الشيخ الصفار يستحضر بركات شهر شعبان

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

استحضر سماحة الشيخ حسن الصفار بركات شهر شعبان باعتباره شهر رسول الله وفيه ذكرياتٌ لولادات عدد من الأئمة الهداة ، مذكّراً ببعض الأعمال العظيمة في هذا الشهر كالصيام والصدقة والدعاء، ومؤكداً على أفضلية الدعاء من بين هذه الأعمال، فهو مخّ العبادة، كما يقول رسول الله . ومشيراً إلى خصائص الدعاء التي تُميّزه على سائر العبادات، فهو مدرسةٌ فكريةٌ أخلاقيةٌ تربوية، ومن خلاله تتسرخ مفاهيم العقيدة وثقافة الإسلام الصحيحة في نفس الإنسان. مشيراً أنه ينبغي عند قراءة الدعاء التفكر والتدبر في معاني الألفاظ، وليس الاقتصار فقط على ترديدها.

وسلّط الضوء على سيرة وشخصية الإمام علي بن الحسين فقد كانت حياته تجسيداً للقيم والمثل العليا، واعترف له بالمكانة والمنزلة العظيمة جمهور المسلمين. مشيراً إلى أن أخلاق الإمام وسيرته كانت تجسيداً لعبادته المنقطعة لله تعالى، مؤكداً أنها أفضل درسٍ نأخذه من هذه الذكرى العطرة بأن نراجع سلوكنا وتعاملنا مع من حولنا، ليكون تعاملنا على أساس الإحسان، والذي هو فوق العدل، فالعدل أن تُعطي كل ذي حقٍّ حقه، أما الإحسان فهو زيادة على ذلك.

الافتتاحية

الحمد لله الظاهر بسلطانه وعظمته، الباطن بعلمه ومعرفته، العالي على كلّ شيءٍ بجلاله وعزّته. أحمده شكراً لإنعامه، وأستعينه على وظائف حقوقه، عزيزُ الجند، عظيم المجد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، دعا إلى طاعته، وقاهر أعداءه جهاداً على دينه، لا يثنيه عن ذلك اجتماعٌ على تكذيبه، والتماسٌ لإطفاء نوره. صلى الله عليه وآله بأفضل صلواته، وبارك عليه وآله بأعظم بركاته، ورفع مقامه في أعلى درجاته.

أوصيكم عباد الله ونفسي بالاعتصام بتقوى الله فإن لها حبلاً وثيقاً عروته، ومَعقلاً منيفاً ذِروته.

الخطبة الأولى

استفتح الشيخ الصفار الخطبة الأولى للجمعة 6 شعبان 1429هـ (8 أغسطس 2008م) بفقرات من دعاء الإمام زين العابدين الذي كان يدعو به في كل يومٍ من أيام شهر شعبان، وفي ليلة النصف منه، يقول الإمام زين العابدين في هذا الدعاء: ((اللهم صلّ على محمدٍ وآل محمد، واعمر قلبي بطاعتك، ولا تُخزني بمعصيتك، وارزقني مواساة من قتّرت عليه من رزقك بما وسّعت عليّ من فضلك، ونشرت عليّ من عدلك، وأحييتني تحت ظلك، وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان، الذي حففته منك بالرحمة والرضوان، الذي كان رسول الله يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيام، بخوعاً لك في إكرامه وإعظامه، إلى محلّ حمامه، اللهم فأعنا على الاستنان بسنته فيه، ونيل الشفاعة لديه)).

مستحضراً بذلك فضل هذا الشهر العظيم، وماله من المكانة والمنزلة العظيمة عند الله تعالى، فعن صفوان الجمال قال: قال لي أبو عبد الله حثّ من في ناحيتك على صوم شعبان. فقلت: جعلت فداك ترى فيه شيئاً؟ فقال: نعم. إن رسول الله كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً يُنادي في المدينة: يا أهل يثرب إني رسول الله إليكم، ألا إن شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري)).

مضيفاً: إن من أفضل الأعمال في هذا الشهر العظيم: الصيام والصدقة والدعاء.

مؤكداً أن الدعاء يأتي في المرتبة الأولى من بين تلك الأعمال فالدعاء مدرسةٌ فكريةٌ أخلاقيةٌ تربوية، ومن خلال الدعاء تتسرخ مفاهيم العقيدة وثقافة الإسلام الصحيحة في نفس الإنسان. مشيراً أنه ينبغي عند قراءة الدعاء التفكر والتدبر في معاني الألفاظ، وليس الاقتصار فقط على ترديدها.

وحول الحديث المروي عن رسول الله أنه قال: ((الدعاء مخّ العبادة))، أكدّ الشيخ الصفّار أن تشبيه الرسول للدعاء بعضو من أعضاء جسم الإنسان وهو: المخ، يدفعنا للنظر في أهمية هذا العضو لنستقرئ عظمة الدعاء من خلال ذلك.

فالمخ له دور إدارة الأعضاء الأخرى في جسم الإنسان، ومن خلاله تقوم بقية الأعضاء بأدوارها. وكذلك الدعاء يقوم بدور التوجيه وترشيد وعي الإنسان في الحياة، ويُصحح فهم الإنسان بالدين لكي لا يكون فهمه مبتوراً.

وللمخ أفضلية على سائر أعضاء الجسم، وكذلك الدعاء له أفضلية على سائر العبادات، ولذلك رود عن الرسول الأعظم قوله: ((أفضل العبادة الدعاء)).

وأشار الشيخ الصفار إلى بعض الخصائص التي تٌميّز الدعاء على سائر العبادات، ومنها:

- الدعاء انبعاث فطري وجداني، يقول تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ (الزمر، 8).

- الدعاء مظهر للعبودية والإقرار بقدرة الله تعالى وصفاته.

- الدعاء يرفع معنويات الإنسان أمام المشاكل والتحديات، يقول تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ (النمل، 62)

- الدعاء توثيق للصلة والانفتاح على الله تعالى.

- الدعاء تكريس للمفاهيم والتربية الأخلاقية.

واختتم الخطبة بالتأكيد على أن الإنسان عندما يتجه بالدعاء لله تعالى ينبغي أن يواكب ذلك سعياً وعملاً باتجاه تلك الحاجة، يقول رسول الله : ((الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر)). وفي وصيةٍ للإمام علي لابنه الإمام الحسن يقول فيها: ((اعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفّل لإجابتك، وأمرك أن تسأله فيُعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه.. ثم جعل في يدك مفاتيح خزائنه بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه)).

الخطبة الثانية

أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية أن من بركات شهر شعبان أن فيه ذكرياتٍ مباركةٍ عظيمةٍ لولادات عدد من أئمة الهدى ففي الثالث منه ذكرى ولادة سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ، وفي الرابع ذكر ولادة قمر بني هاشم أبي الفضل العباس وفي اليوم الخامس ذكرى ولادة زين العابدين وسيد الساجدين الإمام علي بن الحسين . مضيفاً: إن إحياء هذه الذكريات العظيمة ينبغي أن يكون باستحضار سيرة هؤلاء العظماء والتأسي بأخلاقهم والسير على نهجهم القويم.

مشيراً أن مجتمعنا اعتاد الاهتمام بذكريات الحزن والألم حتى أصبح ذلك جزءً من ثقافة المجتمع، مؤكداً أنه مع أهمية هذا الجانب إلا أنه ينبغي أيضاً أن يكون هناك توازن في التعاطي مع ذكريات الأئمة والقادة العظماء، فالإحتفاء بذكريات الأفراح جزءٌ لا يتجزأ من الاقتداء والارتباط بهم (عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام) وقد ورد عنهم: ((شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا)).

وركّز في حديثه على شخصية الإمام زين العابدين حيث كانت حياته تجسيداً للقيم والمثل العليا، واعترف له بالمكانة والمنزلة العظيمة كبار علماء الأمة، فقد روى الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق بسنده عن ابن الزبير قال: كنّا عند جابر بن عبد الله الأنصاري فدخل عليه علي بن الحسين، فقال له جابر: كنت عند رسول الله فدخل عليه الحسين، فضمّه إليه وقبّله، وأقعده إلى جنبه، ثم قال : ((يولد لابني هذا ابن يُقال له: علي بن الحسين، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش ليقم سيد العابدين فيقوم هو)).

ويقول الحافظ، وهو الإمام شمس الدين الذهبي (محدّث العصر وخاتمة الحفّاظ ومؤرخ الإسلام) توفي 748هـ، يقول في كتابه سير أعلام النبلاء في ترجمته للإمام علي بن الحسين : (وكان له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتأهله، وكمال عقله).

واستحضر الشيخ الصفّار شيئاً من سيرة هذا الإمام العظيم، مشيراً إلى أن التأسي والاقتداء بهذه السيرة هو حقيقة الإحتفاء بذكرى ولادته المباركة، ومؤكداً أن صدق العبادة لله تعالى يتمثل في التعامل مع الناس، فلو كان هناك من يُسيء تعامله مع الآخرين، فلا يُمكن أن نثق بدينه، مهما أظهر من ممارساتٍ يقوم بها بين الناس.

وأضاف: ومما جاء في سيرة الإمام زين العابدين أن أخلاقه وتعامله مع الناس كانت تجسيداً لعباده لله تعالى، واستشهد ببعض الشواهد من هذه السيرة المباركة، ومنا:

- كان عند الإمام ضيوف، وجاء خادمه بجفنةٍ عليها لحم مشوي، وكانت شديدة الحرارة، ومن عجلة الغلام وقعت على طفل للإمام فاحترق ومات. وما كان من الإمام إلا أن جاء مخاطباً الغلام: أنت حرٌّ لوجه اللله فإنك لم تتعمد ذلك، ثم أخذ في جهاز ابنه ودفنه.

- وكان لا يُسافر إلا مع رفقةٍ لا يعرفونه ليكون من خدّام الرفقة فيما يحتاجون إليه.

- وكان يتفقد بيوت الفقراء ليلاً ولا يٌعرّفهم بشخصه، ولم يعرفوا أنه الإمام إلا بعد وفاته.

واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن أفضل درسٍ نأخذه من هذه السيرة العطرة أن نراجع سلوكنا وتعاملنا مع من هم حولنا، ليكون تعاملنا على أساس الإحسان، والذي هو فوق العدل، فالعدل أن تُعطي كل ذي حقٍّ حقه، أما الإحسان فهو زيادة على ذلك، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل، 90).

والحمد لله رب العالمين.