وظيفة الشيعة في هذا العصر

مكتب الشيخ حسن الصفار
في إطار مواصلة سماحة الشيخ لإلقاء محاضراته المتميزة في موسم محرم الحرام لعام 1424هـ بحسينية العوامي بالقطيف، ألقى سماحته محاضرته السابعة (ليلة الاثنين السابع من شهر محرم الحرام) تحت عنوان: وظيفة الشيعة في هذا العصر. وقد تضمنت المحاضرة ثلاثة محاور:

المحور الأول: التشيع تكليفُ وتشريف.


بدأ سماحة الشيخ محاضرته بتعريف الشيع، وقال أنها تعني (في اللغة): من المشايعة والمتابعة. وقد استخدمها القرآن بهذا المعنى، يقول تعالى: ﴿وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلبٍ سليم، وهذه الآية تؤكد أن إبراهيم –مع وجود فاصل زمني طويل يُقدره العلماء بـ 2600 عام- تؤكد أنه من شيعة نبي الله نوح ، وهذا يعني أنه يتبعه في المنهج والطريقة التي هي الدعوة إلى توحيد الله تعالى.

وأضاف سماحة الشيخ قوله: وجاء في لسان العرب أصبح لفظ الشيعة غالباً على من يتولى علي بن أبي طالب وأهل بيته . وقال النوبختي في كتابه (الفرق والمقالات): الشيعة فرقة علي بن أبي طالب المسمون بذلك من عهد رسول الله .

وجاء في تفسير الشوكاني (فتح القدر): أخرج ابن عساكر عن جابر الأنصاري قال: كنا جلوساً عند رسول الله ، فأقبل علي بن أبي طالب، فقال رسول الله: «والذي نفسي بيده هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة». فنزل قوله تعالى: ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولائك هم خير البرية ... فكان أصحاب محمد إذا أقبل علي قالوا جاء خير البرية. فالشيعة تشريفٌ ووسام فخر واعتزاز لمعتقي هذا المذهب.

وأكد سماحة الشيخ أنه إذا كان أي مسلمٍ ينتمي لأي إمامٍ من أئمة المسلمين ويأخذ بأقوال الصحابة، هل الأخذ بأقوال أهل البيت فيه نظر. وهم الذي لا يقاس بهم أحد.

وقد يقول قائل: من يقول بأن الشيعة يتبعون أهل البيت؟ إن الأحاديث التي يعتقدون بها أحاديث موضوعة. وللرد على هذا الإشكال قال سماحة الشيخ: كل مدرسة أو فرقة من الفرق الإسلامية لها طرقها الخاصة التي تتناقل عبرها أقوال أئمتها، ولكل فرقة ضوابطها الخاصة في علم الحديث والرواية. والقول بأن الأحاديث التي يؤمن بها الشيعة موضوعة إنما هو تهريج. لأنه لا توجد فرقة من الفرق الإسلامية لا تتضمن أحاديثها بعض الأحاديث الموضوعة. وكيف يُقال عن الشيعة هذا الأمر وعندهم أكبر موسوعة في علم الرجال وهي (موسوعة معجم رجال الحديث) للسيد الراحل الإمام الخوئي (قده).

وأضاف سماحة الشيخ إذا كان ما عند الشيعة لا يُمثل تراث أهل البيت فأين تراثهم إذن. إذ أننا إذا قرأنا كتب أهل السنة لا نرى فيها روايات أهل البيت إلا بشكلٍ محدودٍ جداً.فهذا صحيح البخاري الذي حوي (7397) حديثاً، لا يتضمن إلا (29) حديثاً لأمير المؤمنين وحديثاً واحداً عن فاطمة الزهراء ، وباقي الأئمة لم يذكر لأحدهم ولا حديثٌ واحد، فينما في صحيح البخاري (446) حديثاً لأبي هريرة، و (270) حديثاً لعبد الله بن عمر، و(242) حديثاً لأم المؤمنين عائشة. وقد ذكر هذه الأرقام جميعاً ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري في شرح صحيح البخاري).

فهل هذا يعني أنه ليس لأهل البيت رأي في الأحداث والمواقف، وأنهم لم ينقلوا عن رسول الله شيئاً؟ هذا لا يُمكن لعاقلٍ أن يقبله. إن أهل البيت لهم في كل أمرٍ رأي، والذي أدى إلى تجاهل آرائهم وعدم طرقها هو الظرف والمنع السياسي في تلك الأزمنة، ولكن الذي التصقوا بأهل البيت أبو إلا أن ينشروا ويدونوا تراث أهل البيت حتى لا يضيع.

وأكد سماحة الشيخ بعد ذلك على أن التشيع ليس تشريفاً فقط، وإنما هو تكليفٌ ينبغي أن يكون الشيعة في هذا العصر على قدر المسؤولية من هذا التكليف، وأن يكونوا على مستوى هذا الانتماء. لكن البعض يتصور أن مجرد الانتماء يكفي وأنه ينجى من أي محاسبة. هذا التفكير يُحذر أهل البيت منه كثيراً، ورواياتهم شاهد على ذلك: «يقول الإمام الصادق : ((يا معشر الشيعة إنكم قد نسبتم إلينا فكونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا)). وقال الإمام الباقر : ((لا تذهبن بكم المذاهب، فو الله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه)). »

المحور الثاني: خطورة الظرف المعاصر.


أكد سماحة الشيخ أن الظرف المعاصر من أشد الظروف حساسيةً في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث الصراع المفتعل بين الحضارات، وحيث المؤامرات التي يحيكها الغرب وعلى رأسهم أمريكا ضد الإسلام، عبر كتابة الكتب الموجهة ضد الإسلام، وعبر الدعايات ضد نبي الإسلام، وسيف التهديد المسلط على جميع الدول الإسلامية. فالأمة الإسلامية تعيش هذا الوضع المتأزم، والشيعة جزءٌ لا يتجزأ من الأمة، فالخطر واحد والمستقبل واحد.

وأشار سماحة الشيخ أن الغرب في فترةٍ زمنية سابقة –وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران- حاول إضلال المسلمين بافتعال الحرب ضد التشيع والشيعة، وانطلت هذه الخدعة على كثير من الجهات الإسلامية، واشتركت في هذه الحرب، والآن أمريكا تمارس نفس الخدعة ولكن بثوبٍ آخر، فينبغي للشيعة أن يكونوا على وعي من أن أمريكا تستهدف الإسلام بأجمعه، وليس طائفة دون أخرى.

المحور الثالث: مسؤولية الشيعة ووظيفتهم في هذا العصر.


أكد سماحة الشيخ أن الظرف المعاصر خطير، وعلى الشيعة أن يعوا خطورة المرحلة ويُركزوا على القضايا الكبرى للأمة، ولا ينشغلوا بتوافه الأمور. وقال هناك عدة نقاط ينبغي للشيعة في هذا العصر أخذها بعين الاعتبار:

أولاً- ينبغي أن تكون هناك إجابات على التحديات الحضارية والمعرفية المعاصرة.

إن الأمة تواجه تحدٍ معرفي على مختلف الأصعدة، وهنا يتوجب على مفكري الأمة وعلمائها أن يُعملوا فكرهم لمواجهة هذا التحدي عبر الإجابة على التساؤلات المختلفة في مختلف قضايا الفكر والمعرفة.

وطرح سماحته نماذج رائدة في هذا المجال أمثال الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قده)، والإمام السيد محمد الشيرازي (قده)، والعلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين (رحمه الله)، وغيرهم من العلماء الذي كانت لهم يدٌ طولى في مجال الفكر والمعرفة ومجال مقارعة الأفكار والآراء الغربية ومواجهتها بالآراء الإسلامية، وطرح البرامج والمشاريع النهضوية للأمة.

ودعا سماحته علماء ومفكري الأمة إلى التوجه نحو هذا المجال بكل قوة حتى يُعطوا الصورة المشرقة عن الإسلام بشكلٍ عام، وعن التشيع بشكلٍ خاص.

ثانيا- تقديم النموذج المشرق.

أكد سماحة الشيخ أنه باعتبارنا ننتمي لمدرسة أهل البيت فعلينا أن نقدم نماذج مشرقة في مختلف المجالات الحياتية، على مستوى الدولة، وعلى مستوى المرجعية، وعلى المستوى الإجتماعي من حيث سلوكياتنا وطرق معاملتنا للآخرين، إذ ينبغي أن نسير وفق خط ومنهج أهل البيت .

ودعا سماحته الشباب والفتيات وخصوصاً المغتربين منهم إلى أن يكونوا صوراً مشرقةٌ في التعامل حتى يُعطوا انطباعاً حسناً عن شيعة أهل البيت .

ثالثاً- إحياء أمر أهل البيت .

أكد سماحة الشيخ على ضرورة إحياء أمر أهل البيت ، وأشار إلى الرواية الواردة عن الإمام الرضا والتي تبين معنى هذا الإحياء، يقول لأحد أصحابه وهو عبد السلام الهروي: «((أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا))، فقال له عبد السلام: وكيف نحيي أمركم؟ قال : ((تعلموا علومنا وعلموها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)).»

إذن من واجبنا كمنتمين لخط أهل البيت أن نعرّف الناس على هذا الخط العظيم، وأن ننشر أفكاره. إذ أن هناك تعتيماً على هذا المنهج، وعدم نشرنا لفكره ومنهجه يُعتبر مشاركةً منا في هذا التعتيم.

ودعا سماحة الشيخ إلى ضرورة إنشاء قنوات فضائية تعني بفكر ونهج أهل البيت ، ودعا إلى ضرورة وجود مراكز دراسات وأبحاث حول أهل البيت ، كما دعا إلى ضرورة وجود مجلات وصحف عالمية تعني بفكر وتراث أهل البيت ، فإن لكل عصرٍ طرقه الخاصة في إحياء أمر أهل البيت وعلينا كشيعة وموالين لهم أن نواكب العصر في عرضنا لمنهج أهل البيت .

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.