الشيخ الصفّار يؤكد أن القيمة الحقيقية للإنسان تُحددها كفاءاته ومواهبه وليس شهاداته

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

أكد سماحة الشيخ حسن الصفّار أن القيمة الحقيقية للإنسان تُحددها كفاءاته ومواهبه وليس شهاداته، فقيمة كلّ امرءٍ ما يُحسنه، كما يقول الإمام علي . مهيباً بجميع الشباب والفتيات إلى تفجير طاقاتهم الكامنة بذواتهم، مستثمرين أيام العطلة الصفية لاكتشاف المكنونات الداخلية لديهم، ملفتاً نظرهم إلى أن صعوبات الحياة المستقبلية أشد بكثير مما هي عليه الآن، وشروط التقدم في تعقيدٍ مستمر. وعاب على أؤلائك الذين يقتلون أوقات العطلة الصيفية باهتماماتهم الزائفة. مشجّعاً على التعرف على الكفاءات الناجحة، سواءً العالمية منها أو المحلية في مختلف المجالات العلمية والثقافية والأدبية والتقنية. ودعا العوائل والواعين من المجتمع أن يأخذوا بزمام المبادرة ليوجّهوا الشباب والفتيات لما ينفعهم لبناء مستقبل مشرقٍ لهم، وأن يأخذوا على عاتقهم توعية هذا الجيل الواعد.

وفي سياقٍ آخر تحدث الشيخ الصفّار عن فضل شهر رجب الأصب مستعرضاً جملةً من الرويات التي تبيّن فضل هذا الشهر الكريم، وفضل الأعمال المستحبة فيه، مسلّطاً الضوء على أهم البرامج العبادية التي يُستحب للإنسان أن يواظب عليها خلال شهر رجب، كالصوم والصدقة والاستغفار، معتبراً هذا الشهر الفضيل بوابة ومحطة إستعداد لاستقبال شهر الله الأعظم، وهو شهر رمضان.

الافتتاحية

الحمد لله الذي أظهر من آثار سلطانه وجلال كبريائه ما حيّر مُقَل العيون من عجائب قدرته، وردع هماهم النفوس عن عٍرفان كُنه صفته.

وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة إيمانٍ وإيقانٍ وإخلاصٍ وإذعان.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله وأعلام الهدى دارسة، ومناهج الدين طامسة، فصدح بالحق، ونصح للخلق، وهدى إلى الرشد، وأمر القصد، صلى الله عليه وآله أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأعلام التقى.
أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله فإنها وصية الله إلى عباده، ومنتهى رضاه وحاجته من خلقه، واعلموا أن من يتّق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ونوراً من الظُلم، ويخلد فيما اشتهت نفسه، وينزله منزل الكرامة عنده.

الخطبة الأولى

أكد الشيخ الصفار في بداية الخطبة الأولى للجمعة، غرة شهر رجب الأصب 1429هـ (4 يوليو 2008م) أن مكانة الإنسان وقيمته الحقيقية لا تتحدد من خلال الحسب والنسب، ولا من خلال الثراء والشكل الخارجي، وإنما تتحدد من خلال الكفاءات والمواهب والطاقات التي يُفجّرها الإنسان في شخصيته، مضيفاً: فالكفاءات لا تُشترى، وإنما تُفجّر، لأنها موجودةٌ في أعماق الإنسان، فإن استطاع أن يكتشف مكنونات ذاته، أصبح بإمكانه أن يصنع له القيمة التي يستحقها وتليق به.

وبمناسبة إنتهاء العام الدراسي هنأ الشيخ الصفّار جميع الخريجين من الأبناء والبنات، سواءً الذين أنهو مرحلة دراسية لينتقلوا إلى ما بعدها، أو أؤلائك الذين أحرزوا الشهادة الجامعية لينطلقوا إلى سوق العمل. موجّهاً خطابه للجميع وباعتبار أنهم يعيشون هذه الأيام الإجازة الصيفية، مؤكداً عليهم أن يضعوا نصب أعينهم حقيقة في غاية الأهمية وهي أن الشهادة في زمننا المعاصر لم تعد تصنع القيمة الحقيقية للإنسان، ولم تعد لها تلك المكانة التي كانت في الماضي، فعدد الخريجين في ازدياد مستمر، وآفاق التعليم والمعرفة أصبحت مفتوحة على مصراعيها، والتنافس الوظيفي على أعلى درجاته. مؤكداً في الوقت ذاته أن التعليم والمعرفة لها قيمتها الذاتية، ولا يُمكن التقليل من شأن التعليم، إلا أن القيمة الحقيقية التي ينبغي للأبناء والبنات التوجه نحوها تكمن في اكتشاف المواهب والطاقات والمكنونات الداخلية في شخصية كل واحدٍ منهم.

لذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قوله: ((قيمة كلِّ امرءٍ ما يُحسنه))، ويقول الشريف الرضي معلّقاً على هذه الكلمة: وهي الكلمة التي لا تُصاب لها قيمة، ولا توزن بها حكمة، ولا تُقرن إليها كلمة.
وشجّع الشيخ الصفار على التعرف على الكفاءات الناجحة، سواءً العالمية منها أو المحلية، فالعالم مليء بالكفاءات التي استطاعت أن تتجاوز جميع العقبات، رغم أن أغلب تلك الكفاءات لم تحظى بمستوى تعليمي جيد، فهذا أديسون (ت: 1931م) رغم أنه لم ينل من التعليم سوى ثلاثة أشهر، إلا أنه أشهر مخترع أمريكي، وله (1093) اختراع مسجّل، وأشهرها المصباح الكهربائي الذي غيّر عجلة الحياة للعالم أجمع.

ومخترع أضخم بريد إلكتروني على الشبكة العنكبوتية (Hotmail) اسمه صابر (هندي – مسلم)، وقد باع هذا الاختراع على شركة مايكروسوفت بـ (400) مليون دولار.

ومخترع أهم محرّك بحث على الشبكة العنكبوتية (Google) هما: (سيرجي برين – لاري بيج) وهما يحملان شهادة البكالوريوس، وقد استطاعا أن يُنجزا هذا العمل الضخم رغم أنهما كانا يعملان في كراجٍ لهما، أما اليوم فثروتهما تُقدّر بـ (18,5) مليار دولار.

مؤكداً أن الكفاءات العلمية والأدبية والثقافية المحلية لا تقل عن المجتمعات الأخرى، مشيراً إلى نماذج واعدة في المجتمع استطاعت أن تُفجّر الكفاءات في ذاتها، فانطلقت لتنجز ما يُحقق لها المكانة الحقيقية في الحياة، مهيباً بالأبناء والبنات أن يتعرفوا على الكفاءات من حولهم، وأن يجعلوهم قدوة لهم في النجاح والتقدم، فالقيمة الحقيقية تكمن في الكفاءة والموهبة.
وعاب الشيخ الصفّار على أؤلائك الذين يقتلون أوقات العطلة الصيفية باهتماماتهم الزائفة، حيث يقضي البعض جلّ وقته في النوم، أو في مشاهدة البرامج التلفزيونية غير المفيدة، أو في تصفح مواقع الإنترنت غير النافعة، والبعض يقضيها في الرحلات التي لا يجني من ثمارها شيئاً، وآخرون يقضونها في السهرات مع الشلل والأصدقاء وغالب أحاديثهم حول أمورٍ تافهة. مؤكداً أن هذه التصرفات السلبية تقضي على الإنسان وتصنع منه إنساناً بلا قيمة في الحياة.

وأكد الشيخ الصفّار أن العطلة الصيفية فرصة لتفجير الطاقات والكفاءات، محمّلاً الشباب والفتيات المسؤولية الكبرى في ذلك، بأن يغتنموا الفرصة، فصعوبات الحياة المستقبلية أشد بكثير مما هي عليه الآن، وشروط التقدم في تعقيدٍ مستمر.

ودعا العوائل والواعين من المجتمع أن يأخذوا بزمام المبادرة ليوجّهوا الشباب والفتيات لما ينفعهم لبناء مستقبل مشرقٍ لهم، وأن يأخذوا على عاتقهم توعية هذا الجيل، فالشهادة لم تعد هي المقياس للوصول إلى الأهداف وتحقيق الطموحات.

الخطبة الثانية

أشار الشيخ الصفار في الخطبة الثانية إلى عظمة شهر رجب الأصب، مهنئاً المصلين بحلول هذا الشهر الفضيل، مبيناً أن وصف هذا الشهر بالأصب، لأن الله تعالى يصب فيه الرحمة صبّاً.

مضيفاً: إن من نعم الله تعالى على المؤمنين أنهم يتفاعلون مع حركة الزمن ويتعاملون معه ككائنٍ حي، فيتوجّهون إلى تركيباته الداخلية ليكتشفوا أسرارها، وبالطبع فهم ينهلون هذه المعرفة عبر أولياء الله الذين علمهم من عند الله تعالى.

واستعرض جملةً من الرويات التي تبيّن فضل هذا الشهر الكريم، وفضل الأعمال المستحبة فيه، مسلّطاً الضوء على أهم البرامج العبادية التي يُستحب للإنسان أن يواظب عليها خلال شهر رجب، معتبراً هذا الشهر الفضيل بوابة ومحطة إستعداد لاستقبال شهر الله الأعظم، وهو شهر رمضان.

وأكد أن أهم البرامج العبادية المستحبة في هذا الشهر الصوم، الصدقة، الاستغفار، والتوجّه الروحي إلى الله تعالى ليتكامل الإنسان روحياً، ويكون مستعداً لليوم الذي يلتقي فيه مع الله تعالى.

وأشبع الشيخ الصفّار حديثه حول فضل شهر رجب وأعماله العبادية، بالأحاديث والرويات عن أهل البيت ، فعن الرسول الأعظم أنه قال: ((من صام من رجب يوماً إيماناً واحتساباً استوجب رضوان الله الأكبر، وأطفى صومه ذلك اليوم غضب الله، وأغلق عنه باباً من أبواب النار))، قيل يا نبي الله فمن عجز عن صيام رجب لضعفٍ أو لعلة؟ قال : ((يتصدّق كلّ يوم)).

وعن علي بن سالم عن أبيه قال: دخلت على الصادق في رجب وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إليّ قال لي: يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا والله يا ابن رسول الله. فقال لي: لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل.

وعن الإمام الصادق أنه قال: قال رسول الله : ((رجب شهر الاستغفار لأمتي، أكثروا فيه الاستغفار))، وأكد الشيخ الصفّار أن الاستغفار الذي يعنيه هذا الحديث هو المتضمن للعزيمة على ترك الذنب، وليس مجرد قلقلة اللسان.

وجاء عن الإمام الصادق قوله: ((إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش، أين الرجبيون؟ فيقوم أناسٌ يُضيء وجوههم لأهل الجمع، فيأتي النداء من عند الله –عز وجل- إنكم تطوّعتم بالصوم لي في شهرٍ عظّمت حرمته، وأوجبت حقّه، ملائكتي أدخلوا عبادي وإمائي في الجنة. ثم قال : هذا لمن صام من رجب شيئاً ولو يوماً واحداً من أوله أو وسطه أو آخره.

وأورد الشيخ الصفار رواية أوضح فيها أن العلاقة بين الإمام الصادق مع مخالفيه كانت تسودها الاحترام المتبادل، فالمخالفين كانوا يأخذون عن الإمام، والإمام كان يُعاملهم بكل ودٍّ واحترام، ولم يكن هذا الاختلاف مانعاً من التعامل الراقي من قبل الإمام والتواصل المتبادل مع مخالفيه، رغم أن الإمام يقطع بصوابية رأيه. مشيراً إلى الأوضاع الاجتماعية المعاصرة حيث يسود بعض الأوساط الدينية التشنجات لوجود بعض الاختلافات الجزئية، مما قد يُسبب القطيعة في بعض الحالات، بيد أنه لا أحد يقطع بصوابية رأيه وإنما هي مجرد اجتهادات.

ففي أمالي الصدوق عن النوفلي عن مالك بن أنس (إمام المذهب المالكي) قال: والله ما رأت عيني أفضل من جعفر بن محمد زهداً وفضلاً وعبادة وورعاً، وكنت أقصده فيكرمني ويقبل عليّ. فقلت له يوماً: يا ابن رسول الله ما ثواب من صام يوماً من رجب إيماناً واحتساباً؟ فقال، وكان والله إذا قال صدق: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله : ((من صام يوماً من رجب إيماناً واحساباً غفر له)).

وأكد الشيخ الصفار في ختام الخطبة أن شهر رجب فرصة ثمينة للعبد لكي يقترب من خالقه، ويتوجّه لذاته فيرى نواقصها وعيوبها، فيقوم بمراجعة نفسه ومحاسبتها ليتخلص مما يشوبها، فيرتقي معنوياً ويتكامل روحياً، فحياة الإنسان فيها بعدان: المادي والروحي، وليس سليماً أن يهتم الإنسان بالبعد المادي متجاهلاً البعد الروحي. وأمام الإنسان مستقبلٌ آخر، وهو الآخرة، فعلى الإنسان أن يهتم بتلك الدار كما يهتم بدار الدنيا.

والحمد لله رب العالمين

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
فاطمه مهدي
[ المملكه العربيه السعوديه - القطيف ]: 7 / 7 / 2008م - 1:25 م
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم
ادام الله ظلك ياشيخنا الفاضل احسنتم على هذه المواضيع الشيقه والرائعه التي تعودنا ان نسمع منكم كل جديد ورائع ومفيد موضوع من رأيي الشخصي سيثير الشباب لتحصيل ماهو مرضي لله في هذه الاشهر المباركه وجزاكم الله عنا كل خير وشكراً