في عيد الغدير الشيخ الصفار يؤكد على الموضوعية في مناقشة قضية الإمامة ويدعو للخروج من نفق العنف السياسي

مكتب الشيخ حسن الصفار تركي مكي علي

أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن موضوع الإمامة والخلافة بعد رسول الله في عصرنا الحاضر متروك للبحث والنقاش بموضوعية، ودون إعادة الصراعات التاريخية السابقة التي نشأت بسبب الخلاف في هذا الموضوع. مؤكداً أنه ليس من الوحدة مصادرة التعبير عن الرأي، أو أن يتنازل أحد عن معتقداته وآرائه.

وفي سياق آخر قارب سماحة الشيخ بين الوضع الذي تعيشه الأمة الإسلامية، وبين أوضاع المجتمعات الأخرى، في جانب نجاح تلك المجتمعات في صنع أجواء سلمية في أوساطها، وفشل الأمة الذريع في هذا الجانب. مؤكداً أن سبب ذلك يكمن في عدم التوافق على نظام عادل لتداول السلطة وإدارة المجتمع.

وأكد سماحة الشيخ في بداية خطبة الجمعة 18 ذو الحجة 1428هـ (28 ديسمبر 2007م) المصادف لذكرى عيد الغدير أن حادثة الغدير ثابتة، وقد أوردتها كتب الأحاديث والسير والتاريخ، ولا يستطيع مسلم أن يُنكر هذه الحادثة بمجمل تفاصيلها.

وتعرض سماحته لذكر حديث الغدير، حيث أوقف رسول جموع الحجيج الذي كانوا معه عند منصرفه من حجة الوداع السنة العاشرة للهجرة، عند غدير خم وهو واد بين مكة والمدينة في الجحفة التي تتشعب منها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين، وصلى بالمسلمين صلاة الظهر، ثم قام فيهم خاطباً، وكان يوماً هاجراً اشتدت فيه حرارة الشمس، حتى أن الرجل يضع بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء.

وأوصى النبي أمته بالثقلين الكتاب والعترة، ثم اخذ بيد علي فرفعها حتى رؤي بياض اباطهما وعرفه القوم أجمعون، وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، ثلاث مرات. وأشار إلى رأي الشيخ الألباني، وهو من أبرز علماء الحديث السلفيين، حول حديث الغدير إذ يُعدّه من الأحاديث التي لا شك ولا ريب في صحّتها، وذكر لها الشيخ الألباني 23 طريقاً تنتهي بعشرة من صحابة رسول الله . كما جاء في موسوعته «سلسلة الأحاديث الصحيحة» ج 4 حديث رقم 1750.

وفي إطار موضوع الغدير تحدث سماحة الشيخ الصفار حول البعد الأساس في هذه الحادثة وهو قضية الخلافة والإمامة، مؤكداً أن قضية الخلافة والإمامة هي أول قضية سببت الخلاف والصراع بين المسلمين، وعلينا ونحن نعيش في هذا العصر أن لا نُعيد تلك الصراعات إلى ساحة الأمة من جديد. مضيفاً: إن ذلك لا يعني منع حرية التعبير عن الرأي، ولا يعني عدم مناقشة أحداث التاريخ مناقشةً موضوعية بعيداً عن التشنج وإثارة العواطف. مبيناً أنه ليس من الإنصاف أن تُتاح الفرصة للبعض بأن يُبدوا آرائهم ويُصرحوا بها في موضوع الخلافة، بينما تعيش طائفة من الأمة حالة الإقصاء، لا لشيءٍ سوى أنها تتبنى رأياً مختلفاً. وأكد أنه ليس من الوحدة أن يتخلى الإنسان عن آرائه ومعتقداته، ولا أن تُصادر حرية التعبير عنها، بل إن ذلك من عوامل التمزق والشقاق في الأمة.

ومن جانب آخر يقول الشيخ الصفار: لو فكّرنا في موضوع الخلافة والإمامة للأمة بعد رسول الله بموضوعية وتساءلنا: هل يُعقل أن رسول الله يترك الأمة الناشئة دون أن يُحدد لها طريقاً لضبط موضوع الخلافة والإمامة؟ في حين أن هذا الموضوع لم يغب عن ذهن الخلفاء الذين تولوا من بعده، فالخليفة أبو بكر رشّح الخليفة عمر، حرصاً منه على وحدة الأمة، والخليفة عمر عيّن ستة من الصحابة لاختيار خليفة من بعده، حرصاً منه على وحدة الأمة، ورسول الله يدع الأمة وشأنها دون أن يتطرق لهذا الموضوع! فإن قلنا بذلك، فهل يعني ذلك أن الخلفاء أحرص من رسول الله على مصالح الأمة، وأكثر حكمةً منه؟

وردّ سماحته على من يقول بأن الرسول ترك الأمر للشورى، بتساؤله: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يلتزم الخليفة أبو بكر بذات الطريقة، مضيفاً: إن رسول الله في سيرته المباركة لم يُعوّد الناس على هذا النظام حيث أنه كان يُعيّن من ينوب عنه في امارة المدينة وصلاة الجماعة حال سفره، وفي الحروب التي يغيب عنها كان يُعيّن القائد بنفسه للجيش أو السرّية، وفي إحدى الحروب وهي مؤتة عيّن ثلاثة من القادة تتابعاً. ويسترسل سماحته فيقول: وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يضع رسول الله نظاماً للشورى يرجع إليه المسلمون؟!

وأكد الشيخ الصفار إن الأمر من الناحية العقلية يدعونا لأن نؤمن بأن رسول الله لم يترك مسألة الخلافة والإمامة باباً مفتوحاً تدخل منه شرور الاختلافات على المسلمين وحادثة الغدير هي من أجلى تجليات هذا الأمر. ولابن حزم الأندلسي رأي يقول: إن أفضل طرق عقد الخلافة وأصحها أن يعهد الإمام إلى إنسان يختاره إماماً بعد موته، وهذا الوجه نختاره ونكره غيره.

مضيفاً: إذا كان العقل يؤكد حرص رسول الله على مصلحة الأمة، فالروايات المتواترة أكّدت ذلك نقلاً، مؤكداً أن الروايات التي وردت في فضل الإمام علي وموقعيته القيادية مستفيضة، ولا يُمكن إنكارها.

وأشار إلى أن البعض يفهم موضوع الولاية بمعنى المحبة والمودة، وردا على ذلك يقول الشيخ الصفار: إن رسول الله في أكثر من مورد يذكر موضوع الولاية ويُتبعها بلفظة غاية في الأهمية وهي (من بعدي)، فإذا كان المقصود بها المحبة فما معنى قوله : من بعدي؟

ومن جانب آخر يقول الشيخ الصفار: إن كفاءة الإمام علي وأفضليته على جميع الصحابة تؤهله لذلك، فقربه من رسول ، وعلمه، وشجاعته، كلها تشهد له بذلك، وأشار الإمام علي إلى مكانته من رسول الله في بعض خطبه، ومنها قوله : ((ولقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، ...)). وفوق ذلك فإن الإمام علي أكد على أحقيته بالخلافة، حيث قال بضرس قاطع حينما تولى الخليفة عثمان: ((لقد علمتم أني أحق بها من غيري والله لا سلمن ما سلمت امور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصته)).

وقد شهد للإمام علي بالأفضلية أئمة المذاهب الإسلامية ومن أبرزهم الإمام أحمد بن حنبل حيث جاء عنه قوله: ((ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحيحة ما لعليّ بن أبي طالب)). وقد سأله ابنه عبد الله: ما تقول في الأفضلية؟ فأجاب: في الخلافة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، وسكت. فسأله: وماذا عن علي؟ فقال: عليٌّ من أهل بيت لا يُقاس بهم أحد.

وأكد الشيخ الصفار في ختام الخطبة أن يوم الغدير هو اليوم الذي أوضح فيه رسول الله بكل جلاء موقعية الإمام علي وإمامته للأمة من بعده ، مؤكداً أن هذا الأمر في عصرنا الحاضر متروك للبحث والنقاش بموضوعية، ودون إعادة الصراعات التاريخية السابقة التي نشأت بسبب الخلاف في هذا الموضوع.

الخطبة الثانية

وفي الخطبة الثانية أكد سماحة الشيخ الصفار أنه يتوجب على الأمة وخصوصاً في هذا العصر أن تُهيئ في ساحتها أجواء السلم والوئام، بحيث يعيش أبناء الأمة فيما بينهم متحابين منسجمين، مبيناً أن ذلك لا يتأتى للأمة دون أن يكون الواقع الذي تعيشه الأمة باعثاً لهذه الحالة، فإذا ساد العدل والإنصاف أجواء الأمة، وكان هناك احترامٌ للحقوق، في ذلك الحين ونتيجة لهذا الوضع تصل الأمة إلى مستوى السلام. أما إذا ساد في الأمة الظلم والاستبداد والإقصاء فإن الأمة ستكون أبعد ما تكون عن السلم.

ويتعجب الشيخ الصفار كيف أن هذه الأمة التي يُنادي قرآنها ليل نهار بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة، 208)، تعيش أسوء حالات العنف في مختلف أرجائها، بينما المجتمعات الأخرى قد صنعت لها نظاماً يحكمها بالتوافق وتوصلت إلى مستوى متقدم على هذا الصعيد.

ويُضيف الشيخ الصفار: إن الأوضاع في البلاد الإسلامية تنذر بالخطر الشديد فلا يمر يوم إلا ونسمع عن تفجيرٍ هنا ومذبحةٍ هناك، والأحداث الأخير التي حصلت في باكستان قد تفتح باب الشر على مصراعيه هناك. وفي مقارنةٍ سريعة يطرحها الشيخ الصفار بين الهند وباكستان، إذ تأسستا كدولتين في وقت واحد، إلا أن الأوضاع فيهما متباعدة في كل شيء، وأهم جانب الاستقرار الأمني، ويتساءل بعد ذلك، لماذا تعيش الشعوب الإسلامية هذه الأوضاع؟

مؤكداً أن الأمر يعود إلى المسألة السياسية، هذه المشكلة القديمة والجديدة في ذات الوقت، هي أساس هذه الحالة.