حتى لا يسقط الوطن في شرك الطائفية!!!

قيل ان تقدم الامم والمجتمعات ومبعث أمنها واستقرارها مرهون بسلامة عقول أبنائها، والحمد لله سبحانه أن مّن على مجتمعنا بالكثير من العقلاء، وفي ظل حمأة الواقع المأزوم الذي تعيشه مجتمعاتنا هذه الأيام وتصاعد موجة المد العنصري والطائفي وكأننا نشاهد سيناريو لفلم سياسي درامي تتوزع فيه الأدوار، كل يؤدي دوره بحرفية وإتقان، حيث بدأ باستفزازات وأحداث أمنية مرورا بدعم ومساندة وسائل الإعلام الرسمية وانتهاءا برمي الشباك عبر تسقيط الرموز الإصلاحية والوطنية والإساءة اليها بشكل أو بآخر، وفق قاعدة للعبة محكمة، مصيرها الذوبان والأفول، لهذا فالتفرج على سيناريو ساحتنا العربية الخليجية وداخل أوساطنا بكل أطرافه وأبعاده وامتداداته وضحاياه وإفرازاته، لا يمكن أن يكون اعتباطيا أو يمر على الواعين مرور الكرام، إنه سيناريو لحلقة من مسلسل بدأ ينتج في الشرق الأوسط الجديد، غرضه عزل الأجيال القادمة عن ثوابتها وقيمها الأصيلة، ساعية إلى استبدالها بثقافات مغايرة تجاه العنف والتحلل والصراع وثقافة إلغاء الآخر بوسائل شتى وطرق خبيثة تعمل على نشرها والترويج لها من حين لآخر، الأمر الذي يستدعي أهمية الحاجة الى قراءة واعية للوضع الامني والسياسي للعالم العربي من جديد، وتأثيراته الكلية والذي يفيد بأن المرحلة الراهنة جديدة وقديمة تعلن عن أزمة إفلاس تعيشها الأنظمة السياسية وتؤشر إلى عجز في صناعة الأمن والإستقرار، وحسب الواقع خيارها الوحيد للخروج من مأزقها هو تصعيد الخطاب الشوفيني عبر ثقافة الاستعلاء والعنصرية بمعنى أصح هو إستخدام سياسة انجلترا " فرق تسد "، فتبيح لنفسها التحكم في مصير شعوبها والإلتفاف على حقوقهم...

وعجبي كيف يفكر هؤلاء القوم؟! إذا كانت القبائل بأدغال افريقيا وامريكا اللاتينية، ينزع سكانها للوفاق والحوار من أجل بناء مواطنة جامعة للتنوعات ومانعة لهيمنة القوى الاستبدادية، ناهيك عن مكونات أروبا المسيحية التي فهمت ثقافة اللقاء والتضامن والوحدة منذ قرون ماضية، بينما العرب المستعربة لا يزالون قاب قوسين أو أدنى من فتن داحس والغبراء، وإلا بماذا نفسر ما يجري على مسرحنا العربي والخليجي خاصة؟ رغم أن كل شيء يوحي فيه بصور الحداثة الغربية إلا روحه لاتزال مريضة وعطبة تجاه إستيعاب المتغيرات.

فالعصبيات الجاهلية لاتزال غالبة على جماهير الشلل الفكري والثقافي ورواد السكر الطائفي وسماسرة الاستغراق التاريخي التي يئن منها واقعنا الراهن. وإلا فأين الحكمة وأين الرشاد السياسي الذي يقول " لايمكنك أن تحكم بلا حكمة " فهل أصبحت حكوماتنا تخشى الحكمة؟ وإلا بماذا نفسر ما جرى ولازال يجري في ساحتنا المحلية اليوم من إستهداف للقيادات الفكرية والسياسية ومحاولة إقصاء للرموز الوطنية أمثال عبدالله الحامد، ومتروك الفالح، وعلي الدميني، ومحمد سعيد طيب، ومحمد البجادي الذي لازال مضربا عن الطعام بين قضبان السجن، والشيخ سلمان العودة والكثير من الإصلاحيين حيث يتم محاصرتهم وإيقاف برامجهم وأنشطتهم، ناهيك عن مصادرة حقهم في حرية التنقل ومنعهم من السفر، ومحاولات التشكيك والتشهير لإسقاطهم، إضافة إلى الهجمات الإعلامية اللامسؤولة، التي تبيع ضمائرها وحرياتها وكراماتها الانسانية لمشاريع أقل ما يقال عنها أنها تافهة في زمن التغيرات والاصلاحات الثقافية والسياسية، هو ذات الأسلوب يستخدم اليوم مع الشيخ الصفار، وإلا بماذا تترجم الحملة الهجومية الإعلامية ضده والتي أعقبها بيان وزارة الداخلية السعودية الصادر ب20 فبراير كونه جاء ردا على دعوة مناصحة انسانية وأخلاقية، استنكر فيها استخدام العنف، وطالب فيها بإيقاف القتل وحق التقاضي بإجراء تحقيق في حوادث إطلاق النار التي راح ضحيتها سبعة شهداء على ايدي قوات الأمن بمحافظة - القطيف - داعيا لمحاسبة المسؤولين ومن تسبب فيها، وإني لأتساءل أين هي حكمة الجهاز الأمني في الدولة للإجابة عن تساؤلات الشيخ الصفار في خطبة الجمعة؟ وأين هو الرفق بالمواطنين؟ أقلها الحوار مع المطالبين بحرياتهم وحقوقهم المشروعة؟! بل أين واقعنا من مقولة الخليفة الأول: عندما قال "" لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم "".

بكل تأكيد إن ما يجري راهنا بالمملكة لا يمكن تحييده عن الأجندة الغربية بالمنطقة، ولأن المشروع الاستعماري والتغييري لجغرافيا السياسة في الخليج العربي يريد التخلص من كل قامات الوعي الديني والسياسي بالمنطقة وعلى وجه التحديد تلك التي تجسد القيم الاسلامية ثقافة وسلوكا وتفاعلا مع واقع الشأن العام وممارسة الديمقراطية.

اما حول الحملة التي طالت الشيخ الصفار فهي تذكرني بمقولة قرأتها للمفكر الاسلامي والفقيه المجدد السيد محمد حسين فضل الله «رض» الذي يعتبر الشخصية الأصعب على مستوى الواقع الاسلامي، والذي إستطاع طيلة 50 عاما أن يصنع خطا رساليا منفتحا على الحياة، ليكون باعثا للوعي بين المسلمين ومجسدا لمعالم التواصل الإنساني يقول " مشكلتنا كشرقيين أننا نحدق في البطل، ونغفل عن البطولة " تماما كما يحدث في متابعتنا للأفلام السينمائية حين نستغرق في أبطال القصة بعيدا عن وعي جوهرها والسيناريو المعد لها سابقا لتحقيق أهداف معينة، فكيف إذا كانت هذه الأهداف سامية وتحلق بنا نحو سماء العز والفضيلة، إن ما يجب أن نركز عليه في هذه الحملة هو حقيقة البطولة التي تجسدت في شخصية الشيخ حسن بن موسى الصفار، العالم الرسالي الصادق مع الله والصادق مع عباده ومع وطنه وحكومته، حيث القيادة الحكيمة في المملكة، عرفت وتعرف جيدا من يكون الشيخ حسن بن موسى الصفار، رمز الاعتدال الديني، والتجديد والاجتهاد الفكري في تطوير وتنمية معادلة الإستقرار السياسي والاجتماعي، وتفانيه واخلاصه لأمته ووطنه. فهو لا يريد للناس أن يستغرقوا في شخصه بل العكس يريدهم أن يستوعبوا البطولة الاسلامية التي جسدها كمسؤولية ورسالة حياة لصناعة العزة والكرامة للإنسان وللوطن والأمة..، فهل يمكننا كأفراد أو جماعات إستيعاب البطولة التي جسدّها في الواقع القطيفي والسعودي والاسلامي؟

إن نصرتنا للشيخ الصفار تتحدد في امتثال النهج الاسلامي الأصيل في مواجهة التمويه والتضليل الاعلامي ودعوة كل الراشدين اسلاميا والمصلحين في مختلف مناطق المملكة من أصحابه ورفاق الدرب وأصدقائه في مواصلة طريق الحق والإصلاح للوصول إلى عدالة فكرية وسياسية وإقصادية وإجتماعية شاملة فبها يتوفر الأمن ويتحقق الاستقرار لمجتمعاتنا.

ما أود قوله " عسى أن تكرهوا أمرا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا " لأن ما حدث للشيخ حفظه الله هو بلا شك ورقة رابحة وإشهار بالمجان لمشروعه الوطني القائم على قيم الحوار والانفتاح والتضامن والتسامح والتعارف والتعايش ونبذ ومواجهة الطائفية والاحادية الفكرية وتنمية ثقافات الحرية الحقيقية.

فحسبك أيها الشيخ الجليل قول الله تعالى للنبي الأكرم ولكل من سار على خطى المصطفى : ﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيم ﴾ «يونس/65»، ﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ «يس/76»

فمهما حاول المرجفون أن ينالوا من مقامك العلمائي أو وزنك الاجتماعي أو هيبتك الوطنية الاسلامية الكبيرة، فهيهات لأن قضيتك مع الله ومن كان مع الله كان الله معه. فستبقى أيها الرمز طودا شامخا وعنوانا للوحدة والعزة والكرامة الاسلامية كما عهدناك.

أخيرا: يبقى أمام القيادة السياسية بالمملكة سرعة المبادرة بالإصلاح الشامل، وصد الأبواب تجاه الممانعة بالتغيير، ولجم الصمت على بعض النكرات التي تجابه الإصلاح وتسيئ للوطن من خلال ذواتها الضيقة وجهاتها الخاصة، والعمل على تجديد التوازنات، باستقطاب كافة الأطراف والقوى الوطنية لبناء أمن قومي اساسه العدل الاجتماعي والمواطنة الحقيقية والحريات المسؤولة التي تستظل تحت سيادة القانون وحماية الحقوق والواجبات، فهي الباعث الحقيقي لدور المملكة التاريخي والريادي في مواجهة التحديات على المستوى الاقليمي والعربي والإسلامي. وإلا سيكون المستقبل لايرحم.. والله من وراء القصد.

رئيسة مركز إيلاف لرعاية وتأهيل الأطفال المعاقين، كاتبة - صفوى