته ومنهجه، مستنكراً ما يقوم به البعض من ظلم واضطهادٍ لمن هم أضعف منهم، ومع ذلك يُعلنون أنهم ينتمون إلى مدرسة الإمام علي ، في حين أن مدرسة الإمام علي بريئة من كل أساليب الظلم والاضطهاد.
وأشاد الشيخ الصفار بالمواقف الإيمانية المبدئية الواعية للقيادة المرجعية في العراق، هذه المواقف التي تُعتبر انعكاساً لسيرة الإمام علي في حياة هؤلاء القادة. وفي المقابل هناك من يشهر سلاح الإرهاب والبطش، ومع الأسف يُعلنون أنهم مسلمون، والإسلام بريءٌ من كل هذه التصرفات.