حوار أتباع الأديان وعود للحوار الوطني

قبل عشرة أيام شهدت اسبانيا حوار الخيرين من أتباع الديانات السماوية وغيرهم من أتباع الديانات الوضعية, هذا الحوار ذو صلة بما سبقه من حوارات دعا لها خادم الحرمين الشريفين، الذي احترف الحوار وعشقه, فبدأه من دائرته الصغيرة ( الحوار الوطني ) ليتسع ذلك الحوار شيئا فشيئا ويصبح حوارا إسلاميا عالميا، ثم لا يتوقف بل ينفتح على أتباع الديانات والرسالات السماوية، ناظرا للإنسان كإنسان وموسعا دائرته إلى أتباع الديانات الوضعية.

خطوات مهمة ومتقدمة إذا قرأناها ضمن تجاذبات البلد الذي أفرزها، وفهمناها معالجة هادئة لأفكار التطرف الذي عززه الزمن في زوايا كثيرة من ثقافتنا ونواحي حياتنا وعلاقاتنا، إنها بكل اختصار السند والعضيد السليم للمتابعة الأمنية التي بدأتها دولتنا تجاه التطرف والإرهاب.

إن هذا الحوار الذي بلغ ذروته بحوار اتباع الأديان السماوية، آن لقادته أن يعود للحوارات السابقة, وليبدأوا بأولها وأصغرها وأهمها وهو الحوار الوطني, إذ من المهم بعد كل الأوراق التي قدمت والأفكار التي نوقشت والتوصيات التي رفعت أن نجتاز ما أفرزته من مكاسب على الصعيد النفسي، لكل أطياف المجتمع، وما أوجدته من استرخاء وشعور بالأمل في وجدان كل إنسان حافظ على صفاء فطرته.

آن الأوان أن نجتاز كل ذلك إلى ارض الواقع، كي نبذر فيها بذورا عملية توتي أكلها كل حين، إن الانتقال من الفكرة إلى العمل ومن الحوار إلى الفعل, ومن التوصيات إلى تمكينها على ساحة الواقع هو الثمرة الحقيقية للحوار, وبدونها سنراوح في المكان نفسه, وإن كانت الأطروحات تزن ذهبا وألماسا على الأوراق وفي المؤتمرات.

ومع كل الشعور بالصعوبات التي تواجه خادم الحرمين الشريفين، وتعاند جهود التطبيق الفعلي والعملي, فإن الثقة عالية في نفوسنا بأن اليد التي أوجدت الحوار في بلادنا من العدم تمتلك ما يلزم ليبدأ حركته في ميدان الفعل والواقع.

أعتقد أن الشراكة وتواجد الناس بمختلف أطيافهم في كل المؤسسات والدوائر دون استثناء ولا خطوط حمراء هو أمر كفيل بالمحافظة على توازنات مهمة في أي بلد توجد فيه تلاوين مختلفة.

وعلى العكس من ذلك كلما كانت الدوائر والمؤسسات مصبوغة بلون واحد فإن الشعور بعدم الحضور والوجود بذاته يثير تذمرا ظاهرا أو مستترا، ويؤكد إحساسا بالغبن والحرمان، سواء صدق ذلك الإحساس عبر مستمسكات يصدرها واقع التفرد أم كان مجرد شعور كاذب.

الأكتاف المتراصة مع بعضها، والمشاركة في بناء الوطن والحفاظ عليه هي وحدها المخرج من تضليل الشيطان، وصوره المشوهة التي قد يرسمها في الأذهان، لأنها تجعل الكل مسئولا عن كل شيء، فلا يكون أحد خارج الدائرة وهمه أن يراقبها ويوجه لها النقد، أو يتخذ منها موقفا سلبيا.

ولو لم يكن للشركة إلا هاتان المنفعتان(رفع حالة التذمر وتقاسم المسئولية) لكفى بها ضرورة ملحة تدعو العقلاء إلى إدراجها على مخططات التنفيذ وتحويلها إلى برنامج عملي يتكامل مع الأيام ويتسع بسعة الوطن وتعدد أطيافه.

يكثر الحديث عن ضرورة أخذ الأشياء وقتها، وعدم الاستعجال عليها، وهو حديث سليم وصائب، لكن الخوف أن يكون الأمر شبيها بحزام الأمان الذي يجب على السائقين الالتزام به أثناء القيادة، الذي بدأنا الحديث عنه منذ أكثر من عشر سنوات لكننا نتباطأ في تحويله إلى قانون ملزم، ونعيد في كل عام برامج التثقيف والتدريب عليه، حتى أصبحت تلك البرامج مملة ومنفرة.

إنني أميل إلى ضرورة البدء العملي للكثير من توجيهات وتوصيات حامي الحرمين الشريفين، وأعتقد أن الواقع العملي سيصنع ثقافة تعجز الكلمات عن صناعتها، وسيوجد صلابة لمحبيها والمتأملين لها توازي ثقافة العناد والتفرد، لتكبر ثقافة الحوار وتعلو وتثمر، ولو أخذنا مشهدا استطلاعيا لآراء الناس وأبناء المجتمع لوجدنا أخياره والمعتدلين فيه وعقلاءه هم نسيجه الأكبر والأكثر.