الشيخ الصفار يدعو لتعميق العلاقات الاجتماعية الدافئة

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

دعا سماحة الشيخ حسن موسى الصفار لتعميق العلاقات الاجتماعية الدافئة، مؤكداً أنها من أهم الطرق الناجعة التي تحول دون تسلل الأمراض النفسية للشباب، وأنها الوقاية من تفشي الانحراف في المجتمع. مشيراً إلى بعض الدراسات التي أجريت على المجتمعات الغربية وأكدت نتائجها أن من أهم أسباب تفشي حالات الانتحار والانحراف هناك هو ضعف العلاقات الاجتماعية.

ودعا إلى ضرورة نشر ثقافة الصبر والثبات في صفوف الشباب، وأن تسود المجتمع أواصر الرحمة والمودة فيما بينهم، لما لذلك من أثر كبير في تجاوز الشباب لصعوبات الحياة، وتجاوزهم لمشاكلها بنجاح وسلام.

وفي سياق آخر وجّه سماحته جموع المصلّين للتعمّق والتدبّر في سعة رحمة الله تعالى، وأن الله تعالى هو المستحقّ الأول لأن نعمر قلوبنا بمحبته، فعظيم آلائه علينا كبيرة، وإن نعدّ مننه ونعمه وكرائم منحه لا نُحصيها. وأكد على ضرورة إعمال العقل وأن نُطالب أنفسنا بتعميق الصلة بخالقنا مقتربين من طاعته، مبتعدين عن معصيته، فماذا تُساوي لحظات من الشهوة الزائلة في قبال حب الله تعالى الذي يغمرنا بعفوه ورحمته في كل لحظةٍ وآن.

الخطبة الأولى

أكد الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 19 ربيع الثاني 1429هـ (25 أبريل 2008م) أن إنسان هذا العصر يُواجه تحديات كبيرة بعكس إنسان الزمن الماضي، رغم صعوبة الحياة في الزمن الماضي إلا أن وعي الإنسان آنذاك كان محدوداً مما يجعل متطلباتها بسيطة، وفي حدود وعيه. أما اليوم فمع التطورات العلمية والتكنولوجية التي سهّلت الكثير من الأمور الحياتية إلا أن وعي الإنسان من جانب آخر نمى وتقدّم فأصبحت متطلباته أكثر من ذي قبل، وأصبح يشعر بالمشاكل من حوله ويتحسسها بشكل متقدم عن إنسان الزمن الماضي. إضافةً إلى أن هذا العصر بطبيعته المتطوّرة خلّف وراءه مشاكل حياتية جديدة، جعلت أمر مواجهتها عصيباً للغاية.

وأضاف: تربط الإنسان بمحيطه الإجتماعي علاقة حتمية، فكلما كانت هذه العلاقة على مستوى عالٍ من الدفئ والقوة، فإنها ستؤثر على طبيعة السلوك الذي يسلكه الإنسان حيث سيكون عندها أقرب للصلاح والإستقامة، مؤكداً على حاجة الإنسان لأخيه الإنسان في مواجهة ظروف الحياة وصعوباتها، فعندما يعيش الإنسان العزلة الاجتماعية عندها يكون معرضاً بشكلٍ كبير إلى خطر الأمراض النفسية، وخطر الانحراف والإجرام، لا سمح الله.

وتطرق في حديثه إلى رأي الباحثين الغربيين في دراستهم للمشاكل السلوكية حيث يُرجعون السبب الرئيس وراء الأمراض النفسية وحالات الانتحار والإجرام، إلى ضعف العلاقات الاجتماعية التي تربط المجتمع الغربي ببعضه البعض، رغم التقدم المادي الذي أحرزه المجتمع الغربي إلا أن الواقع الاجتماعي كان له أثر كبير في نشوء الحالات المرضية بين أبنائه.

وفي نفس السياق تطرق لرأي عالم الاجتماعي الفرنسي (اميل دوركايم 1858 – 1917م) الذي خالف المنظّرين الذين يرون أن الحالة النفسية للمرء تشكّل أساس علم الاجتماع، بينما يرى هذا العالم أن علم الاجتماع يعني بدراسة المجتمع المحيط بالإنسان، والذي يؤثر فيه، وقال: المرء يقدم على الانتحار بسبب تأثير المجتمع عليه، وشرح هذه النظرية في كتابه (الانتحار: 1897م).

وأما في سويسرا فقد صرّح المكتب الفيدرالي السويسري للإحصاء أنه يقدم قرابة (1300) شخص سنوياً على الانتحار (900) من الرجال، و(400) من النساء، بمعدل 4 حالات انتحار يومياً. وهذا في بلد سكّانها (7.5) مليون، يعيشون أفضل حالات الرفاه المادي، إلا أن الواقع الاجتماعي يحكي جانباً مختلفاً، مما يؤدي إلى مثل هذه الظواهر السلبية.

وتابع الشيخ الصفّار يقول: هذه الظواهر السلبية والمخيفة التي انتشرت في الغرب، بدأت تتسلل إلى واقعنا الاجتماعي، ففي احصائية عن مدينة الرياض سنة 1425هـ ان 16 محاولة انتحار تحصل شهرياً. مبيناً أن السبب هو ذات السبب الذي تعيشه تلك المجتمعات.

وأكّد أن شعور الإنسان بالوحدة وعدم التعاطف معه، خصوصاً في وقت الأزمات، فإن ذلك يكون دافعاً كبيراً لاستسلام الإنسان للأمراض النفسية، ولربما للدخول في سلك الانحراف والإجرام.

وقارن بين إنسان الزمن الماضي الذي كان يعيش الدفئ العاطفي منذ اللحظات الأولى لولادته، وحتى اللحظات الأخيرة في حياته، بينما اليوم لوحدة والعزلة الاجتماعية سمة المجتمع المعاصر، حتى في أضيق العلاقات، وهي العلاقات الأسرية، فإن الكثير من الأسر تعيش حالة العزلة والتباعد بينها وبين أبنائها، وشيئاً فشيئاً تجد أن الأبناء أو البنات تسلل إليهم خطر الإنحراف أو الأمراض.

محذراً من خطر المبالغة في الرفاه، وأن آثارها سلبية خصوصاً على جانب العلاقة بين الأبناء وعوائلهم، ومن ثم المجتمع أيضاً.

وأكد أن المجتمع يتحمل مسؤولية توطيد العلاقة مع أبنائه ليضمن لهم حياةً تُبنى على أسس الاستقامة والصلاح. مضيفاً: إن الاستمرار في حالة الغفلة والتجاهل ستؤدي بالحالة إلى التفاقم، وحينها تكون المواجهة صعبة للغاية.

وفي سبيل إنقاذ الشباب والفتيات من مأزق الوقوع في مثل هذا الخطر الكبير، أشار سماحة الشيخ إلى علاجٍ يُقدّمه لنا القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، حيث تؤكد الآية الكريمة على أمرين:

الأول: نشر ثقافة الصبر، والتي تؤكد على الشباب إلتزام الثبات، بعيداً عن ثقافة التبرير واليأس التي تولّد لدى الانسان الإحباط والقنوط. مؤكداً على ضرورة الحديث عن الإنجازات والانتصارات التي يُحققها الآخرون، وليس الإغراق فقط في تعميم الانتكاسات.

الثاني: أن تسود المجتمع أجواء الرحمة والتراحم، مما يُعزز دفئ العلاقات الاجتماعية، فإبداء مشاعر الود والرحمة تنعكس إيجابياً على سلوك الآخرين ونفسياتهم، وحتى العاصين وممن انزلقوا في وحل الانحراف، إن المجتمع مطالب بتقديم مشاعر الرحمة لهم، وأن يعتبرهم مرضى يُرجى شفاؤهم، يقول الإمام علي : ((وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعاصي)).

واختتم الشيخ الصفّار الخطبة بالتأكيد على أن إشاعة ثقافة الصبر، وسيادة الرحمة بين فئات المجتمع لها الأثر الكبير في حماية أبناء المجتمع من الوقوع في سلك الانحراف، ومن تسلل الأمراض النفسية إليهم، إضافةً إلى أن هذا المنهج من مسببات رحمة الله تعالى، ففي الحديث: ((ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء)).

الخطبة الثانية

أشار الشيخ الصفار في الخطبة الثانية إلى وجود لونين في العلاقة مع اللله تعالى في ثقافتنا الدينية:

الأول: التركيز على حب الله تعالى ورحمته بعباده.

الثاني: التركيز على عقاب الله تعالى لعباده العاصين.

فهناك ثقافة الرجاء لرحمة الله، ويُقابلها ثقافة الخوف من عذاب الله تعالى.

وأكد على ضرورة التوازن في طرح هذين المنهجين، فلا يصح أن يكون الإفراط في طرح ثقافة الرجاء لرحمة الله تعالى لدرجة التساهل في الذنوب والمعاصي، ومن جانب آخر لا يصح الإغراق في طرح ثقافة الخوف من الله تعالى ليعيش الإنسان حلة سلبية مع الله سبحانه.

وأضاف: لو خيّر الإنسان بين أن ينقاد لله تعالى لرجائه بعفوه، أو لخوفه من عذابه، بالتأكيد سيكون الخيار الأولى أجدى، إلا أن هناك منهجاً آخر هو الأفضل منهما، وهو أن ينقاد الإنسان لله تعالى لمعرفته بعظمته تعالى، يقول الإمام علي : ((أن قوماً عبدوا الله رغبةً، فتلك عبادة التجار، وأن قوماً عبدوا الله رهبة، فتلك عبادة العبيد، وأن قوماً عبدوا الله شكراً، فتلك عبادة الأحرار)).

واشتمل حديثه عن حب الله تعالى على العديد من الرويات والأدعية التي تُقرّب الإنسان بخالقه، مؤكداً أن هذه الأدعية الشريفة المروية عن أهل البيت   هي المعين الصافي الذي يُقرب الإنسان من ربه، مضيفاً إن هذا القرب من الله تعالى وحبه سبحانه يزرع الأمل في النفوس، ويبعث على الطمأنينة والاستقرار.

وأضاف: إن الله تعالى في بعض الروايات يطلب من أنبيائه أن يُحببوه إلى الناس، وذلك ليس لحاجته إليهم، وإنما لحاجة الناس لهذا الحب الإلهي، يقول تعالى لنبيه داوود : ((يا داوود، أحبني وحببني إلى خلقي، قال: يا رب أنا أحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: اذكر أياديّ عندهم فإنك إذا ذكرت ذلك أحبوني)).

وفي مقارنة بين علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقته بباقي الناس حتى المقربين إليه، أكّد الشيخ الصفاّر على هذه الحقيقة، وهي: أن الإنسان قد يصل في علاقته مع الآخرين مهما كانت درجة القرب معهم إلى طريقٍ مسدود تنقطع معه العلاقة، ولكن العلاقة مع الله تعالى لا يقطعها شيء، حتى وإن كان الإنسان عاصياً، فعن عمران بن الحصين قال: كان في عهد النبي شاب فيه إتراف ورهق، وكان له أب يزجره فلا ينزجر، فلما فارق الدنيا لم يُصلّ عليه أبوه، ولم يصلح من تجهيزه ما ينبغي أن يفعله، فلمّا جنّ عليه الليل رأى ابنه في النيام في قصر على سرر يجل حسنها عن الوصف، وعليه حلل خضر ووجهه يتهلل إشراقاً، فسأله عن حاله. فقال: لما بلغت روحي التراق، ندمت على ما سلف مني، ولم أرى منك إشفاقاً ورحمة، فقدمت على ربي مجفواّ مهجوراً يبرأ مني ولم يرحمني أقرب الناس مني سبباً وأمتّهم بي نسباً، فرحمني ربي ولم يقنطني من رحمته فأدخلني هذه الروضة كما ترى.

وأكد أن رحمة الله تعالى واسعة، وأن على الإنسان أن يتذكّر هذه الرحمة الكبيرة، مستعرضاً جانباً من أدعية وروايات أهل البيت التي تتحدث عن رحمة الله تعالى.

ففي الدعاء: ((يا من يرحم من لا يرحمه العباد، ويامن يقبل من لا تقبله البلاد)).

وفي دعاء الإمام السجّاد : ((يا من هو أبر بي من الوالد الشفيق، وأقرب إلي من الصاحب اللزيق، أنت موضع أنسي في الخلوة إذا أوحشني المكان، ولفظتني الأوطان)).

وفي عهد النبي قدم عليه بسبي، فإذا امراة من السبي تسعى إذ وجدت صبياً في السبي، أخذته فألصقته بطنها وأرضعته. فقال النبي لأصحابه: أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟ قالوا: لا والله وهي تقدر أن لا تطرحه. فقال ): الله أرحم بعباده من هذه بولدها.

واختتم الشيخ الصفّار الخطبة بالتأكيد على إعمال العقل والتفكّر في عظمة الخالق تعالى، وفي عظيم رحمته، وأن نُطالب أنفسنا بتعميق الصلة بخالقنا مقتربين من طاعته، مبتعدين عن معصيته، فماذا تُساوي لحظات من الشهوة الزائلة في قبال حب الله تعالى الذي يغمرنا بعفوه ورحمته في كل لحظةٍ وآن.

ومن دعاء الإمام الحسين في يوم عرفة، هذه الفقرات التي تفيض اعترافاً وإجلالاً لله تعالى برحمته وعظيم امتنانه: ((يا من قل له شكري فلم يحرمني ,وعظمت خطيئتي فلم يفضحني, ورآني على المعاصي فلم يـشهرني, يامن حفظني في صغري, يا من رزقني في كبري, يا من اياديه عندي لاتحصى ونعمه لا تجازى, يا من عارضني بالخير والاحسان ,وعارضته بالاساة والعصيان, يا من هداني بالايمان من قبل ان اعرف ش كر الامتنان, يا من دعوته مريضا فشفاني, وعريانا فكساني ,وجائعافاشبعني, وعطشانا فـاروانـي , وذلـيـلا فاعزني, وجاهلا فعرفني ,ووحيدا فكثرني, وغائبا فردني, ومقلا فاغناني, ومـنـتصرا فنصرني ,وغنيا فلم يسلبني, وامسكت عن جميع ذلك فابتداني ,فلك الحمدوالشكر, يا من اقال عثرتي, ونفس كربتي, واجاب دعوتي, وستر عورتي, وغفر ذنوبي, وبلغني طلبتي, ونصرني على عدوي، وأن أعد نعمك ومننك وكرائم منحك لا أحصيها)).

والحمد لله رب العالمين

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فؤاد سعيد آل سنبل
[ السعودية - القطيف ]: 26 / 4 / 2008م - 12:39 م
القلق = مرض العصر .


الانتحار

للأسف الشديد أصبحت الحضارة

المدنية , بعيدة كل البعد من العلاقات

الاجتماعية .

حتى أن عصرنا الحضاري , عرف عند

علماء النفس : ( عصر القلق ) .

ولكن قلق فقط من حيث الماديات , بعيداً

كل البعد عن المعنى الجوهري

الأخلاقي .
2
طارق صابر
[ مصر - السويس ]: 1 / 5 / 2008م - 8:16 ص
انا طارق
من السويس
بحب الشيخ حسن الصفار