الشيخ الصفار يؤكد أن ولاية أهل البيت ليست إنتماءً عاطفياً بل منهج وسلوك
أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن ولاية أهل البيت ليست انتماءً عاطفياً وإنما هي منهج وسلوك، بعكس ما يرسمه البعض من أن مجرد الانتماء العاطفي يُحقق هدف الولاية، مضيفاً: إن جوهر الإنتماء لأهل البيت يتحقق بالعمل الصالح والورع عن محارم الله. مؤكداً أن أهل البيت لطالما أكدوا في وصاياهم على هذه الحقيقة، فهذا إمامنا الباقر يوصي أحد أصحابه بأن يقول لأتباع أهل البيت : أنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع. مشيراً إلى ثلاثة مسارات اتخذها أهل البيت في توجيه الأمة ودعوتها لتعاليم الإسلام الحقة، وهي: التوجيه العام للأمة، تربية الكوادر والقيادات الواعية، لتصبح امتداداً لحمل رسالة الإسلام الحقة.، وتربية التيار الصالح، وهو مسار الولاء لأهل البيت .
وفي سياق آخر تحدث الشيخ الصفار عن آثار وبركات يوم عرفة، مستعرضاً جانباً من المستحبات المهمة التي يُستحب للإنسان الإتيان بها وإن لم يُوفق للحج، ومنها: الغسل، الصوم، زيارة الإمام الحسين، الصلاة والدعاء بخشوع وتوجه لله تعالى.
الحمد لله ربّ البيت الحرام، ورب المشعر المقام، الذي جعل الكعبة أول بيتٍ للأنام، ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران، 96).
أحمده على فضله العميم وهدايته لدينه القويم، وصراطه المستقيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المتجلي لعباده بأبهى حلل العز والجلال، والمتقرب إليهم بإسباغ النعم وموالاة الإفضال.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من حجّ واعتمر، وأفضل من عبد الله وشكر، صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الغرر، سادة الخلق وهداة البشر.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله ومجاهدة أهواء النفس واغراءات الشيطان، جعلنا الله وإياكم من المعتصمين بحبل الإيمان، حتى ننعم بالسعادة في الدنيا ونبلغ من الله الرضوان.
أشار الشيخ الصفار في خطبة الجمعة 7 ذو الحجة 1429هـ (5 ديسمبر 2008م) أن الظروف السياسية التي توالت على الأمة كادت أن تُفقد الأمة أصالتها الدينية وأن تمسخ ثقافتها الرسالية الصحيحة. ذلك لأن سياسيين من بني أمية سيطروا على الحكم وكان همهم تحصيل المواقع والمكاسب وإحكام سيطرتهم على الناس، وكانوا إلى جانب ذلك يشعرون بالقلق والخوف من الثقافة الإسلامية الصحيحة، لأن فكر الإسلام لا ينسجم وسياساتهم التعسفية الظالمة.
إن هذا الشعور بالقلق جعل هؤلاء الحكام يُنتجون ثقافة بديلة زائفة وينسبونها للإسلام، تلافياً لسخط الناس عليهم، وخداعاً لهم بأن نهجهم يُمثل الإسلام.
وأكد أن من نعم الله تعالى على هذه الأمة أن جعل فيها أئمة أهل البيت الذين كانوا يُمارسون دور الحفاظ على القيم الأصيلة والنقية للإسلام، وإيصالها للناس بعيداً عن أهواء الحاكمين الظالمين. وبالتأكيد فإن هذا الدور لا يروق لأولئك الحكام، فمارسوا الضغوط والتضييق على أهل البيت وأضمروا لهم العداء، ولكن أهل البيت تحملوا كل ذلك في سبيل إيصال صوت الحق والرسالة للأمة.
وأشار أن الإمام محمد بن علي الباقر هو أول إمام تُتاح له الفرصة لنشر معالم الإسلام ومعارف أهل البيت للناس، وتبيين أحكام الشريعة التفريعية، وذلك للتطور الذي حصل في الأمة بوجود جيل جديد يتطلع للتعرف على معالم الإسلام، ورافق ذلك أن دولة بني أمية كانت في عصر انحدارها، فكان الحكام مشغولين بالظروف السياسية الحرجة، فوجد الإمام الباقر نفسه أمام فرصة سانحة لتربية جيل من الفقهاء والفضلاء، وبناء مدرسة رائدة تكاملت معالمها في عهد ولده الإمام جعفر بن محمد الصادق ، وقام الإمام الباقر بدور تفريع المسائل التي كانت بمثابة كليات تنسجم وظروف الجيل الأول للعهد الإسلامي، وأما بعد توسع رقعة الإسلام أصبحت المسائل الإسلامية بحاجة إلى تبيين وتفصيل، ولذلك اطلق عليه الباقر. فكان هذا الدور من أهم الأدوار التي قام بها حيث اتخذ من مسجد رسول الله مركزاً للقيام بهذا الدور العظيم.
وقد تحدث عن الإمام الباقر ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة فقال: أبو جعفر محمد الباقر سُميّ بذلك من بقر الأرض أي شقّها، وأثار مُخبئاتها ومكامنها، فكذلك هو، أظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية السريرة، ومن ثم قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكن عنه ألسنة الواصفين. وكفاه شرفاً أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له وهو صغير: رسول الله يُسلّم عليك، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يُداعبه، فقال: يا جابر يُولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يُولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام.
وأشار الشيخ الصفار أن أهل البيت اتخذوا ثلاث مسارات في مجال التربية والتوجيه وتوعية الأمة، وهي:
المسار الأول: التوجيه العام للأمة، حيث كان ذلك من شعور الأئمة بالمسؤولية تجاه هذه الأمة، مما يدفعهم لبث المعارف والعلوم لجميع أبناء الأمة بغض النظر عن انتمائاتهم.
المسار الثاني: تربية الكوادر والقيادات الواعية، لتصبح امتداداً لحمل رسالة الإسلام الحقة.
المسار الثالث: تربية التيار الصالح، وهو مسار أتباع وشيعة أهل البيت ، فقد كان يهم أهل البيت أن يكون أتباعهم على مستوى عالٍ من الطهر والإيمان، ولذلك كانوا يُركزون في توصياتهم على أن ولايتهم ليست مجرد شعار وانتماء عاطفي، وإنما هي فوق ذلك التزام رسالي. ومن بين التوصيات وصية الإمام الباقر لأحد أصحابه وهو خيثمة بن عبد الرحمن الجعفي، يقول الإمام : أبلغ من ترى من موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيهم على فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميّتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضاً حياةٌ لأمرنا، ورحم الله عبداً أحيا أمرنا. يا خيثمة أبلغ موالينا أنّا لا نُغني عنهم من الله شيئاً إلا بالعمل، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع، وإن أشد الناس حسرةً يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره.
وتعليقاً على هذه الوصية أكد الشيخ الصفّار أن محبة أهل البيت إذا لم تقترن بالعمل بمنهجهم الرباني فإنها لا تدفع عن العاصين عذاب الله يوم القيامة، بل إن الالتزام بولاية أهل البيت لا يتحقق إلا بالعمل الصالح وبالورع عن محارم الله. أما مجرد الإنتماء العاطفي وأداء بعض الطقوس فهي تخدم في جانب معين، ولا تمس جوهر الإنتماء لأهل البيت .
وأكد أن من يعترف بمكانة أهل البيت ويؤمن بولايتهم ويُجادل بها الناس، ثم يحيد عن خطهم فهو من أشد الناس حسرة يوم القيامة، كما يؤكد ذلك الإمام الباقر في وصيته.
وأشار في ختام الخطبة أن الإمام الباقر وبقية أئمة أهل البيت كانوا دائماً يُوصون شيعتهم بالتلاقي والتعاون فيما بينهم، لأن ذلك يُعزز قوتهم ومكانتهم، ويجعلهم قوة يحسب لها الآخرون ألف حساب، أما إذا تباعدوا وتنازعوا فإن شوكتهم تضعف، وبالتالي لن يكونوا نموذجاً لمدرسة أهل البيت ، ولن يتمكنوا من تحقيق الرسالة التي طالما جاهد أهل البيت في إيصالها للأمة.
بمناسبة موسم الحج وقرب يوم عرفة تحدث الشيخ الصفار عن جانب من بركات هذا اليوم العظيم، وأنه سُميّ بيوم عرفة لأن الله تعالى أمر جبرئيل بأن يأتي بخليل الله إبراهيم ويعترف بذنوبه في هذا المكان الطاهر، فهو مكان يقف فيه العبد بين يدي الله تعالى معترفاً بالخطايا والذنوب.
وأشار أن الحجاج يعيشون في يوم عرفة مشهداً عظيماً مهيباً روحانياً لا يعرف عظمته إلا من يُوفق لذلك. فالجميع في مكانٍ واحد وبلباس واحد، وأبصارهم شاخصةٌ لله تعالى، قد مدّوا أيديهم بالدعاء، لينهلوا من الألطاف الإلهية والبركات الربّانية.
مضيفاً: وحتى الذين لم يُوفّقوا للحج بإمكانهم أن يعيشوا أجواء يوم عرفة بروحانيته، بأن يجتمع المؤمنون للدعاء والتوجه لله تعالى. فعن الإمام علي أنه قال: لا عرفة إلا بمكة، ولا بأس بأن يجتمعوا في الأمصار يوم عرفة يدعون الله عز وجل. وعن الإمام الصادق أنه قال: في يوم عرفة يجتمعون بغير إمام في الأمصار يدعون الله عز وجل.
وأشار الشيخ الصفار إلى مستحبات يوم عرفة، ومنها: الغسل، والصوم إلا من يُضعفه عن الدعاء، فقد جاء في الحديث عنه : صيام يوم عرفة كصيام ألف يوم. وزيارة الإمام الحسين ، والصلاة ركعتين بعد الزوال، والدعاء بخشوع وتوجه لله تعالى. مقتطفاً من دعاء الإمام الحسين في يوم عرفة الفقرات التالية: ((يا من قلّ له شُكري فلم يحرمني، وعظمت خطيئتي فلم يفضحني، ورآني على المعاصي فلم يخذلني، يامن حفظني في صغري، يا من رزقني في كبري، يامن أياديه عندي لا تُحصى. فلك الحمد إلهي أمرتني فعصيتك، ونهيتني فارتكبت نهيك، فبأي شيءٍ أستقبلك يا مولاي، أبسمعي أم ببصري، أم بلساني أم برجلي؟ أليس كلها نعمك عندي، وبكلها عصيتك يا مولاي، فلك الحجة والسبيل عليّ.
مؤكداً في ختام خطبة الجمعة أن هذا الدعاء المبارك يُركّز على جانب مهم، وملف خاص ينبغي للإنسان أن يفتحه في هذا اليوم العظيم، وهو ملف العلاقة مع الله، فيُراجع الإنسان مواطن الخلل في شخصيته وسلوكه، ويتعهد بينه وبين ربه على إصلاحها، لتستقيم نفسه ويأتي يوم الفزع الأكبر آمناً مطمئناً، قد استوجب رضوان الله تعالى ورحمته ومغفرته.
والحمد لله رب العالمين