كرامة الإنسان
قال الله العظيم في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ (الإسراء، 70).
حديثنا هذه الليلة بعنوان: (كرامة الإنسان)، ويشتمل على ثلاثة محاور:
المحور الأول: موقعية الإنسان.
المحور الثاني: الشرائع لحماية حقوق الإنسان.
المحور الثالث: الحاجة إلى ثقافة حقوق الإنسان.
المحور الأول: موقعية الإنسان:
ما هي موقعية الإنسان؟ وما هو الإنسان؟ الإنسان هو هؤلاء الناس الذين نعيش معهم، الإنسان هو أبوك، هو ابنك، هو أخوك، هو جارك، هو زميلك، هو كل فرد من أفراد البشرية الذين تعيش معهم، هذا الإنسان إذا أردنا أن نعرف قيمته وموقعيته فعلينا أن نتدبر آيات القرآن الكريم، التي يتجلى ويظهر من خلالها أن هذا الإنسان له مكانة عظيمة لا يبلغها أحد من المخلوقات، تشير التقارير العلمية إلى أن الإنسان هو آخر المخلوقات فإن الله تعالى خلق هذا الكون، بأفلاكه ومجراته وموجوداته المختلفة، بعد ذلك بعد أن خُلق هذا الكون وعظمت أمور هذا الكون، خلق الله تعالى الإنسان لكي يكون السيد بإذن الله في هذا الكون، ولكي يكون ذلك الخليفة وذلك المخلوق العزيز المفضل، المستخدم لكل هذه الخيرات والثروات الموجودة في الكون ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة، 30) من هو ذلك الخليفة؟ هو الإنسان، هو آدم الذي خلقه الله تعالى أباً للبشر ومنه تناسلت البشرية، بعد أن خلق الله تعالى هذا الإنسان، أمر كل الموجودات وكل القوى في الكون أن تخضع له، وأن تخدمه ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (ص، 71 – 72)، الملائكة هل هم ذلك الوجود النوراني فقط، أو أن الملائكة هي تلك القوى الموجودة في هذا الكون، كل شيء موجود في هذا الكون هو قوة من القوى التي خلقها الله وذرأها وأوجدها، هل المقصود بالملائكة هي أزمة تلك القوى الكونية؟ هي مفاتيح تلك الثروات الطبيعية؟ المهم ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ (ص،72) هناك موجود لم يظهر احترامه للإنسان، مع أنه أنفق آلاف السنين في عبادة الله، وإظهار الخضوع لله، ولكنه رفض الاستجابة لأمر الله، في هذا الموقف والخضوع للإنسان، لذلك أصابه الله تعالى بلعنته الدائمة، ﴿ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾، (ص، 77 - 78) لأنه رفض أن يخضع للإنسان، وفي الواقع رفض أن يطيع أمر الله تعالى لذلك غضب الله تعالى عليه ذلك الغضب الشديد.
هذا هو الإنسان، سخر الله تعالى له كل ما في الكون: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾، (لقمان، 20) ألم تروا يا خلق، يا بشر، يا ناس. هناك نِعم أنت تدركها وتعرفها، وهناك نِعم باطنة لا تدركها، هذه القوى الإبداعية الروحية العقلية الموجودة عند الإنسان لا ندركها: ﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾ مع كل ما في الكون من جمال، مع كل ما في الكون من حسن مظهر ومن إتقان، ولكن الإنسان ميزه الله تعالى بأروع وأفضل خلقة: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾، (التين، 4)، وفي آية أخرى: ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾، (المؤمنون، 14) فأنت أيها الإنسان أفضل موجود عند الله، سخر الله لك الوجود وما فيه، جعل الله كل الكون مسخر من أجلك: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً﴾، (النحل، 14)، ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾، (إبراهيم،32)، (وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾، (إبراهيم، 33)، كل شيء مسخر للإنسان.
الله تعالى خلق الإنسان ليكون ملكاً بإذنه في هذا الكون، وبالتالي هذا المخلوق محبوب عند الله، الإنسان له موقعية خاصة عند الله سبحانه وتعالى، ورد عن رسول الله

هكذا هي موقعية الإنسان عند الله، حتى لو أذنب وأخطأ باب التوبة مفتوح وأكثر من هذا الإنسان المذنب والعاصي والخاطئ بمجرد أن يظهر التوبة إلى الله فإن الله يرحب به ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾، (البقرة، 222)، ولذلك حينما يعرف الإنسان عظمة ربه، ورحمته، ينبغي أن يبادر للتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، فهو سبحانه يحب العبد التائب ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له))، حديث جميل عن الإمام الباقر


وفي يوم القيامة تتسع رحمته لعباده ورد في الحديث: ((إن رحمة الله يوم القيامة لتتسع وتتسع وتتسع حتى يشرئب لها عنق إبليس)) نُقل الإمام زين العابدين علي بن الحسين

أوحى الله تعالى إلى داوود: ((يا داود أبلغ أهل أرضي أني حبيب من أحبني، وجليس من جالسني، ومؤنس من أنس بذكري، وصاحب من صاحبني، ومطيع لمن أطاعني))، ((عبدي أطعني تكن مثلي، أنا أقول للشيء كن فيكون وأنت تقول للشيء كن فيكون)).
كانوا في سفينة وأدركهم موج عظيم وكان فيهم أشخاص من مختلف الديانات والمذاهب، كانوا قاب قوسين أو أدنى من الغرق وكانوا كلهم يتضرعون ويدعون الله بالنجاة ولكن شخصاً جالساً لا يبالي بما يجري، التفتوا إليه وقالوا: فلان ألا ترى ما نحن فيه؟! قال: بلى، قالوا: ألا يؤلمك ما نحن فيه، قال: يختار الله تعالى الصالح، فألحوا عليه: ادع الله واطلب من الله، بعد أن ألحوا عليه رفع يديه: يا الله نجنا. في نفس اللحظة هدأ الموج كأن لم يكن شيء. جاؤوا إليه يتبركون به وقالوا: من أنت، نبي؟ قال: لا، قالوا: وصي؟، قال: لا، قالوا: من أنت وما علاقتك بالله، قال: عاهدت الله أن لا أعصيه فلا يعصيني.
ولذلك يفكر الواحد منا في علاقة مع ذوي النفوذ ومع ذوي المناصب، الإنسان يندفع لكي يقترب من مراكز القوى، ومن الشخصيات العظيمة، أيها الإنسان أعظم العظماء خالق العظماء، منشئ الكون، فاتح الأبواب لك، أفتعرض عن ربك؟ هل تجد عظيماً أحسن من هذا العظيم، هل تجد محسناً أعظم من هذا المحسن؟! كل المحسنين والعظماء لا شيء أمام عظمة الله وقدرته ولكن كما يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾، (إبراهيم، 34) ولذلك بنبغي أن يتعرف الإنسان على نعمة ربه ورحمة ربه حتى يتقرب إليه، ورد في الحديث: ((إن الله تعالى أوحى إلى نبيه موسى

يجب أن نراجع علاقتنا مع الله، كل واحد منا يجب أن يراجع علاقته مع ربه ويسأل نفسه كيف أتعامل مع الله؟
إذن الله يحب الإنسان، وموقعية الإنسان عظيمة وكبيرة عند الله سبحانه وتعالى.
المحور الثاني الشرائع للدفاع عن حقوق الإنسان:
من معزة الإنسان عند الله وكرامته، ومن أجل أن يتمتع الإنسان بهذه الكرامة عملاً في حياته يقول تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) ويتفق المفسرين على أن كلمة بني آدم الواردة في الآية دالة على الإطلاق، أي كل بني آدم مؤمنهم وكافرهم صالحهم وفاسقهم، كل بني آدم في الأصل باعتبارهم بشر لهم كرامة خاصة، ومن أجل أن تتحقق هذه الكرامة أنزل الله الشرائع والأديان والرسالات.
هل أن الأديان جاءت للدفاع عن حقوق الله؟ أم للدفاع عن حقوق الناس؟ الأديان جاءت للدفاع عن حقوق الناس وليست للدفاع عن حقوق الله فالله تعالى ليست له مصلحة يريدها ويدافع عنها ويرسل أنبياء ورسلاً حتى يدافعوا عن مصلحته: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾، (إبراهيم، 8)، ((فوعزتي وجلالي لو أن الجن والإنس والبشر والملائكة أجمعوا على مضرتي ما استطاعوا أن يضروني بمقدار ذرة)) فلا عبادة الناس تنفع الله ولا معصيتهم تضر الله ((سبحان من لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضره معصية من عصاه)).
الله تعالى أنزل الشرائع من أجل الناس ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾، (الحديد، 25) فالأديان أنزلها الله من أجل الإنسان والرسالات والشرائع جاءت من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان وليس للدفاع عن حقوق الله تعالى، فليست هناك مصلحة يأتي الأنبياء لكي يدافعوا عنها فالله تعالى ليس في حاجة لمن يدافع عن مصلحته وليست له مصلحة في خلقه، فحتى الدعوة إلى عبادته وتوحيده إنما هي لمصلحة الناس، أنفسهم وليس لمصلحة الله تعالى. إذن أنزل الله الشرائع من أجل حماية حقوق الناس ولذلك فكلها مركزة ومكرسة بهذا الاتجاه، كيف؟
أولاً الشرائع جاءت من أجل إقرار قيمة الإنسان وكرامته، حتى لا يتجاهل كرامته الظالمون والمعتدون، وجاءت بمناهج وأحكام وحدود تحمي حقوق الإنسان وتضمن له كرامته وحقوقه في هذه الحياة، ولكن يحصل في كثير من الأحيان أن هناك من يستغل شرائع الله ضد عباد الله، فيستغل الأديان والشرائع والرسالات للاعتداء على حقوق الناس فيعتدي على حقوق الناس باسم الله تعالى وهذه هي أبشع جريمة عند الله سبحانه وتعالى أن يُظلم الناس باسمه وأن يُعتدى على حقوقهم تحت عنوان رسالته ودينه، هذا هو أسوأ شيء.
الشرائع جاءت للدفاع عن حقوق الإنسان:
فأولاً: يجب أن يتمتع الإنسان بحقوقه كاملة في هذه الحياة.
من خلال حقوقه المادية والمعنوية فلا يصح أبداً أن يفقد شيئاً من متطلبات حياته، فكل إنسان يأتي على هذه الأرض فإن الله تعالى قبل أن يخلقه هيأ رزقه وهيأ مستلزمات حياته روَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا﴾، (هود، 6) فأرزاق الناس موجودة في الكون ولكن المشكلة هي أن الناس يجورون على حقوق بعضهم بعضا، الشرائع تأتي كي يقوم الناس بالقسط وحتى يصل لكل إنسان حقه، فكل إنسان يجب أن يسعى و يعمل حتى ينال حصته من ثروات هذا الكون ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾، (الملك، 15) والمشكلة أن بعض الناس لا يسعون لتحصيل حصتهم، لا يسعون إلى تحصيل نصيبهم، إذا أردنا أن نسوق مثلاً: هناك الكثير من المطاعم والمحلات يكون الطعام مقدم على شكل بوفيه فيقوم كل شخص ليحضر طعامه فإذا جلس أحدهم ولم يجلب طعامه فيكون هو المقصر تجاه نفسه، المشكلة أن بعض الناس يقصرون في السعي ولا يسعون من أجل الوصول إلى حصتهم في الدنيا، نعم هناك قسم من الناس ظروفهم تمنعهم لمرض أو لعلة أو لتقدم في السن، أو لظرف طارئ غير طبيعي فلا يستطيع تحصيل رزقه من خيرات الكون، فهذا القسم من الناس الذين لا يستطيعون تحصيل رزقهم من خيرات الكون، هل تُصادر حقوقهم؟ لا، حقه قائم وموجود، فبقية الناس القادرين والمتمكنين يجب عليهم أن يعطوه من حصصهم، وهي في الواقع ليست من حصصهم بل مما كسبوه وكأن ما كسبوه فيه حصة لهؤلاء المستضعفين ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾، (الذاريات، 19) فالزكاة والخمس والحقوق ليست لك، هي حصة غيرك صارت عندك، كلمة جميلة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب


إذن في المجتمع العادل ليس هناك فقير، وحاجات الإنسان مكفية، وهذا ما نجده في عهد رسول الله



يا ليت أمير المؤمنين يرى أوضاع الناس في بلاد المسلمين حيث في كل مكان هناك فقراء ومحتاجون، أبناء المسلمين أصبحوا يلجؤون إلى الدول الأجنبية، سلوا اللاجئين من مختلف البلدان، اللاجئين من أفغانستان، اللاجئين من العراق، يذهبون إلى تلك الدول بمجرد أن يقبلوه كلاجئ يعطوه سكناً وراتباً ويذهب أولاده إلى المدارس، هذا ما كان يجب أن يتوفر في بلاد المسلمين، هذا هو نظام الإسلام، هذا جزء من نظام الإسلام. وبلاد المسلمين ليست فقيرة، هناك ثروات هائلة في بلاد المسلمين، ولكن مع الأسف سوء التوزيع، وسوء القيادات الحاكمة في كثير من بلاد المسلمين وضعف فاعلية الإنسان في مجتمعاتنا الإسلامية هي التي أدت إلى أن يكون وضع المسلمين هكذا، آخر تقرير عن الأمم المتحدة يقول: خمسون في المئة من أبناء الوطن العربي يعيشون بمقدار دولارين في اليوم الواحد، وهذا يعتبر شيئاً متدنياً جداً، أما نسبة الأمية فهي 72 مليون أمي عندنا في الوطن العربي، نسبة الاحتياجات كبيرة في مختلف المجالات، إذا تقرأ الإحصائيات الدولية عن أوضاع التنمية في العالم تتألم وتتمزق ألماً أن المسلمين هم من أسوأ الأمم والمجتمعات أوضاعاً مع هذه الثروات والخيرات الكثيرة الموجودة عندنا، أين تذهب هذه الثروات؟ أين تذهب هذه الخيرات؟!
أمير المؤمنين

ثانياً: حماية كرامة الإنسان المعنوية:
ليس فقط المتطلبات المادية، الإنسان عند الله، وحسب حكم الدين، وفي المجتمع الإسلامي، يجب أن تكون محمية حقوقه المادية والمعنوية، لا يُسمح بالاعتداء على شيء من حقوق الإنسان، أكبر جريمة في الإسلام هي الاعتداء على حقوق الإنسان، إذا اعتدى الإنسان على شيء من حقوق الله فالله تعالى يغفر، وهذا كلام الإمام المعصوم، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب


المظلمة ليست فقط أن تأخذ النقود من الإنسان، بل هي أيضاً الغيبة التي تغتابها على الإنسان، يوم القيامة تقف عند هذا الحاجز أمام من ظلمته ويُطالب بحقه، وورد في الحديث القدسي: ((وعزتي وجلالي، أنا الله الذي لا إله إلا هو، العدل الذي لا يجور، وعزتي وجلالي، لا يجوز عبد على الصراط بمظلمة حتى أنتقم له ممن ظلمه)) ولذلك على الإنسان أن يراعي حقوق الناس، فبينك وبين ربك (الله غفور رحيم)، لكن حقوق الناس لا تساهل فيها، فيجب أن تصفي حقوق الناس في الدنيا وإذا صدرت منك ظلامة تجاه أحد فسارع إلى رفعها عنه في الدنيا. وفي هذا الحديث يبين كيف يعطي الناس الحقوق لبعضهم البعض إذا ثبت حق لإنسان على إنسان يعطيه الله تعالى من حسناته، فإذا كانت المظالم كثيرة، وانتهت حسناته، تُحمل عليه سيئات المظلوم. وفي رواية أخرى، عن الإمام الباقر


المحور الثالث: الحاجة إلى ثقافة حقوق الإنسان:
الأصل أن ديننا يهتم بحقوق الإنسان، ولكن مع الأسف بدا وكأن حقوق الإنسان مفردة غربية، وكأن الغربيون هم الذين يهتمون بحقوق الإنسان، وينادون بها بالطبع نحن ندرك أن الدول الغربية وفي كثير من الأحيان حينما ترفع شعارات حقوق الإنسان لها أهداف، ولها مصالح، ولها أطماع ولذلك تكيل بمكيالين، تستخدمها مع دولة وتغض بصرها عن دولة أخرى وكأنها لا تراها، وإلا لو كانت الإدارة الأمريكية بالفعل صادقة حينما تتحدث عن حقوق الإنسان، وحينما تتحدث عن الديموقراطية، ألا يرون الجرائم التي يصنعها الصهاينة في فلسطين؟ كل يوم هناك قتلى، وكل يوم هناك جرف للمنازل، وكل يوم هناك قطع لأشجار الزيتون، وكل يوم هناك اعتداءات، إضافة إلى أصل الاحتلال والذي هو اعتداء سافر على حقوق الإنسان، هل الأمريكان لا يرون؟ بلى يدركون ولكن المسألة في كثير من الأحيان مصالح، ومطامع وأغراض، صحيح أنهم حينما يرفعون شعارات حقوق الإنسان والديموقراطية وإصلاح الوضع في العالم العربي ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تروج له أمريكا الآن، فهم لهم مصالح وسياسات ولكن أيضاً واقع المسلمين فيه انتهاكات لحقوق الإنسان، حقوق الإنسان المسلم منتهكة داخل مجتمعه، ليس فقط على المستوى السياسي من قبل الحكومات بل حتى في التعامل الاجتماعي، مع الأسف نحن لا نحترم بعضنا البعض، فكيف نتوقع من العالم أن يحترمنا؟
من هنا يجب التركيز على موضوع حقوق الإنسان، لأنه بالفعل موضوع حقيقي، ولأنه من صميم الدين، ولأننا أولى بالاهتمام بحقوق الإنسان، يجب أن يكون في مناهجنا العلمية والدينية درس عن حقوق الإنسان، صحيح في كل أبواب الفقه الأحكام التي ترتبط بحماية حقوق الإنسان مكتوبة، لكن بسبب سوء الواقع الذي تعيشه الأمة ، وبسبب قرون وعصور من التجاهل لحقوق الإنسان، تستحق المسألة أن يفرد لها باب خاص، وإذا قرأنا التبويب الفقهي لم يكن الفقه منذ البداية مبوب بهذه الطريقة وإنما التبويب تطور من عصر إلى عصر ومن زمن إلى زمن، هناك عناوين كثيرة للفقه لم تكن موجودة ولكنها استحدثت، أبواب لم تكن منفصلة انفصلت، نحن في هذا العصر يجب أن يكون هناك باب وهو من أهم الأبواب في فقهنا، في كل رسالة عملية للمراجع ينبغي أن يكون فيها باب حول حقوق الإنسان، وطبعاً المراجع أعرف بأحكام الإسلام مني ومن أمثالي، ولكن المسألة اقتراح، المسألة تذكير بهذه القضية المهمة الكبيرة.
حقوق الإنسان يجب أن تأخذ موقعها في خطابنا الديني وفي حوزاتنا الدينية، وحتى في مدارسنا، في الدراسة الأكاديمية ينبغي التذكير بحقوق الإنسان، ينبغي أن يتعلم هذا الطالب في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية كيف يتعامل مع أخيه الإنسان، يكفي أن ترى في الظهر عندما يخرج الطلاب من المدارس كيف يتصرفون مع بعضهم كل واحد يلكم الآخر ويضربه، فأولادنا إلى الآن لا يعرفون كيف يتعاملون مع بعضهم البعض، لأنه هو تربى في عائلته ولم يكن هناك جو لاحترام حقوق الإنسان، تربى على القمع وعلى الضرب وفي الوضع العام يعيش هذه الحالة، نحن في حاجة إلى أن تصبح حقوق الإنسان ثقافة عامة عند الجميع، وهذا ما نجده في تعاليم الدين، وهذا ما يجب أن نعيشه جميعاً، ثقافة الإسلام في الدفاع عن حقوق الإنسان، وخاصة الناس الذين تعيش معهم، حينما نتحدث عن حقوق الإنسان يعني أننا نتحدث عن حقوق زوجتك عليك، وحقوق الزوج على زوجته، حقوق الوالدين على الأولاد، حقوق الأولاد على الوالدين، حقوق الإخوان على بعضهم البعض، حقوق الجيران على بعضهم، كم كان رسول الله


دخلت امرأة إلى دار رسول الله


المشكلة أن الواحد منا يهتم بعباداته ولكنه لا يراعي حقوق الإنسان، بل بالعكس قد ينتهك حقوق الإنسان من أجل عبادة من العبادات، فمثلاً يريد الوصول إلى الكعبة ويريد تقبيل الحجر الأسود ولكن إذا كان الوصول إلى الكعبة وإلى الحجر الأسود يسبب إيذاء للموجودين هل تتوقع أن تصل إلى الكعبة وتؤذيهم وتحصل على الثواب لهذا العمل؟ كلا، هذا العمل لا ثواب له، مع الأسف نحن لا نراعي هذه الأمور.
مثلاً أنا آخذ مكبر الصوت وأضع شريط قرآن أو عزاء وأرفع الصوت ولا أراعي الجيران، وجيرانك فيهم المريض وفيهم النائم وفيهم الضعيف وفيهم من لا يعجبه هذا الأمر فلماذا لا تراعي حقوقهم فهذا العمل لا ثواب فيه بل فيه عقاب لأنه يحوي إساءة للآخرين، علينا أن نراعي حقوق الناس، علينا أن نهتم بأوضاع الناس، حينما توفي الصحابي الجليل سعد بن معاذ، خرج رسول الله




أمير المؤمنين



