من أجل فقه الشباب:

قراءة في كتاب الشباب وتطلعات المستقبل

مدخل منهجي:

من المواضيع الحساسة التي لا تزال المكتبة الإسلامية تفتقر لتناولها بالبحث والتحليل والفهم والترشيد ، موضوعة الشباب ، حيث لا نجد الكثير من المفكرين الإسلاميين اهتم بهذا المبحث الإستراتيجي في بلورة الرؤية الحضارية المتكاملة للأمة ، كما أننا لو حاولنا القيام ببيبليوغرافية حول موضوع الشباب في الفكر الإسلامي المعاصر، سنصادف مقالات متناثرة ودراسات سطحية وما هنالك من ومضات فكرية، أما بناء معرفي للموضوع فهذا المطلوب المفقود في الواقع البحثي الأكاديمي العربي والإسلامي ، ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن أكاديميا المفكر الوحيد الذي نادى لبعث اهتمام علمي دقيق بالشباب هو الأستاذ زكي الميلاد، حيث لمح لأطروحة علم اجتماع الشباب، أما في الإطار الحركي والخطاب الإسلامي فهناك ثلة من علماء الدين، أمثال الشيخ عبد الله اليوسف، والشيخ عبد العظيم نصر  المشيخص والسيد كامل الهاشمي وغيرهم، عرفت بالدفاع عن حقوق الشباب وترشيد الشباب المسلم، أما البقية فتكتفي خلال المناسبات بالدعوة  البسيطة لمنح الشباب فرص التعبير عن ذواتهم، وذلك مما لم يغير من حال الشباب حولهم الشيء الكثير، لكن عالم الدين سماحة  الشيخ حسن الصفار، منذ أكثر من عقدين من الزمن، لا أجد كلمة أو محاضرة أو قراءة للواقع الاجتماعي للمسلمين، تخلو من تأكيده على محورية الشباب في مشوار التغيير والإصلاح والتجديد، ويكفي المتابع الحصيف لنتاجات هذا المفكر الإسلامي الحركي المميز ، دليلا على رعاية  سماحة الشيخ وتكلفه عناء النهوض بواقع الشباب المسلم، حيث كان آخر ما اطلعت عليه من مؤلفات لسماحته  الخاصة بمبحث الشباب،كتاب صغير في حجمه، كبير في أفكاره التغييرية ،إنه كتاب «الشباب وتطلعات المستقبل» الصادر عن دار أطياف للنشر والتوزيع سنة 2006،  73 صفحة من القطع الصغير.

والملفت للانتباه هي منهجية توزيع المواضيع في هذا الكتاب، حيث في الصفحة 7 نجد محتويات الكتاب ،و بعدها تأتي المقدمة التي كانت بمثابة المختصر المفيد الذي يشوق القارئ الشاب لمتابعة معرفة ثنايا هذا البحث المهم والإستراتيجي، إذ في نهاية هذا المقدمة الصفحة 11، يعبر سماحته بالآتي:"هذه السطور المتواضعة هي حديث من القلب إلى قلب كل شاب وفتاة، كرسالة تعاطف وتضامن في مواجهة تحديات هذا العالم الصاخب وكحوار مفتوح من أجل فهم أفضل لواقع الحياة..."، هذه العبارة توحي مدى قلق ولهفة سماحته على هذا الجيل وتعهده ببذل ما في وسعه لمساعدته على تجاوز كل المعوقات والعراقيل التي من نشأنها الوقوف أمام تطلعات الشباب ومسؤوليتهم المستقبلية.

في المبحث الأول المعنون بـ: الشباب في عالم التحديات، يهدف الكاتب سماحة الشيخ حسن الصفار، لتوصيف مرحلة الشباب من خلال قراءة حال الشباب في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وما يعانيه الشاب المسلم من تحديات ناجمة عن مؤثرات  متعددة واغتراب وازدواجية، ناهيك عن مشاكل الحياة  في الوقت الراهن، وبعقب سماحته بضرورة الدراسة الجادة  والاهتمام العميق لمساعدة هذا الجيل على مواجهة تحديات الحياة، ويواصل بحث مرحلة الشباب وتأرجحها بين العقل والعاطفة، ويفصل نوعا ما فيما يتعلق بتأثيرات الأقران السلبية في هذه المرحلة.

أما المبحث الثاني فلقد خصصه العلامة  الشيخ حسن الصفار للتركيب والتوجيه والترشيد بالنسبة لموضوع الشباب بعدما حاول في المبحث السابق تفكيك المشكلة والتمحيص لبعض أبعادها، وهذا المبحث اتخذ عنوان: توجيه الطاقة والنشاط، حاول فيه  التنبيه للقدرات والطاقات الهائلة التي يحملها الشباب والواجب حسن استثمارها وتصريفها في المشاريع الرسالية، وكعادة سماحته يستدل بمشاهد من السيرة النبوية من جهة ، وبالتجارب العالمية الخاصة برعاية الشباب من جهة أخرى، ولعله خلال مطالعة هذا المبحث قد ينتاب القارئ إحساس بأنه لم يشبع الكاتب موضوع الطاقة الشبابية بالبحث والتفصيل والتحليل ، لكنه سرعان ما يتراجع عن ذلك ، لان العلامة الشيخ الصفار يستدرك ذلك الشعور ، بان يحمل القارئ الشاب في آفاق الحلول والرحابة الإصلاحية، فيواجه القارئ في المبحث الثالث بعنوان: الانفتاح على الشباب، وهذا غاية مطلوب كل الشباب، والجميل أن سماحة الشيخ اختصر الحديث بتوصيف علاقة الآباء بالأبناء الشباب والكبار عموما بالشباب ثم انتقل إلى الواجب الاجتماعي تجاه الشباب من لدن العائلة وعلماء الدين والمسؤولين، لكنه سرعان ما يركز على ضرورة تطوير الخطاب التربوي والديني مع الشباب ، ويلمح للتعامل السلبي مع الشباب من خلال ذكره للتخاطب الفوقي معهم، ثم ينتهي إلى استحضار القدوة الرسالية العظيمة الحسنة للنبي الأكرم في تعامله مع الشباب...

وبعد التفكيك والتوصيف والتوجيه النظري، ينتقل سماحة الشيخ حسن الصفار بالقارئ الشاب إلى البعد العملي والتخطيط المنظم  في المبحث الرابع تحت عنوان: البرامج والمؤسسات، حيث يؤكد على دور المؤسسات والبرامج في احتضان الشباب، ويقرب الفكرة من خلال تجربة المملكة العربية السعودية فيما يتعلق برعاية الشباب وتطور المؤسسات الخاصة بهذا الجيل عبر الزمن من إدارة إلى وزارة ثم رئاسة عامة لرعاية الشباب، هذا فيما يتعلق بالجانب المؤسساتي ، لكنه بالنظر للواقع ينتهي سماحته إلى دعوة العائلة والجهات الحكومية والمؤسسات الأهلية وعلماء الدين المرشدين إلى مضاعفة الجهد والاهتمام بشريحة الشباب...

هذه المباحث الأربعة يمكن أن تندرج ضمن فصل بعنوان: «رعاية الشباب: الواقع والآفاق».

أما عن المبحثين التاليين فيمكن وضعهما في إطار فصل مخصص لـ: «الشباب والدين: رؤية وعلاقة»، ففي المبحث الخامس " الشباب: أسرع لكل خير" يتقدم العلامة الصفار من خلال رؤية سيكولوجية مقتضبة لمرحلة الشباب، لطرح الرؤية الإسلامية للشباب تاريخا ونظرية حيث يرتفع بنا مستشهدا  بتاريخ الرسالات السماوية الزاخر بطلائع الشباب المؤمنين، وبعدها ينزل بنا إلى الواقع الإسلامي وشباب الصحوة...

بينما في المبحث التالي أي السادس:"دوافع التدين عند الشباب" ينتهج الشيخ الصفار أسلوبا بيداغوجيا رساليا رائعا، يرتب البناء المعرفي الهادف إليه سماحته، حيث يحلل افتراضيا خلجات الشباب،  ما يكتنف وجدان الشاب من تساؤلات وحاجات ملحة في حياته، وكعادته بأسلوبه التربوي التثقيفي الرسالي يرسم للقارئ معرفة رفيعة بهذه المرحلة ويدفعه نحو استكشاف ذات الشاب فيه إذا كان شابا أو المسؤولين على الشباب (الوالدين أو علماء الدين أو المسؤولين...).

ثم في المبحث السابع يفصل سماحته بعض الشيء  بخصوص  آفاق المسؤولية تجاه الشباب ويختم كتابه بمباحث ينزل من خلالها لواقع الشباب، يشخص مسألة وقت الفراغ في حياة الشباب ويطرح الحلول والحقائق والبدائل،كما يدعو للتخطيط الأمثل والبرمجة السليمة للعطلة الصيفية، ويعرج سماحة الشيخ على علاقة  الإعلام   بسلوك الشباب وينتهي بنا المطاف إلى رؤية سماحة الشيخ  لمخاطـر آفــة الفراغ ومرجعية  الانحراف لها.

لامناص أن هذا الكتاب بالغ الأهمية، على المستوى الثقافي والتربوي وكذا الإستراتيجي المستقبلي، وعلى الرغم من قدرة المؤلف على تناول العديد من المسائل الحرجة بخصوص عالم الشباب إلا أن هناك بعض المطارحات الواردة بالكتاب بحاجة لتفصيل وأخرى لتبويب، مما يدخل ضمن البناء المنهجي الدقيق للبحث، لكننا مهما انتقدنا بعض المباحث في الكتاب يبقى أسلوب وفكر العلامة الصفار رائدا في تحليل وتشخيص الأمراض الاجتماعية والثقافية بواقعنا الإسلامي، وهذا الكتاب من شأنه أن يفتح المجال لبحوث أكاديمية دقيقة لكل مبحث من مباحثه، تسهم في بناء صورة معرفية علمية رصينة حول عالم الشباب وتطلعات المستقبل.

بالنسبة للملاحظات والتوصيات التي يمكن طرحها حول مضمون الكتاب هي في عمومها تندرج ضمن التوسيع البحثي المنهجي، نذكر منها ما يلي:

1- كان الأجدر أن يعتمد سماحته على التبويب مما ينتج تناسق تخليلي مميز،  مثلا المبحث الأول والثاني لو جمعا في مبحث واحد لكان أفضل.

2- بالنسبة لمبحث دوافع التدين لدى الشباب أرى أنه الأفضل أن يسبق مبحث الشباب أسرع لكل خير...

3- أما عن الترتيب العام فلربما البناء المعرفي المتناسق الذي يعمل على هندسة الفكرة والرؤية لدى القارئ يستدعي تأخير المباحث بالترتيب التالي وقبل مبحث استثمار وقت الفراغ: الانفتاح على الشباب ثم المسؤولية تجاه الشباب وأخيرا البرامج والمؤسسات.

4- هذه الملاحظة متعلقة بالمباحث الأخيرة والتي سبق وأن طالعنها في كتاب سماحة الشيخ حسن الصفار "بناء الشخصية ومواجهة التحديات" ، إذا كان تكرارها من باب تقريب أبعاد المباحث السابقة فلا بأس، وإلا نرى أنه يمكن استدراك هذا الكتاب الذي  نحن بصدده، بتوسيع بعض النقاط المهمة فيه مثل مبحث توجيه الطاقة والنشاط ، من خلال الاعتماد على دراسات سيكولوجية وسوسيولوجية حديثة.

5-  المراجع: هناك ضآلة في المراجع المعتمدة وهذا لا ينقص من محتوى الكتاب شيئا، أو قوة  فكر العلامة الشيخ حسن الصفار، ولكن ملاحظتي بالنسبة للباحث أو المفكر  الإسلامي المهتم بموضوع الشباب، ربما الكاتب الوحيد الذي يسعفه في مطارحاته حول سيكولوجية الشباب ومقاربتها مع الرؤية الإسلامية هو الشيخ محمد تقي فلسفي، في سلسلة كتبه الطفل والوراثة أو الأفكار والرغبات بين الشيوخ والشباب أو الشاب بين العقل والعاطفة ، أو كتاب  الدكتور حجازي عزت الصادر عن عالم المعرفة، وهذا يفضي إلى ضرورة توسيع مجال المرجعية العلمية في المطارحة الإستراتيجية، وفيه دعوة للترجمة للدراسات والكتب  العلمية الغربية، أولا لمطالعتها وتمحيصها والاستفادة من نتائجها في البناء المعرفي لدينا على جميع الصعد والمستويات، ولعل قلة المراجع ما دفع الشيخ حسن عدم تخصيص صفحة للمراجع المعتمدة.

6- توصيتي الوحيدة هي دعوة سماحة الشيخ لاستجماع ما كتب حول الشباب في كتاب واحد، وحسب إطلاعي لدى سماحته كتاب بعنوان "مسؤولية الشباب" وكتاب "بناء الشخصية  ومواجهة التحديات" وهذا الكتاب (الشباب وتطلعات المستقبل) وآفاق كتاب "العمل والفاعلية طريق التقدم" المرتبطة بجيل الشباب، هذه كلها بالإضافة للمقالات والأفكار المتعرضة لعالم الشباب في  المحاضرات، وكذا الأوراق البحثية التي  شارك فضيلته بها في المؤتمرات المخصصة لتباحث المشكلات الاجتماعية، كل هذا يمكن ترتيبه وتبويبه وتصنيفه في كتاب بعنوان: "فقه الشباب" يكون أداة معرفية جيدة للشباب أولا ولكل المهتمين بالشباب، من العائلة إلى علماء الدين المسؤولين والجامعة والمؤسسات الاجتماعية والأمنية...

في الختام، أدعو كل الشباب، إلى مطالعة هذا الكتاب البسيط والمهم في آن، لأنه لا يأخذ من وقت الواحد منا الكثير، لكن الأكيد أنك إذا فتحته سوف تزيد شهية مطالعته عندك لأنه ببساطة كاتبه بحبك ، وتكفيك واجهته التي تعبر لك عن كل بانوراما  الشباب، وتجذبك نحو الخطاب الإسلامي المنفتح والبناء ، واستسمج أستاذي العزيز سماحة الشيخ حسن الصفار، إن كنت قد تجرأت  للإفصاح عن بعض الملاحظات، لكن لثقتي بشخصه الكريم وأستاذيته الرحيبة ركبت الصعب، مع أنني سأبقى دوما التلميذ المخلص لهذا العالم الجليل الذي وقف لجنبي  منذ سنين بفكره وتواصله وتوصياته ، وخير الختام السلام مني للكرام سماحة الشيخ حسن الصفار وأحبته...و كل حين وشبابنا المسلم رسالي مسؤول...

و الحمد رب العالمين

«لقراءة الكتاب اضغط هنا»

باحث و كاتب إسلامي جزائري