القديح: الشيخ حسن الصفار ـ حفظه الله ـ يشارك في المهرجان الختامي لجماعة الهدى للتعليم
في مساء يوم الجمعة ليلة السبت الموافق لِـ 21/ 07/ 1426 هـ ـ 26/ 08/ 2005 م أقامت جماعة الهدى للتعليم بالقديح مهرجانها الختامي لأنشطتها الصيفية للعام 1426 هـ، وقد ضم المهرجان عددًا من الفقرات، من بينها: كلمة الطلاب، وأنشودة من أداء مجموعة الإنشاد بالجماعة، مشهد تمثيلي من إعداد وتنفيذ مجموعة المسرح بالجماعة ـ أيضًا ـ، وكلمة مختصرة عن الجماعة تضمنت نبذة عن مسيرة الجماعة خلال أكثر من أحد عشر عامًا، وكذلك الإشارة إلى الأنشطة والفعاليات التي تميزت بها الجماعة هذا العام، مع توثيقها بالأرقام والإحصائيات.
تلا ذلك كلمة لسماحة الشيخ حسن الصفار ـ حفظه الله ـ عن دور المؤسسات التعليمية في احتضان واحتواء الناشئة في ظل ضخامة ما تقدمه التيارات والتوجهات الأخرى من إغراءات لاحتواء واجتذاب الشباب والناشئة، مشيدًا في الوقت ذاته بما تقوم به الجماعة من دور في هذا الاتجاه مع ضعف الإمكانات المادية لديهم، متمنيًا لهم المزيد من التوفيق والسداد.
وكان ختام المهرجان فقرات تكريم الداعمين للجماعة من مؤسسات وأفراد، وتكريم للأعضاء المشاركين في الدورة، وتكريم ثالث للطلاب الحائزين على المراكز الأولى.
وفيما يلي نص كلمة الشيخ حسن الصفار التي ألقيت بهذه المناسبة:
«أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، وبعد
روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال: «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة».
من الطبيعي أن يكون جيل الناشئة والشباب ساحة تنافس واستقطاب من مختلف التيارات والاتجاهات، فالناشئة والشباب هم جيل المستقبل، ومن ينجح في استقطابهم فإن ذلك يعني أنه يجتذب مجتمع المستقبل وجيل الغد، ولذلك تتسابق التيارات والتوجهات لجذب هذا الجيل ولاستقطابه، ونحن الآن نعيش في عصرٍ توفرت فيه وسائل الكسب والاستقطاب وتتطورت، وأصبحت وسائل عالمية، معولمة، مثل الفضائيات والشبكة العنكبوتية (شبكة الإنترنت).
إن الوسائل الإعلامية والمعلوماتية المختلفة أصبحت وسائل عالمية تتجاوز الحدود وتخترقها، وتصل إلى مختلف القطاعات الشعبية والجماهيرية، من مختلف القوى والأديان والمذاهب والمجتمعات، وهذا مما يضاعف المسؤولية ويظهر قوة التحدي الذي نواجهه كمسلمين نريد أن نُسَلِّم الأمانة لأبنائنا وأجيالنا القادمة.
نريد لهم أن يتربوا على مبادئنا وقيمنا التي آمنّا بها، ولكن كيف نصنع ذلك في مقابل هذه التحديات الكبيرة والعظيمة؟!
إن الإمام الصادق في هذه الرواية يرشدنا ويوجهنا إلى أن الواجب يقتضي منا أن ندخل إلى ساحة السباق، ولا يكفي أن نتذمّر، ونفعل كما يفعل البعض، حيث يكتفي بالتذمّر والانزعاج، ويأخذ بذم الشباب وما يقومون به، وينزعج مما يراه في الشوارع أو على شبكة الإنترنت.
هذا الموقف لا يحل المشكلة، عندما نجلس ونتذمّر وننزعج فقط، هذا موقف سلبي.
إن الإمام يأمرنا بأن ندخل إلى ساحة الصراع وساحة السباق، أن نكون الطرف الذي يسبق الآخرين إلى الناشئة وعقول الشباب والأحداث.
هذا هو المطلوب.
أما مجرّد التذمّر وإبداء الانزعاج مما يحصل من مظاهر سلبية لا يحل المشكلة.
في الرواية يقول الإمام : بادروا أحداثكم بالحديث ...
والمقصود بالأحداث هنا هم الناشئة وصغار السن.
يقول الإمام: بادروهم وكونوا أسبق من الآخرين إليهم من حيث المبادرات الفعلية، ومن حيث امتلاك وسائل التأثير أكثر من الجهات والأطراف الأخرى.
إننا بحاجة إلى الانفتاح على أبنائنا وناشئتنا، خصوصًا وأن العائلة أصبحت ـ الآن ـ مشغولة، فلم تعد متفرغة لأبنائها حتى تنفتح عليهم بالمقدار الكافي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن علماء الدين في كثير من الأحيان ينشغلون بالشرائح المتقدمة في السن من المجتمع، ويغفلون عن هذه الشريحة المهمة، وهي شريحة الناشئة والشباب، ولذلك عندما تذهب إلى المسجد، أو عندما تدخل إلى مجلس العالِم ستجد أن جلساءه وحاشيته لا يكونون ـ عادة ـ من الناشئة والشباب، وهذا يعني أننا نترك ناشئتنا وشبابنا للاتجاه إلى التيارات الأخرى، ثم بعد ذلك نتذمّر مما نلاحظه من آثار سلبية لتأثيرات التوجهات الأخرى عليهم.
إننا لكي نواجه هذه الاتجاهات بحاجة إلى إمكانيات كبيرة، وإلى عمل جمعي، وإلى خطط مدروسة، وبحاجة ـ أيضًا ـ إلى الاستعانة بنتائج مختلف العلوم الإنسانية، كعلم التربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، فالمسألة لم تعد كما كانت في الماضي، حيث كنّا نكتفي بمجرّد الوعظ البسيط الساذج والأولي، وإنما أصبحنا بحاجة إلى مناهج وبرامج تتعدى الجوانب النظرية إلى ممارسات عملية، وإلى أساليب فنية مختلفة، تخاطب مشاعر هذا الجيل، وتستطيع الوصول إلى عقولهم وقلوبهم.
وهذا يعني أننا بحاجة إلى مؤسسات تتبنى رعاية الناشئة و رعاية هذه الأجيال في مجتمعاتنا، ولكن هذه المؤسسات لن تتكوّن إلاّ بمبادرة خيّرة من أبناء المجتمع الواعين المخلصين، وإذا كان المجتمع حيويًا، ويدرك عمق التحدي، فإن عليه أن يدعم مثل هذه المبادرات، ليكون باستطاعة هذه المؤسسات أن تقوم بدورها في احتواء ناشئتنا وأبنائنا.
إننا نتحمّل المسؤولية أمام الله تجاه أبنائنا، إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا أن نقي أبنائنا وأهلينا عذاب الانحراف، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ (التحريم: 6)، فالمطلوب ليس وقاية النفس فقط، بل الأهل أيضًا.
ولهذا يخطئ البعض عندما يقول: «لقد نصحتُ ابني وتحدثتُ معه فلم يرعوِ ولم يقبل مني النصح، فأنا قد أديتُ الواجب»، فهذه مغالطة مفضوحة، فالواجب لم يسقط بعدُ، فالولد عندما يصاب بمرض جسمي، ولا تكفيه المعالجات المنزلية البسيطة، يضطر الأب للتوجه إلى الطبيب، وإذا لم يستفد من طبيب المنطقة فإنه يفكّر في العلاج في المستشفى، وإذا لم يتوفر العلاج في المستشفى يفكر في العلاج في الخارج، لأنه يتحمل المسؤولية تجاه صحة ولده بمختلف الوسائل والأساليب.
ومن المفترض أن يكون الأمر بنفس المستوى بالنسبة للمسألة السلوكية والفكرية.
فحينما تنصح ولدك ولا تتمكن من هدايته، لا يعني ذلك أن الواجب قد سقط عنك، وإنما عليك أن تفكّر وتفتش عن وسائل أخرى أقدر على هدايته وعلى التأثير فيه، وتلك الوسائل تتمثل ـ الآن ـ في المؤسسات والجماعات، وفي الأنشطة المختلفة التي تستوعب الشباب والناشئة وتؤثر فيهم.
ولذلك فإن من واجبنا أن ندعم مثل هذه الأنشطة.
إنني مسرور لهذا الجهد المشكور الذي يبذله هؤلاء الشباب، وهذه النخبة الطيبة الواعية المتمثلة في جماعة الهدى، الذين واكبتُ نشاطهم منذ سنوات، وأنا أشعر بالغبطة والسرور والتفاؤل، لأن في مجتمعنا من يفكر ويعمل على هذا المستوى، من وضع للخطط وللمناهج، وتأسيس للعمل الجمعي، وتطوير هذه المؤسسة من خلال الاستعانة بالوسائل الحديثة، من الاستبانات وجمع المعلومات وتوفيرٍ لوسائل التبيين والإيضاح، والأنشطة العملية التي تفجّر طاقات الشباب والناشئة، إنه عمل متطوّر متقدّم، ولذا ينبغي أن نحترم هذه النخبة، وما تبذله من جهد للقيام بهذا الدور الخطير والمهم، إنهم يجاهدون نيابة عنّا ومن أجل أبنائنا وناشئتنا جميعًا، علينا أن نقدر هذا الجهد وأن نوفر لهم الإمكانيات اللازمة.
إنني قمتُ بزيارة بعض المؤسسات الشبيهة في إيران ولبنان ومناطق أخرى مختلفة، ورأيتُ ضخامة الإمكانات التي توضع تحت تصرفهم، وشعرتُ ـ حينها ـ بالإشفاق على ما تعيشه مؤسساتنا وتجمعاتنا الثقافية والتوجيهية مثل جماعة الهدى في بلادنا، إنهم يتحركون بإمكانيات بسيطة جدًا، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على مدى إخلاصهم وجديتهم.
وهذا هو الوجه المشرق من الصورة، ولكن الوجه الآخر يظهر مدى تقصيرنا ـ كمجتمع ـ في الوقوف مع هذه المؤسسات، ومع مثل هذه الأنشطة، ولذلك علينا أن نتحمّل هذه المسؤولية وأن ندعم مثل هذه المجموعة الطيبة.
إنه ـ ولله الحمد ـ توجد أنشطة مشابهة لأنشطة جماعة الهدى في مختلف القرى والمدن، وقد بدأت هذه الجماعات بالالتقاء وبتبادل الرأي والكلمة فيما بينهم، وإن شاء الله يستمرون في ذلك.
لكننا بحاجة أن نتحمّل المسؤولية تجاه هذه الأنشطة، فكم يفرح الإنسان وهو يرى هذا الجمع من أبنائنا وناشئتنا وهم يجتمعون في مثل هذا المكان، وكان يمكن أن يكونوا ضائعين في الطرقات، أو يكونوا فريسة للتوجهات المنحرفة، لكن هؤلاء الشباب المؤمنين استطاعوا أن يستقطبوهم ويستوعبوهم وأن يفيدوهم، وهذا شيء مفرح ومسرّ.
إنني أدعو من كل قلبي لهؤلاء الشباب القائمين على هذا النشاط في جماعة الهدى، بالتوفيق والتقدّم في عملهم، وأدعو المجتمع للوقوف معهم ومؤازرتهم، من أجل أن يساعدونا في بناء جيل واعٍ صالح، ومن أجل أن يساعدونا في وضع حدٍّ للاختراقات على هويتنا وثقافتنا وتوجهاتنا.
أحب هنا أن أذكّر بنقطة أعتقد أنها ليست بغائبة عن الإخوة الكرام، وهي مسألة أهمية التركيز على الجوانب السلوكية، وخلفية الجوانب السلوكية، أنا أعتقد أننا لا نواجه خطرًا ثقافيًا فكريًا، لا على مستوى الدين، ولا على مستوى المذهب، هناك توجهات وتيارات تريد أن تصل إلى أبنائنا وشبابنا، ولكن ديننا ـ الآن ـ في موقع متقدّم، ونهجنا الذي هو نهج أهل البيت في موقع قوة وليس في موقع ضعف، لذلك ليس هناك خوف كبير، وليس هناك قلق على عقائدنا وعلى أفكارنا الدينية.
نحن نجد في ساحةٍ مثل ساحة العراق أنها كانت محكومة بالتيارات المناوئة للدين وللمذهب، فالنظام الصدامي الزائل كان مناوئًا للدين، باعتباره كان يتبنّى فكرًا مخالفًا للإسلام، وكان مناوئًا في سياسته الطائفية للمذهب، وعمل أبشع ما يمكن في محاربة الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت ، ولكن بمجرّد أن انكشف الغطاء وسقط النظام رأينا عمق الحالة الدينية في الشعب العراقي،والتفافه حول المرجعية وحول العتبات المقدسة، والتفافه حول الشعائر الحسينية.
إذًا ليس هناك قلق كبير على العقيدة والفكر، وهذا لا يعني ألاّ ننشر الفكر في أجواء ناشئتنا وألاّ نحصنهم من التأثير، فأنا لا أقول أننا لا نحتاج ذلك، ولا أقول أن ليس هناك أخطار، ولكن يبدو لي أن الخطر الأكبر في اتجاهٍ آخر، وهو الجانب السلوكي، إذ علينا أن نهتم كثيرًا ببناء السلوك الصالح لأبنائنا.
نحن نرى الآن كيف بدأت المخدرات تشق طريقها وتنتشر في أجواء مجتمعنا، وكيف أن الممارسات والتصرفات الطائشة تتسع رقعتها في أوساط أبنائنا وشبابنا كالتفحيط وما أشبه.
لقد بدأنا نرى انتشار حالات العنف بين الشباب لدرجة القتل وإزهاق النفس، لقد بدأت تظهر أكثر من حالة في مجتمعنا الذي ما كانت فيه مثل هذه الظواهر.
نحن نرى كثيرًا من الظواهر السلوكية التي تشعرنا بالقلق، علينا أن نهتم بالتوجيه السلوكي، وبالخلفيات الفكرية والثقافية التي تدعم السلوكيات الصالحة، وتحصن الناشئة والشباب أمام السلوكيات المنحرفة.
وهذا ليس معناه أنني أدعو إلى أن لا نطرح العقائد والأفكار والقضايا الدينية على الشباب، فنحن مطالبون أن نربيهم على دينهم وعلى عقيدتهم، ولكن ما أقصده أن هناك خطرًا أكبر يتمثّل في الانحرافات السلوكية التي تهدد ناشئتنا وأبناءنا، وعلينا أن نهتمّ بها بشكل أكبر.
وفي النهاية، أعرب عن خالص شكري وتقديري لهذا النشاط المؤسسي المبرمج المخطط، وآمل أن نمدّ أيدينا جميعًا لدعمه وتشجيع القائمين عليه ومساندتهم، وإني لأرى في الأفق فرصًا كبيرة للنمو لمثل هذه الأنشطة على المستوى الرسمي والقانوني وعلى المستوى الاجتماعي.
بارك الله فيكم أيها الإخوة الكرام، وأخذ بأيديكم إلى المزيد من ساحات التقدّم والنشاط والعمل وأسأل الله لناشئتنا وأبنائنا الحاضرين الذين نحتفي بهم التوفيق والتقدّم، وأن يكونوا استمرارًا لمسيرة آبائهم وأسلافهم في حمل لواء العقيدة والإيمان وبالتمسك بالدين والأصالة.
والله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.
والسلام عليكم جميعًا ورحمة الله وبركاته».