إتقان العمل

لا تقف المعادلة عند حدود أن تعمل أو لا تعمل، فمتطلبات الحياة ومستلزماتها تفرض عليك حداً من العمل والحركة، لكن المعادلة الأصعب والأعمق تكمن في التنافس على مستوى العمل ودرجة إتقانه.

فالسباق والتنافس الشديد بين دول العالم اليوم ليس في مجال القدرة على الإنتاج أو كمية الإنتاج فحسب، وإنما الأهم من ذلك هو السعي للتفوق في الجودة والإتقان. وبذلك استطاعت بعض الصناعات اليابانية منافسة مثيلاتها من المنتجات الأمريكية في داخل أسواق أمريكا.

وإذا كان التنافس في الماضي يتم ضمن رقعة وحدود معينة، فإنه الآن يجري على مستوى العالم والذي أصبح قرية واحدة. فالمنتج لا يقارن اليوم بأمثاله على مستوى منطقة إنتاجه، بل يدخل معركة التنافس مع ما يشاكله من مختلف بلدان العالم.

من هنا تبرز أهمية تأكيد القرآن الكريم على الارتقاء بالعمل إلى المستوى الأفضل والأحسن، وليس مجرد أداء العمل في أي مستوى كان.

1- فالإنسان في هذه الحياة جاء ليواجه تحدي التفوق والتقدم يقول تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [1] ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [2] .

2- وحينما يريد الإنسان المؤمن أن يقدم أفكاره ومعتقداته للآخرين، ويعرضها عليهم، فعليه أن يجتهد في اختيار أفضل أسلوب، وأحسن طريقة للطرح والتقديم، وإلا فإن عرضه سيكون ضعيفاً غير مقنع، أو سيئاً منفرا. يقول تعالى: ﴿ وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [3] .

3- وإذا تحمل الإنسان مسؤولية الإشراف على ثروة يتيم قاصر، فعليه أن يتوخى إدارة أمواله بأفضل نحو ممكن للحفاظ عليها وتنميتها يقول تعالى: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [4] .

4- وتخاطب الإنسان مع من حوله، وكلامه لهم، لا ينبغي أن يأتي كيفما اتفق أو من وحي الانفعالات والأحاسيس، وإنما يجب أن يختار الإنسان أجمل الكلمات، وأنسب المعاني في تحدثه مع الآخرين، يقول تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبـَادِي يَقـُولُوا الَّتِي هِـيَ أَحْسَـنُ [5] .

5- ومجمل تعامل الإنسان وتعاطيه مع الآخرين، عليه أن يجتهد لجعله في أرقى مستوى، وأفضل صيغة، مهما كانت مواقفهم نحوه، يقول تعالى: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [6] .

6- ولتركيز قيمة الإتقان، والارتقاء بالعمل إلى أفضل مستوى، فإن القرآن الكريم يؤكد على ثبوت هذه الصفة للفعل الإلهي، وما على الإنسان إلا أن يتأمل في عظمة خلق الله تعالى، ليرى أن كل شيء صنعه الباري جل وعلا، فهو في غاية الكمال والإتقان. يقول تعالى: ﴿ صُنْـعَ اللَّهِ الـَّذِي أَتْقـَنَ كـُلَّ شَـيْءٍ [7] ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [8] ﴿الَّذِي أَحْسـَنَ كـُلَّ شَيْءٍ خَلَقـَهُ [9] ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [10] .

وبلغة واثقة حاسمة يتحدى القرآن الكريم أبناء البشر، على مدى أجيالهم الصاعدة، وتقدم مستوياتهم العلمية والتكنولوجية، أن يجدوا ثغرة أو نقطة ضعف أو خلل في كمال وجمال آفاق هذا الكون البديع، والذي تخضع كل ذرة فيه لنظام متقن رصين. يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَانِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ. ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ [11] .



مقاييس الجودة والإتقان:

للتنافس الشديد على تسويق المنتجات، وللاهتمام العالمي بمسألة الجودة والإتقان، أصبحت هناك أنظمة ومؤسسات لتحديد مواصفات الجودة، وتقرير مدى انطباقها على أي منتج من المنتجات. ويوجد الآن ما يعرف بـ(إيزو9000) وهو نظام للمواصفات القياسية في الجودة.

ومن الدول المتقدمة في الاهتمام بالتدقيق في المواصفات القياسية للجودة هي اليابان، ويذكرون أن هذا الاهتمام عندهم مر بثلاث مراحل تاريخية:

المرحلة الأولى: من عام 1955 إلى عام 1965م وهي التي ركزوا فيها على الجودة النسبية، بالتقليل من نسبة الخطأ والثغرات في المنتج، فمثلاً في إنتاج السكر، يكون التفاضل بخفض أكبر نسبة للشوائب فيه، بحيث تصبـح نسبـة الشـوائب10% أو 5% أو ما أشبه. فالمصانع تتنافس على تقليل نسبة الخطأ.

المرحلة الثانية: من عام 1965 إلى 1975 م انتقلوا لمرحلة انعدام الخطأ، بحيث يكون المنتج سليماً 100%.

المرحلة الثالثة: ما بعد 1975 م وهي مرحلة الجودة النوعية، حيث تتنافس المنتجات على إحراز أكبر قدر من الميزات الإضافية.

إن خلوص العمل من الخلل والنقص هو الحد الأدنى لإتقانه وجودته، لكن هناك مستويات ومقاييس أخرى، تؤخذ الآن بعين الاهتمام والاعتبار، ومنها مدى سرعة الإنجاز، فقد تجد أمامك خيارات عديدة لتصنيع منتج معين، أو إنشاء بناء أو مشروع، وقد تتساوى عروضها من حيث المواصفات والتكلفة، لكنها تتفاوت في جانب توقيت الإنجاز والإكمال، فيكون لذلك دخل في ترجيح الأسرع والأقل استهلاكا للزمن.

كما أصبح التطوير، وإضافة المزيد من الامتيازات، مضماراً للتنافس على الجودة والإتقان، في مختلف مجالات العمل والإنتاج.


كيف نتعامل مع العمل؟

في بلداننا تنفق ميزانيات ضخمة، وتصرف أوقات كثيرة، وتستهلك جهود طائلة، على القيام بمشاريع، وأداء أعمال، من قبل القطاع العام والخاص، لكن الملحوظ غالباً هو ضعف الاهتمام والعناية بجودة العمل وإتقانه، لذلك تكثر الثغرات والخلل في المشاريع، ويتأخر إنجازها، كما لا تحقق العديد من الأعمال النتائج المرجوة منها، وتفشل بعض المنتجات في ميدان منافسة البضائع المستوردة.

فقد نصرف ميزانية كبيرة على رصف شوارع وطرقات لا تلبث أن تصبح متشققة محفّرة.. وقد نبني عمارة أو بيتاً بمبلغ ضخم، لكنه بعد فترة بسيطة تظهر فيه العيوب والنواقص.. ونقرأ مثلاً في الجرائد المصرية بين فترة وأخرى عن انهيار بعض العمارات والعقارات التي لم يمض على إنشائها إلا فترة قصيرة.. وتكثر الأخطاء الطبية في العديد من مستشفياتنا ومؤسساتنا الصحية.. وهكذا نعاني في مختلف المجالات من تدني مستوى الإنتاج والعمل، وإن كنا لا نستطيع التعميم، فهناك محاولات وتجارب رائدة يفخر بها، إلا أنها محدودة في مقابل الحالة العامة السائدة في بلدان العالم الثالث.

إن أكثرنا ينجز العمل كيفما اتفق، دون أن يهتم بالجودة والإتقان.



ولعل من أبرز الأسباب والعوامل التي تكرّس هذه الحالة ما يلي:

1. ضعف الرغبة الإخلاص: حيث يقوم البعض بعمله وكأنه مكره عليه، ومضطر إليه، فلا يتوفر لديه اندفاع ورغبة داخلية لأداء العمل، فيمارسه بتثاقل وكسل، وكما قال الإمام جعفر الصادق : «الكسل يضرّ بالدين والدنيا»[12] . وقال : «عدو العمل الكسل»[13]  ويذم الله تعالى المنافقين على صلاتهم، لأنهم لا يؤدونها بإخلاص واندفاع، بل بتثاقل وكسل، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا قَامـُوا إِلَى الصـَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى [14] .

إن الإنسان في عمله يصرف من جهده ووقته، فلماذا يستهين بما يستهلك من ذاته؟ ولماذا يقبل بإضاعة طاقته وجهده في مستوى متدن هابط؟

حقاً إن من يحترم نفسه يحترم عمله، وإن من يقدر جهده ووقته يهتم بإتقان أدائه وإنتاجه.

وفي نظر الإسلام فإن العمل والكدح لإدارة شؤون الحياة أمر مقدس، وهو في درجة العبادة، بل درجة الجهاد في سبيل الله، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق : «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله»[15] .

وروى أنس بن مالك أن رسول الله لما أقبل من غزوة تبوك استقبله سعد الأنصاري فصافحه النبي ثم قال له:« ما هذا الذي أكتب يديك (أي أخشنها)؟» قال: يا رسول الله أضرب بالمرّ والمسحاة فأنفقه على عيالي، فقبّل يده رسول الله وقال:« هذه يد لا تمسّها النار»[16] .

إن الموظف والعامل ورجل الأعمال والعالم والخطيب حينما ينطلق إلى عمله بعشق ورغبة، فسيتعامل معه بإخلاص، ويؤديه بجودة وإتقان.


2. ضعف الوعي الاجتماعي والوطني: كلنا نمارس النقد، ونظهر التذمر من المستوى المتدني للإنتاج، وأداء الأعمال في مجتمعاتنا، لكننا في الواقع نتذمر من أنفسنا، وندين سلوكنا، لأننا شركاء في صنع هذه الحالة العامة، كل في موقعه، ومن خلال دوره وعمله.

سمعت مرة بعض المواطنين يشكون من تقصير أحد الموظفين في إنجاز أعمال المراجعين، واتفق بعد فترة أن رأيت ذلك الموظف نفسه يعلن الشكوى والانزعاج من موظف احتاج هو إلى مراجعته في موقع آخر، فقلت: سبحان الله ما للواحد منا يشعر بتقصير الآخرين نحوه ولا يشعر هو بتقصيره تجاه الآخرين؟ يرى الخلل حينما ينعكس على مصلحته المباشرة ويتجاهله حينما يضر بمصالح الآخرين؟

إن الإصلاح والتغيير في أوضاع مجتمعاتنا، يبدأ من كل فرد منا، لأن كل واحد يؤدي دوراً ما، فإذا أتقن دوره يكون قد أسهم في معالجة جزء من الخلل، ويصبح أنموذجاً للآخرين ومشجعاً لهم على ذلك.



3. غياب المحفزات: فالمجتمعات التي تهتم بالجودة والإتقان، تخضع لقوانين عادلة موضوعية، تقدر الكفاءات، وتحترم الجهود والعطاء، وتقدم المحفزات وعناصر التشجيع للمتفوقين، والأكثر عطاءً وإتقانا. وذلك عامل مهم للتطوير والتقدم.

أما حينما تسود معادلة المحسوبيات، والتمييز بين الانتماءات والولاءات، ويتفشى الفساد الإداري، فسوف يكون ذلك على حساب الكفاءة والتطوير. وسيضن العامل بجهده وطاقته إذا لم يجد التقدير والمكافأة، أو رأى أن عطاءه يجيّر لصالح رؤسائه ومسؤلييه.

4. انعدام الرقابة والتقويم: لأن التستر على الأخطاء، وغض الطرف عن الثغرات والنواقص، وسيادة أجواء المجاملة والمحاباة، كل ذلك يكرّس حالة الإهمال والاسترسال، واستمرار التدني في العمل والإنتاج.

إن لمؤسسات الرقابة والتفتيش، ووسائل الإعلام، ومناخ التنافس الحرّ، ووعي الناس الذي يدفعهم للتقويم والتمييز بين منتج وآخر، وبين طرح وآخر، إن لذلك أثراً واضحاً في تسليط الأضواء على مكامن النقص والخطأ، والدفع باتجاه المعالجة والتصحيح.

فعالم الدين والخطيب والموظف والعامل وسواهم، إذا شعر كل واحد منهم بأن دوره وإنتاجه يخضع للتقويم والمناقشة، وأنه يشكر ويقدّر إذا أحسن وأتقن، ويحاسب ويعاتب إذا أساء وقصر، فإنه سيكون أكثر اهتماماً ورعاية لمستوى عمله وإنتاجه، أما إذا لم يلحظ شيئاً من ذلك، وأن " كل شيء يمشي " حسب التعبير المتداول. فالنتيجة المتوقعة هي هذه الحالة السائدة.



5. تأثير الأجواء العامة: حينما يعيش الإنسان ضمن محيط سليم، يخضع للنظام والقانون، وتسوده حالة الانضباط والإتقان، فإنه غالباً ما يتربى على ذلك، ويتفاعل مع هذا الاتجاه السائد، بينما إذا أحاطت به أجواء متسيبة، فسينجرف معها. ونسمع كثيراً عن أشخاص يبدأون مسيرة عملهم بالتزام وانضباط في المؤسسات أو القطاعات التي يلتحقون بها، ثم ما يلبثون أن يفقدوا تلك الحالة الإيجابية، ويصبحون جزءاً من الوضع الفاسد المنحرف، والسبب في ذلك هو تأثرهم وتكيّفهم مع المحيط العام.

وقد عايش مجتمعنا في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية تجربة حيّة على هذا الصعيد، تتمثل في أجواء الانضباط والالتزام التي حكمت العمل في شركة (أرامكو) منذ تأسيسها، حيث تربى العاملون فيها على التقيّد بأوقات العمل دون أقل تباطؤ أو تأخير، وبالمواظبة على العمل دون تغيّب حتى في أقسى الظروف، وبإتقان أداء المهام والوظائف بدقة وترتيب، كان معظم العاملين أميين غير متعلمين، ولا يمتلكون الخبرات الفنية الكافية، لكن الإدارة الحازمة والمنظمة في الشركة، صنعت محيطاً وأجواء منضبطة متقنة، تربى من خلالها أولئك العاملون.



ثقافة الإتقان:

يحتاج المجتمع إلى توجيه مكثف وثقافة عامة تدفع نحو الإتقان، وأن يؤدي الإنسان أي عمل يقوم به وإن كان بسيطاً بدقة وضبط، وترتيب واهتمام.

لذلك وردت النصوص والأحاديث الدينية التي تؤكد على هذه الأخلاقية الهامة، روي عن رسول الله أنه قال: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»[17] .

وفي حديث آخر عنه :«إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن»[18] .

وتحمل لنا حادثة مشاركة الرسول في دفن الصحابي الجليل سعد بن معاذ، أروع توجيه في الالتزام بالدقة والإتقان، حيث ورد أن رسول الله نزل حتى لحّد سعد بن معاذ وسوّى اللّبن عليه، وجعل يقول:« ناولني حجراً، ناولني تراباً رطباً، يسدّ به ما بين اللّبن، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره، قال : إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه»[19] .

هكذا يهتم رسول الله بترتيب وضع اللحد والقبر، مع عدم رجاء فائدة من ذلك، وإن مصيره إلى الخراب والتلف، لكن المطلوب هو تركيز هذه الحالة من الإتقان في سلوك الإنسان.



تربية الأحكام والتعاليم:

وإذا تأملنا التعاليم الدينية والأحكام الشرعية التي ترتبط بالعبادات والمعاملات، ولاحظنا دقتها في التفاصيل، وشموليتها لمختلف الجوانب المتعلقة بها، لوجدنا أنها تشكل مدرسة تربوية، تدرّب الإنسان المسلم على الدقة والضبط وتنمّي في نفسه رعاية الإتقان والترتيب.

فمثلاً موضوع التخلي والتخلص من فضلات الجسم، هذا الأمر على حقارته وبساطته عند الإنسان، له في الشريعة الإسلامية عشرات المسائل والأحكام بين واجب وحرام ومكروه ومستحب، لكي يؤدي الإنسان هذا العمل البيولوجي الطبيعي على أفضل وجه ودون أي مضاعفات وأضرار عليه وعلى الآخرين والبيئة.

وفي كتاب واحد من كتب الحديث هو (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) للفقيه المحدّث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (توفي 1104هـ) هناك (174) حديثاً حول موضوع التخلي لقضاء الحاجة.

وعبادة الصلاة التي يؤديها المسلم خمس مرات يومياً تنتظمها مجموعة كبيرة من الأحكام والضوابط، من حيث مكانها وزمانها وحركاتها وألفاظها، واللباس الذي يلبس خلالها، وسائر الشروط والمقدمات والأجزاء، وقد أحصى الشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي (734-786هـ) ألف واجب في الصلاة ضمن كتاب أطلق عليه (الألفية).

فليس مقبولاً أداء الصلاة على أي وجه وكيفما اتفق، بل لا بد من مراعاة الضوابط والأحكام، وإلاّ فإن الإخلال والتساهل عمداً بأي شرط أو جزء من الصلاة، ولو كان حرفاً واحداً يبطلها ويجعلها لاغية.. وهكذا الأمر في عبادة الصوم وفريضة الحج.

ونشير أخيراً إلى حديث رسول الله حول تذكية الحيوان وذبحه، والتعاليم والآداب التي ينبغي مراعاتها في هذا المجال، حيث يقول فيما رواه مسلم في صحيحه: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته»[20] .



النماذج والقدوات:

إن على كل واع في المجتمع، وخاصة من يكون في موقع القيادة والمسؤولية، أن يجعل من نفسه إنموذجاً وقدوة في مجال ضبط العمل وإتقانه، فالوالدان في البيت يؤثران بسلوكهما في صنع نفوس الأبناء وأخلاقهم، فالأب المنظّم في حياته، والملتزم بالدقة في أعماله، عادة ما تنطبع أخلاقياته هذه في شخصيات أبنائه، والأم التي تدير دفة شؤون المنزل بترتيب وإتقان، يحاكيها أبناؤها غالباً في سلوكهم بهذا الاتجاه.

والمؤسسة التي يقودها مدير منضبط ملتزم، تسود تلك الصفة أجواءها، وتحكم أداء العاملين فيها.

إن بعض المدراء والمسؤولين في الأجهزة والمؤسسات، يعتبرون أنفسهم فوق قانون المؤسسة وغير ملزمين به، ولكنهم يضغطون على العاملين لديهم للتقيّد بالنظام والقانون، ولا تثمر هذه الازدواجية إلا الفشل في العمل، وسوء العلاقة بين الإدارة والأفراد.

يقول الله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ [21] .

ويقول تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ [22] .

وجميل جداً ما أوصى به رسول الله عبد الله بن مسعود حين قال له: «يا ابن مسعود فلا تكن ممن يشدّد على الناس ويخفف على نفسه، يقول الله تعالى ﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. يا ابن مسعود، لا تكونن ممن يهدي الناس إلى الخير، ويأمرهم بالخير وهو غافل عنه»[23] . ويقول الإمام جعفر الصادق : «كونوا دعاة الناس بأعمالكم»[24] .

 

 

* كلمة الجمعة بتاريخ 26 ربيع الثاني 1421هـ
[1]  سورة الكهف الآية7.
[2]  سورة الملك الآية2.
[3]  سورة العنكبوت الآية46.
[4]  سورة الأنعام الآية152.
[5]  سورة الإسراء الآية53.
[6]  سورة فصلت الآية34.
[7]  سورة النمل الآية88.
[8]  سورة المؤمنون الآية14.
[9]  سورة السجدة الآية7.
[10]  سورة التين الآية4.
[11]  سورة الملك الآية3-4.
[12]  الحكيمي: محمد رضا/ محمد/ علي/ الحياة ج1 ص301.
[13]  المصدر السابق ص299.
[14]  سورة النساء الآية142.
[15]  الكليني: محمد بن يعقوب/ الكافي ج5 ص88.
[16]  الفلسفي: محمد تقي/ الشاب بين العقل والعاطفة ج2 ص311ـ312.
[17]  الهندي: حسام الدين المتقي/ كنز العمال/ حديث رقم 9128.
[18]  المصدر السابق/ حديث رقم 9129.
[19]  الريشهري: محمدي/ ميزان الحكمة ج7 ص29.
[20]  القشيري: مسلم/ صحيح مسلم/ باب الأمر بإحسان الذبح.
[21]  سورة البقرة الآية44.
[22]  سورة الصف الآية2-3.
[23]  الحكيمي: محمد رضا-محمد-علي/الحياة ج1 ص286.
[24]  المصدر السابق ص290.