الشيخ الصفار من الرسالية إلى المنهجية

الشيخ يحيى الراضي[1] 

لسنا في مقام خطابي لاحتفال تكريمي ولا مناسبة ترويج انتخابي وإنما هي وقفة تأمل في جوانب لا يمكن من خلالها الفصل الحاد بين الشخصية والفكرة مما يزيد الموقف صعوبة للمرور بين أودية ينبغي التماسك حيالها ومن ذلك أن الشخص الذي نتناوله ما زال في أوج نشاطه الثقافي والاجتماعي وفي ذلك ما ينبئ بأن المسيرة ستبقى حافلة بالإشكاليات والمفاجآت وربما الاختلاف ونحن نعلم أن الفكر لا يكون إلا بالاختلاف وأن البعيد عن النقد هو البعيد عن الأضواء والعمل ناهيك عن أن هذا الشخص إلى جانب الأخلاقيات والالتزام والهدوء يتسم بالمفاجأة والإدهاش والمزج بين المرونة والتشرّع بالإضافة إلى أن الأفكار التي يتعاطى معها ليبست من قبيل المسائل التراثية أو الفقهية التي تقتصر اهتماماتها على النخبة من أهل الاختصاص وإنما هو يتعاطى مباشرة مع قضايا معاصرة مفتوحة ولهذا تستدعي الإطلالة على هذه الشخصية للخروج من معجم التقريض إلى حيوية التأمل من دون نصب ميزان للحكم الساذج.

فالكتابة عن أية شخصية إما أن تأتي على نمط التراجم المحايدة الجامدة كما هو الغالب أو تأتي على وتيرة الانفعال من خلقيات شخصية أو فئوية أو حتى القبلية والمناطقية وهذا ما تحفل به كتب التراجم خصوصاً المتأخر منها.

وأتخطّر في هذا النمط ما طالعته منذ مدة بالمصادفة ما كتبه أحد المؤلفين عن الأديب الفقيه السيد حسين بحر العلوم حيث قال في معرض ترجمته: «ولم يعرف عنه في الأوساط أكثر من أنه شاعر..».

واضح ما في هذا الكلام من تجني غير بريء ــ تحفل به بعض كتب التراجم ذات الخلفيات الانفعالية وهي في ذات الوقت تعبّر عن نزعة ظلت عائدة في بعض الأوساط ــ من استغراب أن يتعاطى الفقيه أو المتفقه للشعر مما يدفع الكثير من المثقفين إلى هجر الشعر بسبب هذا التحامل اللاذوقي من تلك الأوساط.

ولا نريد بتجاوز هذين النمطين من التراجم، التقليدي والانفعالي القفز إلى نمط المديح فما هي إلا انطباعات أولية

الرسالية أولاً:

هذه مفردة تناولها الخطاب الإسلامي كثيراً في حقبة من الزمن ولعل أوائل النصوص التي تناولتها هي كتب سيد قطب وهذه المفردة على العموم لا تعبر عن لقب تشريعي وإنما سنتعامل معها هنا على أنها منهجية في الحياة والثقافة من خلال علاقتها المحمومة بالشيخ حسن الصفار وهو من النوع الذي هيأت له المؤثرات العديدة الالتزام بهذه الرسالية التزاماً ثقافياً والتزاماً سلوكياً بما يتجلّى في جانب بارز من المعرفية من خلال أدائه على صعيد المحاضرة أو على صعيد الكتابة فبينما يشغل الساحة الكتاب والدعاة وحتى العلماء الذين يتناولون مختلف المسائل المعرفية بالبحث والعرض بغضّ النظر عن أثرها في توجيه الناس ورسالتها وإنما يكون المعيار هو القيمة الذاتية للمعرفة فعندما يتناول الخطيب الشواهد التاريخية فهو على الغالب لا ينظر إلا إلى محتواها الجذاب وأدائها الفني وعندما يطرح المفكر أي رأي فحسبه أنه قد أخذه عن دليل وأما مراعاة مدى فائدة الأمة من هذا الشاهد أو ذلك الرأي ومدى انسجامه مع الموازين الأخلاقية فإن ذلك قد لا يقع في اهتمامات أصحاب هذا النهج المؤكد على ذات المعرفة دون التفات إلى الأهداف والمؤثرات ربما لأن ذلك يحتاج إلى موقع مسؤولية والالتفات قبل عرض أي شاهد وقبل إثارة أي رأي إلى محاذير من جميع الجهات وتحظرنا هنا قضية هي أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله في مجال البحث من قبول الرواية بعد إخضاعها لمعايير الاتفاق مع القرآن وصحة سندها يؤكد على معيار آخر هو ما يعبّر عنه بموافقة النص مع روح الإسلام وعلى هذا لا يمكننا قبول الروايات التي تنص على كراهة التعامل مع الأكراد والتزاوج معهم سواء مع سند هذه النصوص أم لم يصح فإنها منافية لروح الإسلام ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم[2] . وهذه قاعدة فقهية جديدة تدعو لإعادة النظر في منهجية الاستنباط.

.. وعلى طريقة الخطباء بالرجوع إلى صلب الموضوع فإن الرسالية التي يتسم بها الشيخ حسن الصفار هي من هذا القبيل لكنها ليست بافتعال وإنما أصبحت سمة طبيعية خلقية في تجربة ليست باليسيرة يؤكد ذلك مطالعة قائمة مؤلفات الصفّار التي تجاوزت الأربعين وكذلك محاضراته التي يصعب تعدادها لا نجد في تلك القائمة أي عمل يتجاوز هذه الرسالية يعرض أي بحث أو خطبة من أجل الإمتاع أو القيمة الذاتية للمعرفة وإنما جميع الأعمال الكتابية والخطابية تخضع الجانب المعرفي إلى موقع المسؤولية سواء باستنطاق النصوص من الآيات والأحاديث النبوية أو بتناول الهموم الاجتماعية المعاصرة وحتى في قراءة التاريخ فإن هذه القراءة لا تخلو من مقارنة بالعصر ومراعاة الأوضاع طبعاً هذه الرسالية قد تأتي على حساب بعض الحقائق ولا تناسب البحث المتخصص في مجالات العقائد والتاريخ.

كما أنها لا تتناسب مع أهداف دعاة التجديد الذين ينحون منحى الصدمة وكذا لا تناسب هذه الطريقة الرسالية بأي حال عمل النقّاد الحداثيين، في اعتبار الرسالي ــ المبلّغ أو الكاتب ــ فإن تلك الحقائق التفصيلية ليست شيئاً مهماً قبال المبادئ الأساسية.

فإن الوحدة الإسلامية أو الوطنية قد تقتضي الأعراض عن كثير من التفاصيل وقد تصبح في معيار الرسالية مجرد شواهد جانبية قابلة للتهميش أو ربما قابلة للنّسف خصوصاً عند تناولها من منظور منهجية روح الإسلام أو ضرورة حفظ النظام أو مراعاة مصلحة الدين والمجتمع.

وهذا عمل عليه الوحدويون الذين لم يكن آخرهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين وفي هذا السياق لا نجد في أعمال الشيخ الصفار منذ بدايتها أي منحى طائفي أو جهد في موضوع لا يعني غالبية الناس وكان الرجل قد امتلك الوعي المبكر منذ باكورة أعماله التثقيفية بأن تلك الموضوعات التفصيلية لا تنسجم مع رسالية وعيه ودوره ـ ربما يكون ذلك عن ذكاء وتأثير مدرسة ومراعاة للعصر..

كذلك لا نجد لدى الصفار ما يبدو لدى كثيرين من ازدواجية ليس فقط بين السلوك والفكر وإنما حتى في مجال الفكر نفسه فالكثير من المؤلفين يجمع في أعماله بين الموضوعي والذاتي أو بين الوحدوي والخلاقي أو بين العقلاني والانفعالي أو بين الجدّي والهزلي.

لكن الشيخ الصفار يتحرى عدم التورط في هذه الازدواجية الذهنية فلا نكاد نجد عملاً كتابياً يخرج عن رساليته الحادة الصارمة.

ومع ذلك لا نجد أن هذا المنحى الصارم قد أخذ موقع الاتجاه المعاكس والمصادمة مع التوجهات الولائية والممارسات الشعبية.

وكأن هذا الداعية المعاصر يتجنب الخوض في تفاصيل حامية كان الكثير من الإصلاحيين قد تعثر فيها وربما سقط البعض على خط الإصلاح في عهد اتسم بالاغتيال الجسدي والمعنوي لشخصيات هامة دون أن يشفع لها تاريخها العلمي والجهادي كل هذا والجميع يتفرج بانتظار أن تدور الدائرة على أي أحد.

حقاً إن الحذر والمحاسبة الذاتية من أهم مقومات الخطاب المعاصر إنها إذن الرسالية المحافظة الجادة منذ الخطوات الأولى والتي صمدت بوجه العواصف العاتية التي كان مصدرها الذات والآخر معاً بقيت هذه الرسالية تتسم بالجماهيرية وتبسيط العرض حتى في الأعمال الأخيرة التي بدت أكثر رصانة وجدية على تنوّع الموضوعات من اجتماع وتاريخ ودعوة وإصلاح.

إن كتاب مثل (الأغاني) لأبي الفرج الأصفهاني لا يمكن التقليل من أهميته التاريخية والأدبية ولكن لا يمكن أن يقال أنه ذو قيمة رسالية وربما هكذا هو حال كتاب مثل (زهر الربيع)..

ولكن الرسالية عند المؤلف والمحاضر الشيخ الصفار هي المسؤولية والمسؤولية تقيّد الحرية لكن هذا التقيد قد يكون أهم آليات بناء مجتمع ملتزم ولا يضير ذلك الهدف ما يمارسه المسؤول بإمساك العصا من الوسط.

إن المسؤول عندما يتوغل إلى النسق الثقافي فهو إما أن يضفي على الأفكار سعة الرؤية وحيوية المعالجة وإما أن يمارس التعامل مع الأفكار طريقة الجرائد المتسمة بالتقلبات والمطاطية وتجيير الأسس ونحسب أن الشيخ الصفار ـ لاسيما في منهجيته الجديدة ـ يربأ بنفسه عن الطريقة الثانية خصوصاً وأن أطروحاته تأتي تلبية للضروري ونقداً لمعاناة الوعي من عنف التعصب والكبت.

إن المثقف المسؤول هنا مهما بدا مرناً فإن الخطاب الرسالي لديه هو تكريس للحرية والتعددية والتسامح والسلم وهي موضوعات تأتي بالدرجة الأولى من مقومات تكوين عقل خارج الزوايا الخانقة والطوامير التي لا تضم سوى تحفيظ النصوص.

بين منهجيتين:

يمكن النظر إلى مؤلفات الشيخ ذات السمة الاجتماعية المعاصرة في كل تنوعها إنها جاءت (من منهجيتين قد يبدو لأول وهلة عليهما التباين):

الأولى: منهجية البحث العلمي.

الثانية: منهجية التنظير الدعوي.

منهجية البحث العلمي:

الذي يقرأ عملاً مثل كتاب الصفار عن (الشيخ علي البلادي القديحي) يجده بحثاً التزم إلى حد كبير الطريقة الأكاديمية إلى درجة يمكن التصور أنه موضوع لنيل شهادة الماجستير في إحدى الجامعات يبدو ذلك من خلال زخم المصادر التراثية وتماسك التبويب وعدم الخروج عن النهج التاريخي إلى إسقاطات أيديولوجية نحن في كتاب القديحي بازاء عمل تاريخي لمؤرخ معترف لا شك لو أنه كتب عن سواه من الفقهاء والأدباء لأمكن رد الاعتبار الثقافي إلى تراث مهجور وكشف حقائق عن منطقة مهملة حجبها دخان النفط ــ كنت قد علمت من سماحة المؤلف منذ سنوات أنه أنجز الكثير من دراسة تفصيلية عن العالم فرج العمران ــ لست أدري هل أعدها للنشر أم لا؟! 

وبالعودة إلى كتاب المؤلف عن القديحي نجد أن الكتاب كشف عن جوانب خفية من حياة وثقافة القديحي ربما لم تكن في الحسبان ربما لم يتصور القراء أن صاحب (أنوار البدرين) غير بعيد عن تناول الفكر السياسي المسكوت عنه.

عن الحوراء زينب :

في ذات المنحى من البحث العلمي يقع الكتاب الهام (المرأة العظيمة قراءة في حياة السيدة زينب )..

وبالطبع فإن كتباً عديدة صدرت عن هذه السيدة على اختلاف المستويات والتوجهات وعلى اختلاف أساليب الأزمنة ومع ذلك كأن القارئ يشعر بقلة المصادر عن الحوراء زينب وعدم الإجابة عن أسئلة في هذه القضية وقد جاءت المؤلفات ـ فيما نلاحظ ـ حسب المنهجيات التالية:

1- السيرة من خلال العرض الروائي ويقع ضمن ذلك المصادر القديمة وعدة من المتأخرة مثل (وفاة زينب الكبرى ) للشيخ فرج العمران.

2- السيرة مع التحقيق التاريخي من حيث الأسانيد ويقع ضمن ذلك كتاب (مرقد العقيلة زينب ) للشيخ محمد حسنين السابقي الباكستاني.

3- السيرة من خلال العرض الأدبي ويقع ضمن ذلك كتاب الدكتورة بنت الشاطئ عن السيدة زينب وكتاب السيد محمد بحر العلوم (في رحاب السيدة زينب ).

4- السيرة مع التحليل السياسي والأخلاقي ويقع ضمن ذلك ما تتناوله صحف الحركات الإسلامية في القراءة ضمن التحولات والمواجهة.

وليس من باب التفاخر القول أنني خلال مجاورتي للحوراء زينب كنت قد طالعت ـ بغرض البحث ـ الكثير من المصادر لإعداد دراسة عن دورها الثقافي والفدائي ــ لم تتم وربما لن تتم ــ وتهيأ الاطلاع على جملة من المؤلفات الزينبية ولهذا لم يكن كتاب الشيخ الصفار من بدايات قراءاتي حول الموضوع.

مما حدا بي إلى المطالعة بدقة ليس من خلال تحقيق الشواهد والنصوص فهذا لم يكن مهماً بمقدار أهمية منهجية البحث ـ فهذا هو المائز الأهم ولا يليق الادعاء أن كتاب (المرأة العظيمة) هو أروع كتاب في الموضوع فلكل نصيبه ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ[3] .

بيد أن الكتاب تجربة مختلفة إلى حد ما ومحاولة شمولية (لاستيعاب الكثير من الجوانب المهملة من التاريخ الزينبي بالتوثيق والموضوعية ومع أن الكاتب هنا لم يتجرد تماماً من رسالته وربط التاريخ بالمعاصرة إلا أن ما كان يذكره من مفاهيم في مدخل بعض الفصول كان من أجل الدخول بقراءة معاصرة إلى زوايا التاريخ ونيل الاعتبار من معالمه أن بعض المؤلفات الأدبية مثل كتاب بنت الشاطئ لا يجعل العمل معداً لمطالعة من يتوخون الحقائق بطريقة مباشرة من غير اسقاطات الخيال فكتابها كان بمثابة الرواية الأدبية كما هو غالب مؤلفاتها.

وهكذا بعض مؤلفات الحركيين الإسلاميين عن السيدة الحوراء فإن هؤلاء يختزلون هذه الشخصية العميقة في خندق المواجهات بينما يختزلها المنبريون في خيمة المأساة لكن كل المعاصرة في كتاب (المرأة العظيمة) هي من أجل تسليط الضوء أكثر فأكثر على الحقائق والخلفيات لزينب القضية والعبرة من دون تخبّط في الضباب التنويري أو الجمود على النصوص بحرفية أو الانكسار في زوايا الإذلال وصفعة السبايا.

ومع التقدير لجهود المؤرخ العالم الشيخ باقر القرشي فإننا لا نجانب الصواب حين القول أن كتابة عن السيدة زينب لا يأتي بموازاة أعماله الأولى عن حياة الأئمة E ربما لقسوة الظروف الموضوعية وتحولات الحوادث فالملاحظ أن كتاب القرشي وجملة من مؤلفاته الأخيرة قد أسهب في مقدماتها التمهيدية عن حروب الجمل وصفين والنهروان وتاريخ الإمام الحسن وكربلاء حتى لا يأخذ في التعمق حول السيدة زينب إلا وقد انتصف الكتاب واجهد البحث فكان الموضوع في غاية الاختصار دون توقف عند المسائل الإشكالية.. وقد أتيح لي في النجف الأشرف مساءلة الشيخ القرشي حول موضوع مكان مرقد السيدة إلا أنه قلل من أهمية المسألة وأنها لا تستحق الجهد فأينما كان دفنها فهذا الاختلاف كثرة بركة ورأي القرشي في العموم مناسب لأدبيات الوعي الإسلامي المعاصر ولكن من وظائف المؤرخ أن لا يهمل البحث في مثل هذه التفاصيل.

وبالطبع فإن الشيخ الصفار لم يفرّغ جهده للبحث عن مقام الضريح الزينبي والخروج برأي خاص في هذه المسألة التاريخية ولكنه عرض ما يكفي من شواهد ومعالم لمواقع مقامات السيدة وذلك فيما يتحرى من خلال فصول الكتاب للتوقف حول تفاصيل من السيرة الزينبية بما جعل الكتاب يتصف بالشمولية.

ويبدو لي من خلال الدلائل التي أوردها سماحته أن المرقد الزينبي من الصعب جداً إيعاز موقعه إلى غير الشام وما اكثر الدلائل على ذلك وأما سواه فهو لزينبيات سواها.

منهجية التنظير الدعوي:

لا مجال هنا للتفصيل تاريخية هذه المنهجية وتأثر باليوميات والمواجهات حيث لا يمكن فصلها عن أحداث الساعة كما أنها تتجه بطريقة مبسطة موجهة إلى عموم الجماهير باعتبارهم القاعدة العريضة المستهدفة من الثقافات على اختلاف توجهاتها ولا شك أن الاتجاه الإسلامي سيطر عن طريق صدق عواطف الناس الدينية على أعرض مساحة جماهيرية حتى لو أن التعبير بالاتجاه الإسلامي لم يكن مانعاً من التنوع والتباين في الأساليب والأفكار حتى كأنه لم يعد من اللائق التعبير بمفردة الاتجاه الإسلامي أو الحركة الإسلامية وإنما هي اتجاهات وتيارات وحركات لا يمنعها الدين من الاختلاف وأن وصل حد الصراع.

ويمتاز الخطاب الدعوي إلى جانب الجماهيرية باجتناب الخلافات المتوارثة والتركيز على العناصر المشتركة في عملية التغيير والهداية.

والشيخ الصفار واحد ممن واكبوا ما يسمى بالصحوة الإسلامية أو الظاهرة الدينية منذ بواكيرها متدرجاً في بنية الخطاب حتى بلغ من النضج ما أوضعته مرهقة لا يكاد يتجاوز مسؤوليتها الجادة.

ولعل من أوضح الخصائص في أعمال الشيخ الصفار ضمن هذه المنهجية هو اغتراف الأفكار من التجربة الميدانية وهي تجربة مشحونة بالنصر والإخفاق معاً النصر على مستوى الوعي والإخفاق على مستوى الأهداف والتغيير إضافة إلى المشهد الاجتماعي الذي طالما كان ولا يزال يؤرقه من خلال بروز عاهات التفرقة والتمييز والتخاذل والعصبيات.

ولهذا نجد قاموس الصفار الكتابي والخطابي حاشد بمفردات الوحدة والتكافل والتسامح والتعددية والمواطنة

كل هذا انعكاس عن جهود ميدانية مفخخة بالمصاعب والخلافات بأساليب من التواصل مع الآخر قد لا تروق للبعض.

أخيراً هذه خواطر مرسلة أردت التأكيد من خلالها على جوانب من الجهود الثقافية لشخصية تستحق القراءة والتأمل إن لم يكن لأسباب كثير فإنما هو انسجام تلك الجهود مع حاجة الأحوال الراهنة لاستحضار مفردات السلم الاجتماعي والتعددية والتسامح.

وتلك قضايا تعتبر من الفرائض الغائبة في خطابنا الديني والتي طال غيابها والتي نأمل بحضورها تحطيم أسلاك التعصب الطائفي والمناطقي فنحن أحوج ما نكون لتأصيل الإصلاح ونبذ الانغلاق.

[1]  أديب وشاعر من الأحساء، السعودية، صدر له: (أقدس الخطايا)، و(هيت لك) وهما ديوان شعره.
[2]  الحجرات: 13.
[3]  الأعراف: 85.
(*) مجلة المرشد العددان 15-16 (2002-2003م/1423-1424هـ )
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
حمزة الحمود
[ السعودية - الأحساء ]: 12 / 7 / 2007م - 4:44 ص
نشكر سماحة الشيخ يحي الراضي على هذا القلم المتميز وان دل على شئى انما يدل على قراءة موضوعية لهذة الشخصية الأصلاحية التى نححتاج لها فى هذا الوقت العصيب.