القاضي الدكتور الغيث في ضيافة الشيخ الصفار

مكتب الشيخ حسن الصفار تصوير: عبدالله الدبيس

استضاف سماحة الشيخ حسن الصفار في مجلسه بالقطيف فضيلة الدكتور الشيخ عيسى بن عبداللّه الغيث القاضي بوزارة العدل في الرياض وذلك مساء يوم الجمعة ليلة السبت 4 صفر 1432ﻫ الموافق 8/1/2011م.

وقد حضر اللقاء حشد كبير من المواطنين السنة والشيعة من الدمام والقطيف من بينهم عدد من العلماء والمثقفين والإعلاميين.

وبعد تلاوة عاطرة لآيات من الذكر الحكيم ألقى الشيخ الصفار الكلمة الترحيبية التالية:

كلمة الشيخ الصفار

أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد واله الطاهرين وصحبه الطيبين.

فضيلة الأخ الدكتور الشيخ عيسى الغيث

المشائخ الفضلاء، الحضور الأعزاء السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

باسمكم جميعًا أرحب بضيفنا الكريم فضيلة الدكتور الشيخ عيسى الغيث وهو المعروف بكتاباته ومواقفه الجريئة في تبيين ما يعتقد أنه الحق، له آراء جريئة في المجال الفقهي والمجال الاجتماعي، وهو قاضي في المحكمة الجزائية في الرياض، ومستشار لوزير العدل، وله مقال أسبوعي في جريدة الرياض، ولطالما كانت مقالاته سببًا لحراك ثقافي معرفي؛ لأنه لا يتقيد بما هو سائد ومشهور، وإنما يعتمد على اجتهاده وما يرى أنه مصلحة لدينه ولمجتمعه، فأهلًا وسهلًا به، وأهلًا وسهلًا بكم جميعًا.

لا أريد الإطالة في التقديم لكني أحب الإشارة إلى ما تضمنته أحاديث كثيرة وردت عن رسول اللّه وعن أئمة أهل البيت وعن الصحابة الكرام، تؤكد وتشجع على أهمية التواصل والتزاور بين الناس، فقد أورد المتقي الهندي في كنز العمال عن أنس عن رسول اللّه أنه قال: «أي عبد زار أخًا له في اللّه نودي أن طبت وطابت لك الجنة»، وفيه أيضًًا عن أنس عن رسول اللّه أنه قال: «الزائر أخاه المسلم أعظم أجرًا من المزور»، ففضيلة الشيخ ثوابه في هذه الزيارة أكبر وأعظم من ثوابنا، وفي بحار الأنوار عن رسول اللّه أنه قال: «الزيارة تنبت المودة»، وما أحوجنا في كل زمان ومكان إلى التواصل والتزاور، وخاصة في ظل الظروف الحاضرة التي تعيشها أمتنا وأوطاننا، وحيث نرى تكالب الأعداء، وسعيهم الدائب لتفتيت وتمزيق أوصال أمتنا العربية الإسلامية، ونحن الآن على مقربة من الاستفتاء في السودان الذي خطط له لكي يؤدي إلى انقسام السودان، كما أننا نلحظ ما يدور في اليمن، ونلحظ النزاعات والصراعات في طول العالم الإسلامي وعرضه، وأسوأ تلك الصراعات والنزاعات ما كان يأخذ عنوانًا دينيًا لأنه يكون أكثر إيلامًا، وأكثر إيقاعًا، وشدة على هذه الأمة.

نحن بحاجة للتزاور لنتعرف إلى بعضنا بعضًا عن قرب، وليس من خلال الإشاعات والتعبئة المضادة، ومن خلال النقولات غير الموثقة، كما أننا بحاجة إلى التزاور لكسر الحواجز النفسية، إذ إن غالب المشاكل ليست بسبب الخلاف الفكري أو العقدي فهو أمر مألوف وقديم في تاريخ الأمة، وتاريخ المجتمعات البشرية، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً[سورة هود، الآية: 118].

التنوع الديني وألوان التنوع أمر قائم في المجتمعات، ولكن لا ينبغي أن يكون سببًا للعداء، أو سببًا للتحريض على الكراهية، المشكلة أن هناك حواجز نفسية تصنع بين الناس، اللقاءات تكسر هذه الحواجز، وتجعل الناس أقرب إلى بعضهم بعضًا، لسنا معنيين كثيرًا بالجدل العقدي والمذهبي، فقد صرفت أمتنا فيه جهودًا كبيرة طوال أربعة عشر قرنًا من الزمن، وهناك تراث كبير من الجدل العقدي، علماء كل مذهب وأتباع كل مذهب قالوا ما عندهم، فإلى متى نبقى في هذا الجدل؟ الحوار المذهبي له أطره العلمية بين النخب العلمية، وفي وقته المناسب، وأمام هذه التحديات الكبيرة نحن بحاجة إلى توثيق عرى الصلة والتلاحم بيننا، حتى نخدم واقعنا، ونصلح أمورنا، ونواجه التحديات الخطيرة.

من هذا المنطلق تأتي زيارة فضيلة الشيخ الدكتور عيسى الغيث، ونشكره شكرًا جزيلًا على هذه الزيارة، جاء إلى الدمام للمشاركة في برنامج تلفزيوني، فوجدتها فرصة طيبة لكي أطلب منه تشريفنا بالزيارة، فلبى الدعوة، ونأمل أن نسمع منه ما يفيدنا، وما يتيح المجال لحوار يخدم ثوابتنا الدينية والوطنية، ويتجاوز بنا الخلافات.

لا بديل لنا عن التلاقي والتواصل، قد تحصل مشاكل من هنا وهناك، قد تحصل نكسات، قد يعترض هذا الطرف أو ذاك الطرف، في وسط السنة من يعترض على التواصل، وفي وسط الشيعة قد يكون هناك من يعترض على التواصل، لكن العقلاء يرون أن هذا هو الخيار السليم، والطريق المناسب، ولا بد أن نسلكه ونسير فيه، بغض النظر عن النتائج، لأن التواصل قيمة بحد ذاته، وليس مجرد وسيلة للوصول إلى هدف، وإنما هو قيمة إسلامية وحضارية.

وننتظر حديث فضيلته، ونسأل اللّه التوفيق وأن يشملنا في هذا اللقاء برحمته وفضله والحمدللّه رب العالمين.

ثم تحدث الدكتور الغيث، شاكرًا للشيخ الصفار دعوته وحفاوته، وللحاضرين اهتمامهم واحتفاءهم بالكلمة التالية:

كلمة الدكتور الشيخ عيسى الغيث

السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته

بسم اللّه الرحمن الرحيم، الحمد للّه والصلاة والسلام على رسول اللّه.

أيها الأخوة، أيها الأحبة، إنني في هذا المساء أشكر كل فرد منكم على أن أكرمني بهذا الحضور، ولكل واحد منكم حق له علي أن أزوره في بيته، مقابل هذه الزيارة في هذا المساء، وأطلب من كل واحد منكم أن يعذرني عن التقصير، الشيخ حسن الصفار حفظه اللّه اتصل بي ودائمًا هو السباق بالخيرات، وإلا فإن هناك واجبًا عليَّ وحقًا للشيخ حسن والشيخ فيصل العوامي أيضًًا أن أستجيب لوعد سابق بالزيارة، وكنت أتمنى أن أبادر بالزيارة قبل الاتصال، ولكن هؤلاء هم الكرماء السابقون بالخيرات، مهما حاولنا أن نسبقهم، بكل صراحة ووضوح الشيخ حسن الصفار ليس شيخًا لكم وحدكم بل شيخ لنا جميعًا، وأنا استفدت منه وقرأت له.

أيها الإخوة

الواحد منا كثيرًا ما يكون في فكره شيء يود أن يطرحه ولكن يخشى من أن تكون هناك تساؤلات سلبية أو مفاهيم غير مقبولة، وهنا يأتي الشرك من عدمه، على الواحد منا ألا يعبد إلا اللّه، ولا يخاف إلا اللّه، وكما أن فعل العبادة من أجل الناس رياءً فإن تركها من أجل الناس شرك.

من السيرة الذاتية للدكتور الغيث:
♦ د. عيسى بن عبدالله الغيث.
♦ من مواليد الرياض عام 1392هـ، متزوج وله خمسة أبناء.
♦ بكالوريوس شريعة من جامعة الإمام وماجستير فقه مقارن من المعهد العالي للقضاء ودكتوراه من جامعة الأزهر بالقاهرة في الفقه والقانون.
♦ عمل في القضاء منذ عام 1416هـ في تبوك وحائل والرياض.
♦ وحالياً يعمل قاضياً ومستشاراً لمعالي وزير العدل.
♦ مثّل السعودية في مجموعة من المؤتمرات العالمية والإقليمية.
♦ له مجموعة من البحوث والمؤلفات تحت الطباعة.
♦ كاتب في مجموعة من الصحف والمجلات وله مشاركات مرئية ومسموعة.
♦ أشرف وناقش مجموعة من رسائل الماجستير والدكتوراه.
♦ يُعرف بتبنيه للفكر الوسطي والخطاب المعتدل والمتسامح.
♦ ولقي الكثير من الأذى تجاه كتاباته النقدية الذاتية.
♦ بريده الالكتروني: issacom@gmail.com

ولذا هناك سلامة في المنهج ومنهج للسلامة، وغالب الناس عندهم منهج السلامة، ما يحتاج نتكلم، ما نحتاج نستجيب، ما نحتاج ننقد ذواتنا، وهذا فيه راحة من عدم الإشكالات والتساؤلات والنقد ونحو ذلك، ولكن سلامة المنهج مقدمة على منهج السلامة، الواحد منا في حياته ما خلق إلا للعبادة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[سورة الذاريات، الآية 56] العبادة تقوم على العزيمة وليس فقط على الرخصة، وحتى في الرخصة أجر، لذا الواحد منا لا بد أن يتحمل ما يأتيه في هذا السبيل، ولكن للّه الحمد في هذا الزمان وفي هذا الانفتاح المعلوماتي من الناس من استفاد منه إيجابيًا في الوحدة الفكرية والتعاون والتقارب، وهناك من استغل هذه الوسائل المعلوماتية في مزيد من الشقاق والافتراق، ولا أحب أن أزيد على ما قاله الشيخ في كلمته وأنا معه ليس مائة بالمائة بل مائتين بالمائة، وهكذا يجب أن نكون، ولكن كثيرًا ما نشكو من الفرق بين ما نفكر فيه وما ننطق به.

يجب أن نحسن الظن بالجميع، يجب على الواحد أن يقول ما يعتقده ولا يخاف إلا اللّه، ولا يخشى إلا من اللّه، ويسعى في طريقه في هذا السبيل.

في اعتقادي هناك اختلاف بين أبناء البشر، بينك وبين ابنك اختلافات، بل وبينك وبين نفسك اختلافات، بين اللحظة والأخرى قد تغير رأيك، قد تغير ملابسك، قد تغير كلماتك، قد تغير اجتهاداتك، فلماذا الواحد منا يجيز لنفسه أن يختلف مع نفسه في بعض آرائه بين ساعة وأخرى، وأن يختلف بينه وبين ابنه، وبين أخيه، ولا يرضى أن يختلف مع الآخرين، ويريد من الآخرين أن يكونوا مثله مائة بالمائة، اللّه عز وجل لو أرادنا أن نكون فئة واحدة وشخصًا واحدًا برأي واحد لما خلقنا، لذا خلقنا اللّه من أجل أن نختلف اختلاف تعاون ونمو وتنوع، لا تضاد، لذا كل ما حصل في التاريخ الإسلامي والجغرافية الإسلامية ليس بسبب الدين، وإن استغل الدين لهذا السبب، هي مطامع دنيوية، وأسباب دنيوية تلبس ملابس الدين من أجل ذلك، وهذا منذ قرون، ولذا لا بد من أن نطهر الدين من المكاسب الدنيوية التي تريد هذا الأمر.

على كل حال، الحديث يطول ولا أحب أن أنقص من الوقت؛ لأني رجوت من الشيخ حسن أن يكون الوقت كله أو غالبه للأسئلة، والحوارات أفضل من التلقي، لأننا من أجل أن لا ننقاد أن يكون هناك حوار متبادل، فهذا هو الهدف الأسمى ولكم بالغ التحية وأسمى التقدير.

مداخلة الدكتور توفيق السيف[1] 

البارحة تشرفت بخدمة الدكتور الشيخ الغيث في ندوة في التلفزيون وتفضل وعرض الكثير من الأفكار المثيرة للاهتمام وخاصة في التعامل مع الشباب، وتمنيت أن هذه الجلسة ستكون في نفس الاتجاه لأني أظن أن النقاش حول مشكلاتنا الواقعية قد يكون أنفع من النقاش في القضايا الطائفية، في اعتقادي أن هنالك ثلاثة مستويات للخلاف سواء في القضايا المذهبية أو القضايا السياسية.

المستوى الأول: الخلاف على قضايا علمية، الأفكار التي تتضمنها هذه الطائفة أو المذهب هي أفكار علمية في هذا المستوى الاتفاق ليس مطلوبًا، بالعكس الاختلاف هو الأفضل؛ لأن الاختلاف هو الذي يطوّر العلم وهو الذي يثير الأسئلة الجديدة التي تأتي بعلم جديد.

المستوى الثاني: مستوى تضارب المصالح، من الواضح أن كل جماعة وطائفة وتيار هو دائرة مصالح سواء عرف نفسه على هذا النحو أو لم يعرف ولكن هو دائرة مصالح، وقصدي دائرة مصالح ليس بالمعنى السلبي، ولكن قصدي أنها شيء ينجذب إليه الناس وينتمون إليه، لأنهم يجدون أنفسهم من خلاله، فدور المصالح في العادة إما في حالة تضاد، أو في حالة تشابه، المصالح الأكثر اقترابًا في العناصر المصلحية تتشابه، والأبعد تتنافر، وهذا شيء معروف في الدراسات الاجتماعية، في هذا المجال نحتاج إلى نقاش و إلى جدل، ولكن ليس على أساس علمي باستدعاء عناصر العلم، وإنما بالتأكيد على عناصر المصلحة، بأن نقول من مصلحتنا أن نقترب، لأن التنافر ليس أمرًا طيبًا، سواء كنا نتفق في الأفكار أو لا نتفق، فنحن نحتاج إلى أن نقترب.

المستوى الثالث: مستوى الحكم، في اعتقادي أن المشكلات الطائفية في أي بلد لا يمكن حلها بواسطة زعماء المجتمع، ولا بواسطة المفكرين، ولا بواسطة علماء الدين، إنما يحلها السياسيون الذين يملكون القرار السياسي، ورأيت مشكلة لبنان على سبيل المثال الحرب الأهلية حلت وانتهت في اتفاق الطائف الذي كان اتفاقًا بين زعماء السياسة، ولم يكن بينهم لا مفكر ولا عالم، وكذلك الحرب والنزاع السياسي في العراق، حل بسبب اتفاق سياسي، وليس باتفاق العلماء ولا المفكرين، لذلك في مستوى الحكم نحن نحتاج إلى صاحب الحكم، صاحب القرار السياسي، الذي يتدخل إذا وجد أن النزاعات الطائفية أو السياسية قد تؤدي إلى خراب البلد، أظن أن المستوى الذي وصلنا إليه في النزاع ليس فقط بين الشيعة والسنة، بل وحتى بين تيارات في داخل الشيعة، وتيارات في داخل السنة، يحتاج إلى قرار سياسي، القرار السياسي ليس بالضرورة قمعًا، أحيانًا يكون عملًا استيعابيًا واحتوائيًا، وأحيانًا يكون ردعيًا، وأنا لا أؤمن بفكرة الردع في السياسة، وإنما أؤمن بفكرة الاستيعاب والاحتواء، وأظن أن هذا هو الذي يجب أن يكون موضوع القرار السياسي.

تعقيب الدكتور الغيث

لو تسمح لي بتعليق فضيلة الدكتور في ما يتعلق بالموضوع السياسي، أنا أسلم لكم في جميع ذلك، ولكن إذا كان العالم والمفكر والمثقف بينهم تفاهم إيجابي، سوف يشجع السياسي أو أحيانًا يحرج السياسي ويدفعه إلى مزيد من الخطوات الإيجابية، في حين أن هذا التنافر السلبي بين القواعد، وخصوصًا إذا تبناه بعض الرموز أو المرجعيات الفكرية أو الثقافية سوف يكون مبررًا للسياسة لعدم الاقتراب لحل هذه المسائل. أنا أعتقد أن ما تحت القرار السياسي هو الذي يمهد القرار السياسي الإيجابي أو السلبي على هذا النحو.

منير النمر[2] 

كيف ينظر فضيلة الشيخ للكثير من المثير للفتن على شبكة الانترنت على وجه التحديد من الطرفين الشيعة والسنة لإثارة الفتن الطائفية؟

الدكتور الغيث

فيما يتعلق بموضوع الانترنت في اعتقادي أن هذه الإثارات هي من أحد شخصين، إما شخص ليس من هذه الطائفة أو الأخرى يريد إثارة الفتنة، أو شخص سفيه أو مراهق، بغض النظر عن عمره أو مرتبته العلمية، لأن موضوع السفه والمراهقة تكون حتى للكبار سنًا أو حتى مرتبة أو رتبة، العبرة بالحق في مثل هذه الحالات.

التطرف موجود في كل زمان ومكان وفي كل طائفة ومذهب، قد تختلف مع الواحد فقهيًا في مسألة جزئية فيقلبها من اختلاف فقهي إلى مفاصلة عقدية ثم إلى تكفير ثم إلى استتابة، وبعد ذلك إلى عملية يسمونها استشهادية فيها التقرب إلى اللّه والإسراع إلى الجنة، وهذا أمر معروف في الحقيقة، فالتطرف موجود ولا يسلم منه أحد، ويجب أن لا نعطي هؤلاء المتطرفين الفرصة بأن نتحدث عنهم، فالأفضل أن يتركوا وأن يرد على باطلهم دون ذكر أسمائهم كي لا يشجعوا أو يشجع غيرهم.

حقوق المرأة

وفي رد له على سؤال من الأستاذ منصور سلاط حول واقع حقوق المرأة في المملكة. أجاب الدكتور الغيث:

فيما يتعلق بموضوع المرأة، المرأة نصف المجتمع في العدد وفي القيمة كما نلحظ الآن، كلما جئنا في مؤتمرات عالمية يقال هذا مؤتمر عن المرأة نقول نحن عندنا في الإسلام المرأة لها حقوق، وإذا قلنا الطفل، الطفل له حقوق، العمال لهم حقوق، أين هذه الحقوق؟!

الحقوق مقرة قبل أكثر من 1400 سنة ونحن لم نطبقها، فنحن نقول إن الظلم يقع على الأطفال وعلى المرأة وعلى الكبير وعلى الصغير وعلى جميع الأجناس ولكن الأهم أن الواحد منا لا يظلم نفسه ويساعد على ظلم نفسه، وإنما يسعى جاهدًا في هذا الأمر وأنا من الذين يسعون جاهدين فيما يكتبه وفيما يقوله بالمطالبة وحماية حقوق المرأة، ولكن من المعروف أن مجتمعنا لا يبادر في مثل هذا الموضوع، بل إذا حصلت مبادرات، إذا بالبعض لديهم مشاريع ممانعات ومعارضات.

وبالفعل المرأة عندنا مظلومة في الكثير من الجهات، ومن المفارقات الغريبة في مجتمعنا أننا نلاحظ في بعض الدول المجتمع يريد حقوقًا معينة والسياسي لا يريد، وفي مجتمعنا قد يكون السياسي يريد الحقوق للمرأة والمجتمع لا يريد فأصبحت المعادلة مقلوبة.

الشيخ عبدالله اليوسف[3] 

باعتبارك صاحب رأي وليس باعتبارك مسؤولًا في وزارة العدل.

بالنسبة لتقنين الأحكام من الملاحظ الآن في كثير من الدول الإسلامية هو تقنين عملية الأحكام بحيث إن القاضي يكون عنده مدونة أحكام والناس يعرفون ما هي عقوبات كثير من الأمور، الملاحظ في بلادنا لا يوجد تقنين للأحكام وإنما هو اجتهاد القاضي ولذلك نلاحظ تفاوتًا كبيرًا في الأحكام.

الشيخ الغيث

فيما يتعلق بموضوع التقنين أنا معك، التقنين فيما يتعلق بالحق المدني وفيما يتعلق بالجزاءات والعمال هذه أمرها سهل، حتى في الأحوال الشخصية قد يكون تقنين عام وتؤخذ في الاعتبار التقانين الجزئية، وقد صدر قرار من هيئة كبار العلماء في الموافقة على التقنين، وتعرفون قبل سنوات طويلة لم يوافق على التقنين، الآن وافقوا بالأغلبية، فهل نحتاج إلى دورة زمنية جديدة، وكثيرًا ما أقول كم هي الدورة الزمنية لتغيير الآراء وإعطاء الحقوق؟!

الحق تأخذه بعد عشر سنوات هو حقك لماذا تأخرت في إعطائه، والشيء الحرام قبل عشر سنوات وصار حلالًا، إذًا لماذا لم يصبح حلالًا من البداية؟!

إذا لم يكن محرمًا لذاته إنما محرمًا لغيره، وعلى هذا الأساس صدر قرار من هيئة كبار العلماء الآن وهناك إجراءات و إخراج مدونات، وبما أنني قاضٍ جزائي منذ أكثر من 15 سنة ألحظ أن هناك تفاوتًا في الأحكام، ولكن حتى مع وجود القانون أو ما يسمى بالمدونات سوف يبقى الاختلاف، ولكن يبقى الاختلاف ضيقًا بين حد أدنى وحد أعلى، المشكلة معروفة مسلم بوجودها هناك سعي في حلها ولكن الإشكالية أننا نعقِّد بعض الأمور وهناك من يقف في مثل هذه المسائل.

الشيخ فيصل العوامي[4] 

أخص الدكتور بإثارة هذا التساؤل أولًا لما عرفناه عنه من جرأة في عرضه لأفكاره التي تتضمن نقدًا لبعض المسلمات الشائعة في الوسط الديني، ومداخلته هي التي لفتت انتباهي في مركز الحوار قبل أشهر، كما لفت انتباه الأستاذ الشيخ زكي الميلاد؛ لأنها كانت مداخلة في غاية الجرأة والمتانة والقوة وكانت تحفر في مسلمات على الأرض التي تتبنى تلك المسلمات.

إننا كطائفة في هذه البلاد الطيبة وكمجتمع نعتقد أن جذر المشكلة التي نعانيها يعود إلى الخط السلفي المتشدد هذه جزئية، الجزئية الثانية هي التحالف بين الإرادة السياسية والخط السلفي.

في السنوات المتأخرة لاحظنا أمرين، الأول: حصول تحولات داخل الخط السلفي نفسه وبدأت تتكون انتقادات وتصورات جديدة وهذه التصورات متوجهة خصيصًا لنقد حالة التشدد في الوسط السلفي.

الأمر الآخر: تنامي الاعتراض عند الكثير من القطاعات والشرائح على المستوى الوطني ضد الخط السلفي، اعتراضات صريحة نجدها في وسائل الإعلام المحلي، وهذه التساؤلات والنقد الداخلي والخارجي ورّث عندنا حالة من التفاؤل والأمل أنه هل هذا الأمر سينتهي إلى حلحلة الكثير من العقد الموجودة في هذه البلاد، وهناك جزء منها عقد ترتبط بنا كطائفة، ما هو تصورك لهذا الموضوع باعتبارك أحد النقاد من داخل
هذا الخط؟

الشيخ الغيث

أخي الكريم، أولًا: من الواجب الشرعي أن يكون النقد الذاتي من كل فئة من داخل فئتها وليس من المقبول ولا يكون من المروءة أن ننقد الآخر ونترك أنفسنا.

أهل السنة ليسوا شيئًا واحدًا، كما هو الشيعة، نحن نقول السلفية المتشددة أو الخط السلفي المتشدد إذا كان وصف التشدد للخط السلفي كله بالتأكيد هذا غير مراد عند الشيخ فيصل، هو يقصد الجزء المتشدد من التيار السلفي، على هذا الأساس في كل تيار وكل مذهب هناك تشدد.

أنا أقول يجب أن نتحمل ما يأتي وأن نبادر بأنفسنا في النقد الذاتي الحكيم المتوازن من جهتي في عام 1431ﻫ نشرت في الصحف السعودية أكثر من مائة مقال أغلبها نقد ذاتي، مثلًا موضوع الاختلاط موضوع فقهي تجد البعض مجرد أن تختلف معه في مسالة فقهية يصيرها مسألة عقدية ويكفرك، وعلى هذا الأساس لا بد من التحمل، ولا بد أيضًا أن لا نخلط الأطياف.

أن لا نحمّل تيارًا معينًا كامل المسؤولية، التشدد موجود منذ عقود قريبة بعد ما جاءت كثير من الأفكار والتيارات والحزبيات وجعلت الاختلافات خلافات، والتنوعات تضادات، وأيضًا أضيفت القداسة على كثير من هذه الأمور.

ما علاقة وجود مشاكل في إيران بأن تنقل إلى بلاد عربية بمعنى يأتي فلان ويقول السنة في إيران ظلموا يا أخي إذا كان أبو جيرانك ظلم ابنه تضرب أنت ابنك؟

هذا غير منطقي حينما أبو الجيران يحرق بيته أنت تحرق بيتك؟

قبل عقود كانت الخلافات بين المذاهب الفقهية حتى عند أهل السنة أشد مما هو موجود الآن بين السنة والشيعة، كان لا يتزوج الحنبلي الشافعية ولا العكس، وأربع جماعات في المسجد الحرام وأمور كثيرة جدًا، الوحدة السياسية جاءت بأثر إيجابي على هذا النحو إلى حد كبير. المتشددون من ضمن التيار السلفي هم الأقلية ولكن إذا جئت في فصل فيه أربعون طالبًا واحد مشاغب تسمع صوت المشاغب، وأصبح المدرس يراعي هذا المشاغب، والإدارة تحاول أن تضع الخطط لمكافحة هذا المشاغب، هنا الإشكالية نحن لا نحكم على هذه الأغلبية.

في اعتقادي أن غالب الناس في بيئتنا وأنا أعيش فيما بينهم ليس عندهم هذه الإشكاليات، هناك المشاكسون الغوغائيون هم الذين يثيرون هذه الأمور، ويحسبون أنفسهم يتقربون إلى اللّه بمثل هذه المسائل، كما نلحظ الآن إرهابيين يفجرون داخل مدننا ويغتالون الناس ويسعون جاهدين في الكثير من الأمور، ولا يخفاكم مثل هذا الأمر، لذا نصيحتي أن نهون الأمور، ونتفاءل فيها، ولا نستسلم لها، هناك مقاومة من أجل توسعة المسعى للحجيج الآن جزاهم اللّه خيرًا وسعوا المسعى كأن الناس يحتاجون في مرحلة من المراحل إلى أن يقهروا لمصلحتهم.

يجب أن نسعى جاهدين بأن يكون هناك تحالف بين الوسطيين في جميع الفئات والبلدان على المعتدلين المتسامحين ألا يقبلوا للمتطرفين أن يثيروا البلابل فيما بينهم، هؤلاء الأقلية لن يكون لهم صوت، نطرح الآن مسائل فقهية لا أحد كان يقبل أن يقول بها ولكن رفعنا سقف الحرية، والسياسي ما عنده مانع بل السياسي يتلقى الكثير من الضغوط، لماذا فتحتم المجال لهؤلاء؟ المتشدد أجاز لنفسه نقد السياسي ونقد الفئة المختلف معها وحتى من داخل تياره، ما الذي أجاز لنفسك أن تنقد الآخرين وتكفر الآخرين وتحرِّم على الآخرين أن ينقدونك.

مداخلات وأسئلة كثيرة

امتد اللقاء لأكثر من ساعتين وتعددت المداخلات وتنوعت مواضيعها حيث كانت هناك مداخلات لكن من الشيخ محمد سعيد خميس، والأستاذ باقر الشماسي، والسيد عقيل الحاجي عن موضوع منع المواطنين الشيعة من صلاة الجماعة في الخبر، والأستاذ علي الشريمي من المدينة المنورة.

وكان صدر الضيف الكريم رحبًا لاستقبال المداخلات وأجاب على الكثير منها بشفافية وصراحة كانت محل تقدير الجميع.

وختم اللقاء سماحة الشيخ حسن الصفار بشكر الضيف الكريم فضيلة الدكتور الشيخ عيسى الغيث، وشكر جميع المداخلين والحاضرين.

ممن حضر اللقاء:

الشيخ فيصل العوامي، الشيخ محمد سعيد الخميس، الشيخ عبداللّه اليوسف، الشيخ صادق الرواغة، الشيخ جواد الخليفة، الشيخ حسن الراضي، الشيخ عبداللّه المسلم، الشيخ حسين الصويلح، الشيخ حسين الرمضان، الشيخ عبدالرضا الحمود، الشيخ محمد الجيراني، الشيخ عباس الموسى، الشيخ جعفر البناوي، الدكتور توفيق السيف، الدكتور حسن البريكي، الدكتور جاسم المقرن، الدكتور السيد نبيل حيدر السادة، الدكتور عبدالعلي البحارنة، الدكتور حسن علي العباس، المهندس نبيه البراهيم، المهندس عبدالمحسن أبو عبداللّه، المهندس عبدالشهيد السني، المهندس علي الملا، المهندس شاكر نوح، المهندس عبدالعظيم الخاطر، الحاج عبدالجبار بو مره، الحاج فؤاد بو مره، الحاج علي بوكنان، الحاج عبدالجبار الحمود، الحاج سعيد المقابي، الحاج عبد رب الرسول شهاب، الأستاذ مطر النجيدي، الأستاذ سطام الخالدي، الأستاذ زكي أبو السعود، الأستاذ محمد مهدي عبد رب النبي، الأستاذ منصور سلاط، الأستاذ عبدالباقي البصاري، السيد محمد الصناع، نافع تحيفاء، عبدالعزيز عبدالعال، باسم البحراني، السيد سامي عايش النمر، السيد محمد أحمد النمر، السيد علي حسن المبارك، السيد حسن محمد ناصر النمر.

وممن حضر من الكتّاب والإعلاميين الأساتذة:

حسن الشهري، خالد الخليفة، محمد الشيوخ، منير النمر، ميثم الجشي، فاضل العماني، محمد الغانم، باقر الشماسي، وليد سليس، عبد اللّه العوشن، علي الشريمي، علي البحراني، زهير عبدالجبار، علي الغراش، جعفر الصفار.

صور:

[1]  مفكر إسلامي، وناشط سياسي.
[2]  صحفي، جريدة الرياض.
[3]  عالم دين وكاتب.
[4]  عالم دين وكاتب، رئيس تحرير مجلة القرآن نور.