الأئمة وحكومات عصورهم
بعد أن أنهى سماحة الشيخ صلاة الجماعة اليوم الجمعة الموافق 16 / صفر / 1424هـ، ألقى كلمةً تحت عنوان: الأئمة وحكومات عصورهم، وقال في بداية حديث أن المدة الزمنية التي قضاها الأئمة بين الناس تعادل (250) عاماً عاشوها في ظل سلطات كانت تحكم الأمة، وتساءل سماحته كيف كان تعاطي الأئمة مع الحكّام في هذه الفترة الزمنية الطويلة؟وقبل أن يُجيب سماحته على هذا التساؤل استعرض ثلاث ملاحظات اعتبرها من المسلمات:
الملاحظة الأولى: واضحٌ وثابت لدى أتباع أهل البيت أن الأئمة يرون أن القيادة هي حقّهم ومقامٌ منحهم الله إياه وأهّلهم إليه، وعليه فالحكومات التي تولّت الحكم قد أخذوا مواقع ومناصب الأئمة.
الملاحظة الثانية: إن أغلب الحكام الذين عاصرهم الأئمة ما جاؤوا عن طريق رضا الأمة وإنما عن طريق القوة والسيف أو الوراثة وهي طرق غير مشروعة لتولي الإمامة كما يعتقد بذلك أتباع أهل البيت .
الملاحظة الثالثة: أغلب الحكام الذين حكموا البلاد الإسلامية في فترة حياة الأئمة ما كانوا يحكمون في الناس بالعدل ولم يكونوا يُطبقوا حكم الله وإنما كان يسود حكمهم الظلم والجور، وبالتالي فإن الأئمة لم يكونوا ليقبلوا ويؤيدوا أعمال هؤلاء الحكام.
ثم قال سماحته: ماذا يعني هذا الأمر؟ هل أن الأئمة شهروا سلاح العنف، وأعلنوا حالة الكفاح المسلّح والثورة ضد حكام عصورهم؟ وفي إجابته أكد سماحته أن سيرة الأئمة وتاريخهم لم تكن ضمن هذا الإطار، وقال إن ثورة الإمام الحسين الفريدة من نوعها في تاريخ الأئمة كانت ضمن ظروف خاصة، وأكّد أن الإمام الحسين ضمن الأمور الطبيعية الخارجية الظاهرية كان يسعى لتجنب المواجهة العسكرية.
كما أكد سماحته أن الثورات العلوية التي كانت في حياة الأئمة وحصل بعضها على تأييد الأئمة ورضا منهم على قوّادها، لم تكن ضمن قيادة الأئمة المباشرة؛ وكانت ردات فعل على ضغوط شديدة تعرض لها العلويون والشيعة.
بعد ذلك أكد سماحته أن الأئمة إضافة إلى أنهم لم يُشهروا حالة الكفاح المسلح فإنهم لم يكونوا معتزلين عن الساحة السياسية والاجتماعية، ذلك لأن الأئمة لا يتخذوا مواقفهم من خلال الانفعالات الشخصية، وأن المنصب لا يُشكل الهم الأساس عند الأئمة .
بعد ذلك دعا سماحة الشيخ إلى قراءة سيرة الأئمة قراءة موضوعية كما كان الأئمة ، ودعا إلى ضرورة البحث في موضوع حياة الأئمة السياسية والاجتماعية، وأن لا يقتصر البحث حول ظلامة أهل البيت ، وقال إن هذا الأمر له هدفان:
الأول: لكي نفهم حياة الأئمة فهماً موضوعياً متوازناً.
الثاني: حتى نستفيد الدروس والعبر من سيرتهم العطرة.
وأضاف سماحة الشيخ أن سيرة الأئمة تُثبت أن هناك تعاطياً بين الأئمة وبين حكام عصورهم، وهذا التعاطي كان يُحقق هدفين رئيسين:
الهدف الأول: حفظ الوجود والمصلحة.
الهدف الثاني: السعي لإصلاح ما يُمكن إصلاحه، وإنقاذ ما يُمكن إنقاذه من أمور المسلمين.
وتطرق سماحة الشيخ بعد ذلك إلى عدة نماذج من تعاطي الأئمة مع حكّام عصورهم:
النموذج الأول: لقاءات الأئمة مع بعضحكام عصورهم.
مع أن البعض منها كان عن طريق إجبار الإمام، ولكن بعضها كان باختيار الإمام ليحقق ما يُمكن تحققه من الهدفين المذكورين.
النموذج الثاني: إبداء الأئمة آرائهم حول القضايا السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية.
وتطرق سماحة الشيخ إلى كتاب (عليٌ والخلفاء) لمؤلفه: الشيخ نجم الدين العسكري، الذي جمع فيه مراجعات الخلفاء لأمير المؤمنين وأبدى أمير المؤمنين رأيه فيها، وجمع فيه: (10) مواقف للخليفة أبو بكر، و (91) موقفاً للخليفة عمر، و (10) مواقف للخليفة عثمان، وكذلك معاوية كان له نصيبٌ من هذه المواقف فقد جمع له (7) مواقف راجع فيها الإمام علي وأبدى الإمام رأيه بدون أي تردد.
النموذج الثالث: تشجيع الأئمة للصالحين من تلاميذهم وأتباعهم للالتحاق في جهاز الدولة.
وقد برز في التاريخ الشيعي نماذج من أتباع أهل البيت كانت لهم علاقة وثيقة بحكام عصورهم وبعضهم كانوا ضمن جهاز الدولة واحتلوا مناصب حساسة فيها، ومن تلك النماذج:
- سلمان الفارسي (رضي الله تعالى عنه) كان والياً على المدائن في عهد الخليفة عمر.
- علي بن يقطين (رضي الله تعالى عنه) كان وزيراً لهارون الرشيد.
- عبد الله النجاشي أحد خواص الإمام الصادق كان والياً على الأهواز.
- ابن السكّيت الكوفي كان قريباً من بلاط المتوكل العباسي وكان المعلّم الخاص لولديه.
وأكد سماحة الشيخ أن هذا التعاطي لم يكن على حساب توضيح المبادئ الإسلامية الحقة.
وأكد سماحة الشيخ في نهاية الكلمة أنه ينبغي للمؤمنين أن يأخذوا الدرس والعبرة خصوصاً وهم يُقبلون على ذكرى استشهاد الإمام الرضا الذي نجد في سيرته نموذجاً بارزاً للتعاطي مع الحكّام إذ تقلّد منصب ولاية العهد في عهد المأمون العباسي؛ ضمن ظرفٍ استثنائي، حيث ألزمه المأمون بذلك.
ووجّه سماحته دعوةً للعلماء والفقهاء والواعين في العراق بأن يستفيدوا من هذه الحقبة الزمنية التي يمرون بها وأن لا يعزفوا عن الساحة السياسية والاجتماعية لأن بعزوفهم يتولى ألأمر الجهّال أو من لا حريجة له في الدين.
وإذا كان بتوليهم منصباً سياسياً يؤدي إلى حديث الناس السلبي ضدهم فليكن ذلك تضحيةً منهم من أجل الدين ومن أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.