كتاب المسألة الطائفية - قراءة في خطاب الشيخ الصفار

المؤلف: السيد إبراهيم الزاكي
الناشرون: مؤسسة الانتشار العربي - بيروت لبنان
الطبعة: الأولى لعام 2012
الصفحات: 488 صفحة


يحتوي الكتاب على مدخل يأتي تحته ثلاثة عناوين، وتسعة فصول وتحت كل منها عدة أبواب.

جاء في المدخل والمعنون «الطائفية شر مطلق»: إن المتابع لخطاب الشيخ حسن موسى الصفار يلحظ أن المسألة الطائفية ومشكلاتها وقضاياها تحتل مساحة أساس من مجمل خطابه، وكأنها هم يؤرقه ويشغل تفكيره ويقض مضجعه، فهو يرصد الكثير من المظاهر التي تتجلى فيها أمراض الطائفية، ويسلط الضوء عليها ويبرزها، ومن ثم توجيه النقد إليها وتقديم الرؤى والحلول التي تساهم في تنفيس هذه المشكلة وحلها.

وعن طريق الخلاص ذكر المؤلف: أن ما يمكن فهمه واستخلاصه من خلال مضمون خطاب الشيخ أن العمل على تحصين البيئات الوطنية ورفع مستوى المناعة لديها يتطلب رفع مستوى وعي الإنسان فيها وخلق وعي اجتماعي مسئول، وذلك من خلال التغيير الجذري والعميق لمنظومة الأفكار الاجتماعية التقليدية السائدة والمتوارثة منذ قرون، وخلق نماذج بديلة ومتطورو في الإدارة والاجتماع السياسي، تتجاوز النماذج الأبوية والقبلية والبطريركية التسلطية، حيث ما زالت الأمة تعاني من حالة الاستبداد والتعصب واستمرار الركود الفكري والاجتماعي والانسداد السياسي وظاهرة الصراع الدموي بين بعض أطيافها وبينها والسلطة، الذي ساد خلال تاريخ الأمة الطويل.السيد ابراهيم الزاكي (مؤلف الكتاب)

وعن التغيير بالحوار، قال المؤلف: وما يميز الشيخ ضمن هذا الإطار انه شخصية حوارية، ويمارس نهجا استيعابيا يشجع على التقارب والتعاون والقبول بالتعددية والاختلاف في الرأي، فهو متمرس في هذا الشأن وذو خبرة عالية في الحوار، تجيد أصوله وفصوله، نتيجة ما راكمته من تجربة وممارسة امتدت على مدى سنين طويلة، تحولت إلى خبرة عريقة قل أن تجدها عند غيره ممن خاضوا مثل هذه التجارب الحوارية، أو لم يطوروا إمكانات وأدوات الحوار في ذواتهم وشخصياتهم.

وعن جرأة الشيخ النقدية وسبقه للزمن قال المؤلف: وعلى الرقم من أن رؤيته حول مسألة الطائفية مبثوثة وموزعة في مجمل خطابه، إلا انه مع ذلك يمكن للقارئ أن يلحظ دقة توصيفه للمشكلة الطائفية ومنابع جذورها ومكامن الخلل في واقع الأمة اليوم، وعمق الأزمة التي تعيشها، حيث يتحدث حول هذه المشكلة بشكل واضح ومباشر ولا يخلو كلامه من الجرأة والكلام الصريح، على الرغم من تكلفة هذه الصراحة وتكلفة مواجهة المد الطائفي المتوحش وتكلفة الوقوف أمام موجاته العاتية، بالإضافة إلى الثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه من يجاهر بكلمة حق في الدعوة إلى مواجهة الطائفية وصد تمددها، والدعوة إلى الوحدة والتقارب والتآلف ومجابهة باطل التفرقة والتمزق والانقسام.

في الفصل الأول: مقدمات أولية.

وفي الباب الأول: وعن ملامح من سيرة الشيخ الصفار ومسيرته.

قال المؤلف: للشيخ مكانة دينية مؤثرة وسط البيئة التي يعيش فيها، حيث يحظى باحترام الكثير من مكوناتها وأطيافها وفئاتها المختلفة، فالرجل صاحب شخصية منفتحة على الطرف الآخر، من قوى وتيارات اجتماعية وسياسية وفعاليات وشرائح شبابية، أيا تكن هوياتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم أو المنظومة الدينية والأيدلوجية والفكرية التي ينتمون إليها، وهو لا بشعر بالانقباض والتشنج من لقاء الآخر والاستماع له ولنقده ولأفكاره وهواجسه وطموحاته وتطلعاته، وهو دائما ما يهيئ الظروف والأجواء التي تساعد في تمهيد الطريق والتي تفتح المجال للولوج إلى الحوارات الجادة، والانطلاق في رحاب الأفق الأوسع والأرحب من.

وعن مجالات النقاش والحوار بين مرحلتين، جاء ما يلي: تعد مرحلة ما بعد منتصف سبعينات القرن الماضي احد أهم الفترات الزمنية الصعبة التي واجهت الشيخ وشكلت التحدي الأبرز في مسيرته النضالية، حيث عدت هذه الفترة الزمنية فاصلا بين مرحلتين وزمنين مختلفين احتدم فيها الصراع بين خط تقليدي محافظ وآخر كان يتطلع إلى التجديد والتطوير نتيجة اختلاف البيئة الاجتماعية والثقافية التي كونت خلفية كلا الطرفين في تعبير واضح عن صراع الأجيال، حرص فيه الخط التقليدي على الاحتفاظ بمواقعه والتمسك بها.

وعن الحضور الثقافي الدائم والمتجدد، ساهم الشيخ في إثراء المشهد الثقافي بإنتاجه الفكري المتنوع، حيث، تعددت اهتماماته وموضوعات اشتغالاته وانشغالاته من خلال مواكبته للمتغيرات الحياتية المعاصرة ولمتطلبات الواقع المعاش وتحولاته، والسعي إلى تجاوز مشكلات هذا الواقع من خلال طرح الحلول لها، حيث غالبا ما تتسم مقارباته الأمور بالصراحة والجرأة في الطرح والشجاعة في مناقشة القضايا والإشكالات، حيث غالبا ما يسبق فيها غيره من الذين لا يلبثون أن يلحقوا به ويثبتون اطروحاته بشكل صريح ومباشر، أو بشمل غير مباشر.

وعن التثقيف الذاتي المستمر والمتواصل، ذكر ما يلي: كما عرف عن الشيخ انشغاله بالكتابة والتأليف والخطابة منذ وقت مبكر، وله العديد من المؤلفات في مجالات متنوعة، حيث يعتبر هو نفسه هذا النشاط جزءا من حياته وسيرته وميدان من ميادين العمل المكرسة لخدمة الدين والأمة، فالكتابة والتأليف كما يقول: ميدان من ميادين الدعوة إلى الله تعالى. وكما يجاهد الإنسان المؤمن بلسانه عليه يشهر سلاح القلم للدفاع عن المبادئ والقيم ومن اجل نشرها وبثها في أوساط الأمة، وهو حريص على الالتزام وتبني الأفكار الرسالية الأصيلة، التي تستنهض جماهير الأمة، وتدعوها للوحدة والتطلع إلى تفعيل الجانب الثقافي والمعرفي، تؤكد على اجتناب العنف، وعلى الالتزام الأخلاقي في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

وعن تجسير الفجوة بين القول والعمل - يلخص الشيخ برنامجه العملي والميداني الذي يعمل من خلاله على تجسيد رؤاه وأفكاره في أربعة محاور رئيسة، هي كالعناوين التي تشكل الخطوط العريضة لمشروعه الإصلاحي، حيث يعمل جاهدا على تجسيدها عمليا على ارض الواقع، حيث يتضمن هذا البرنامج، الأول: إصلاح داخل المجتمع بنشر الوعي والثقافة السليمة عبر وسائل المتاحة، ودعم المؤسسات الخيرية الاجتماعية، وتشجيع كل ما من شأنه نفع المجتمع وخدمة تقدمه. الثاني: الانفتاح على المحيط الوطني، بإقامة جسور العلاقة مع بقية المواطنين لتجاوز حالة القطيعة المذهبية والانغلاق الطائفي، وإنتاج الخطاب والثقافة المؤصلة والداعمة لهذا الاتجاه. الثالث: التواصل مع المسئولين وقيادات الدولة لمعالجة القضايا العالقة والمشاكل القائمة ليخدم التلاحم بين القيادة وشرائح المواطنين. الرابع: الإسهام في الشأن الوطني العام على مختلف الصعد.

وفي الباب الثاني: «وعن أولوية معرفة الواقع وتشخيصه»، جاء ما يلي، لقد آن الأوان، كما يشدد الشيخ، لان يكون موضوع تقييم الواقع ودراسته مدار بحث ونقاش جاد ضمن لجان مهتمة أو مؤتمرات هادفة ما اجل تبادل الرأي والخبرات والتجارب، أو ضمن حوارات بناءة من خلال المنابر الثقافية والإعلامية، فالمسئولية تفرض على أبناء هذه الأمة التصدي للمعوقات والعقبات التي تضعف قدرتهم على التحدي والمواجهة. وإذا كانت التحديات الكبيرة المعاصرة تفرض المواجهة، فإن على الأمة الاستجابة لهذه التحديات بكل قوة وعزيمة وإرادة لا تنكسر.

وفي الباب الثالث: وعن إشكالية العقلية الأحادية وإلغاء الآخر، يلفت الشيخ الأنظار إلى إن المشكلة في الصراع والتنافس المذهبي يتمثل في الموقف من وجود رأي آخر، فهناك من يرفض ذلك ويرى أنه وحده له الحق في تكوين رأي وفي تفسير النص الشرعي وفهم الدين، وعلى الآخرين أن يأخذوا برأيه ويذعنوا له، ولا يجوز لهم أن يخالفوه فيما رآه وذهب إليه، فإن فعلوا تصدى لهم بالمواجهة والإساءة والعداء، ويضيف: أن صاحب هذه العقلية يصارع من يخالفه في الدين، ثم من يخالفه في المذهب، ثم من يخالفه في الرأي داخل المذهب، حيث يرى في نفسه الأهلية والمكانة وامتلاك الحق وحده في فهم الدين وتفسير نصوصه، وأن على الآخرين الانقياد له والإذعان لأمره والأخذ برأيه، وإلا فإنهم مخالفون وخارجون عن الدين والعقيدة والملة، ويجوز التصدي لهم ومواجهتهم بشتى الوسائل والطرق.

وفي الباب الرابع: و«في أهمية نقد الذات ومراجعتها»، يشير الشيخ إلى أن التحسس من نقد الذات حال مرضية سلبية تنتج عن غرور زائف أو شعور بالضعف يجري التستر عليه، وتؤدي هذه الحال إلى تكريس الأخطاء والثغرات وتفويت فرص معالجتها وتجاوزها، حيث يحذر القرآن الكريم من هذا المرض الخطير ونهى عن تبرئة الذات وتزكيتها.

أما في الباب الخامس: «وحول ظروف انبثاق خطاب الشيخ الصفار»، قال المؤلف: لا يمكن النظر إلى المسألة الطائفية في خطابه خارج السياق التاريخي للأحداث والتطورات التي مرت بها الأمة خلال السنين الماضية، أو من دون الالتفات إلى الخلفيات والأجواء والأوضاع العامة التي طغت على المشهد في المنطقة سياسيا وثقافيا وإعلاميا واجتماعيا، ودراسة الظروف الذاتية والموضوعية التي أدت إلى تصاعد مشكلة الطائفية، وتعرف أبعادها وجوانبها المختلفة، وما تركت من تداعيات وخلفته من آثار سلبية، وحال ترد على صعيد كيان الأمة السياسي والثقافي والاجتماعي.

الفصل الثاني «المسألة الطائفية وضرورة الإصلاح السياسي»

وجاء في الباب الأول: «المسألة الطائفية والتداخل بين ما هو سياسي وما هو ديني»، يشير الشيخ في مقدمة كتابه «الطائفية بين السياسة والدين» إلى أن مشكلة الطائفية في مجتمعات الأمة يصنعها ويمدها عنصران رئيسان، الأول سياسي والثاني ديني. ويتمثل العنصر الأول في اعتماد سياسة التمييز الطائفي بين المواطنين وتشجيع حالات الصراع المذهبي لأغراض سياسية، بينما يتمثل العنصر الآخر في نهج الخطاب الديني حيث يعتمد التعبئة المذهبية بالتركيز على نقاط الخلاف والاستدعاء الدائم للتاريخ والتراث من اجل تغذية المشاعر المذهبية والتحريض ضد الآخر. وما يثير قلق الشيخ أن هذين العنصرين يعملان اليوم بشكل محموم لتأجيج الصراع الطائفي في أكثر من موقع في ساحة الأمة، متسائلا هل ما حدث في العراق لا يكفي للعظة والاعتبار.

كما جاء في الباب الثاني: «في مظاهر المشكلة الطائفية»، يشير الشيخ إلى أن هذه الثقافة التعبوية التحريضية يمكن ملاحظة تجلياتها في إصدار الفتاوى التي تتهم الآخر بالكفر والشرك والبدعة والضلال وما شابه ذلك، حتى لو كان الاختلاف في مسائل جانبية. فالتشكيك في دين الآخر أمر لا يجوز، وعلينا أن تجاوزه، وليكن الاختلاف بيننا اجتهاديا يسعه ما ورد عن رسول الله: «المجتهد إذا أصاب له أجران، وان اخطأ فله اجر واحد»، وعلينا أن ننقل مسائل الخلاف من دائرة الإيمان والكفر والحق والباطل، إلى دائرة الصواب والخطأ.

وفي الباب الثالث: «بحثا عن جذور أمراض طائفية»، الشيخ لا ينكر جود مشكلة هنا وخطأ هناك، وحدوث إساءة من هذا الطرف أو تصرف سيء من ذلك الطرف، نتيجة ما يمارس من تعبأة وإثارة للضغائن والأحقاد وفتح ملفات الخلافات العقدية والفقهية وتجميع أوراق السقطات والأخطاء، إلا أن الشيخ يستدرك بقوله أن تاريخنا وتراثنا الإسلامي مليء بالأوراق الصفراء والجراح الدامية، لكن السؤال: هل هذا هو الوقت المناسب لفتح الملفات وطرح الأوراق؟ إلا يعتبر ذلك صبا للزيت على نار الفتنة المتقدة؟ وتوسيعا لرقعة اشتعالها؟ أليس ذلك نوعا من تقديم الخدمة الممتازة لإنجاح مخططات الهيمنة الأمريكية، بأحداث الفوضى الخلاقة في أرجاء المنطقة؟

أما في الباب الرابع: «المناعة ضد الطائفية بين الماضي والحاضر»، يقارن الشيخ بين حال الطائفية السائدة اليوم وما يحدث فيه من جدل مذهبي وصراع طائفي وإثارة للفتن والصراعات، وبين حال الأمة في سابق العصور والقرون السالفة وما حدث فيها من فتن وصراعات، بقوله إن المقارنة تكشف عن وجود اختلاف كبير بينهما، ففي سابق العصور كانت حوادث النزاعات الطائفية تحصل في ظل حضارة إسلامية رائدة، حيث كانت الأمة في موقع الصدارة والقوة، وكانت الحضارة الإسلامية في طليعة التقدم والتفوق في العالم آنذاك، بحيث إن مثل هذه المشكلات لم تكن تطفو أو تبرز بتلك الحدة أو ذاك الصخب، فحوادث النزاع الطائفي في تلك العصور كانت مثل جراثيم ضعيفة في جسم قوي المناعة، قد تسبب بعض الأعراض الجانبية، لكنها لا تلبث أن تضمحل وتزول، على عكس من واقع الأمة المعاصر، وهو واقع متخلف وهزيل، ضعيف المناعة والمقاومة تجاه أدنى العلل والأسقام، لذا تسرح مختلف الجراثيم الضارة في جسم الأمة لتفتك بما بقي فيه من خلايا سليمة.

وفي الباب الخامس: «منهج اللاعنف والتسامح كأساس في بناء الدولة الحديثة»، إن ما يثير الدهشة حسب تعبير الشيخ هو سعة صدر رسول الله وعظيم احتماله لكل إساءات المنافقين الخطيرة وممارساتهم العدائية، حين تعامل بنفس طويل وصبر عميق، مارس معهم سياسة الاحتواء والاستيعاب، حيث يلخص الشيخ نتائج التجربة الاستيعابية في البنود التالية: أولا: عدم اللجوء إلى القوة والقمع رغم استفزازاتهم وجرائمهم، فلم يتعامل معهم كأعداء محاربين، ولم يقتل أحدا ولم يسجن احد ولم يجلد أحدا ولم يطرد أحدا. ثانيا: لم يصادر أي حق من حقوقهم المدنية، فكانوا يتمتعون بحقوق المواطنة كاملة كسائر المسلمين، يحضرون المسجد ويدلون بآرائهم في قضايا المجتمع ويأخذون نصيبهم من الغنائم وعطاء بيت المال. ثالثا: كان رسول الله  يبذل لهم الإحسان ويحوطهم بمداراته وبشملهم بكريم أخلاقه.

الباب السادس: «من اجل تنمية حالة التفاعل والتجانس والتآلف بين شركاء الوطن»، يشير الشيخ إلى أن ما نحتاجه من اجل تجاوز حالة الجفاء والجمود بين أبناء الوطن الواحد، وتعزيز حالة الوحدة والتقارب، وخلق أجواء التآلف والوئام، هو المبادرات المخلصة الجريئة، التي تتجاوز ضغوط بعض القوى المتشددة في الجانبين، هذه القوى التي تلجأ لتحريك عواطف الجمهور ومشاعره بمختلف العناوين، لعرقلة حركة الوحدة والتقارب، واتهام المصلحين بالتخلي عن الثوابت والتنازل عن المعتقدات.

وجاء في الباب السابع: «مسؤولية الحكومات في تشجيع حالة الحوار بين أطياف الوطن الواحد»: يعتقد الشيخ إن المؤسسات الرسمية وخاصة عندنا في منطقة الخليج والجزيرة العربية معنية بالحوار كما هي النخب، فالأنظمة والحكومات عندنا تدرك الأخطار المحيطة بهذه المنطقة، وقد واجهت المشاكل السياسية الداخلية والخارجية في المرحلة الماضية، حيث يأمل الشيخ أن تشجع حكومات المنطقة حالة الانفتاح بين المذاهب والحوار بين أتباعها الموجودين في أوساط مجتمعات الخليج ويعيشون في كنفها ويشكلون جزءا من تركيبة شعبها، لن ذلك يضمن تلاحم أبناء المنطقة مع بعضهم البعض، ويتيح لهم القدرة للتصدي المشترك والفعال لكل الأخطار المحدقة بهم والدائرة في فلكهم.

الفصل الثالث: «حول مسألة التقريب في خطاب الشيخ الصفار».

وذكر المؤلف في الباب الأول: «أنشطة التقريب بين النجاح والفشل»، فعلى رغم من أن دواعي الوحدة وتصحيح العلاقات الداخلية بين المذاهب قد فرضت نفسها على ساحة الأمة في عصر التحديات الكبرى، ورغم تهاوي مبررات النزاع والخلاف المذهبي في زمن حوار الحضارات وتحالف التكتلات العالمية، إلا إن بعض العوائق - كما يرصدها الشيخ - لا تزال قائمة على الأرض، متسببة في عرقلة مسيرة الوحدة والتقريب، ومانعة ترجمتها من لغة الشعار والخطاب إلى منطق الفعل والواقع، وحائلة دون خروجها من قاعات المؤتمرات واللقاءات إلى شارع الجمهور والحياة الاجتماعية.

وفي الباب الثاني: «الثابت والمتحول في العلاقة بين المذاهب الإسلامية»، يقول الشيخ: إن الوحدة والتقريب لا تعني أبدا تحول أتباع مذهب إلى مذهب آخر ولا تلفيق مذهب ثالث بين المذهبين، ولا طلب التنازل من احد عن معتقداته وآرائه التي يدين الله بها، لأن أمور العقيدة والدين لا تقبل المساومة، وهي شأن قلبي يستعصي على الإخضاع، وإذا كان هناك من شيء يجب التنازل عنه فهو الإساءة والعدوان من أي طرف اتجاه الآخر، وإثارة خطابات التحريض والكراهية والتكفير وكل الممارسات والأفعال والأقوال التي تؤدي إلى إضعاف الأمة ويشتتها، وينزلق بها إلى الدرك الأسفل من الهاوية.

وفي الباب الثالث: «الصراعات الطائفية وتمهيد ظروف معالجتها»، يقول الكاتب: إن طريق خروج امتنا من مآزقها التاريخية، كما يقول الشيخ، يتمثل بالأخذ بقيم الإسلام التي تأمر بالعدل والإحسان واحترام حقوق الآخرين، وكذلك بالاستفادة من تجارب المجتمعات البشرية الأخرى التي تتعاطى مع التنوع الديني تعاطيا ايجابيا، فلسنا الأمة الوحيدة التي تتعدد فيها المدارس والمذاهب، فاليهود والنصارى والسيخ والهندوس والشنتو، وكل الديانات القديمة والجديدة حصل فيها تنوع وتعدد في الاتجاهات والمذاهب، فلننظر كيف يتعايش الآخرون فيما بينهم، حيث يفترض فينا أن نكون أفضل منهم.

الباب الرابع: «في ضرورة نشر ثقافة التقارب والتواصل»، يولي الشيخ مسألة الوحدة اهتماما كبيرا في خطابه، ويعد من دعاة تعزيز الوحدة الوطنية على قاعدة الولاء لمطلقات الإسلام وقواعده العامة، مناديا بتجاوز الاختلافات الجزئية، لذلك وبناء على هذه القاعدة يشعر بالمسؤولية تجاه وحدة الأمة وتماسك المجتمع، ويعي جيدا مدى أضرار النزاعات والخلافات على امن الوطن ومصلحة المواطنين، لذلك فإنه ينطلق في العمل على هذا الصعيد من تركيز جهده على محورين أساسين، الأول: التأكيد على ثقافة الوحدة وضرورتها وتأصيل أخلاقياتها. الثاني: التواصل الاجتماعي بالمبادرة إلى زيارة العلماء وذوي الرأي والتأثير.

الباب الخامس: «قيم التعددية والاختلاف والتنوع كمصدر قوة وإثراء في المجتمعات المتعددة الانتماءات»، يتابع الشيخ كلامه قائلا: فإن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن الاختلاف، والتنوع من نواميس الحياة وسنن الكون، وأن الاختلاف في الرأي هو جزء من الطبيعة البشرية في هذه الحياة، وأنها ظاهرة صحية وطبيعية ومألوفة، لا ينبغي تسفيهها والحط منها، حيث لكل منا أهواؤه ورغباته المختلفة وتوجهاته المحددة، ولسنا نماذج مستنسخة من بعض أو صدى لبعضنا بعضا، وهو ما يستدعي من الجميع القبول بحرية الرأي والرأي الآخر واحترامه.

الفصل الرابع: «إشكاليات التعصب والاستبداد والحرية».

في الباب الأول: «العصبية القاتلة»، قال المؤلف: وإذا لم تسد الحكمة بين الأطراف المختلفة والمتباينة وتكرس ثقافة الحوار وتعتمدها لغة في التخاطب والتفاهم فيما بينها عند الاختلاف والتنافس، وإلا فإن البديل عن ذلك هو احد خيارين، كما يحذر الشيخ: فإما هيمنة إرادة معينة وخضوع الآخرين لقوتها لكن مع شعور بالغبن وتحفز للانتقام والثأر، مما يجعل العلاقة بين الطرفين قلقة حذرة تنعدم في ظلها فرص التعاون والبناء والانسجام الوثيق، وإما سيادة ثقافة التناحر والتغالب التي تكرس انغلاق كل طرف على ذاته واهتمامه بالتحشيد والتعبئة ضد الآخر، حتى تجد الأطراف نفسها في مأزق حرب ونزاع قد يصعب عليها الخروج منه.

وفي الباب الثاني: «تاريخية الاستبداد والتعصب»: وتأكيدا على ما ساد تاريخ الأمة من ممارسات استبدادية، واتصاف المساحة الأوسع من تاريخ المسلمين بسمة الاستبداد، ينقل الشيخ عن المفكر البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري في كتابه «العرب والسياسة أين الخلل»؟ قوله: على الرغم من التألق الروحي والعقلي والعمراني للحضارة العربية الإسلامية فأن تاريخها السياسي ظل أضعف عناصرها على الإطلاق وأشدها عتمة، فهي حضارة جميلة ورائعة لكنها تعاني من «فقر دم سياسي» ومن «أنيميا سياسية» من حيث الواقع العملي على صعيد التطبيق والنظم والممارسة، وإلى يومنا هذا تبدو الأمة العربية بملايينها البشرية والمادية وبامتدادها القاري وبكل طاقاتها الهائلة المعطلة جسما عملاقا برأس سياسي ضئيل في منتهى الصغر. وينقل الدكتور الأنصاري في بحثه شهادات كثيرة قديمة وجديدة لأعلام من علماء الأمة ومفكريها تشير إلى بؤس السياسة في الوجدان العربي، بسبب الواقع السياسي الأليم الذي عاشته الأمة في أكثر عهود تاريخها.

وجاء في الباب الثالث: «الإرهاب الفكري والوصاية على العقول»: ويشعر الشيخ بالأسف الشديد لأنه لا يزال هناك من يعيش بينا من يحمل تلك العقلية الضيقة ويريد فرض وصايته وآرائه على الآخرين، وإذا ما خالفه أحد أو ناقشه بادره إلى إصدار فتوى التكفير والمروق عن الدين بحقه أو اتهمه بالابتداع والضلال، وادعى أنه الوحيد صاحب الحق ومن يمتلك الحقيقة، وأن ما عداه على خطأ أو ضلال، وأن من ليس، على نهجه وطريقه هو من أهل البدع والضلال والباطل.

وكذا في الباب الرابع: «الحرية في الإسلام»، يورد الشيخ رأي سيد قطب في تفسير الآية الكريمة «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي»، إن قضية العقيدة - كما جاء بها هذا الدين - قضية اقتناع بعد البيان والإدراك وليست قضية إكراه وغضب وإجبار، ولقد جاء هذا الدين يخاطب الإدراك البشري بكل قواه وطاقاته، يخاطب العقل المفكر والبداهة الناطقة ويخاطب الوجدان المنفعل، ويخاطب الفطرة المستكنة، يخاطب الكيان البشري كله والإدراك البشري بكل جوانبه في غير قهر، حتى بالخارقة المادية التي قد تلجئ مشاهدها إلى الإذعان، ولكن وعيه لا يتدبرها، وإدراكه لا يتعقلها، لأنها فوق الوعي والإدراك.

أما في الباب الخامس: «اثر الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة في نيل المطالب وانتشار الأفكار»، يشير الشيخ إلى إن نجاح دعوة نبينا محمد  كانت نتيجة تمثله لهذه الخصائص والصفات، حيث قام بأعباء الدعوة إلى الله تعالى في مجتمع غارق في الوثنية والشرك، خاضع للعصبيات القبلية، نشأ أبناؤه على الاعتزاز بالذات والقبيلة، مما جعلهم صعبي المراس، يستعصون على الإخضاع والانقياد، لكن جهود النبي وكفاءته العظيمة نجحت في استقطابهم للدعوة الإلهية وخلقت منهم أمة إسلامية رائدة تحمل رسالة الله إلى شعوب الأرض. سادسا: «بين أخلاقيات التعصب وأخلاقيات التسامح» يكمن السبب في هذه التصورات الساذجة - كما يقول الشيخ - في اعتقاد كثير من المتدينين أن الدين ينحصر في قضايا الأعتقادية والأمور العبادية، أما شؤون الحياة العامة وأوضاع المجتمع فذاك أمر آخر، فتراهم يهتمون بمسائل الطهارة والصلاة بشكل دقيق، ويراعون الاحتياطات والمستحبات في هذه الأمور، بينما يتجاهلون أدنى مبادئ الأخلاق في التعامل مع الآخرين، ويتجاوزون الحقوق الاجتماعية.

الفصل الخامس: «من أجل تأسيس مفاهيم جديدة وخلق وعي معاصر».

وفي الباب الأول منه: «من أين يبدأ التغيير»؟ يقول المؤلف: إذا كانت التجزئة والصراع الطائفي في بعض مجتمعاتنا هي الممر لتحقيق استراتيجيات التجزئة السياسية وفرض واقع التقسيم، فإن وأد هذه الاستراتيجيات التفتيتية والتقسيمية لن يتحقق إلا بالعمل على تسريع لعملية الإصلاح السياسي وتوسيع المشاركة الشعبية من خلال انتخاب أعضاء مجلس الشورى ومجالس المناطق وتشجيع تأسيس النقابات والجمعيات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني، كما جاء في المادة الثالثة من توصيات اللقاء الوطني الثاني الذي انعقد في مكة المكرمة.

وجاء في الباب الثاني: «حول أصالة المفاهيم الحديثة»، يؤكد الشيخ أنه بحث موضوع التعددية والحرية في الإسلام ووجد أمامه عددا هائل من النصوص الدينية، ومن آيات محكمات وأحاديث وروايات تؤكد هذا المفهوم كمنهجية ومسار في نظام الاجتماع الإسلامي، إلا أنه بعدما سادت عصور التخلف اختفت عناوين كثيرة لمبادئ وتشريعات إسلامية أساسية تحت ضغط هذا الواقع المتخلف المناقض لتلك القيم والمبادئ والتشريعات، لكن حين أفاقت الأمة على واقعها الفاسد، كما يشرح الشيخ، وتحركت تطلعات التغيير والإصلاح في نفوس أبنائها، وانفتحت الأمة من جديد على مفاهيم دينها، فعادت لساحة الأمة تلك العناوين الغائبة والمغيبة، كعنوان حقوق الإنسان وحقوق المرأة والديمقراطية والتعددية والحرية والشفافية وسيادة القانون، وإلى غيرها من عناوين إسلامية أصيلة قد أغفلت وأصبح البعض ينظر إليها بريبة، كأنها أفكار دخيلة ومفاهيم مستوردة.

أما في الباب الثالث: «من اجل قراءة معاصرة لمفاهيم الدين وقيمه» يذكر المؤلف: إنه من المهم عندما نعيد قراءة خطاب الإسلام وتعاليمه من جديد أن نتجاوز تلك التفسيرات المختزلة والبالية من التي تجاوزها الزمن وتعداها، من خلال قراءة متجردة تحيد التاريخ وتحزباته وتفتح المجال للأجيال الجديدة من أبناء اليوم والغد، وإعطائها الفرص وإتاحتها لهم، من أجل تقديم قراءات واجتهادات جديدة تبرز ما في الإسلام من قيم حسنة وتعاليم سمحة ومفاهيم جميلة وأخلاقيات فاصلة ذات أبعاد قيمية رفيعة وسامية ومثالية ومتعالية.

وفي الباب الرابع: «قيم الحوار والحاجة إلى تفعيلها وتجسيدها»، يقول الكاتب: إن مفهوم الحوار وقيمه أيضا من المفاهيم التي دائما ما ترد وتكرر في خطاب الشيخ باعتباره قيمة دينية وإنسانية رفيعة يحب التمسك بها وتجسيدها عمليا، لما لذلك من آثار رائعة وإيجابية على الفرد والمجتمع، إلا أنه مع الأسف الشديد أن هذه القيمة لا تحظى بالمكانة اللازمة في ثقافة وسلوك الإنسان في بيئتنا الاجتماعية مما انعكس سلبا على طريقة وأسلوب التعامل فيما بيننا، وأصبحت القطيعة والتنافر وعدم التواصل مع الذات والآخر سمة من سمات أخلاقياتنا.

وفي الباب الخامس: «في ضرورة إحياء مفاهيم الوحدة والأخوة والتقارب وتجديدها»، يقول الكاتب: إذا كنا نطالب بالجرأة في نقد خطابنا الوحدوي وتقويمه والمطالبة بتجديده، كما يصرح الشيخ، فإن ذلك يأتي من أجل الارتقاء به إلى مستوى التحديات، ولكي يؤدي دوره المطلوب في ساحة الأمة، إلا أن ذلك لا يعني التنكر لدوره الإيجابي وأثره المهم في تاريخنا المعاصر حين حافظ هذا الخطاب على ديمومة هذا المفهوم والمبدأ الإسلامي، وإبقاء هذا التطلع والأمل حياً في وجدان وثقافة الأمة، وكان للخطاب الوحدوي وجهود التواصل والتقارب المبذولة دور في الحد من اتجاهات التعصب والشقاق والتقليل من الخسائر والأضرار.

وجاء في الباب السادس: تحقيق مفهوم المواطنة: يثير الشيخ العديد من التساؤلات حول قضية التقريب وما يبذل في سبيل تحقيقها من جهد وعمل، ويتساءل: لماذا يكون تعدد المذاهب مشكلة؟ ولماذا يسبب تباعداً ونزاعاً نسعى لتجاوزه؟ متى نحترم حقوق الإنسان فيما بيننا حتى يعترف كل منا للآخر بحريته الدينية والفكرية؟ ومتى نعي مفهوم المواطنة حتى يتساوى المواطنون في حقوقهم وواجباتهم دون النظر إلى مذاهبهم وتوجهاتهم؟ فسواء تقاربنا في مذاهبنا أو لم نتقارب، وسواء اتفقنا على هذه المسألة العقدية والفقهية أو لم نتفق، لماذا يكون لذلك تأثيرا على علاقتنا وارتباطنا وتعايشنا ونحن أبناء وطن واحد وننتمي إلى دين واحد؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا بإلحاح؟

وقال في الباب السابع: «تبني قضية حقوق الإنسان وتعميم ثقافتها»، يطالب الشيخ بتبني قضية حقوق الإنسان ومناقشة وثيقة حقوق الإنسان المعتمدة دولياً والاتفاقيات الملحقة بها، وتسليط الأضواء عليها برؤية دينية إسلامية، وإذا هناك تحفظ على مادة أو مادتين مثلاً، فلا يصح تجاهل كل تلك الجهود، خاصة وأن مجتمعاتنا بحاجة ماسة لتفعيل هذه القضية، وإغفال الاهتمام بحقوق الإنسان هو الذي يفتح المجال لتيارات التطرف والتشدد وللتوجهات التعصبية التي تسيء فهم الدين، وتمارس العدوان على الحقوق المادية والمعنوية للمخالفين لها في الدين أو المذهب أو الاتجاه الفكري والسياسي.

وأورد في الباب الثامن: «ثقافة التعبئة المذهبية والتحريض على الكراهية»: وتتجلى هذه الثقافة التعبوية، كما يشير الشيخ، في التركيز على مواقع الخلاف المذهبي وتجاهل مناطق الاشتراك الواسعة، وافتعال قضايا الخلاف في مسائل جزئية جانبية، وتلمس نقاط الضعف في تراث المذهب الآخر والتشهير بها، حتى لو كانت رأياً شاذا أو موقفا لفرد أو فئة من المذهب، فإنه يجري تعميمها ومحاكمة المذهب وكل أتباعه على أساسها، وأيضا من خلال نبش حوادث التاريخ للتذكير بمعارك النزاع والصراع السابقة، منا من يغذي الأحقاد والضغائن ويورثها للأجيال وتعميق النظرة الدونية على المستوى الديني لأتباع المذاهب الأخرى، باعتبار أن أتباع المذهب هم وحدهم الفرقة الناجية، أما الفرق الأخرى فكلها هالكة وفي النار.

أما في الباب التاسع: «التواصل الاجتماعي وكسر حواجز القطيعة»، يدعو الشيخ إلى خلق مبادرات جريئة وثقافية واعية لتجاوز هذه الحواجز المصطنعة ولتطبيع العلاقة بين أبناء مجتمعنا على اختلاف مذاهبهم، صمن التواصل الاجتماعي والتداخل الأسري والاندماج المؤسساتي والتعاون في المجال الديني والانفتاح على المستوى الثقافي، وصولا إلى المشاركة السياسية.

ونقل في الباب العاشر: «التعايش من اجل البناء والتعمير»: يعتقد الشيخ أن أول خطوة تضعنا على طريق التنمية والتقدم هي امتلاك إرادة التعايش والقدرة على تحقيقه، فإذا ما اعترفنا ببعضنا بعضاً واحترم كل واحد منا الآخر واقر بشراكته ودوره حينئذ يمكننا العمل معا لتجاوز حالة التخلف العميق والانطلاق نحو أفق الحضارة الواسع، فالمسافة بيننا وبين ركب الحضارة والتقدم بعيدة شاسعة، ونحتاج إلى بذل أقصى الجهود وتفعيل كل الطاقات والقدرات حتى نقطع. شوطا من ذلك الطريق الطويل.

وجاء في الباب الحادي عشر: «إقرار التعددية الفكرية والسياسية والدينية»، يقول الشيخ: إن القبول بالتعددية الفكرية مبدأ مهم، إلا أننا مع الأسف الشديد نفتقد في أوساطنا الدينية، ليس بين المذاهب فقط، وإنما حتى بين المدارس والتيارات داخل المذهب الواحد، وكذلك الأمر بالنسبة للشأن السياسي فلا زالت غالب أوطاننا تخضع لسياسة الرأي الواحد، ولا مجال للمعارضة ولا لتعدد الأحزاب والتوجهات السياسية.

وكذا في الباب الثاني عشر: «التعرف إلى الآخر والتحاور معه»، يولي الشيخ موضوع الحوار أهمية كبرى لكونه يحرك راكد فكر الإنسان ويجدد نشاطه وحركته المعرفية، كما يتيح له فرصة الاطلاع على الرأي الآخر بشكل مباشر وواضح، إلا إن المعضلة التي يعاني منها واقعنا انه دائما ما يصاحب الاختلافات الفكرية صراعات ونزاعات تؤدي إلى التعتيم على رأي كل طرف في ساحة الطرف الآخر وتشويهه وتحريفه ونقله مبتورا مضطربا، لكن حينما يطلع الإنسان على الرأي من منابعه وينفتح على مصادره ويناقش أصحابه مباشرة تكون الرؤية أمامه أوضح وأجلى.

الفصل السادس: «المسألة الطائفية والتدخلات الخارجية»:

وكان في الباب الأول: «الاستثمار الخارجي في ضعف الداخلي»، وعلى الرغم من حقيقة وجود مؤامرات الأعداء وعدم الشك في خطط الاستكبار والاستعمار إلا إن ذلك الاختراق لم يكن ليتحقق، كما يشرح الشيخ، لو لا وجود الأرضية الخصبة التي تقبل تلك البذور السيئة التي تمنحهم الفرصة لتحقيق مبتغاهم، مضيفا انه ما لم يكن هناك استعداد داخلي فإن المؤامرات والخطط تفشل، لذا فمن الواجب التركيز على حل المشكلات الداخلية، وان نكون على قدر كاف من الحصانة والاستعداد للتصدي ومواجهة الفتن، وعدم إتاحة الفرصة للأعداء للنفاذ من خلال نقاط ضعفنا والثغرات التي ترهق كاهلنا، فالمجتمع الصحيح من الأمراض والأسقام الذي يملك الوعي والنضج الروحي والثقافي لا يجد هؤلاء الأعداء طريقا منفذا يعبرون منه إلحاق الأذى أو الضرر به.

وجاء في الباب الثاني: «الإصلاح والتغيير بين الإرادة الذاتية والتوسل بالخارج»: يحذر الشيخ من تعليق الآمال على القوى الخارجية بقوله: انه لا يمكن الوثوق بدعاوى الأمريكيين بأنهم يريدون نشر الديمقراطية والحرية في المنطقة، مضيفا أن المواطنين الشيعة في المملكة يتمتعون بروح وطنية قوية، وولاء وطني عميق ووعي بمعادلة الصراع الأمريكي الإسلامي، ولذلك فهم أوعى من أن ينخدعوا بتلويحات الأمريكيين أو أطروحاتهم، متابعا كلامه بالقول أننا لسنا في وارد أي اتصال بالأمريكيين، فنحن جزء لا يتجزأ من وطننا، ونرفض أي تدخل أجنبي، ونراهن على الوحدة الوطنية، وعلى معالجة مشاكلنا الداخلية بالتواصل مع المسئولين في بلادنا. ونأمل أن نرتفع جميعا إلى مستوى التحدي الخطير، حكومة وشعبا، لتفويت الفرصة على أي إرادة أجنبية تريد العزف على الوتر الطائفي والتلويح بالأوراق المذهبية، عبر سد الثغرات وتحقيق المساواة بين المواطنين والاستجابة للتطلعات المشروعة.

الفصل السابع: "المسألة الطائفية والإصلاح الديني:

كما قال المؤلف في الباب الأول: «نقد التراث وإعادة كتابة التاريخ من جديد»: إن مسألة التراث ومراجعته وإعادة النظر فيه قضية مهمة وتستحق بذل الجهد والتعب، فإعادة كتابة التاريخ أمر مطلوب ولا يمكن التنازل عنه، كما يتحدث الشيخ، لكن من دون إغفال الأسلوب الذي قد تتم به هذه الإعادة، فإذا تم بطريقة تعتمد التهريج والإثارة والإساءة لهذا أو ذاك، واستخدمت الكلمات الجارحة والتعبئة غير الموضوعية، فإن هذه الأمور ستتسبب في إشكاليات ومشاكل نحن في غنى عنها.

أما الباب الثاني المعنون: «التراث والنقد الذاتي»، يذكر الكاتب: إن العمل على مراجعة التراث وتنقيته وغربلته والتوثق من صحته وصدوره، وإعادة النظر في فهم النص يشكل ضرورة ملحة لتجديده وتجاوز أثقاله، إلى أن اللافت للنظر كما يلاحظ الشيخ، هو التهرب من النقد الذاتي حيث كل يوجه نقده للآخر وتراثه، وليس لذاته حيث لا يتحلى الجميع بالجرأة على مراجعة تراثه وتنقيته وغربلته وإعادة النظر فيه، في الوقت الذي يحتاج فيه كل تراثنا إلى إعادة النظر والمراجعة.

وفي الباب الثالث: «تجديد الخطاب الديني»، يقول المؤلف: إن مواجهة التحديات المعاصرة يتطلب تطوير وتحديث الخطاب الديني، وهو الأمر الذي يتطلب، كما يقول الشيخ، تحديث عقليات المنتجين للخطاب الديني، وهو الأمر الذي يقود للحديث عن أوضاع الحوزات العلمية والجامعات والمعاهد الشرعية التي تخرج القضاة والدعاة والمبلغين، حيث إن المناهج الدراسية في الحوزات والمعاهد الدينية تحتاج إلى الكثير من التطوير، بحيث تعيد الإسلام إلى أصالته وتتجاوز تراكمات الخلافات والصراعات المذهبية، وتتجاوز عقلية الأسر لأراء السلف والعلماء الماضين، وأيضا أن يكون في هذه المناهج انفتاح على الفكر البشري، فليس كل ما أنتجه البشر في المجتمعات الأخرى باطل وكفر، وإنما فيه ما هو مفيد وعلينا أن نستفيد منه.

الفصل الثامن: «المسألة الطائفية والإصلاح الثقافي».

وفي الباب الأول وكان عن «المسألة الطائفية بين التثقيف السلبي والتثقيف الايجابي»، يدون الكاتب ما يلي: ففي مقابل مئات المؤسسات والمنابر الإعلامية والثقافية للشحن الطائفي والمروجة لاتجاهات التعصب المذهبي وخدمة ثقافة الفرقة والخلاف، لا تكاد تجد سوى عدد محدود من المؤسسات المهتمة بالخطاب والشأن الوحدوي، حيث يعاني الخطاب الحامل للقيم قصورا وتقصيرا في إنتاج خطاب قادر على التأثير في جمهور الأمة، وأعداد مشروع قابل للاستجابة والتفاعل مع الثقافة الايجابية والترويج لها، وكسب المزيد من الأنصار والمؤيدين. ومن بين عشرات الآلاف من علماء الدين والمنتسبين للحالة الدينية من الخطباء والدعاة، كما يشير الشيخ، قد لا تجد منهم إلا عشرات الأفراد ممن يحملون هم نشر خطاب الوحدة ومواجهة ثقافة الخلاف والشقاق، فمؤشر إنتاج وانتشار الكتابات الطائفية المذهبية هو الأعلى قياساً إلى النسبة المنخفضة من الكتابات الداعية إلى الوحدة والتآلف.

وكان عنوان الباب الثاني: «النقد والمراجعة كضرورة لتجديد البنية الثقافية»، يتحدث الكاتب قائلا: إن تجاوز حالة الخوف من النقد والرهبة من مفاعيله وتداعياته يتطلب إثراء واقعنا الثقافي بإنتاج فكري واجتهاد ديني حديث يواكب ما ينتج من أفكار خلاقة من حولنا، ويتميز بمواكبة ومجاراة الواقع المعاش وتحولاته، ومعالجة ما ينج عنه من هموم ومشكلات وتحديات، كما يمكن أن يكون لهذا النتاج الفكري والاجتهاد الديني دور في حفر البنية الثقافية السائدة والراكدة، ونقد وتجاوز المفاهيم والرؤى البالية التي تجاوزها الزمن، وإعادة صياغة عقل الإنسان المسلم بثقافة جديدة قادرة على مواكبة الحاضر والإبداع فيه، وتتسم بالجرأة والشجاعة في طرح القضايا والمسائل بدون وجل وتهيب وخوف.

أما الباب الثالث والذي يناقش: «التنمية الإنسانية كأساس للنهضة الثقافية»، يقول المؤلف: إن الاهتمام بموضوع الشباب من القضايا الأساس التي دائما ما ترد وتتكرر في خطاب الشيخ الإصلاحي من خلال تحفيزهم ودعوتهم ليكونوا عنصرا خيرا وفاعلا لأنفسهم وأهلهم وفي المجتمعات التي ينتمون إليها وتحتضنهم، فالشباب - كما يصفهم الشيخ - يختزنون طاقات وكفاءات كبيرة، وبالتالي هذه الطاقات والكفاءات ينبغي أن تفجر، وينبغي أن توجه من اجل بناء واقع أفضل للأمة، ومن اجل مستقبل أفضل لهذه المجتمعات.

الفصل التاسع: «المسألة الطائفية ومسؤولية النخبة».

وكان الباب الأول عن «دور النخبة الايجابي»، فإن الشيخ كان دائما ما يهتم ويشير في خطابه ويتطرق إلى دور النخبة في مسألة الطائفية وحساسية وخطورة هذا الدور وأهميته في وقف تصاعد نبرة الخطاب المذهبي المتطرف والتصدي له، حيث يؤكد على أن من واجب العلماء والدعاة المخلصين أن ينذروا قومهم من هذا الخطر الزاحف، وان يذكروا الأمة بنداءات القرآن العظيم الداعية إلى الوحدة، والاعتصام بحبل الله والتعارف والتعاون على البر والتقوى، وعدم التفرق والتنازع، والجهر بكلمة الحق في الدعوة إلى الوحدة والتقارب والتآلف ومجابهة باطل التفرقة والتمزق والانقسام، والمساهمة في نشر الوعي، والتبشير بثقافة الوحدة والتقارب بين أبناء الأمة والوطن.

وناقش الباب الثاني: «دور النخبة السلبي»، يقول المؤلف: أن هذا الواقع المرير ودور النخبة السلبي فيه يصيب الشيخ بالألم والحسرة، ويشعره بالأسف الشديد، لانزلاق بعض العلماء واستدراجهم إلى أوحال الفتنة، ومشاركتهم بوعي أو غفلة في تأجيج ضرامها، عبر التعبئة وإثارة الضغائن والأحقاد، وفتح ملفات الخلافات العقدية والفقهية، وتجميع أوراق السقطات والأخطاء.

وذكر الكاتب في الباب الثالث: عن «ازدواجية النخبة»، إن هذه الحالة من الازدواجية في الخطاب والتناقض في السلوك والممارسات من القضايا التي يثيرها الشيخ في بعض خطابه، مشيرا: إنه ليس مقبولا أن يتحدث البعض منا في جلسات الحوار بلغة الوحدة الوطنية، وان يظهر الاحترام للرأي الآخر ويدعو إلى مواجهة الأخطار المحدقة بالدين والوطن، فإذا ما عاد إلى وسط جمهوره وتياره خضع للأجواء السائدة من تجاهل الآخر والدعوة إلى إلغائه واستخدام لغة التشدد والتزمت، مضيفا إن تياراتنا تعيش آثار ثقافة التعبئة ضد الآخر، وعلينا أن نواجهها بنشر ثقافة التسامح والتزام العدل والإنصاف، وان نتحلى بالجرأة للارتقاء بمستوى تياراتنا إلى آفاق أخلاق الإسلام، لا أن نسف مع التوجهات الهابطة ونخضع لضغوطها.

وخصص المؤلف الباب الرابع لل«النخبة ومشكلة التواصل فيما بينها»، فيقول: يطرح الشيخ في خطابه إشكالية العلاقة والتواصل بين النخبة، ويناقشها من ضمن ما يناقش من إشكاليات تعاني منه الذات النخبوية، حيث ينتقد ضعف الاهتمام بهذه القيمة، ومشيرا إلى أن هناك إشكاليات في التواصل والانفتاح بين علماء ومثقفي المذاهب الإسلامية، وأنها ضيقة وفي حدودها الدنيا، حيث لا تتناسب مع تطلعات وحدة الأمة، في ظل الانتكاسات الصعبة والانكسارات المؤلمة التي تمر بها، ولو أردنا تقدير عدد المهتمين بقضية التقريب والوحدة عمليا في الوسط الشيعي، مثلا، من الذين يحضرون المؤتمرات ويقومون بالزيارات وينشئون العلاقات والصداقات مع نظرائهم في الضفة الأخرى لوجدناه عددا قليلا جدا لا يتناسب وأهمية القضية وخطورة التحدي، ولا العدد الضخم من العلماء والطلبة الذي تعج بهم حوزاتنا العلمية وساحاتنا الدينية، حيث تنكفئ النخبة على ذاتها وفي داخل أطرها الضيقة، وتستهلك جهودهم ويستغرقون في القضايا والشؤون الداخلية لمجتمعاتهم، أما الاهتمام بالعلاقة مع الآخر المذهبي والسعي للتواصل معه فلا يتجه له احد منهم إلا نادرا، ويتذرعون بمختلف الأسباب والمبررات الفكرية والنفسية والاجتماعية، للعزوف عن هذا الاهتمام والانخراط في هذا المجال المهم والحيوي.
أما عنوان الباب الخامس: فكان «من الأقوال إلى الأفعال»، الذي يقول فيه: فالسؤال الذي يفرض نفسه بعد كل لقاء وطني حواري هو وماذا بعد؟ كما يشدد على الشيخ لافتا إلى انه دائما ما تحصل حوارات رائعة، وتصدر عن هذه المؤتمرات والحوارات أيضا توصيات رائعة، إلا أن السؤال يظل دائما وماذا بعد؟ ويرى الشيخ أنه لابد من الانتقال إلى البرامج العملية والخطوات التنفيذية لتفعيل مكاسب أي لقاء وتطبيق توصياته، وإلا فستصبح اللقاءات حالة رتيبة مكررة تفقد وهجها وتضعف مصداقيتها أمام المواطنين المتطلعين للإصلاح والتغيير. خاصة وقد استقر في أذهان مجتمعاتنا العربية انطباع سلبي عن اللقاءات والمؤتمرات التي تتكرر بشكل رتيب بين الزعماء والوزراء والعلماء والمثقفين، ثم تقف عند حدود إصدار البيانات، وتبقى حبرا على ورق دون أن تحقق شيئا من آمال الناس وتطلعاتهم.

وفي الباب السادس: «النخبة وتحمل مسؤولية التغيير»، يقول المؤلف: إن تحديات الواقع كبيرة، ومعالجة المعوقات وإزالة العقبات تفرض على الأمة أن تكون في مستوى هذه التحديات، ولن تستطيع مجتمعاتنا الاستجابة لهذه التحديات، إلا إذا كانت على مستوى التحدي وتمتلك من القدرات والطاقات والمعرفة والعلم، بالإضافة إلى قدرة أبناء الأمة على التوحد والتضامن والتآخي لمواجهة هذه التحديات.

وفي الباب سابع: «النخبة وعدم اليأس من نتائج العمل»، جاء ما يلي: ومع إدراك الشيخ إلى هذه الحقيقة وصعوبة تحقيق التغيير المرتجى واحتمال أن يستغرق فترات طويلة من الزمن، إلا أنه وفي خطابه يصر ويؤكد ويحث على العمل والكفاح والنضال في سبيل تحقيق هذا الهدف مهما كان تواضع النتائج، ومهما عظمت المشكلات وكبرت المصاعب. وتتحلى نبرة خطاب الشيخ في هذا الإطار دائما بالتفاؤل وعدم الإحباط، والمهم كما يقول أن لا نسمح للانتكاسات التي تحدث بين فترة وأخرى أن تتحول إلى حالة إحباط ويأس في النفوس، أو أن تؤدي إلى التراجع في العزيمة أو الخفوت في مستوى التطلعات التي يؤمن بها شريحة من أبناء هذه الأمة.

وجاء في الباب الثامن: «دور النخبة في التعبير عن هموم وتطلعات الأمة»، يشدد الشيخ على ضرورة تحمل المسؤولية من طرف الطليعة الواعية في كل مجتمع، حيث يتحمل هؤلاء مسؤولية نشر الوعي بين الناس، والعمل على تطبيق المفاهيم والمبادئ، فمستوى الوعي لدى الناس آخذ في التطور بسبب انتشار وسائل الإعلام وتدفق المعلومات من بقاع العالم المختلفة، بحيث يمكن للإنسان اليوم الاطلاع على تجارب الآخرين ومعرفة الحقائق العلمية والاجتماعية والسياسية، وهو الأمر الذي يرفع من مستوى وعي الناس ونضج مواقفها، ومن ثم يمكن أن تجد مبادئ التعددية طريقها نحو التطبيق والممارسات.

وفي الخاتمة جاء ما يلي: يدرك الشيخ حجم الثمن والضريبة التي يمكن أن يدفعها الغيارى من أبناء الأمة نتيجة وقوفهم ضد مشاريع الفتنة الطائفية التي تمزق وتنهك مجتمعاتنا من الداخل، والسباحة عكس تيار المد الطائفي، من خلال الجهر بكلمة الحق في الدعوة إلى الوحدة والتقارب والتآلف ومجابهة باطل التفرقة والتمزق والانقسام والتصدي بالموقف الحاسم لكل محاولات شق الصف، ومواجهة ثقافة الكراهية والبغضاء والشحناء والعدوانية وغيرها من القيم الرديئة والعاهات الأخلاقية البغيضة، والمساهمة في نشر الوعي والتبشير بثقافة الوحدة والتقارب بين أبناء هذه الأمة.