رعاية المرضى ومساندتهم
طبيعة جسم الإنسان تجعله عرضة للعلل والأسقام مهما كانت قوته، ومهما كانت البيئة الصحية التي يعيش فيها، فهناك أمراض وراثية تولد مع الإنسان، وأمراض تنتج عن الحوادث التي تعترض الإنسان، وغيرها من الأسباب. فلا ينجو إنسان من الأمراض حتى الرسل والأنبياء، وحتى الأطباء وهم من يعالجون أمراض الغير. ولكن تبقى مسؤولية الإنسان في حماية جسمه من المرض ما استطاع. وإذا ما وقع المرض فإن الشرع والعقل يوجبان على المريض أن يسعى لعلاج نفسه.
قد يقاوم المريض مرضه بالعلاج، ولكن هذا وحده لا يكفي، هناك أمر مهم وهو تمتعه بقدر كاف من المعنويات، وهنا يأتي دور المجتمع في توفير الأجواء المعنوية لمرضاه. ولذلك كثرت الأحاديث حول أهمية عيادة المريض. جاء عن رسول الله : «عائد المريض يخوض في الرحمة».
خلال رحلتي العلاجية الأخيرة إلى أميركا شاهدت بعض المشاهد الجميلة، حيث وجدت جمعيات ومؤسسات لخدمة المرضى الذين هم من مختلف الشعوب والبلدان. وكلما سمعت قصة قلت: سبحان الله! هذا ما يدعو إليه ديننا الحنيف، ونحن أولى بتطبيقه من غيرنا، ولكن هناك غفلة عن هذا الأمر في مجتمعاتنا! يوجد بعض اللجان تهتم بهذا الجانب عندنا في المملكة، كما في الغرفة التجارية حيث لجنة أصدقاء المرضى، وكذلك في الأوجام، ولكنا نحتاج إلى أكثر من هذا، إلى عدد من اللجان والمبادرات الفردية والجمعية في كل مدينة وقرية.
التقيت في أميركا أحد المؤمنين من دولة الكويت، كان ذهابه لعلاج طفله المصاب بالورم الخبيث (السرطان). تحدث لي منبهرًا عن المشاهد الطيبة التي لقيها من المتطوعين لمساندة المرضى. فهناك فندق خاص أنشأه متبرعون للاطفال الذين يتعالجون من الأورام الخبيثة يقيمون فيه بأسعار رمزية، وهناك من يقدم الوجبات، وآخر ينسق رحلات ترفيهية، وآخرون يعطون من وقتهم لقراءة قصص للأطفال.
والتقيت شخصًا من منطقتنا يقيم هناك ثمان سنوات حتى الآن لعلاج زوجته وطفله اللذين تعرضا لحادث مريع. ذكر لي هذا الرجل قصصًا كثيرة للمواقف الإنسانية التي عاملهم المتطوعون بها. حين سجّل ابنه في المدرسة اهتم طاقم التدريس والإدارة في المدرسة بالطفل لكونه يعاني من تشوهات في وجهه وشكله، حتى أنهم جمعوا الأطفال وعرضوا لهم فلمًا عن الحوادث حتى يوضحوا لهم أن هذا الطفل أصيب بمثل هذا الحادث وأصبح بهذه الحالة ليتعاطفوا معه. اهتموا حتى بأموره الدينية فلا يقدمون له طعامًا غير شرعي، ويخصصون له وقتًا للصلاة.
وقد رأيت في المستشفى الذي كنت أتردد عليه عدة أفراد من المتطوعين بزي معين شغلهم الشاغل توجيه المرضى الجدد لأقسام المستشفى أو تقديم ما يحتاجونه من خدمات معلوماتية، وهم أشخاص متقاعدون يقضون وقت فراغهم تطوعًا لخدمة المرضى.
حديثنا عن الجوانب الإيجابية للغرب إنما هو من باب الحكمة التي هي ضالة المؤمن. نحن نحتاج إلى مبادرات ولجان ومؤسسات للاهتمام بالمرضى وتعزيز هذا الجانب كما تكونت لجان أخرى وكان لها الأثر الطيب. ولا ينبغي أن تغيب عن مجتمعاتنا هذه الثقافة.