الشفاء بماء المحراب

(1)
صدمت وأنا أقرأ رسالة الجوال التي بعثتها لزوجتي احدى الأخوات الكريمات، وهي تستشيرها في أن تعرض نفسها على طبيب الغيب البارع، لقد عرّفته بأنه في العقد الرابع (أربعيني) من عمره وأنه يقصد أحد مساجد منطقتها لقراءة بعض الأدعية ليلة الجمعة.

كانت الرسالة نصا هي التالي (بشرى سارة لكم مريض بسرطان الدماغ قد شفاه الله بماء محراب المسجد ليلة الجمعة).

تقول مرسلة الرسالة: ان هذه الرسالة هي واحدة من رسائل كثيرة كانت تصلها تباعا، وهي تحتوي على كرامات، يزعم مرسلها أنها تحصل في المسجد في الليلة التي يأتي فيها ويقرأ الأدعية، ويرجع ذلك لماء الشفاء الذي تظهره جدران المسجد ومحرابه تحديدا.

كل الرسائل كما تقول الأخت تتحدث عن الشفاء من أمراض جسدية مستعصية، وغيرها كالحصول على الذرية والنسل للزوجات اللاتي يئسن من علاج الأطباء، وعودة الأزواج إلى أحضان زوجاتهم بعد الكره والقطيعة، إلى آخر القائمة.

الفضل في ذلك كله ليس للدعاء كي يرتبط الناس به، بل بحالة خاصة تحصل لجدران المسجد على يدي قارئ الدعاء، ليثبت بذلك أن له كرامات ومعجزات وعلى الباحثات عن علاج أن يقصدوه هو وليس مجرد الدعاء.

(2)
يصر هذا الرجل كما أخبرنا أكثر من شخص أن يتواصل مع المريضة مباشرة، لذلك تتحرك رسائله المحتوية على كراماته (أكاذيبه) ومعاجزه المدعاة بين النساء أكثر منها بين الرجال، لأن سوقه مع الرجال محدودة.

يعود السبب في ذلك كما أظن إلى سهولة تصديق أغلب النساء (سامحهن الله) بمحتوى تلك الرسائل، وربما يكون هذا ناتجا لبعض الهواجس التي تسيطر عليهن خوفا من هروب الزوج، أو لطلب المساعدة في الحصول على زوج بطريق الكرامة، أو بسبب ظروف مرهقة وصعبة تعيشها الفتاة بين أهلها أو مرض خطير ألم بها.

تتعلق هذه الأصناف من النساء ولو بالقشة بحثا عن الطمأنينة وابتغاء الحل والعلاج، ثم إن المرأة تبذل المال بصورة وفيرة وكرم منقطع النظير، وهي في هذا الأمر تتمايز عن الرجل كما هو معلوم.

في سياق هذا الأمر نقلت لي معيدة في إحدى الجامعات، أن عددا كبيرا من فتيات الجامعة يحتفظن بأرقام هواتف متحركة لتلك النوعية من الناس الذين يتأملون منهم أن يقرأوا لهن الغيب ويرشدوهن إلى سبل النجاح، والتخلص من ضغوطات الحياة، والمقابل هو أموال طائلة تصرف بغير حساب وتؤخذ دون وجه شرعي.

(3)
لأن صاحب الكرامات هذا بعيد النظرة في التكسب، فهو يعلم أن من اتصلت به لا شك أنها زبونة قد سمعت عنه، وأنها مستعدة لدفع المال المطلوب منها، لذلك يرمي الرجل شباكه بعيدا ويقول: إن أصل المرض الذي عندك (النفسي أو الجسدي) موجود عند بعض أفراد عائلتك وأقربائك، وإذا لم يعم العلاج الجميع فإن فرص الشفاء تتلاشى، ثم يحدد لها من يعتقد أنها سبب المرض، بعد أن يعرف خارطة أهلها، ويطلب منها أن تدفعها للاتصال به، وهكذا يحافظ على سلسلة زبائن لا تنقطع مدى الحياة.

(4)
في كل منطقة أو قرية يوجد فيها حكيم من حكماء الغيب ومحركي الجن والعازفين على وتر الروحانيات (ضمن السياق المقصود) يوجد فيه ثلة طيبة من الوعاظ الصلحاء، والموجهين الاجتماعيين بعقول راجحة رشيدة، لكن القليل منهم من قرر الوقوف بجرأة وصرامة أمام من ينغصون علينا عيشنا ويحولون أجواءنا الأسرية والعائلية من المحبة الصادقة وألفة الفطرة إلى علاقات الوهم والسراب والكذب.

لست متيقنا من السبب الذي يمنع البعض عن هذا النوع من التوعية والتوجيه الذي يكشف الأمور على حقيقتها ويجعل صورة أولئك المحتالين جلية أمام الناس، كي يتحرزوا منهم وينتبهوا لأساليبهم، بيد أني أرجو أن يسعفني الوقت لمقالة أخرى أخصصها لهذا الموضوع.

(5)
لاحظت لأكثر من سنتين أن هؤلاء الدكاترة يعرضون خدماتهم لأمراض مستعصية بعيدة عما اعتدنا عليه من تركيزهم على الهواجس والأمور النفسية وغيرها من حل للسحر كما يقولون وطرد للجن وما شاكل.

لقد حدثني أحد الأزواج عن زوجته المصابة بسرطان الثدي، وقد استأصل الأطباء ثديها الأيمن بشكل كامل، لكن المرض الخبيث داهمها في الثدي الثاني.

يقول مسترسلا : سمعت زوجتي عن شخص يعالج هذا النوع من الأمراض ببعض الطقوس والاعمال، وطلبت مني الاتصال به، فاتصلت به واخبرته بحال زوجتي واننا على موعد قريب في مستشفى التخصصي بالرياض، فتفاجأت به ينهرني ويحذرني من أخذها إلى الطبيب قائلا: ستقتلها وسيقتلها الأطباء، أريدك أن تأتي معها فعلاجها حاضر وسهل ومتوفر لدي.

يقول الزوج لم أكن مقتنعا لكن خوف زوجتي (وهي معذورة) قادني بين يديه، وخرجت من عنده بكيس من الأعشاب يزن (250) جراما تقريبا بعد أن أرشدني إلى كيفية استعماله، وقد أخذ مقابل ذلك (2000) ريال.

أخبرنا أن النتيجة الطيبة سنراها بعد شهرين، ثم تنهد الزوج وهو يقول: يا ليتني لم أطعها ولم أسمع كلامه.

msaffar45@hotmail.com

السبت 30/2/1429هـ الموافق 8/3/2008م - العدد 12685