حوار أتباع الأديان هل يكسر العادة؟

في كل الحوارات ما سبق منها وما سيأتي (على ما يبدو) سيأخذ الحديث عن الثوابت الدينية الجزء الأكبر من الوقت والجلسات المخصصة لتلك المؤتمرات.

عد بذاكرتك أيها القارئ الكريم لكل مؤتمرات الحوار بين المسلمين أو بينهم وبين غيرهم وستلحظ الأمر واضحا جليا.

هل نحن فعلا خائفون على ثوابتنا الدينية وعلى إيماننا وعلى قناعاتنا؟

ليس الأمر كذلك كما أظن، لكني أتصور أن الموضوع يرتبط بأمرين أساسيين:

الأول: ما تولد في نفوسنا من أن الحوار يعني حوارا دعويا، يرتبط بتفاصيل دينية، في العقائد والأصول والفروع الفقهية وغيرها، والمباني التي شيد عليها كل علم شابه بعض الاختلاف بين المتحاورين، مع المناقشة المفحمة بين الأطراف لكل دليل تقدم به أحد المتحاورين ضد الآخر، وكأننا في حلقة محاججة وجدل يثبت فيها كل طرف أنه الحق وما عداه باطل.

بين 4-6/6/2008 عقد المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار في مكة المكرمة، وكان المؤتمر مقدمة وتمهيدا للحوار المقبل في اسبانيا بتاريخ 3/يوليو المقبل ولمدة ثلاثة أيام تحت عنوان(الحوار بين أتباع الرسالات الإلهية)، كانت بعض الأوراق التي قدمت بمؤتمر مكة تتحرك بعيدا إلى أن تصل إلى حقيقة ما يراد من الحوار في ظروفنا الحالية وما تفرضه الضرورات علينا.

خذ مثلا الورقة التي قدمها الدكتور سعد بن علي الشهراني (المدير التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرين المسلمين)، وهي أول ورقة افتتحت بها جلسات المؤتمر، وقد جاء فيها «ولا يعني الأمر بمجادلتهم بالتي هي أحسن، والموعظة الحسنة تقديم التنازلات، أو الإفراط في اللين والتساهل في قبول الحق، أو المجاملة على حساب الحق»، وقبل ذلك عرف الدكتور معنى الوسطي في الحوار بأنه «يحافظ على الثوابت ولا يقدم التنازلات، ولا يقف موقف الضعيف المنهزم، بل يقف موقف القوي المعتز بدينه والمتمسك بثوابته وقيمه».

لقد تحدث الدكتور عن عشرة أهداف اعتبرها مشروعة للحوار، لا تجد فيها إلا الأهداف الثلاثة الأخيرة فقط هي التي يعنى المؤتمر الذي عقد في مكة بها، وهي التي ستكون جزئيات في مؤتمر اسبانيا المقبل كما أظن، أما الباقي فهي حوارات دعوية، لم ولن يحضر أحد لا في المؤتمر الذي عقد في مكة ولا في المؤتمر الحواري بين أتباع الأديان الإلهية الذي سيعقد في اسبانيا لأجلها، لأن جميع من سيشارك يقطع أنه في غنى عنها، (راجع الجزء الأول من بحوث المؤتمر).

الثاني: في أغلب الأحيان تكون هذه الكلمات لترضية المحبين وتطيب خواطر المريدين، وتحصيل الرضا العام من أوسع شريحة جماهيرية، باعتبار أن المحاور يحاور وهو ثابت العقيدة، راسخ الإيمان، ملتزم بما هو متفق عليه (الثوابت)، وسيكون معها بلا افتراق ولا تباين.

لماذا لا نقول أننا ندخل الحوار لأننا تأخرنا عن دخوله منذ زمن، ولأننا في حاجة إليه لتكون حياتنا أفضل باعتبارنا سنحاور في هذا الشق(الحياتي) دون ما يرتبط بقناعاتنا وديننا وآخرتنا؟ هل يمكن أن نقول أننا سنبقى في هامش العالم محافظين على تخلفنا، ما لم نمد يدنا إليه ونتعلم منه، ونعطيه ما عندنا من علم ومعرفة؟ وهل نعترف أننا بحاجة إلى الآخر كما أنه ليس غنيا عنا؟

في تصوري علينا أن نترك العنتريات جانبا، فهذه المؤتمرات إن كانت جادة ساعدت على توفير آليات العلم والمعرفة والسلام وخدمة القضايا المشتركة، وتوجيه الناس إلى القيم العليا وعلى رأسها العدل بين بعضهم والمحبة للإنسان، ومن ثم حفظ الأرض من الفساد والدمار،أما إذا لم تكن جادة(لا سمح الله) فهي فرقعات إعلامية فقط، لن تغير في الواقع شيئا ولن تساعد في بلورة تصورات جميلة لغد إنساني أفضل، وحينها يرفع صوت الفرقعات كثرة الحديث عن الثوابت والمعتقدات.

كفانا باسم الثوابت أن نصنع فزّاعات نستنفر بها نفوس الناس فيخافون الاقتراب من بعضهم حرصا على ثوابتهم، أو يقتربون اقتراب الحذر الخائف بكل حواجزه النفسية، فلا يطمئن، ولا يترك للحوار مجاله ليكون عونا على إصلاح شؤوننا وما خسرناه بسبب بعدنا عن بعضنا، وما يعنيه ذلك من ضعف وهوان في امتنا الإسلامية، وفي عالم الإنسانية الواسع.

لنضع نقطة على السطر بوضوحنا أمام أنفسنا ومجتمعنا أن الحوار لا علاقة له بعقائدنا لا من قريب ولا من بعيد، كي نتخلص بعد ذلك من عرض عضلاتنا باعتبارنا نحاور من أجل إقناع أحد برأينا أو زحزحته عن رأيه، فالكل على رأيه سيبقى سواء داخل أمتنا الإسلامية، أو أتباع الأديان الأخرى.

حينها سنكون نحن في راحة، والذين يخشون علينا في اطمئنان وهدوء، وسنتوافق على ما فيه لله رضا وللناس صلاح،فهل يكسر مؤتمر حوار أتباع الأديان الإلهية تلك الأوراق المكررة، التي سيقول أصحابها إنها للذكرى فقط.