لنعرف قدر زوجاتنا
القطيف: تركي مكي عليسماحة الشيخ الصفار يدعو الرجال لتقدير زوجاتهم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه الطيبين
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار الرجال لتقدير زوجاتهم، وأن تكون معاشرتهم لهنَّ على أساس مبدأ المعروف الذي تؤكده الآيات القرآنية والنصوص الدينية، مشيراً إلى مظاهر المعاشرة بالمعروف، ومؤكداً على المسؤولية الشرعية للرجل تجاه إساءة زوجته والتي تتمثل في استيعاب هذه الإساءة باعتباره رباً للأسرة، وقائداً لهذه المؤسسة العائلية. وطالب الرجل بأن يتفهم حقه الشرعي على زوجته والذي يتمثل في حق الاستمتاع الجنسي، وعدم خروج زوجته بدون إذنه، فقط. واستنكر الشيخ الصفار في كلمته التي ألقاها ظهر الجمعة 30 شوال 1426هـ (2ديسمبر 2005م) تلك المظاهر التي بدأت تنتشر في المنطقة والمتمثلة في التعامل القاسي من قبل بعض الأزواج تجاه أزواجهم مؤكداً أن ذلك لا يُنتج إلا أولاداً معقدين نفسياً، مؤكداً على مسؤولية الرجل في كظم غيظه، وإن بدا من زوجاتهم سوءاً وليحتسب ذلك عند الله تعالى.
وفيما يلي تلخيص لأهم ما ورد في خطاب سماحته:
من أهم أسباب سوء العلاقة بين الإنسان والآخرين الذين يتعامل معهم أن تتضخم في نفسه مصالحه دون أن يُفكر في مصالح الآخرين، فيهتم بحقوقه ولا يلتفت إلى حقوق الآخرين. والحياة قائمةٌ على الحقوق المتقابلة، فكما أن لك حقوقاً، فإن لمن يتعامل معك حقوقاً، وعليك عند أي مشكلةٍ أو قضية أن تستحضر حقوقك وحقوق الطرف الآخر، أما إذا استحضرت حقوقك فقط وغفلت عن حقوق الطرف الآخر، فهذا يجعلك في موقفٍ ذهنيٍّ ونفسيًّ يُبعدك عن الإنصاف والموضوعية، وبالتالي يحصل سوء العلاقة، ويحصل الابتعاد وقد يحصل العدوان.
ومن أجلى موارد هذه الحالة العلاقات الزوجية. ويرتكز البحث على زاويةٍ محددةٍ من هذه العلاقة وهي علاقة الرجل بزوجته. هذه العلاقة التي لا تشبهها أية علاقةٍ أخرى في عالم الحياة الإنسانية، فهي علاقةٌ مميزة. لذلك حينما يتحدث الفقهاء عن عقد الزواج فإنهم يعتبرونه عقداً مقدّساً، فيه روح العبادة. والله جل شأنه في القرآن الكريم يتحدث عن هذه العلاقة بشكلٍ لا ترقى إليه أية علاقةٍ أخرى، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[1] . فالعلاقة الزوجية هي علاقة سكن، ويعني الاطمئنان والشعور بالأمن. فكما أن الإنسان في بيته يشعر بالأمن والخصوصية، فكذلك في العلاقة الزوجية ينبغي أن يكون هذا الشعور موجوداً. والمودة تعني مشاعر الحب المتبادلة بين الزوجين، والرحمة تعني العطف والشفقة خاصة حينما يحتاج أحد الطرفين إليها من الآخر. وفي آيةٍ أخرى يصف الله تعالى هذه العلاقة بوصفٍ عجيب يستدعي التأمل والوقوف، يقول تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾[2] ، فالعلاقة الزوجية من حيث صلتها بالإنسان كصلة اللباس به. والإنسان يستفيد من اللباس في نواحي عدة:
أولاً: ستر العورة.
ثانياً: الأناقة وجمال المظهر.
ثالثاً: الوقاية من تقلبات الظروف المناخية.
وذلك حال المرأة بالنسبة للرجل، والرجل بالنسبة للمرأة، حيث يُقدم كلٌ منهما للآخر هذه الأدوار الثلاثة، ستر العورة من خلال إشباع الغريزة الجنسية بطريقةٍ لائقة، إذ بدونها قد يندفع الإنسان إلى علاقةٍ غير شرعية. والعلاقة الزوجية جمالٌ وكمالٌ للإنسان كاللباس تماماً، وهي تحمي الإنسان من مختلف التقلبات والظروف والمشاكل الحياتية والاجتماعية.
والتعبير في الآية الكريمة باللباس يُشير إلى اللصوق، حيث أن اللباس لاصق بجسد الإنسان، فكذلك حال العلاقة الزوجية، ملتصقة بالإنسان نفسياً وشعورياً وعملياً.
المعاشرة بالمعروف
يؤكد القرآن الكريم على أن الشكل الوحيد المقبول للعلاقة الزوجية هو المعاشرة بالمعروف، ولا يمكن أن يقبل الشرع بعلاقةٍ زوجية لا تقوم على هذا الأساس. وفي القرآن الكريم اثنا عشر مورداً يتحدث عن العلاقة الزوجية بالتأكيد على مبدأ المعروف، يقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[3] ، ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾[4] ، (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[5] ، إلى آخر تلك الموارد.
والآية الكريمة: ﴿فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ تؤكد أن العلاقة الزوجية إما أن تكون قائمة على مبدأ العلاقة بالمعروف، وإلا فإن البديل: ﴿تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾. ولذلك أفتى الفقهاء بأن الزوج إذا لم يتعامل مع زوجته بالمعروف فإن لها أن تشكوه للحاكم الشرعي، ولمعالجة الموضوع تحصل ثلاث خطوات:
الأولى: يستدعي الحاكم الشرعي الزوج ويأمره بأن يتعامل مع زوجته بالمعروف، ويزجره عن الإساءة لزوجته، فإذا لم يلتزم بكلام الحاكم الشرعي، تأتي الخطوة الثانية.
الثانية: يقوم الحاكم الشرعي بتأديبه وتعزيره، سجناً أو ضرباً أو توبيخاً، أو أي إجراءٍ آخر حتى تتحقق العلاقة بالمعروف بين الزوج وزوجته. وإذا لم يؤدي هذا الإجراء هدفه، تأتي الخطوة الأخيرة.
الثالثة: من حق الزوجة أن تطلب الطلاق، فيأمر الحاكم الشرعي الزوج بالطلاق، فإذا لم يُطلّق الزوج طلّقها الحاكم الشرعي.
وفي توضيح هذه الحقيقة يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: ص48:«إن المستفاد من مجموع هذه الآيات هو: المقابلة بين المعاشرة بالمعروف والتسريح بإحسان؛ هذا يقتضي أنه حين لا تتحقق الأولى (المعاشرة بالمعروف) من قبل الزوج لأي سبب من الأسباب (اختياري أو قهري ـ لأن الصيغة مطلقة من هذه الجهة) يتعين التسريح بإحسان. فإن الترديد جاء بكلمة (أو) التي مقتضاها هو خيار المكلف بين الأمرين. فلا وجه للقول بأن للزوج أن يعاشر بالمعروف أو بغير المعروف. وإذا أراد أن يفارق كان عليه أن يفارق بإحسان لأن هذا يتنافى مع كلمة (أو) في الآيات الكريمة وفي جميع موارد استعمالها. فالحاصل أن العلْقة الزوجية وجوداً مبنيةٌ على المعاشرة بالمعروف فقط، وانقطاعاً مبنيةٌ على المفارقة بإحسان»[6] .
ما هو المعروف؟
المعروف هو ما تعارف عليه الناس، من الذوق المكتسب من لون حياتهم الاجتماعية. وكل عصرٍ وجيل له أعرافه وتقاليده. ومطلوبٌ من الرجل أن يتعامل مع زوجته ضمن العرف الشائع للتعامل.
والمعروف ما عرفه الشرع وقبله العقل.
والمعروف ما عرفه الناس الأسوياء في فطرتهم وميولهم.
وبالتالي فإن أية مخالفة لهذا المبدأ تُعتبر إساءة للمرأة. قال السيد عبد الأعلى السبزواري في تفسيره:
«بين في هذه الآية المباركة أن الطريق الصحيح هو المعاشرة مع النساء بالمعروف، بأن تكون المخالطة والمصاحبة والعيش معهن بما هو المعروف بين أفراد المجتمع، ولم يعيّن سبحانه وتعالى كيفية ذلك، ليكون العرف الذي هو الشائع في كل عصر وزمان هو المعتمد في ذلك»[7] .
وفي استفتاءٍ قُدّم للمرجع الراحل السيد الخوئي عن حكم رفع الصوت على الزوجة في مقام حدوث أمر لا يعجب الزوج هل يكون من باب أذية المؤمن المحرّمة؟ أجاب رحمه الله: «ما علم أنه يؤذيها لا يكون من المعاشرة بالمعروف»[8] .
واجب الزوج تجاه إساءة زوجته
عندما تصدر من الزوجة إساءة تجاه زوجها فإن النصوص الدينية تتوجه للرجل وتُخاطبه باعتباره رباً للأسرة، وقائداً لهذه المؤسسة العائلية بأن يستوعب هذه الإساءة، ولذلك تؤكد النصوص أن من حق الزوجة على زوجها أن يغفر لها جهلها وخطأها. «عن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال: يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها، وقال أبو عبد الله : كانت امرأة عند أبي تؤذيه فيغفر لها»[9] .
«وعن يونس بن عمّار قال: زوّجني أبو عبدالله جارية لابنه إسماعيل فقال: أحسن إليها، قلت: وما الإحسان؟ قال: أشبع بطنها واكسُ جنبها وأغفر ذنبها» [10] .
والمرأة كالرجل، فكما أن الرجل معرض للخطأ فهي أيضاً معرضة للخطأ، وخاصة مع أعباء الحياة والظروف التي تعيشها.
في بعض الأحيان يكون الزوج حاداً وقاسياً فيما يتطلبه من زوجته، فلا يقبل منها خطأ ويعتبر أن أي خطأ من الزوجة مبرر لمعاقبتها. وهذا خطأ، على الرجل أن يتفهم جيداً حقوقه التي أقرها الشرع على زوجته. إذ يُقر الشرع للزوج على زوجته حقين أساسيين فقط:
الأول: حق الاستمتاع الجنسي، ما لم يكن مانع ديني أو صحي.
الثاني: أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، على تفصيلٍ في المسألة.
فإذا قصّرت المرأة وتجاوزت في هذين المجالين، فتكون مخطئة، ولكن فيما عداها، كالطبخ وترتيب البيت وتربية الأولاد، فكل ذلك إحسان منها وتفضل، جرى عليه العرف والتعامل، فليتق الله بعض الأزواج في زوجاتهم، ولا يندفعون تجاه القسوة على المرأة نتيجة قصور فهمهم لحقوقهم.
ويتعجب الإنسان من الحالات التي تحصل في المجتمع، ونسمع عنها بين الحين والآخر. وفي هذا الإطار نشرت جريدة الحياة قبل أيام أن رجلاً من مدينة العيون بالأحساء اختلف مع زوجته حول شراء بعض الأشياء في السوق، فبدأ بالسب والشتم المتقابل، وفي الأخير ضرب زوجته حتى سقطت على الأرض وعلى مرأى من الناس. وهذه حالة غير سوية، وقد تكون حالة شاذة، ولكننا نسمع عن حالات أخرى مشابهة تحصل داخل المنزل، وبعضها كشف عنها الإعلام، وأخرى تظل في الخفاء.
وهنا يجب أن يعلم الرجل أنه محاسبٌ أمام الله، فقد يكون هناك شأنٌ معين من زوجتك لا يُعجبك، ولكن عليك أن تعرف أنها كإنسان لها خصائصها وطبائعها ولم يخلقها الله تعالى وفق مزاجك، وقد ورد في الحديث: لا يترك مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر.[11]
وعلى الرجل أن ينظر إلى الجوانب الإيجابية لدى زوجته، ولا يُركّز على الجوانب السلبية فقط. والقرآن الكريم صريحٌ في هذا الجانب، يقول تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً﴾[12] . وبعبارةٍ أخرى: على الرجل أن يتحمل بعض ما يكرهه من زوجته، لأن هناك جوانب أخرى، يجعل الله فيها خيراً كثيراً، ومن أبرزها ما يرتبط بالأولاد وتربيتهم، فانفعال الرجل وعدم تحمله بعض ما يكرهه من زوجته يؤثر سلباً على تربية وتنشئة الأولاد. وفي المقابل إذا تحمل الرجل وصبر، فإن من مظاهر الخير الكثير أن الأولاد يتربون التربية الصالحة السليمة في أحضان أمهم وفي ظل الانسجام بين والديهم.
وتابع الجميع ما نشرته الصحف المحلية هذه الأيام أن بنتاً من الطائف في التاسعة من عمرها أصيب جسدها بحروق وكدمات، وتعرضها للعنف من قبل زوجة أبيها، وأصبحت نفسيتها معقدة، لأنها كانت تعيش بعيدة عن رعاية أمها، ونقلوها للمستشفى وبقيت أياماً لتلقي العلاج. فهل هذا المصير هو ما يأمله الرجل لأولاده!
من ناحية أخرى، ليس الطلاق وحده وغياب الأم يوجد مشكلة للأولاد، وإنما سوء المعاملة بين الرجل وزوجته له أكبر الأثر في تعقيد نفسية الأولاد، ويترك ذلك مشاعر مضطربة تجاه الأم وتجاه الأب، فعلى الرجل أن يكظم غيظه، وأن لا يُظهر مشكلته مع زوجته أمام أولاده، تفادياً لأي مضاعفات تحصل لهم.
وأخيراً فإن الإساءة للأم يؤثر على قدرة الأم في تربية أولادها، إذ من الضروري أن تحظى بالاحترام والتقدير من قبل أولادها، وهذا لا يكون إذا كان سلوك الزوج معها قاسياً. والنصوص الدينية في هذا الإطار كثيرة جداً، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: «من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله بكل مرة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب على بلائه»[13] ، وفي حديث آخر عنه : «ومن صبر على خلق امرأة سيئة الخلق واحتسب في ذلك الأجر أعطاه الله ثواب الشاكرين»[14] . وسوء الخلق الذي يقصده الحديث هو ما يُمثل سجيةً للزوجة، فضلاً عن أن يكون ذلك خطأً عارضاً
نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى ما فيه الخير والصلاح، والحمد لله رب العالمين.