نموذج علاقة بين شيعي وسلفي

مكتب الشيخ حسن الصفار
تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار اليوم الجمعة الموافق 24 ذو القعدة 1424هـ (16 يناير 2004م) حول ضرورة تحسين العلاقة بين السلفيين والشيعة.

وكمدخلٍ للموضوع تحدث سماحته حول مفهوم الألفة، حيث قال:

الألفة في اللغة: من الائتلاف وهو انضمام شيءٍ إلى شيء.

وفي الاصطلاح تعني: الاجتماع مع الالتئام والمحبة. وفي قولٍ آخر: الألفة تعني ميلان القلوب إلى بعضها.

وكل هذه المعاني تعطي معنىً واحداً، وهو: التقارب والانسجام النفسي. مؤكداً أن هذا المعنى هو ما تشير إليه الآيات القرآنية كما في قوله تعالى: ﴿إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً. والأحاديث النبوية واضحةً في هذا الجانب، فعن الرسول الأكرم أنه قال: «أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون.»

فالألفة هي خلقٌ ينبغي أن يتحلى به الإنسان المؤمن كما في الحديث عن رسول الله : «المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس» وهذان الحديثان بنصهما ومضمونهما موجودان في مصادر الحديث السنية والشيعية.

وأضاف سماحة الشيخ عند استطلاع النصوص الدينية نجد أنها لا تستبعد أي جهةٍ لتعامل معها خارج خلق الألفة، ما عدا جهةٍ واحدة وهي التي تكون في موقف عداء مع الإسلام والمسلمين، والقرآن صريحٌ في ذلك: ﴿لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

ما عدا هذه الفئة لا تجد هناك حدوداً أو قيوداً أمام خلق الألفة، لماذا؟

أولاً- لأن طبيعة الإنسان البشرية تدفعه للارتباط ببني جنسه، والألفة معهم.

ثانياً- تعاليم الإسلام تدفع الإنسان المسلم للاقتراب من الآخرين والائتلاف معهم. ليقدم صورة إيجابية عن دينه وليخلق أجواء القبول والانجذاب إلى الإسلام وعند الآخرين.

وتحدث سماحة الشيخ عن العلاقة التي يجب أن تسود بين الفئات الإسلامية على اختلاف مذاهبها وتنوع مدارسها. وقال سماحته إن الحديث حول هذا الموضوع كثير، ولكن الوضع السائد في المنطقة، والخطر الذي يُحدق ببلادنا يُعطي الموضوع أهمية كبرى خصوصاً إذا أدركنا أن العلاقة لا تزال متشنجة، بين بعض الفئات الإسلامية.

وأكد سماحة الشيخ أن ما شجعه على تكرار طرح الموضوع هو مقالةٌ قرأها لأحد العلماء السلفيين وهو الشيخ زهير الشاويش، وهو من أهالي دمشق ومقيم الآن في بيروت، وهو من الأفاضل والمنفتحين على التيارات الإسلامية الأخرى، وله علاقة وثيقة بالشيخ محمد مهدي شمس الدين "رحمه الله".

وأشار سماحة الشيخ أن العلاقة بين السلفيين وبين الشيعة لا تزال مضطربة.

وتساءل سماحته: هل كتب علينا كأمة إسلامية وكشعب مسلم في المملكة أن نعيش هذا التشنج والاضطراب في العلاقة بين السلفيين والشيعة إلى يوم القيامة؟ وإجابةً على ذلك قال سماحته: كلا. بل يجب تجاوز هذه الحالة، كما تجاوز اليهود والنصارى حالة التشنج التي كانت سائدة بينهم، وكذلك أتباع المذاهب الأربعة إذ لم يبق من التشنج بينهم إلا ما قلّ ونذر، وكذلك الحال بين الأباضية –وهم فرقة من الخوارج- والشيعة حيث تسود بينهم علاقة طيبة إلى حدٍ كبير. مع ما كان من موقف سابق للخوارج تجاه الإمام علي .

وأكد سماحة الشيخ من الممكن جداً وخاصةً في هذا العصر أن تزول حالة التشنج بين الشيعة والسلفيين.

وسرد سماحته فقراتٍ من تمهيدٍ كتبه الشيخ زهير الشاويش في كتابٍ للشيخ محمد مهدي شمس الدين، تحت عنوان "في الاجتماع المدني الإسلامي – أحكام الجوار في الشريعة الإسلامية" حيث كانت هي السبب في طرح هذا الموضوع. وركزت الفقرات على وجود علاقة وثيقة بين العالم والرمز الشيعي الشيخ محمد مهدي شمس الدين والعالم والباحث السلفي الشيخ زهير الشاويش مما يدل على أن العلاقة بين السلفيين والشيعة من الممكن أن تكون طيبة ووثيقة.

وعما إذا كان هذا التقارب له معوقات، قال سماحة الشيخ: هناك ثلاثة عوائق قد تحول دون تقارب العلاقة بين السلفيين والشيعة:

أولاً- العائق السياسي: حيث كانت في الماضي عوامل سياسية تشجع على النزاع بين الشيعة والسلفيين، وهذا العائق وجوده الآن محدود وتأثيره ضعيف.

ثانياً- العائق الثقافي: هناك أفكار ومعتقدات متضادة بين الشيعة والسلفيين. ولتجاوز هذه المرحلة ينبغي أن يتعايش الجميع مع حفاظ كل طرفٍ بما يؤمنون به. مع ضرورة تجاوز حالة العنف الفكري وعدم تسليط الأضواء على الجوانب الخلافية كثيراً.

ثالثاً- العائق الاجتماعي: حيث أن الجماهير معبئة لدى كل طرف ضد الآخر، فالجماهير السلفية مشحونة ضد الشيعة، والجماهير الشيعية كذلك.

ولتجاوز هذه المرحلة دعا سماحة الشيخ العلماء الشيعة والسلفيين لأن يرتقوا بمستوى تياراتهم وجمهورهم وأن يتحلوا بالجرأة وأن يعلن كل طرفٍ لجمهوره بأنه ليس كل ما لدى السلفيين ضد الشيعة صحيح، وليس كل ما لدى الشيعة ضد السلفيين صحيح.

خصوصاً في هذه الظروف الحساسة التي يمر بها مجتمعنا في المملكة حيث التهديدات المستمرة. فينبغي تجاوز حالة التشنج لما في ذلك مصلحة البلد والشعب بشكلٍ عام.

فالمأمول أن تشهد الحقبة الزمنية القادمة تطوراً في العلاقة بين فئات المجتمع السعودي على اختلاف مذاهبهم وتنوع مدارسهم وأطيافهم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.