الشيخ الصفار: الجشي ورفاقه اشتغلوا بقضية "التنمية السياسية" والواجب تكريمهم
وسط حضور أدبي وثقافي من علماء وشعراء ومثقفين من مختلف مناطق المملكة والبحرين أقيم في القطيف في حسينية السنان حفل تأبين للشاعر عبدالله الجشي (أبو قطيف) بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاته، وذلك يوم الأربعاء ليلة الخميس 17/4/1429هـ الموافق 23/4/2008م وقد شارك سماحة الشيخ الصفار بكلمة جاءت بعنوان: (الجشي مناضلا) تحدث فيها سماحته عن الأبعاد والجوانب الكثيرة التي في حياة الجشي، التي تحتاج إلى دراسة وتأمل لأخذ الدروس والعبر.
وعدد سماحة الشيخ الأبعاد التي يمكن الحديث عنها وهي: البعد الأدبي، فهو رحمه الله قمة في الأدب والشعر وقد تحدث عنه الشعراء وقوموا شعره وأعطوه شيئا من حقه، والبعد الإنساني الأخلاقي حيث كان نبيلا في أخلاقه وقد تحدث رفاقه عن بعض ما عايشوه معه من صفاته النبيلة.
وعن الجانب النضالي قال سماحة الشيخ الصفار: فقيدنا كان مناضلا وطنيا، سلك هذا الطريق الذي يتهيبه كثيرون، إن أكثر الناس لا يجدون أنفسهم معنيين بالشأن العام، إما لأنهم لا يمتلكون الوعي بما يحيط بهم، أو لأنهم يرون أنفسهم أقل من الاهتمام بالشأن العام الذي له شيوخه الأبخص به، وإما لأن الاهتمام بالشأن العام يكلف تضحيات، ويتطلب دفع ثمن باهض لا قبل لهم بأدائه وتقديمه، ولذلك سادت ثقافة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية تنفر من الاهتمام بالشأن العام، بل قد يصل الأمر إلى أن يعتبر مثل الجرم أو العيب.
وأوضح سماحته أن هذه الثقافة نجد آثارها في كلمات بعض العلماء والأدباء كرد فعل للظروف السياسية العصيبة التي عاشتها الأمة في عصورها الطويلة البعيدة، نجد عالما وإماما كالشيخ محمد عبده رحمة الله عليه يقول: أعوذ بالله من السياسية ومن لفظ السياسة ومن ساس ويسوس وسائس ومسوس.
مستشهدا سماحته بما ذكره الدكتور محمد جابر الأنصاري في كتابه (العرب والسياسة أين الخلل)ص7، حيث يقول الدكتور: على الرغم من التألق الروحي والعقلي والعمراني للحضارة العربية والإسلامية، فإن تاريخها السياسي ظل أضعف عناصرها على الإطلاق، وأشدها عتمة.
فهي حضارة جميلة ورائعة لكنها ظلت تعاني غالبا من "فقر دم سياسي" ومن "أنيميا سياسية" من حيث الواقع العملي على صعيد التطبيق والنظم والممارسة، وذلك منذ التأزم المبكر للخلاقة الراشدة، إلى.. الإجهاض السياسي المريع لمشروعات "النهوض" العربي، في هذا العصر.
وأضاف سماحة الشيخ: إن المتجرأين على سلوك طريق النضال الوطني السياسي قلة في كل مجتمع من مجتمعاتنا العربية والإسلامية وعلى تفاوت من بلد إلى آخر.
فقيدنا الغالي كان من تلك القلة في هذا الوطن، وفي هذه المنطقة، رأى نفسه معنيا بالشأن العام، إذ لا يوجد وطن من الأوطان يخلوا واقعه السياسي من بعض الثغرات ونقاط الضعف، ليست هناك سلطة تدعي الكمال في سياساتها، ولا يمكن أن يُدّعى لها ذلك، وكل مجتمع من المجتمعات له تطلعاته حتى يحيى في وطنه عزيزا كريما يتمتع بخيرات وطنه ومن أجل معالجة ثغرات الواقع السياسي، ومن أجل تلمس الطريق إلى تحقيق التطلعات عند أبناء أي وطن لابد من مناضلين سياسيين، مناضلين ينشرون الوعي السياسي في أوساط الناس، حضارتنا غنية بالأدب، ولأننا في مقام تكريم شخصٍ الأدب من أبرز وجوهه لا نستطيع أن نغض من جانب الأدب، ولكن الإنسان قد يرى أن الاهتمام بالأدب في حياتنا العربية، قد يكون على حساب بقية جوانبها، أو لنقل أكثر من الاهتمام ببقية الجوانب. فقيدنا رأى نفسه معنيا بالشأن العام في وطنه ووطّن نفسه على أن يسلك هذا الطريق، متلمسا نواقص الواقع السياسي، مطالبا باصلاحها وسد ثغراتها، مثيرا للتطلعات التي تريد أن يعيش الوطن في أفضل وضع، وأن يعيش المواطنون متمتعين بحقوق المواطنة، سلك هذا الطريق ووطن نفسه على دفع الثمن، ومن يقرأ سيرته وحياته وإن كانت هذه الأمور لا تكتب مع الأسف الشديد، حتى في سيرته الذاتية تكون الإشارة إلى هذه المحطة الهامة في حياته اشارة خجولة وعابرة، لقد كان في السجن معتقلا لسنوات، وتحمل فيها ما تحمل، وقد عاش في الغربة ثلاثة وعشرين سنة، وعانى آلام الغربة وفراق الوطن، ضمن نضاله السياسي.
وعن المطلوب عمله ونحن نعيش تكريم هذه الشخصية قال الشيخ الصفار:
الأمر الأول: لا بد من إعادة الاعتبار للمناضلين الوطنيين في مجتمعنا وبلادنا، تلك حقبة قد مضت، والوطن الآن يعيش وضعا جديدا، الذين ناضلوا في الماضي خدموا الوطن بنضالهم، قد تكون هناك أخطاء في تجربتهم، وهذا أمر طبيعي في كل تجربة بشرية، ولكنهم هم الذين شقوا الطريق أمام التطلعات لهذا الشعب ولهذا الوطن، وأسهموا في تحفيز المسئولين في الوطن وتحفيز أبناءه لمعالجة الثغرات ونقاط الضعف، لا ينبغي أن يبقى الحديث عن حقبة ماضية قبل ثلاثة عقود أو أربعة عقود من الزمن محاطا بالهيبة والخوف، إنها صفحة من صفحات تاريخنا الوطني ينبغي أن ننفض عنها الغبار، وأن نتحدث عنها بصراحة وجلاء، ويمكننا أن نعتبر التكريم الذي حصل لفقيدنا الغالي في مهرجان الجنادرية إشارة على هذا الصعيد، إن من كرمه يعرف تاريخه ويعرف دوره الوطني، وإنه كرم لكل هذه الأبعاد في حياته، وإن كان الأدب هو العنوان البارز.
الأمر الثاني: ينبغي بعث تاريخ تلك الحركة الوطنية النضالية بمختلف فصائلها، ولا يزال بعض أبناء تلك الحركات الوطنية النضالية والحمد لله موجودا على قيد الحياة، إن من حق الأجيال عليهم أن يكتبوا تجربتهم وتاريخهم، ويمكنهم الآن أن ينظروا إلى تلك التجربة بموضوعية فيتحدثوا عن نقاط القوة وعن موارد الضعف، لتستفيد منها الأجيال اللاحقة الصاعدة، وهنا لابد من الإشادة بفقيد القطيف النبيل السيد على السيد باقر العوامي رحمة الله عليه، فقد علمت أنه كتب مذكراته، وكتب تاريخ الحركة الوطنية في هذه المنطقة وكتابه يقع في جزئين كبيرين، في أكثر من ستمائة صفحة، مثل هذه المذكرات ينبغي أن تنشر، وأن يعرف الناس واقع حياتهم في الماضي حتى يرو مدى التغير والتطور الذي حصل في هذا الوطن.
الأمر الثالث: ينبغي أن يواصل المجتمع مسيرة التنمية السياسية، ففي المجتمع فقهاء وعلماء وشعراء وأدباء ورجال أعمال لكن الوطن بحاجة لمن يهتم بالشأن العام، ويمتلك الوعي والمستوى السياسي، فإن الدولة والوطن في حاجة إلى عناصر ذات كفاءة، وهذا لا يتم إلا بالاهتمام والممارسة، التنمية السياسية أصبحت اليوم مصطلحا إلى جانب التنمية الاقتصادية والتنمية العلمية وتعني: اهتمام الناس بوقعهم السياسي وفاعليتهم في ذلك الوضع، وبحمد الله وطننا الآن يعيش انفراجات، ويعيش حالة متقدمة على العقود الماضية، هامش الحرية قد اتسع، بل تكونت بعض القنوات التي يمكن للمواطنين من خلالها أن يتحدثوا عن مشاكلهم وعن تطلعاتهم، صحيح أن الناس يتوقعون الأكثر ولكنها البداية، وهذه البداية تحتاج إلى تفاعل من الناس حتى تتسع رقعة الوعي السياسي وحتى تتواصل مسيرة التنمية السياسية.
وطالب سماحة الشيخ جميع المواطنين دخول العهد الجديد حيث يتجاوزون الصدام والفوضى والخلافات والانشقاقات الداخلية، ليكون هناك انفتاح وتعاون بين السلطات وبين النخب السياسية في المجتمع من أجل خدمة الوطن وخدمة الشأن العام، اوطاننا في حاجة للتطوير والتغيير وهذا ما يقوله الجميع حكام ومحكومون، وهناك قوى خارجية تريد أن تتدخل في شئوننا الداخلية بحجة الركود والجمود السياسي، ولا بد من تفويت الفرصة عليها بحراك ذاتي داخلي يتمثل في انفتاح السلطات على تطلعات الناس، وفي تعاون الناس مع توجهات السلطات الاصلاحية.
خاتما كلمته بتأكيد دعوته بأن يستجيب من بقي من ذلك الرعيل لهذه الدعوة برفد الأجيال بذكرياتهم وتجاربهم.