قراءة في محاضرات الشيخ الصفار لموسم عاشوراء 1429هـ

مقدّمة:

يحيي شيعة أهل البيت في كل عام موسم عاشوراء، وهو موسم ثقافي تختلط فيه العاطفة بالفكر، والمعنوي بالعقلاني، واستحضار الماضي بمعالجة همّ الحاضر، وإحياء هذا الموسم من أبرز خصائص المجتمعات الشيعية، ومقوم أساس من مقومات الهوية الموالية لأهل البيت .

ومجتمع القطيف كان ولا يزال مترسخة فيه هذه القيم والخصائص، ففي كل عام يحيي مجتمعنا هذه المناسبة المؤلمة بعدد كبير جدًّا من مجالس الوعظ والعزاء، فتكون محطّة مهمّة من محطات الفرد السنوية، التي يفتتح بها سنته الهجرية.

ولكل خطيب من خطباء المنطقة أسلوبه وحضوره المميز، الذي يختلف فيه عمّن سواه من الخطباء.

وقد تابعتُ هذا العام محاضرات سماحة الشيخ حسن الصفار، وجدتُ من المناسب تسليط الضوء على أهم مميزات الخطاب، وموسمه العاشورائي عمومًا، وذلك في نقطتين اثنتين:

أولاً: الموضوعات المتناولة

1. من حيث التنوع

المحاضرات الثلاث عشرة التي ألقيت هذا العام لم تصطبغ بلون أو اتجاه واحد، ولكنها توزّعت بين الهمّ الاجتماعي، والثقافي والإسلامي والوطني.

فعالج سماحة الشيخ في الهمّ الاجتماعي: مسألة إدارة الخلافات بين أطياف وتوجهات المجتمع، وكذلك مسألة النقد الذاتي التي من المفترض أن تكون عادة اجتماعية يمارسها أبناء المجتمع بين الفينة والأخرى، وبحث موضوع الإنسانية في بعدها القريب: الأسري ومع الخدم والعمالة الأجنبية، وعالج مسألة الصنمية كمنتج اجتماعي، ومعها موضوع العقلانية في الإسلام وما ترفضه من ميل مبالغ فيه نحو السحر والخرافة، ليختم الموسم بالتنبيه إلى الاهتمام بالشأن العام، ومسألة التضخّم الاقتصادي وترشيد الاستهلاك.

وعلى صعيد الهمّ الثقافي عالج موضوع النقد الذاتي على صعيد الفرد المجتمع، ومسألة التثقيف الذاتي، ومعهما عالج مسألة الإرهاب الفكري.

بينما على صعيد الهمّ الإسلامي العامّ: وجّه إلى أهمية الانفتاح على مدرسة أهل البيت ، وبخاصّة من قبل المدرسة السلفية، وقريب من هذا الموضوع عالج مسألة القلق من الآخر، التي صنفها إلى: قلق من الآخر الحضاري، والمذهبي والداخلي المحلي. ليعطف عليها في ليلة عاشوراء في حديثه عن الدور الوطني لشيعة أهل البيت دورهم في تطمين محيطهم السني.

2. زوايا تناول الموضوعات

الزوايا التي تناولها في الموضوعات ركز فيها على الجانب الحيّ والمعاصر منها، فقد ركّز على المشكلات الاجتماعية الحيّة، ولعل البارز منها هنا محاضرته عن التضخّم الاقتصادي وهمّ المعيشة، وبجانبها نجد المحاور التي تناولها في محاضراته لا تغفل هذه الجنبة، ففي موضوع الإنسانية في محيطها الضيق، عندما تحدث عن الإنسانية في التعامل الأسري، ركّز في مسألة بر الوالدين على ما يعيشه مجتمعنا اليوم من مظاهر الجفاء تجاه الوالدين. وتحدث عما يعيشه المجتمع في بعض الأحيان من حالة التقديس لبعض الشخصيات، وهي ما عبر عنها بالصنمية، كما كان في معالجته لموضوع الاهتمام الشأن العام ضمن هذه المسألة من معالجة القضايا الحيّة.

وفي موضوعات الهمّ الإسلامي العام اختار منها ما وجده يخدم الحالة الإسلامية المعاصرة، فطرح مسألة الانفتاح على مدرسة أهل البيت لتجنّب أي صراعات داخلية، وكذلك عالج مسألة عدم الثقة والخوف من الآخر المذهبي الموجودة كحالة عامّة في مجتمعات المسلمين.

3. مستوى الخطاب

لقد كان مستوى الخطاب خلال الليالي الثلاث عشرة خطابًا متقدّمًا يحاول الارتقاء بالحالة الراهنة، سواء الاجتماعية أو الإسلامية أو الوطنية، ففي الشأن الاجتماعي دعا إلى أهمية الاعتناء بتربية وأدب الطفل لدى الأسرة ولدى التوجهات الاجتماعية بشكل آكد مما هو عليه الآن، كما أنه خصص محاضرة مستقلة عن أهمية نقد الذات كمجتمع، لمحاولة تلمّس مواطن الخلل ومراجعة السلوكيات العامّة وتصحيحها، ودعا أيضًا إلى تحرير العقل من كل ما هو غير صحيح وثابت كالمبالغة في الاعتماد على كوامل الأيام في الزواج، والخيرة وغيرهما، وخصص محاضرة أيضًا عن الاهتمام بالشأن العام.

وكان واضحًا في خطابه الإسلامي العام ما قدّمه من أطروحات لمعالجة أهم القضايا العالقة، وهي مسألة الانفتاح المتبادل من كافة الأطراف على بعضها بعضًا. وفي الشأن الوطني كانت دعوته إلى تنمية ثقافة حقوق الإنسان، وتطوير المؤسسات المحلية لتكون لها فاعليتها وحضورها في التقنين والمحاسبة داخل أجهزة وسلطات الدولة، من الدعوات المتقدّمة التي مارسها خلال هذا الموسم.

4. منابع الخطاب

التأصيل القرآني والروائي الإسلامي كان حاضرًا في جميع محاور ونقاط محاضرات هذه السنة، وهذه ميزة من أهم مميزات الخطاب عند سماحة الشيخ، ففي بحث بواعث النقد الذاتي استشهد كثيرًا بالنص القرآني، فأشار إلى الآية: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ، والآية: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وفي دعوته للتثقيف الذاتي كانت الآيات القرآنية حول المعرفة حاضرة بقوة، وفي معالجة موضوع الإنسانية وحسن التعامل مع الآخرين استحضر الآية القرآنية: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا، و: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ، وعندما بحث موضوع الصنمية استعرض الصنمية الممارسة تجاه علماء الدين فاستشهد بالآية: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ، والصنمية الممارسة تجاه رجالات المجتمع واستشهد بالآية: ﴿أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، وفي معالجة القلق من الآخر استحضر الآية القرآنية: ﴿وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِينَ.

هذا بالإضافة إلى استرشاده بالسيرة النبوية العطرة، وكذلك بالسيرة العلوية والحسينية، وغيرها من سير المعصومين وأحاديثهم. وإلى جانب هذا التأصيل الإسلامي لموضوعات الموسم لهذا العام لم يغب عنها الاستفادة من التجارب الإنسانية الحديثة والمعاصرة، إلى جانب اعتماده على المصادر الحديثة، سواء الدراسات الأجنبية أو العربية، أو وسائل الإعلام المطبوعة منها والإلكترونية لتوثيق الكثير من الأحداث والإحصائيات التي لم تكد تخلو منها محاضرة من محاضراته.

5. تخطيط المحاضرة

اتسمت جميع محاضرات هذا الموسم ـ كما هي العادة في محاضرات سماحة الشيخ ـ بالتنظيم والترتيب، وتقسيمها إلى محورين أو ثلاثة، يكون المحور الأول منها بمثابة التمهيد النظري أو العلمي لما يليه من محاور ونقاط، التي تكون هي النقاط الرئيسة للمحاضرة، أو الجانب التطبيقي منها، ففي محاضرته الأولى «الإمام الحسين إنجاز التربية النبوية» كان محورها الأول عن «التربية وصناعة الإنسان»، الذي مهّد به للمحور الثاني: «التربية النبوية للإمام الحسين ».

وفي المحاضرة الثانية: الانفتاح على مدرسة أهل البيت مهّد بتساؤل: هل لأهل البيت مدرسة خاصة في فهم الإسلام؟، لينتقل إلى محوريها التاليين: التعتيم والتجاهل لمدرسة أهل البيت ، ومكاسب الانفتاح على مدرسة أهل البيت .

وفي محاضرة الليلة الرابعة عند حديثه عن النقد الذاتي، كان محورها الأول بعنوان: «بواعث النقد الذاتي»، الذي كان مقدّمة للمحورين التاليين: «عوائق النقد الذاتي» و«مجالات النقد الذاتي». وفي محاضرته عن: «الصنمية منتج اجتماعي» بدأ بالحديث عن: «ظاهرة الصنمية في المجتمعات»، كتمهيد للمحورين: «أسباب ظاهرة الصنمية» و: «الوقاية والعلاج». وهكذا في بقية المحاضرات.

ثانيًا: المحاضرات العاشورائية إعلاميًا

لا يمكن إغفال الجانب الإعلامي الذي رافق موسم هذا العام، وقد تمثل ذلك في التالي:

1- الملخص الخبري، حيث كان يعد ملخص خبري عن أهم نقاط محاضرة كل ليلة، ينشر في الليلة نفسها ويوزّع في الليلة القابلة. وقد تكفل به طيلة موسم عاشوراء لهذا العام الأستاذ تركي مكّي علي.

2- البث الفضائي، فقد بُثت جميع محاضرات هذا العام على قناة «فورتين» الفضائية، وذلك بواقع ثلاث مرات للمحاضرة الواحدة، فكان البث الأول الساعة الواحدة ظهرًا من كل يوم، والإعادة الأولى الساعة الثانية فجرًا، والثانية الساعة العاشرة صباحًا.

3- التفاعل الإلكتروني، حيث قامت بعض المواقع على شبكة الإنترنت بنشر ملخصات عن بعض المحاضرات، منها: شبكة راصد الإخبارية، وشبكة التوافق، وشبكة رسا الإخبارية، الموقع الإعلامي لمجمع التقريب، وكالة الأنباء الشيعية، موقع إيلاف، وكالة الأنباء القرآنية الإيرانية، وموقع النجمة المحمدية، وبعض المنتديات المحلية، مثل: منتدى: مرسى عوام، ومنتدى آلاء الرحمن، ومنتدى التفاؤل.

4- النشر الورقي، حيث غطت نشرة عاشوراء معظم محاضرات هذا الموسم، بنشر ملخص خبري عن كل محاضرة.

5- التعليق الصحفي، لما كانت هناك بعض الإثارات التي صدمت البعض وتفاعل معها البعض الآخر، وجدت أصداء لدى بعض الكتاب، فنشر:

• الكاتب الصحفي أحمد علي الشمر مقالاً بعنوان: هل وصلت رسالتكم يا شيخنا الجليل؟، في شبكة راصد الإخبارية.

• والدكتور محمد علي الهرفي مقالاً بعنوان: الإمام الحسين بين الشيخين: الهاشم والصفار، في صحيفة الوسط البحرينية.

• والأستاذ تركي مكي العجيان مقالاً بعنوان: الصفار بين قضيتين: مجتمع ووطن، في شبكة راصد الإخبارية.

وقد وزع في الليلة الحادية عشرة كتاب «الحسين في وجدان الأمة»، وهو عبارة عن تحرير لمحاضرتين ألقاهما سماحة الشيخ العام الماضي، هما الليلة الأولى وليلة عاشوراء.

باحث وكاتب من القديح - السعودية