الشيخ الصفار يدعو القيادات لتعزيز قوة الشخصية للمحيطين بهم

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

دعا سماحة الشيخ حسن الصفار القيادات الدينية والاجتماعية والسياسية لتعزيز قوة الشخصية للمحيطين بهم، من خلال مشاورتهم وإتاحة الفرصة لهم بإبداء آرائهم، متجاوزين بذلك تضخم الذات الذي يُعبّر عن حالة مرضية تُصيب البعض خصوصاً عندما يكونون في موقع المسؤولية. وأكد أن تعاليم الإسلام تدعو الإنسان للتواضع وعدم الاستهانة بالآخرين أو بآرائهم فالفضل عند الله لذات الإنسان وللقرب منه تعالى، ثم إن العلم والمواهب مقسّمةٌ بين الناس، وقد يكون الرأي الصائب والحكيم يصدر من شخص لا يُتوقّع منه ذلك، وسيرة الرسول الأعظم وأهل بيته الطاهرين تكشف عن واقعٍ نموذجي على هذا الصعيد.

الخطبة الأولى

أكد الشيخ الصفار في بداية خطبتي الجمعة 15 محرم الحرام 1429هـ (25 يناير 2008م) أن المنهج الإسلامي يقرّ بأن للإنسان كرامة واحتراماً لكونه إنساناً بغض النظر عن عرقه أو لونه أو حتى وضعه الاجتماعي، ولا يصح لأحدٍ أن يستهين بأحد من الناس، وذلك للأسباب التالية:

1/ قد يكون ذلك الإنسان له فضلٌ ومكانةٌ عند الله، أو من أوليائه، لأن أولياء الله ليسوا محصورين في طبقة معينة أو لونٍ معين. فقد ورد عن الرسول الأكرم : ((لا يزدرين أحدكم بأحد من خلق الله، فإنه لا يدري أيّهم وليّ الله)).

2/ الملكات والمواهب منشورة ومبثوثة بين بني البشر، وكما ورد: ((العلم كلُّه في العالم كلِّه))، لذا ينبغي للإنسان أن يستفيد من سائر إخوانه، ففي الحديث: ((المؤمن مرآة أخيه المؤمن)).

وأشار سماحته إلى أن من تطورات المجتمعات البشرية الجانب الإداري للمؤسسات الكبيرة التي أصبحت تأخذ بعين الاعتبار رأي موظفيها في مختلف جوانب العمل، بعكس ما كانت عليه في الماضي إذ كان القرار الأول والأخير بيد صاحب المؤسسة.

وأكد الشيخ الصفار أن التعلّم من الناس مظهر حضاري هام، تؤكده تعاليم الإسلام، بل وتأمر به، ففي الرواية عن الحسن بن الجهم قال: كنا عند الإمام علي بن موسى الرضا ، فذكرنا الإمام موسى الكاظم ، قال: ((كان عقله لا توازى به العقول، وربما شاور الأسود من سودانه، فقيل له تُشاور مثل هذا؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى ربما فتح على لسانه. فكانوا ربما أشاروا عليه بالشيء فعمل به)).

ومرةً استشار الإمام الصادق أحد أصحابه، فقال له: أصلحك الله يا ابن رسول الله، مثلي يشير على مثلك؟ فقال : نعم إذا استشير بك.

وأشار الشيخ الصفّار إلى الموانع التي تقعد بالإنسان من الاستفادة من الناس وأخذ آرائهم، سواءً على مستوى الأسرة كأن يُتيح الأب إلى أفراد أسرته بتقديم آرائهم حول مختلف القضايا التي تمس واقع الأسرة، أو المجتمع بأن تكون القيادات الاجتماعية والدينية مهيأة لتقبل آراء الناس وأفكارهم فيما يتعلق بالشأن الاجتماعي العام، أو الأمة بأن تفسح القيادات السياسية للناس مجال إبداء آرائهم فيما يتعلق بمصلحتهم ومصالح البلاد.

وذكر سماحته أهم تلك الموانع:

أولاً- تضخّم الذات، وهو مرضٌ قد يُصيب البعض خصوصاً من هم في مواقع متميزة على المستوى العلمي أو الاجتماعي أو السياسي، فينأى من تتضخم عنده الذات عن الناس فلا يستشير، بل يرى أنه فوق الجميع. وفي مقابل هذه الحالة فإن تعاليم الإسلام تأمر بالتواضع، وخفض الجناح للمؤمنين، يقول تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ.

ثانياً- الحفاظ على الهيبة، فقد يخشى البعض على هيبته من تجرؤ الناس، فيبتعد عن مشاورتهم وأخذ آرائهم، في حين أن سيرة الرسول الأعظم وأهل بيته الطاهرين حافلةٌ بأجلى صور التواضع، حتى أن ضرار يصف الإمام علي عند معاوية بقوله: ((كان فينا كأحدنا)).

وأكد الشيخ الصفّار أن هذه الموانع مصطنعة وتشل حركة الإنسان الفرد والمجتمع، ملفتاً الانتباه إلى أن الغرب بمقدار ما استفادوه من علوم الإسلام وطبقّوه في واقعهم تقدموا وأحرزوا انتصاراتٍ كبيرة على مستوى العالم، وآن الأوان للمسلمين أن يعودوا لتعاليم دينهم وينهلون منها ما يُصلح أمر آخرتهم ودنياهم.

الخطبة الثانية

بدأ الشيخ الصفّار حديثه في الخطبة الثانية عن نعيم الجنة وخيراتها وأنها غير مشوبة بالمعاناة والأذى الذي يُصيب الإنسان في الدنيا، مؤكداً أن آيات القرآن الحكيم تؤكد هذه الحقيقة، فالله تعالى يقول: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ مشيراً أن ﴿نَصَبٌ تعني: التعب الجسمي، و﴿لُغُوبٌ تعني: التعب النفسي.

وأكد أن الحياة الدنيا بما تحتويه من ملذات يرتاح لها الإنسان ويطلبها، إلا أنها لا تخلو من إحدى حالتين: إما أن تكون غير دائمة فتزول، أو يتركها الإنسان بالموت لينعم بها غيره؛ إضافةً إلى أنها لا تأتي للإنسان على طبق من ذهب، بل يسبقها مشقة وتعب، ومع توفّرها فإنها لا تخلوا من آثار سلبية أيضاً. ويُضيف: أما النعيم في الآخرة فإنه فوق ذلك كله، فمن حيث توفره لا يحتاج العناء والمشقة، إضافةً إلى أنه بمجمله خيرٌ محض، يقول تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، و﴿خَالِصَةً إما أنها تعني: لا يُشاركهم فيها أحد، أو أنها تعني خالصةً من العناء والمشقة.

وأكد الشيخ الصفار أن مكاسب الحياة الدنيا ليست خيراً محضاً، ولا شراً محضاً، إنما هي مزيج بين الخير والشر، وعلى الإنسان أن يعي هذه الحقيقة. مشيراً إلى أن بعض البسطاء قد ينظرون للأمور بمنظار واحد فقط، إما خير أو شر، مؤكداً أن هذا المنهج غير صحيح، إذ على الإنسان الواعي أن ينظر للأمور بنظرة شمولية، ومن زوايا متعددة، فقد يكون هناك جوانب شر، إلا أنه لا تخلو من جوانب خير، والله تعالى يقول: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ، ويقول تعالى: ﴿فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا.

ومن جانب آخر أكد سماحة الشيخ أن الناس في الغالب يُحبون أن يكون من حولهم ضعفاء، فالرجل يرغب أن تكون زوجته ضعيفة الشخصية حتى لا يكون لها رأي فوق رأيه، والعالم يرغب أن تكون حاشيته من ضعفاء الشخصية كي يطيعوا أوامره، والحاكم يرغب أن يكون المحكومين ضعفاء الشخصية كي يستبد برأيه، وهكذا في مختلف شؤون الحياة. مبيناً أن هذا الواقع يُعبّر عن حالة مرضية، وينبغي تجاوزها، ذلك أن وجود طبقة من ضعفاء الشخصية حول الإنسان مهما كان موقعه فإنه يخسر الآراء والأفكار التي بالتأكيد ستكون مكسباً إضافياً له.

ودعا إلى ضرورة الموازنة في هذا الأمر، فقوّة شخصية المحيطين بالإنسان وإن كان لها بعض الجوانب التي تبدوا سلبية كأن يتعرض الإنسان للانتقاد أو الاعتراض، إلا أنها أهون من سلبيات كون المحيطين بالإنسان طبقة من الضعفاء.

وأكد أن سيرة الرسول الأعظم تكشف للأمة كيف كان يهتم بأصحابه ويُشجّعهم على إبداء آرائهم، ليربّيهم على قوة الشخصية، وفي ذلك تأكيد على أن أسلوب الاستبداد بالرأي لا يخدم الهدف السامي.

وأنهى خطبته بالتأكيد على أنه ينبغي لصاحب أي مشروع وأي رسالة أن يسلك طريق إتاحة الفرصة لمن هم حوله في إبداء آرائهم وأفكارهم، وأن يسعى للعمل وسط طبقة تمتلك قوة الشخصية ففيها تعزيزاً للهدف الذي يسعى من أجل تحقيقه.

الجدير بالذكر أن الشيخ الصفار عقد في مجلسه بالقطيف مساء الخميس 14 محرم 1429هـ لقاءً حوارياً حول المحاضرات التي ألقاها سماحته في موسم المحرم لهذا العام، وحضر اللقاء مجموعة كبيرة من المهتمين من الرجال والنساء، وتمت مناقشة الموضوعات التي تعرّض لها الشيخ الصفار خلال محاضراته، وكان بين الحضور من خالف وناقش بعض الآراء التي أثارها الشيخ في محاضراته، إلا أن الشيخ الصفار استقبل مداخلات الحضور بصدر رحب، وناقشها بموضوعية، وأبدى الجميع ارتياحهم بهذه التجربة، ويأمل الشيخ الصفّار تكرار ذلك في الأعوام القادمة بحيث يكون اللقاء قبل موسم المحرم ليتعرّف عن قرب بآراء الناس وهمومهم التي يتطلعون لمعالجتها من خلال المنبر الحسيني.

والحمد لله رب العالمين