الشيخ الصفار ينتقد إلغاء شخصية الفرد في المجتمعات التقليدية
انتقد فضيلة الشيخ حسن الصفار إلغاء شخصية الفرد ضمن حالة التبعية المطلقة التي تعيشها المجتمعات التقليدية، حيث يعيش الفرد فيها ذائباً، لا يتصوّر لذاته وجوداً مستقلاً، فهو نسخة مكررة في مجموع المجتمع، مما يجعله يعيش في حياته تبعياً بلا وجود لفكره واستقلاليته تماماً كالقطيع.
وأشار الشيخ الصفّار في خطبة الجمعة 20 شوال 1430هـ (9 أكتوبر 2009م) إلى بعضٍ من المظاهر التي يتجلّى فيها سحق شخصية الإنسان في تلك المجتمعات، ومصادرة حقّه في التفكير واتخاذ القرار.
فمن الناحية الفكرية يبقى الفرد مقيداً بحدود الفكر السائد في المجتمع، وليس له الحق في التفكير أو إبداء رأيٍ مخالف لما هو سائد، وإذا حصل ذلك فإن حياته تكون مهددة بالخطر.
ومن ناحية الطموح والتطلع، فإن إنسان تلك المجتمعات لا يرى نفسه أهلاً ليكون له طموحٌ ذاتيٌّ يُحقق أهدافه الشخصية وتطلعاته الذاتية، فهو لا يعدو كونه فرداً ضمن مجتمعٍ كبير، تسير حياته كباقي الناس، وقد يُسيّرها آخرون يتربّعون على عرش زعامة المجتمع، والناس إنما هم مسيّرون لإرادة هذه الزعامات.
وأما العادات والتقاليد فهي تفرض نمطاً من السلوك على أفراد المجتمع، وأي انحراف عن هذه العادات يُعد جرماً لا يُغتفر.
وأكثر من ذلك فإن الخيارات أمام الإنسان محدودة، فهو لا يُقرر مساره التعليمي أو الوظيفي أو حتى اختياره لشريك الحياة، إذ تجد بعض العائلات، بحكم طبيعة التفكير الذي يعيشه المجتمع، أن من حقّها فرض آرائها على أبنائها، وذلك أشبه ما يكون بأن ترث الأسرة من المجتمع الكبير نمط التفكير الإقصائي.
وشجّع الشيخ الصفار على استقلالية الفرد بفكره وآرائه ومشاعره وسلوكه، مؤكداً أن رسالات الأنبياء إنما جاءت لتُحرر الإنسان وتُنقذه من الذوبان الاجتماعي. مضيفاً: إن الله تعالى في كتابه العزيز أدان هذه الحالة التي تعيشها الكثير من المجتمعات في عصرنا الحاضر، وما مجتمعنا من ذلك ببعيد، يقول تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾، ويقول تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ﴾.
ورأى الشيخ الصفّار أن رقعة الوعي في المجتمعات العربية والإسلامية قد اتّسعت وهذا من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديدة تعيشها هذه المجتمعات، يكون فيها الفرد مستقلاً بذاته في شؤون حياته الشخصية وفي مختلف المجالات الفكرية والشعورية والسلوكية. مؤكداً أن هذا الواقع تتطلّع إليه كافّة الشعوب، وهو الحالة الصحّية التي يدعو لها الدين الحنيف، ذلك أن الإنسان مسؤولٌ بالدرجة الأولى عن آرائه وأفكاره ومشاعره وسلوكه، وليس مقبولاً منه التبرير لذاته بالواقع الذي يعيشه.