تقديم كتاب «معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية»

الكتاب: معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية
المؤلف: حبيب آل جميع
دار النشر: دار الملاك للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ

بسم اللَّه الرحمن الرحيم

الحمد للَّه رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين.

العلم والمعرفة ميزة منحها اللَّه تعالى للإنسان ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا[1] )، ﴿عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[2] .

وبالعلم يتبوأ الإنسان مكانة خلافة اللَّه في الأرض ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً[3] . ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ[4]  ويقوم بدور تسخير الإمكانات والطاقات لإعمار الحياة ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[5] .

والعلم والمعرفة حق مشاع للبشرية جمعاء لا يصح لمن حاز شيئاً منه أن يكتنزه لنفسه ويمنعه على الناس، وكلما ازدادت أهمية ما لدى الإنسان من علم ومعرفة واشتدت الحاجة إليه، كلما عظمت مسؤوليته وواجبه في بذل ذلك العلم ونشره.

من هنا وردت في القرآن الحكيم آيات عديدة تحذر ذوي العلم والمعرفة من كتمان معارفهم والبخل بعلومهم وتحملهم مسؤولية بث العلم وبذل المعرفة للناس.

يقول تعالى:

﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ[6] .

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ[7] .

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[8] .

ورد عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (( أيما رجل آتاه اللَّه علماً فكتمه وهو يعلمه لقي اللَّه عز وجل يوم القيامة ملجماً بلجام من نار )).

(( كاتم العلم يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر والطير في السماء )).

ولنشر العلم وبثه وسائل وطرق متعددة لكن التأليف والكتابة هو من أبرزها وأهمها.

أولاً: لأن الكتابة والتأليف هي الأسلوب الأكثر دقة وحفظاً لحقائق العلوم، فالعلم حينما يكتب يكون في العادة أكثر تركيزاً ذهنياً منه حينما يخطب أو يتحدث، وفرصته في الإتقان والتحقيق أكثر كما هو واضح.

ثانياً: لأن الكتاب يخاطب الأجيال القادمة بينما تقتصر الوسائل الأخرى غالباً على مخاطبة الجيل المعاصر للعالم.

من هنا جاءت النصوص والأحاديث الدينية تشجع على ضبط العلم بالكتابة وحفظه للأجيال القادمة عبر التأليف.

فعن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (( قيدوا العلم بالكتابة )).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لأصحابه: قيدوا العلم. قالوا: وما تقييده؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): كتابته.

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (( المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيامة ستراً فيما بينه وبين النار )).

والعالم الذي يؤلف ويكتب في مجال علمه يكون مصداقاً للاستجابه لهذه الدعوة النبوية، وأنموذجاً على صعيد بذل العلم ونشر المعرفة.

بينما العالم الذي لا يحرك قلمه بالكتابة ولا يكلف نفسه عناء التأليف مع قدرته عليه قد يكون مصداقاً لحالة كتم العلم والبخل به.

إن العلماء الذين ألفوا الكتب والمصنفات لهم الفضل الكبير في توارث العلم والمعرفة وفي حفظ التجارب الفكرية والمكاسب العلمية، كما أنهم بذلك قد خلدوا شخصياتهم وأسماءهم وعكسوا للأجيال اللاحقة صورة ما كان يدور في عصورهم من أوضاع وأحوال وأفكار.

ومن المؤسف جداً أن بعض العلماء وذوي المعارف الفكرية والأدبية يتكاسلون ويمتنعون عن التأليف والكتابة فيحرمون الناس من الإطلاع على ما يجيش في صدورهم من معارف وأفكار تبقى حبيسة في عقولهم حتى يفارقوا هذه الحياة دون أن يتركوا أثراً علمياً يذكرون به ويورثونه لمن يأتي بعدهم.

وحركة التأليف والكتابة في كل مجتمع هي مرآة تعكس المستوى العلمي والفكري في المجتمع بل وتكشف عن المستوى النفسي لعلماء ذلك المجتمع ومفكريه، فكلما كانت نفوسهم معطاءة، وهمتهم عالية، وشعورهم بالمسؤولية كبيراً، كان نشاطهم في مجال الكتابة والتأليف متقدماً.

بالطبع للظروف السياسية والاجتماعية تأثير كبير على حركة الكتابة والتأليف فكلما كانت مستقرة إيجابية أفسحت المجال أكثر لنمو حركة العلم والتأليف، بينما الظروف القاسية تعرقل مسيرة العلم وتضعف حركة الكتابة والتأليف.

لكن العلماء الأفذاذ كانوا يتحدون قساوة الظروف وصعوبة الأوضاع السياسية والاجتماعية، ويستمرون في تحمل مسؤولياتهم ويقدمون لأجيال البشرية مكنونات أفكارهم ونتاج عقولهم مها كلفهم ذلك من ثمن وتضحيات، وإن نتاج تلك الأقلام الشجاعة هو مصداق لقول رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلم): (( مداد العلماء خير من دماء الشهداء )).

وفي هذه المنطقة المنسية المجهولة من العالم (المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية) كانت ولا تزال حركة علمية أدبية أنجبت الكثير من رجالات العلم والمعرفة والأدب وقد أسهم العديد من هؤلاء الأعلام بأقلامهم في إثراء المكتبة العلمية والأدبية، لكن أسباباً عديدة جعلت هذه الأقلام شبه مغمورة وغير معروفة.

وقد وفق اللَّه الأخ العزيز الفاضل الشيخ حبيب آل جميع ليقوم بمهمة رصد وتعريف المؤلفين من أبناء هذه المنطقة الطيبة عبر إعداد معجم رائع استعرض فيه أسماء جميع من ألف وكتب من أعلام هذه المنطقة عبر قرون التاريخ كما يسجل عناوين كتبهم ومؤلفاتهم بتصنيف جميل مرتب.

وكنت أنتظر مثل هذه المبادرة من الأخ المؤلف العزيز لما أعرفه من اهتمام بتراث هذه المنطقة ومتابعة لإنتاجها وعطائها.

فمنذ حوالي العشر سنوات رافقت مسيرة الشيخ حبيب في مؤسسة البقيع لإحياء التراث فوجدت لديه شوقاً عميقاً وإخلاصاً كبيراً وهمة عالية ونشاطاً دائماً لخدمة تراث المنطقة لذلك تحمل أعباء إدارة المؤسسة طوال هذه الفترة جزاه اللَّه خير الجزاء.

وسبق للمؤلف الفاضل أن كتب عدة بحوث تتناول أعلام المنطقة ونشر بعضها في بعض المجلات.

وإذ أرحب اليوم بصدور مؤلفه الجميل معجم مؤلفي المنطقة لآمل أن يوفقه اللَّه للمزيد من الإنتاج والعطاء، وأن يكون ذلك دافعاً للغيورين من أبناء المنطقة على تاريخهم وتراثهم لدعم هذه الجهود الخيرة في إحياء التراث والتجاوب معها.

وفق اللَّه الجميع للخير والصلاح والحمد للَّه رب العالمين.

حسن الصفار  
القطيف    

20/ 12/ 1415هـ

20/ 5/ 1995م

معجم المؤلفات الشيعية في الجزيرة العربية

[1]  سورة البقرة، آية 31.
[2]  سورة العلق، آية 5.
[3]  سورة البقرة، آية 30.
[4]  سورة الأنعام، آية 165.
[5]  سورة هود، آية 61.
[6]  سورة آل عمران، آية 187.
[7]  سورة البقرة، آية 159.
[8]  سورة البقرة، آية 174.