الأحساء: الشيخ الصفار في حفل الأربعين وذكرى عودة السبايا إلى كربلاء
شارك سماحة الشيخ حسن الصفار "حفظه الله" في حفل التأبين لأربعين الإمام الحسين وعودة السبايا إلى كربلاء وذلك في حسينية الحاجي بقرية التويثير بالأحساء، وذلك مساء يوم الخميس ليلة الجمعة الموافق: 24/02/1430هـ - 19/02/2009م. حيث بدأت الأمسية عند تمام الساعة الثامنة مساءً والتي قدمها الأستاذ حسن العثمان ثم تلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت الشاب علي الحمد بعدها كانت كلمة الشيخ الصفار وفيما يلي تلخيص لأهم ما ورد فيها:
أفتتح سماحة الشيخ الصفار حديثه بالآية الكريمة ﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون﴾ صدق الله العلي العظيم. وأردف الآية الكريمة بما ورد عن الإمام الحسين : «إني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردى على هذا أصبر حتى يقضي الله بحكمه والله خير الحاكمين».
أكد سماحة الشيخ الصفار في مطلع حديثة أن الاحتفاء بالإمام الحسين إنما هو احتفاء بقضية الإصلاح في الأمة، لأن الإصلاح في الأمة هو عنوان ثورة وحركة الإمام الحسين حيث ينبغي أن لا يكون الاحتفاء بهذهِ القضية مقتصراً على الحدود الزمنية التي حصلت فيها هذهِ القضية، فلسنا معنيين كثيراً بتفاصيل الوضع السياسي والاجتماعي الذي عاصره الإمام الحسين وثار من أجل أصلاحه وتغييره بمقدار ما نحن معنيون بدراسة واقعنا وكيف نستطيع أن نترجم أهداف النهضة الحسينية وتطلعات هذهِ النهضة المباركة في واقعنا الذي نعيشه.
الإمام الحسين حينما رفع لواء الإصلاح كان يريد أن يشق الطريق ويريد من محبيه وأتباعه أن يسلكوا طريقه، وحينما رفع صوته في صحراء كربلاء وهو يطلب الناصر والمعين «أما من ناصر ينصرنا أما من معين يعيننا» هذا النداء لم يكن موجهاً للقوم الحاضرين في تلك الصحراء وفي ذلك الزمن فقط، وإنما هو نداء مفتوح لكل الأجيال ولكل البلدان ولكل الأمم، لأن الحسين لم يكن شخصاً حتى تنتهي القضية بمقتله وشهادته، الحسين نهج ودرب ورسالة فمادام النهج قائماً فإن صوت الحسين يتردد في الأفاق «أما من ناصر ينصرنا».
إننا بمقدار ما نتحدث عن أولئك القوم الذين أصموا أسماعهم عن نداء الحسين ولم يلبوا نداء الحسين وقبلوا لأنفسهم أن يشتركوا في تلك الجريمة النكراء، فإن علينا أن نعلم أننا اليوم نتعرض لنفس الامتحان، فمن يسكت اليوم على الظلم والعدوان والانحراف فإنه شبيه بمن شارك ورضي عن جريمة قتل الإمام الحسين وعلى هذا يجب أن نتحدث عن الإصلاح في واقعنا المعاصر كأمة وكمجتمعات.
وقسم سماحة الشيخ حديثه حول الإصلاح إلى ثلاث محاور:
أكد سماحة الشيخ الصفار في هذه النقطة على أن الإصلاح ضرورة في حياة كل مجتمع بشري، لأن المجتمع البشري تكون فيه ظواهر وممارسات تنحرف به عن الطريق المستقيم، وهذا أمر يحدث في كل مجتمع كما أن جسم الإنسان يصاب بالأمراض والأسقام وذلك إما لأسباب ذاتيه كالأمراض الوراثية أو لأسباب خارجية بسبب البيئة التي يعيشها الإنسان، لذلك فإن كل جسم معرض للمرض، وكذلك كل مجتمع معرض للنكسات. فلو قرأنا التاريخ فلن نجد مجتمعاً نقياً من الظلم وخالياً من الفساد، وحتى أفضل المجتمعات كالمجتمعات التي كان يعيش فيها الأنبياء وخصوصاً ذلك المجتمع الذي عاشه نبينا محمد لا تجد أحداً يجزم أن ذلك المجتمع كان خالياً من الانحرافات والظلم.
إذاً وجود الانحراف والظلم والفساد أمر طبيعي وقائم في أي مجتمع بشري، ولكن المجتمعات تختلف في المواجهة للانحراف أو السكوت عن الانحراف، هناك مجتمعات تهتم في تصحيح أوضاعها وأمورها، وهناك مجتمعات لاتهتم بذلك. فالآية الكريمة التي افتتحنا بها حديثنا، الله سبحانه وتعالى يقول فيها ﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون﴾. فالقرى ليس المقصود منها القرية الصغيرة وإنما هي تعبير عن المجتمعات البشرية كلها فمن يسكت عن الظلم وعن الانحراف ومن أي مجتمع كان فإنه يسير إلى الهاوية.
فوجود الظلم أمر طبيعي، ولكن مواجهة الظلم هو الأمر الذي ينبغي الاهتمام به، حيث أن وجود الإنسان الصالح في المجتمع لا يمنع الظلم ولا يمنع الخراب، وإنما يمنع الانحدار ويمنع مسيرة الدمار والهلاك في أي أمة أو مجتمع إنما هو وجود المصلحين، وليس وجود الصالحين، وهذا أمر واضح نجده حتى في جسم الإنسان عندما يفقد جهاز المناعة فإن جسم الإنسان يصاب بالأمراض ويكون معرضاً للانتكاسات والصدمات.
وفي نهاية هذه النقطة قال سماحة الشيخ الصفار أن في بلداننا ومجتمعاتنا توجد مشاكل وتوجد حالات من الظلم والفساد وهذا أمر طبيعي، ولكن هل يوجد في كل مجتمع من هذه المجتمعات آليات لمواجهة هذهِ المشاكل أم هناك السكوت والخنوع، فنحن في حاجة في كل قرية من قرانا وفي كل مدينة من مدننا لوجود مجموعة من الناس يتصدون لقضايا المجتمع ويعالجون المشاكل، وهذا هو منطق القرآن ومنطق الإسلام انطلاقا من مبدي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقسم سماحة الشيخ هذهِ المجالات إلى ثلاث نقاط:
1- الإصلاح الثقافي:
في هذه النقطة قال سماحة الشيخ الصفار بأن كل مجالات الحياة تحتاج إلى أصلاح ونجد ذلك في المجال الفكري والمجال الثقافي، فالمجتمع توجد فيه أفكار سائدة وفيه ثقافة معولمة ونحن نعيش في عصر فيه انفتاح كبير غير محدود على مختلف الأفكار ووسائل الإعلام والاتصالات والمعلومات، فقد أصبح كل طفل من أطفالنا وعبر جهاز الكمبيوتر يطَلع على كل ما هو موجود في هذا العالم، وأن يطلع على مختلف المعلومات المتنوعة التي فيها الجيد والردئ.
فلابد من وجود آلية لحماية عقول الناس وأفكارهم وأن يرشد الحالة في الطريق الصحيح ونجد ذلك جلياً في حديث الإمام الحسن عندما قال: «عجبت لمن يفكر في مأكوله كيف لا يفكر في معقوله فيجنب بطنه ما يؤذيه ويدخل إلى عقله ما يرديه» فنحن بحاجة إلى الإصلاح على هذا الصعيد وأن لا نترك أبنائنا فريسة لهذهِ الأفكار والتوجهات، ونلحظ ذلك من خلال بعض التصرفات الطائشة وبعض الممارسات المنحرفة التي ننزعج منها، ولكن يجب علينا أن نعرف أن هذه الممارسات المنحرفة نشأت من ثقافة وصلت إلى أبنائنا ونحن غافلين غير منتبهين.
وعلى جانب الإصلاح في الثقافة الدينية قال سماحة الشيخ الصفار علينا أن نتأكد من هذه الثقافة الدينية السائدة في أوساطنا ومجتمعاتنا حتى لا يشوبها الخلل في بعض الأمور وبعض الممارسات وهذا يدفعنا إلى الإصلاح، فقد نجد أن بعض هذهِ الثقافات تصلح لزمن معين ولكن ليس شرطاً أن تصلح في زمن آخر، لأن تطور الحياة وتطور الزمن يحتاج إلى مواكبة فكرية، ولهذا باب الاجتهاد مفتوح حتى نستطيع مواكبة الحالة العلمية والمعرفية التي تحصل وتتطور من زمن لآخر.
2- الإصلاح الاجتماعي:
وأكد سماحة الشيخ الصفار في هذه النقطة على ضرورة الإصلاح الاجتماعي ومعالجة المشاكل الاجتماعية من خلال أصلاح ذات البين، وتطبيق مبدأ التعاون والألفة بين الناس، وتعزيز علاقة المحبة مع الأبناء كما روي عن أمير المؤمنين : «لا تقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم» وهذا ينطبق أيضاً على علاقاتنا مع بعضنا البعض كمجتمع وكطائفة وكمذهب، فلماذا لا نستطيع أن نتعايش مع بعضنا البعض إذا اختلفت اراؤنا ولماذا لا يحترم بعضنا بعضاً حينما تختلف توجهاتنا، فعلينا أن نصلح نمط العلاقات بيننا وأن يكون هناك توجه للإصلاح على هذا الصعيد لأهميته في بناء المجتمع واستقرار أوضاعه.
3- الإصلاح السياسي:
في هذهِ النقطة قال سماحة الشيخ الصفار إننا معنيون بالحالة السياسية من حولنا، وقد نجد انحرافاً وتقصيراً من بعض الجهات ومن بعض الأجهزة الحكومية، فينبغي على المجتمع أن يكون يقضاً وأن يكون طرفاً في أصلاح هذا الخلل، فالمواطنون لا يصح لهم أن يسكتوا عن تقصير الجهات الوظيفية الرسمية في البلد، وإنما يجب أن يكونوا عيناً رقيبة على أداء هذهِ الجهات بما يخدم مصلحة الوطن ويخدم أمن واستقرار المجتمع، ويجب أن لا نبرر تقاعسنا بأننا لا نستطيع ولا نتمكن ولا يفيد ذلك، وإنما ينبغي المبادرة والتصدي للقضايا العامة في البلد لمعالجة الفساد والخلل حتى لا يستمر الظلم مع مرور الزمن والوقت.
وقسم سماحة الشيخ وسائل الإصلاح إلى ثلاث نقاط:
1- الوعي:
وفي هذه النقطة قال سماحة الشيخ الصفار يجب أن يكون هناك وعي بما يدور من حولنا والتفكير في كل المجالات الموجودة بيننا، فلا يجب أن نقلل من قدراتنا ونقول بأننا لسنا المعنيين بهذا التشخيص أو بهذا التغيير، وهذا نجده جلياً فيما روي عن الإمام الصادق : «من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».
2- المبادرة:
يجب المبادرة والاستجابة لضمير الواجب وعدم الأتكال على الغير فالجميع مطالب بالإصلاح والتغيير. كما قال الإمام علي : «أتزعم أنك جرم صغير وفيك أنطوى العالم الأكبر» وهذا نجده في المجتمعات التي مارس الأعداء عليها الظلم والعدوان، ولكنها بادرة للتغير وبادرة للإصلاح فكان النصر حليفها كما هو الحال في لبنان وفي فلسطين.
3- التعاون:
كل مجتمع لا يتطور ولا يتقدم من دون التعاون والتكاتف، فالمجتمع يوجد فيه مجالات التطوير والإبداع، وذلك من خلال المشاركة في الجمعيات الخيرية والأندية الرياضية، وإصلاح أوضاع البيئة وحماية الأوضاع الصحية والاقتصادية للمجتمع، ويجب علينا أن لا نخنع للكسل والسكوت والرضا بالميسور، وإنما يجب التعاون والارتقاء بالمجتمع إلى أحسن الحالات، فالإمام الحسين حينما أنطلق في ثورته كان الأفق أمامه ملئ بالعقبات والصعوبات ولكنه لم يتوقف عن الحركة، ولم يتراجع عن مشروعه ونهجه، وها نحن نرى نتاج الحسين وثورة الحسين التي ضلت تصارع الزمن، وهكذا نحن يجب علينا أن نفكر على المدى البعيد، وليس في العمل الذي يكون نتاجه وقتياً فقط، وإنما يجب أن نبني لأجيالنا ومستقبل أوطاننا وبلداننا.
وختم حديثة بالشكر الجزيل على إتاحة الفرصة له للحديث مع الأخوة الأعزاء في قرية التويثير بالاحساء التي ذكر بزياراته لها قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وعلاقته مع رجالاتها الطيبين الكرام.
وفي نهاية الأمسية القى كل من الشاعرين ناجي حرابة وحيدر العلي قصيدتين بمناسبة الذكرى، وبعد ذلك كان العزاء بصوت الرادود السيد ثامر الشخص.
وكان سماحة الشيخ الصفار قد قصد الاحساء صباح يوم الخميس، وزار عدداً من المجالس والشخصيات، ملبياً لدعواتهم، حيث زار الحاج حسن الحبابي في العمران، كما زار العلامة الشيخ حسين الراضي في مكتبه في قرية (الحوطة)، ثم تناول طعام الغداء على ضيافة الأستاذ حسين بن حسن بن سلمان الحاجي، بحضور عدد من الشخصيات، وقدم له الأستاذ علي طاهر الحاجي المدير التنفيذي لجهاز السياحة والآثار بالأحساء هدية رمزية تمثل منظراً رائعاً لعجائب الطبيعة في الاحساء فاز بجائزة دولية.
وأشاد الشيخ الصفار بالدور الوطني الذي تقوم به اللجنة ضمن هيئة السياحة في التعريف بمعالم هذه المنطقة، وابراز مكانة الاحساء التاريخية والحضارية.
وعصر الخميس زار سماحته فضيلة الشيخ عبد الخالق الحاجي في قرية البطالية حيث استقبله مع عدد من شخصيات البلاد في طليعتهم فضيلة الشيخ علي المسبح.
ثم لبي دعوة الوجيه محمد الخرس (أبو هاني) في منطقة الخرس بالهفوف، والذي جمع على شرف سماحة الشيخ نخبة من رجالات الاحساء من العلماء والوجهاء، من بينهم اصحاب الفضيلة الشيخ عبد الامير الخرس والشيخ محمد جواد الخرس والشيخ جواد الجاسم والشيخ عادل ابو خمسين وفي قرية التويثير أمَّ سماحة الشيخ الصفار المصلين في المسجد الجامع لصلاتي المغرب والعشاء وشارك في مراسيم دعاء كميل.