التبعية للأشخاص تحتاج وعيًا وشخصية مستقلة

ينبغي لكل فرد أن يوائم بين استقلال شخصيته والثقة بنفسه وبين الاتباع الواعي لأي شخص.

إن أهم ما وهب الله تعالى للإنسان القدرة على البيان وقد امتن على عباده بهذه الميزة: «علمه البيان». ولا يقبل الله من أحد أن يتنازل عن هذه الميزة. لهذا ينبغي أن يعزز الإنسان في نفسه الثقة في التعبير عن رأيه واتخاذ مواقفه.

يجهل البعض نفسه ويجمد عقله ومشاعره، ويترك للآخرين المجال للتفكير عنه. خلاف الشخص التوكيدي الذي يقرر مواقفه ويكوّن فكره، فهو كائن مسؤول عن كل تصرفاته وسيأتي يوم القيامة ربه للحساب فردًا.

لا يصح الأخذ بآراء الآخرين دون وعي وحجة. ولا يصح الاتباع الأعمى للقيادات والزعامات حتى الدينية. والعقل هو من يضع ضوابط الاتباع؛ كيف وأين ولماذا؟ فاتباع الأنبياء والأئمة يكون عن وعي وقناعة وثبوت الحجة. ولهذا فإن أصول الدين لا تقليد فيها.

هذا ما يشير إليه الشيخ حسن الصفار في محاضرته: «الشخصية بين الاستقلالية والتبعية».

مؤكدًا بأن الاستقلالية المطلوبة منه لا تعني الاستغناء عن الآخرين، ولا تعني عدم اتباع القيادات والزعامات. لأنه يبقى غير محيط بكل الجوانب، وذهنه لا يتسع للتفكير في كل شيء، وهو غير معصوم فتشتبه عليه الأمور، وتغلبه العواطف فيزل رأيه وإن كان فذًا.

إن حجية العقل تدعو الإنسان لاتباع أهل الاختصاص كالطبيب مثلًا والمهندس والفقيه الجامع للشرائط.

وكذلك استشارة أهل الرأي الحصيف. فالعقل يرشد للاتباع الواعي وليس التبعية العمياء.

لكن بعض الزعامات يعجبها تسليم الناس عقولهم لها لتفكر عنهم. ولا يروق لها وجود من يفكر ويجادل ويعترض وهذا غير صحيح. فالنبي ﷺ على عظمته كان يشاور قومه وبأمر من الله حتى قيل أنه أكثر من يستشير أصحابه. ذلك لأنه يريد أتباعًا واعين.

ويؤكد الشيخ الصفار بأن الإنسان ينبغي أن يكون شخصًا توكيديًا قادرًا على الإفصاح عن مشاعره والتعبير عن رأيه وحماية مصالحه وحقوقه.

فالإفصاح عن المشاعر أمر مطلوب سيما مع الأقرب من الناس. بل إنه مطلوب مع الله عز وجل ولعلّ قسوة القلب في النصوص تشير إلى تبلد المشاعر: «أبعد الناس من الله القلب القاسي».

وعلى الإنسان بما يحمل من وعي وفكر أن يعبر عن رأيه ويفصح عما بداخله. وإنما تتميز المجتمعات بتعبير أفرادها عن آرائهم وبلورة الناضج منها.

ولا بد من أن يسعى الإنسان لحماية مصالحه وحقوقه. ولا خجل في ضمان الحقوق المالية حتى مع الأقربين، وهذا نهج قرآني كما تؤكده آية الدين. ونحن نرى كثيرًا من المشاكل تقع بين الزوجين بعد أن يفترقا.

يشتركان في بناء بيت دون توثيق، وبعدها يقع الخلاف، والنصيب يكون لمن سجل البيت باسمه!

فالوعي والبصيرة صفة يتميز بها الإنسان عن غيره. وعلى المؤمن أن يتحلى بها أكثر. وفي العباس بن علي أسوة، فجهاده ودفاعه عن أبي عبدالله الحسين   لم يكن عاطفيًا بل عن إيمان وعقيدة:

إني أحامي أبدًا عن ديني

وعن إمام صادق اليقينِ

«لقد كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الإيمان»

كاتب وشاعر