الشخصية القيادية

مجلة المرشد السيد حسن باقر العوامي(*)

إذا كانت الرجال تقاس بالأعمال العظيمة النافعة وما تقدمه من خدمات تترك بصماتها على صفحات الخلود، وإذا تعددت صفات الرجل وتنوعت عطاءاتهم واتسع امتداد أنشطتهم لتشمل العالم جميعه فإنّ أولئك قليلة هم مشاعل الطريق ونوابغ البشرية وعظماء المدونات التاريخية.

وقد لا نطمع أو لا نرتقي إلى مصاف أولئك لأنهم إما مصطفون ــ وعهد لاصطفاء قد انتهى ــ أو لأنهم ينبثقون من حالك الظلام حينما يطغى الاستبداد وتقهر الشعوب، عندها يتولد الفجر بشخصية نادرة وألقت ليس بحاجة إلى شخصية نادرة  ما دامت منابر النقد والاحتجاج والتوجيه مفتوحة حتى على صفحات الإنترنت الأمر الذي لابد أن يأخذ منه المستبدون عبرة وإلا فالتاريخ لا يرحم فكم من حكومات مستبدة وأفراد مستبدون قد طوتهم الذاكرة إلا من لعنة اللاعنين.

إننا في هذا الوقت بحاجة إلى التوجيه والترشيد إلى الحد من جماح التهور والاندفاع غير المدروس محتاجون إلى ضبط الكوابح كي لا  نشتط في الركض لاهثين تدفعنا الأنانية والغرائز لتحقيق مآربنا ولو على حساب الآخرين، محتاجون أن نتلمس معالم الطريق فإننا نسير على قدم واحدة عرجاء لذلك تبددت قوانا وعصفت بنا أهواء الذات والعواطف  الشخصية والآراء الفئوية فضعف العقد الاجتماعي وتضاءلت روابط التواصل وانحسرت قيم تجمع في خريطتها ما يستوعب الاجتماع من جميع قطاعات المجتمع المسلم الواعي الذين ينتظمهم كم هائل من مقومات  الاجتماع والتفاهم ولكن الموروث والاتباع غير المتبصر وحب الذات الطاغي على إيثار المصالح العامة كل ذلك وغيره مما يشاكله أخذ جدارة الصدارة والأولويات في الأعمال الفردية والاجتماعية.

لذلك فنحن بحاجة إلى دعاة ومرشدين يمسكون قيادة المجتمع ويدعون إلى الخير والوحدة والإلفة فكفانا تشتتاً وتفرقةً وضياعاً، لقد أصبحنا لقمة سائغة وأداة طيّعة بإرادة ولا إرادة، نسبح في بحار الآخرين يوجهوننا كيف شاؤوا متلاعبين بأفكارنا وعواطفنا بل وتوجهاتنا الدينية والاجتماعية.

لذلك فإن بروز شخصية لها القدرة على التوجيه والقيادة والترشيد تحمل مؤهلات القيادة والإرشاد تعي دورها ومسؤوليتها وتعرف كيف تسلك الطريقة ملمة بأحوال العصر.

هذه الشخصية هي  موضع الطلب والحصول عليه وفضيلة الشيخ حسن موسى الصفار الذي خصصت مجلة المرشد مشكورة هذا العدد له هو واحد من أولئك القياديين الذين نبحث عنهم، بل هو في أوائل الطليعيين منهم، فإن كثيراً من القادة يتميزون ببعض الصفات التي تؤهلهم، مثل صفة الشجاعة، والبذل، وحسن الأخلاق، وتقديم الخدمات إلى المجتمع وأبنائه، وما إلى ذلك من صفات القيادة التي قد لا يتحلى بجميعها كالقائد. مضافاً إلى أن كثيراً من القادة يحملون من الصفات السلبية شيئاً كثيراً، فترى فيه جانباً من الاستعلاء، وآخر من التهور، وآخر من الشح، أو جانباً من الامتنان، وبعض القادة يقتصر دوره الإصلاحي على نواح دون غيرها، فقل من تجتمع فيه جل صفات القائد.

أما الشيخ حسن الصفار فقد وهبه الله صفات يندر اجتماعها في سواه، وكل الصفات التي يحملها تزاحم سواها في السبق والتقدم. فإن تحدثنا عن المنحى الأخلاقي نجده يحمل روحاً رياضية بالغة الأهمية في التواضع والتواصل والعفو عن الإساءة، وتحمل الإيذاء، ولا يعرف الحقد لقلبه طريقاً، ولا يقبل أن يتحدث عنده أحد بسوء ضد الآخرين، فضلاً عن أن يقول مكروهاً في غيره.

ولا يترك للوقت ــ قصيراً أو طويلاً ــ أن يمر دون إفادة جلسائه بحديث مفيد في المواضيع المختلفة، والجوانب المتعددة.

إنه ذو نشاط لا يعرف إليه الكسل سبيلاً. فأوقاته محسوبة بالدقائق. موزعة بين استقبال الزائرين، ورد الزيارات، وزيارة الأرحام والأصدقاء ورموز المجتمع، وبين المطالعة والتأليف، ويده مبسوطة، ومساعداته ــ رغم القلة ــ كثيرة ومتنوعة، وسماط موائده يندر أن يخلو من ضيف وآخر.

ومن أبرز صفاته الحميدة اهتماماته في مجالات المرأة والإصلاح الإجتماعي، والخدمة الوطنية، والسعي إلى تأليف الأمة ووحدة الكلمة، والخطابة المنبرية.

إنه يشعر أن حياة المرأة بين الإفراط والتفريط، وبين هذين المفهومين ضاعت حقوقها من جهة وأهينت كرامتها من جهة أخرى، فبذل جهداً متواصلاً ــ و ما يزال ــ تأليفاً وخطابة ومحاضرات في بيان ما يجب أن تكون عليه المرأة ــ لاسيما المسلمة ــ وفق المنهج القرآني والسنة النبوية الصحيحة مع رأي الفقيه العالم بعصره. وكتابه «مسؤولية المرأة» أحد الشواهد على اهتمامه بإصلاح شأنها ودورها في الحياة.

أما منهجه في الإصلاح الاجتماعي فهو على ثلاثة محاور: السعي الشخصي، والدعوة بالموعظة الحسنة، والكلمة الطيبة بواسطة التأليف والمنبر.

وكتابه «التنوع والتعايش» من أفضل ما كتب في هذا الشأن.

أما الخدمة الوطنية فتجلى في مساعيه المتواصلة مع رموز المجتمع وبمفرده، وبالاتصال بأصحاب القرار.

أما السعي إلى تأليف الأمة ووحدة الكلمة فلا أدل عليه من مؤلفاته القيمة التي لاقت رواجاً وإشادة من بعض الأدباء الكبار والكتّاب، وأهمها كتاب «التعددية والحرية في الإسلام».

أما الخطابة فقد أخرجها من أسلوبها التقليدي إلى آفاق المعارف المختلفة ومعالجة قضايا الساعة وشؤون الأمة. إنه حاول محاولة جادة بجعل الخطابة المنبرية تتماشى مع تطور العصر، ومناهجه وروحه.

لقد أدرك  أن العلوم الكونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والمناظر أن تفي أبعادها الكبيرة لم تقتصر على فئة محدودة من الناس تشكّل طبقة المتعلمين، إنما أصبحت ميسرة لكل فرد بسبب توفر التعليم لكل مواطن أينما كان موطنه في أنواع التعليم النظرية والتطبيقية، لذلك ــ و بنظرات منه ثاقبة وواعية ــ رأى ضرورة تغيير مسيرة الخطابة المنبرية نوعاً وأسلوباً. طريقة ومضموناً، وقد وفق إلى أبعد حد في ذلك بحيث أصبحت أشرطة خطابته توزع بأعداد كبيرة، ويستمع إليه العديد من الناس حتى من إخواننا السنة داخل المملكة وخارجها، وجمهور مستمعيه يعد  بالآلاف إن لم نقل بعشرات الألوف، وقد أصبح واحداً من الخطباء المجددين الكبار.

وثمة منحى آخر في جهوده وجهاده المتواصل هو محاضراته كل يوم جمعة في المسجد بعد الصلاة فإنها تتناول مختلف الشؤون والقضايا الاجتماعية والدينية والأسرية والأخلاقية والإصلاحية وسواها من سائر شؤون المجتمع وحاجات الأفراد والأمة بأسلوب علمي رصين مفهوم عند المستمع والقارئ، موثق بالأحاديث والبيان من الكتاب العزيز، وهي تنشر من موقعه على الإنترنت.

فما أحوج الناس ــ أفراداً وجماعات ــ إلى اقتفاء هذه الآثار، والتحلي بتلك الصفات أو بعضها!

وما أحوجنا إلى القدوة الصالحة في وقت غلبت فيه الأنانية وحب الذات وطغيان السيطرة على سلوك الناس. إن أجواء من العتمة المظلمة الحالكة السواد قد غطت على قيم الفضيلة والإيمان والأخلاق الحميدة، فصارت الأهواء والمصالح الشخصية تسيطر على السلوك حتى لقد أصبح الدين لعقاً على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون. هل يستفيق المسلمون على واقعهم الأليم؟!! (**)

(*) كاتب وباحث من السعودية، عضو الهيئة الاستشارية لمجلة (الكلمة).
(**) نقلاً عن مجلة المرشد، العددان 15-16 (2002-2003م/ 1423-1424هـ)
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
مهدي آل سلاط
[ اسعوديه - القطيف ]: 1 / 1 / 2007م - 12:20 م
نعم لقد عبرت بكلامك الطيب عن سماحة الشيخ عن ما يجود في خواطر الكثير فسماحة الشيخ نعمه من نعم الله الى الانسان لان حبه الى جميع الناس المتفقين معه والمختلفين وكذلك مكسب الى وطنه ودينه ومجتمعه حيث الكلمه الطيبه والعمل الصالح الذي يرضي ربه ودائما مع الحق ونصرة الضعيف والمحتاج وعلى كثرة مشاغله لم اراه يوما الامبتسم ويقدم العذر للجميع المختلف معه قبل المتفق ويدافع عن وجهة نظر المختلفين معه بحترام رايهم ومن ثم طرح رايه بارك الله لنا في سماحة الشيخ ومده في عمره والحمد الله على مثل هذه النهمه الطيبه