الشيخ الصفار يشيد بتجربة محاكاة نظرية الانفجار العظيم ويندد ببث الأحقاد بين أبناء الأمة

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان

أبدى سماحة الشيخ حسن الصفّار انزعاجه الكبير من دعوات بث الأحقاد والضغائن بين المسلمين، ومعرباً عن استغرابه الشديد من انحدار بعض العلماء الكبار لهذا المستنقع القذر، وموجّها اعتراضه على ما صدر مؤخراً من تصريحات متشنجة للشيخ القرضاوي تجاه الشيعة، مؤكداً أن ذلك يزرع الانطباعات السلبية بين المسلمين مما يُنتج الحقد والعدواة فيما بينهم.

وحول ذات الموضوع أشار الشيخ الصفار إلى الأسباب التي تدعو الإنسان للحقد على أخيه المسلم، وأهمها: تضارب المصالح، والانطباعات السلبية. مؤكداً أن شهر رمضان فرصة للتقرب إلى الله تعالى وإزالة هذه الشوائب من النفوس. ودعا لاستثمار هذه الفرصة العظيمة فالله تعالى يشمل جميع المسلمين برحمته وعفوه في هذا الشهر الفضيل إلا من كان في قلبه حقدٌ على أخيه المسلم.

وفي سياق آخر أثنى الشيخ الصفار على الحدث العلمي الكبير الذي أطلقه العلماء الأوربيون بالقرب من جنيف، حيث يُجرون أكبر تجربة عرفتها البشرية لمعرفة "بداية الخلق". مبدياً أسفه أن لا وجود للمسلمين في مثل هذه الإنجازات الكبيرة رغم انهم يتلون قرآناً يأمر بالنظر والتأمل في الكون لاكتشاف أسراره وخيراته.

الافتتاحية

الحمد لله الفاشي في الخلق أمره وحمده، الظاهر بالكرم مجده، الباسط بالجود يده، الذي لا تنقص خزائنه، ولا تزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً، إنه هو العزيز الوهّاب.

ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، شهادةً نتحرر بها من العبودية لغيره، ومن الخضوع لسواه، ونرجو بها الفوز بجنته ورضاه.

ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أنقذنا الله ببعثته، وشرفنا بدعوته، وأكرمنا بالكون من أمته. اللهم صلّ عليه وآله بأفضل صلواتك، وبارك عليه وآله بأزكى بركاتك.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله لنعتصم بها من اتباع الأهواء والشهوات، وننجوا بها من الوقوع في المعاصي والخطيئات.

الخطبة الأولى

أشار الشيخ الصفار في بداية خطة الجمعة 12 شهر رمضان 1429هـ (12 سبتمبر 2008م) إلى أن الله تعالى إنما خلق الخلق ليرحمهم، لا ليُعذّبهم أو ليَشقيهم، وكما رحمته تعالى في هذه الدنيا واسعةٌ واضحةٌ ظاهرةٌ، فإنها ستكون في الآخرة أكثر وضوحاً وجلاءً حيث ينشر الله تعالى رحمته على العباد، فيشرئب لها عنق إبليس، كما تُشير إلى ذلك بعض الروايات.

مضيفاً: إن المذنب العاصي الذي استحّق غضب الله تعالى وعذابه، إن تاب إلى الله تعالى فإنه ينجو من العذاب، مؤكداً أننا نعيش هذه الأيام في شهر العفو والرحمة والعتق من النار لمن استوجبها. داعياً لاستثمار هذه الفرصة العظيمة لنحظى بعفو الله تعالى وغفرانه.

وأشار أن الروايات تُركّز على أمرٍ في غاية الأهمية بما يتعلق بمسألة الفوز بعفو الله ورحمته في شهر رمضان، حيث تركّز الروايات أن رحمة الله تعالى تشمل جميع المسلمين، عدا فئة منهم استحكم الحقد في نفوسهم على إخوانهم المسلمين، فهؤلاء يُؤخرهم الله تعالى إلى أن يُنظّفوا قلوبهم من تلك الأحقاد والضغائن التي لوّثوا بها نفوسهم. ففي الحديث عن رسول الله أنه قال: ((يغفر الله في كل ليلةٍ من ليالي شهر رمضان سبعين ألفاً، فإذا كان في ليلة القدر غفر الله بمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم، إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء فيقول الله أنظروا هؤلاء حتى يصطلحوا))، وعنه : ((يأمر الله ملكاً يُنادي في كل يوم من شهر رمضان أبشروا عبادي فقد وهبت لكم ذنوبكم السالفة، وشفعت بعضهم في بعض في ليلة القدر إلا من أفطر على مسكر وحقد على أخيه المسلم)).

وأكد أن الله تعالى إذا كان رحيماً بعباده وعطوفاً عليهم، ويُريد لهم النجاة، فإنه لا يقبل منهم العداوة والحقد على الآخرين، لأن ذلك من مستوجبات غضبه واستحقاق عذابه.

ولفت الانتباه إلى أن الإنسان مع أخطائه وذنوبه الكبيرة إلا أنه يطمع في عفو الله تعالى ورحمته، فما باله أمام أخطاء الآخرين عليه، لا يتنازل عن جقه في سبيل إصلاح ما بينه وبين أخيه، بل تراه يوغل في الحقد، بحق أو بدون حق.

داعياً إلى استغلال هذه الفرصة الثمينة، للفوز برضا الله تعالى في هذا الشهر، فالشقي من حُرم غفران الله تعالى فيه، كما ورد عن الرسول الأعظم ؛ وفي رواية جميلةٍ لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول فيها: ((الدنيا أصغر وأحقر وأنزر من أن تُطاع فيها الأحقاد)).

مستنكراً على البعض الذين تأخذهم العزّة بالإثم، فيُصرّوا بجهلهم على مواقفهم التي اتخذوها بحقدهم.

وفي إجابته عن الأسباب التي تدعو الإنسان للحقد على أخيه المسلم، أكد الشيخ الصفّأر على سببين:

الأول: تضارب المصالح، فقد ينظر البعض إلى أخيه بأنه سلب حقّاً من حقوقه ومصالحه، فينشأ نتيجة ذلك الحقد في قلبه على أخيه.

الثاني: الانطباعات السلبية، وهو أسوء درجات الحقد، حيث يلوّث الإنسان قلبه بحقد أخيه المسلم لمجرد انطباعٍ سلبي في نفسه، وقد يتبنى البعض هذا الموقف دون التأكد من صحّة الانطباع من عدمه، مضيفاً: وقد يكون هذا الانطباع ناتجاً عن مجرّد الاختلاف في المعتقد أو التوجه، وهذا مما لا يحق لأي أحد أن يتخذ من خلاله موقفاً معادياً، فلكلٍّ حقه الطبيعي في اعتناق أي معتقد أو فكرٍ يراه صائباً.

وأكد الشيخ الصفّار أن هذه المسألة هي المشكلة الكأداء التي يُعاني منها المسلمون اليوم، حيث يُلوّث الكثيرون نفوسهم بأحقادٍ وضغائن تجاه إخوانهم المسلمين، لا لشيء سوى تلك الانطباعات السلبية التي أوغرت في قلوبهم.

وأبدى أسفه وانزعاجه من انحدار بعض العلماء الكبار لهذا المستنقع القذر، في حين كان مؤملاً من العلماء أن يكون لهم دورٌ في تأليف قلوب المسلمين، والدفع باتجاه الوحدة والتعايش.

وأضاف: إننا في الوقت الذي نشيد بمواقف العلماء ودورهم في إنهاض الأمة، ومن بينهم الشيخ القرضاوي، لكننا نستغرب كثيراً من صدور تلك التصريحات الجارحة التي يقول فيها بأن أكثر الشيعة يقولون بتحريف القرآن، مما يعني زرع الانطباعات السلبية في نفوس المسلمين تجاه بعضهم البعض، ومؤداه الأخير هو الحقد الذي سيلوّث القلوب.

وأكد الشيخ الصفّار عدم رغبته في الدخول في سجال عقيم، لكنه في الوقت ذاته يدعو الشيخ القرضاوي إلى أن يُصحح هذا الانطباع السلبي الذي أعلنه، وأن ينظر بعين العقل، فهؤلاء مراجع الشيعة وعلماؤهم في كل مكان، فهل يدلنا القرضاوي على واحد منهم يقول بتحريف القرآن؟!

مضيفاً: نأمل من الشيخ القرضاوي أن يُعيد النظر فيما صدر منه، وأن لا يكون مصرّا على ما قاله، فهذا شهر الله الأعظم، شهر العفو والرحمة، فلتكن النفوس فيه صافيةً مستجيبةً لنداء الله تعالى، بعيدةً عن موجبات الحقد وتلويث النفوس المستوجبة لحجب المغفرة والرحمة من تعالى.

وأثنى الشيخ الصفار على جريدة الرياض التي اعتذرت عن نشر تلك التصريحات وحذفتها من طبعاتها التالية، ونشرت اعتذاراً وتنويهاً في صفحتها الأولى في اليوم التالي، والاعتراف بالخطأ فضيلة. وقال: اننا نقدر لرئاسة تحرير جريدة الرياض هذا الموقف الواعي والحرص على الوحدة الوطنية والإسلامية.

واختتم الخطبة بالتأكيد على ما بدأ به من ضرورة تصفية النفوس من الأحقاد، ففي ذلك راحة للقلب، يقول الإمام علي : ((من اطّرح الحقد استراح قلبه ولبّه))، ويؤكد الإمام علي أن الحقد ليس من طباع الأخيار، فعنه : ((الحقد من طبايع الأشرار)).

الخطبة الثانية

أكد الشيخ الصفّار في الخطبة الثانية أن آياتٍ كثيرةً في القرآن الكريم تدعو الإنسان للتفكر في أنظمة الكون، وأسرار الطبيعة، لكي يُدرك عظمة الله تعالى، ولكي يكتشف أسرار الكون فيُسخّرها لخدمته وخدمة الحياة. يقول تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت، 19-20)، ويقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (ق، 6-7)، ويقول تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (الغاشية، 17-20).

مؤكداً أن هذه الآيات القرآنية وأمثالها موجهةٌ لجميع الناس، لكل إنسان يُدرك أنه بعقله يستطيع أن يكتشف بعضاً من أسرار الحياة والكون.

مضيفاً: يُفترض في هذه الأمة التي تحمل هذا الدستور العظيم أن تكون رائدة الأمم في اكتشاف أغوار الحياة والكون، وقد كانت كذلك حينما اتّجهت إلى التأمل والتفكّر في آيات الله تعالى، فكان لها السبق في تقديم نظريات اتخذها العلماء الغربيون أرضية لأبحاثهم وتجاربهم واكتشافاتهم. ولكن الأمة عندما تراجعت عن هذا المنهج القويم، واتجهت نحو اهتمامات هامشية، تراجعت قوّتها وأصبحت في آخر الركب، بعد أن كانت رائدة فيه.

وهذا ما حذّر منه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب حيث قال: ((الله الله في القرآن لا يسبقكم للعمل به غيركم)).

وأبدى الشيخ الصفار أسفه على أن التحذير الذي أطلقه الإمام علي هو ما حصل بالفعل، فتأخرت الأمة الإسلامية، وتقدّم علماء الحضارات الأخرى فابدعو باكتشافاتهم لأسرار الكون والحياة، وقدموا للبشرية أروع الإنجازات، التي نعيش اليوم في ظلّها.

وأثنى الشيخ الصفّار على الحدث العلمي الكبير الذي أطلقه العلماء الأوربيون بالقرب من جنيف، حيث يُجرون أكبر تجربة عرفتها البشرية لمعرفة "بداية الخلق"، ويسعى العلماء في مركز سيرن، المشروع الاوروبي لبحوث الذرة البالغ من العمر 54 عاما، الى الوقوف على اسرار "المادة السوداء" و "الطاقة السوداء"، والابعاد الاخرى، وغيرها من الامور ذات الاهمية الاساسية في معرفة كيفية بدء الكون وتشكله الى ما هو عليه الآن. ويقول روبرت ايمار المدير الفرنسي لمركز سيرن انه "ستتغير نظرتنا الى العالم، ومهما كانت الاكتشافات التي سنخرج بها فالخلاصة ان ذلك سيزيد ادراك البشرية بشكل كبير من فهمنا لاصول الكون ونشأته".

ويهدف المشروع لكشف أسرار المادة والكون وبداية الخلق، وذلك في إطار أكبر مشروع علمي عرفته البشرية واستغرق حتى الآن قرابة عشرين عاما في محاولة لمحاكاة نظرية "الانفجار العظيم".

وبدأ علماء فيزياء دوليون في مجمع "سيرن" البالغ الاتساع والذي يقع تحت الارض بالقرب من مدينة جنيف السويسرية في اطلاق المشروع للوقوف على الكيفية التي تشكل وابتدأ بها الكون، وكيف تكونت الحياة في هذا الكون، بناء على النظرية التي يعتقد معظم علماء الفيزياء في العالم انها الاقرب، افتراضيا، الى ما حدث بالفعل.

وجرت التجربة يوم الأربعاء 10 ديسمبر 2008م على الحدود السويسرية الفرنسية حيث تم الإعداد لها على مدى سنوات، حيث تم إطلاق مئات الملايين من بروتونات الذرة وجزيئاتها في نفق دائري بطول 27 كلم وعمق 100 متر تحت الأرض بسرعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العلم.

وينتج عن هذا كله ستمائة مليون تصادم بين الجزيئات في الثانية الواحدة, ويؤدي كل واحد منها إلى انشطار آلاف الأجزاء من الجزيئات والتي يتم تسجيلها ورصدها تمهيدا للتعرف عليها.

 وتبلغ تكلفة المعجل التصادمي ثلاثة مليارات يورو, وسيبدأ تشغيله رسميا يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وأكد الشيخ الصفار أنه في الوقت الذي نفرح بهذه التجارب والإنجازات باعتبارها مكسباً حقيقياً للبشرية، إلا أننا نحزن أن هذا الدور سبقنا إليه الآخرون، وليس لنا مساهمة فيه. في حين كان من المفترض أن تكون هذه الأمة هي السبّاقة لمثل هذه الإنجازات العظيمة.

وأعرب في ختام خطبته عن أمله بأن يُوجّه العلماء هذه الإنجازات فيما يخدم البشرية، ويُطوّر حياتها، لا أن يتّجهوا بها نحو أسلحة الدمار الشامل التي لن يجني منها العالم سوى الدمار والخراب.

وقال ان على المسلمين ان يدعو الله تعالى في مساجدهم وصلواتهم لانجاح التجارب العلمية التي تخدم الإنسانية وتظهر عظمة الخالق جلّ وعلا.

والحمد لله رب العالمين