الشيخ الصفار يُدين الاعتداءات المتبادلة للمواقع الإلكترونية بين السنة والشيعة

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان

أدان سماحة الشيخ الصفار الإعتداءات المتبادلة بين المواقع الإلكترونية بين السنة والشيعة، فهي تُضيّع الجهود، وتشغل الأمة عن القضية الأهم. ودعا العلماء البارزين وذوي التأثير في المجتمع لإدانة هذه المعركة وإصدار فتاوى صريحة تُحرّم هذا العدوان بين الطرفين.

من جانب آخر أبدى الشيخ الصفار قلقه على شريحة الشباب فهم الأكثر اهتماماً بهذه التقنية الحديثة، وبدل أن توجّه طاقاتهم وقدراتهم وإبداعاتهم في الطريق السليم وما يخدم الأمة، ترى أن بعض الجهات توجههم للتطرف وتجعلهم وقوداً للصراعات.

وفي سياقٍ آخر هنأ المصلين بعيد الفطر المجيد، مؤكداً على ضرورة الاهتمام بجانب إشاعة البهجة والسرور في المجتمع، وخصوصاً في مناسبات الأعياد، وأن تكون في المجتمع برامج ترفيهية لإدخال السرور في النفوس، وبدرجة أكبر في نفوس الأطفال، مضيفاً أن طبيعة الحياة فيها ما يُسبب الحزن، وأن إشاعة البهجة من أهم العوامل لتجاوز هذه الحالة، إضافةً إلى الوعي بطبيعة الحياة، والثقة بالله تعالى والرضا بما كتبه للإنسان، مستحضراً قبساتٍ مشرقة من سيرة الرسول وأئمة الهدى في هذا الجانب المهم.

الافتتاحية

الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وأفاض علينا الوجود والنعم، ووهبنا البيان، وعلّمنا بالقلم، وجعلنا بالإسلام خير الأمم.

ونشهد أن لا إله إلا الله هو الخالق والرازق لا غيره، وهو المهيمن والمتصرف لا سواه، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيءٍ قدير.

ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بخير شريعة وأفضل دين، وجعله رحمةً للعالمين، وخاتماً للأنبياء والمرسلين.

اللهم صلّ عليه وآله بأفضل صلواتك، وبارك عليه وآله بأعظم بركاتك، وشفّعه فينا لنيل غفرانك والفوز بجنانك.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله والحذر من الانسياق خلف الشهوات والأهواء، فإن عاقبة الانقياد لها هو الخسران والشقاء.

الخطبة الأولى

هنّا الشيخ الصفار المصلين والأمة الإسلامية بعيد الفطر المجيد، وبدأ حديثه في خطبة الجمعة 3 شوال 1429هـ (3 أكتوبر 2008م) بالإشارة إلى أن حياة المؤمنين في الآخرة تملؤها البهجة والسرور، بعد أن أذهب الله عن قلوبهم الحزن، فلا حُزن في الجنة ولا نكد. وهذا ما تؤكده الآيات القرآنية، يقول تعالى: ﴿وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَنَ إنّ ربَّنا لغفورٌ شكور (فاطر، 34).

وأكد أن طبيعة الحياة الدنيا تُسبب موجبات الحُزن، فقد تُعوّق بعض رغبات الإنسان فيها، وقد يُواجه الإنسان الكثير من العقبات التي بدورها تُؤثر في نفسه، وتوجد الحزن والألم.

مشيراً أن البعض يستسلم مع حالة الحزن فيُعوّق بذلك مسيرته في الحياة، بينما هناك من يتجاوز هذه الحالة ليُمارس حياته بإرادة قوية، وعزيمة ثاقبة. وقد ورد عن أئمة الهدى كلماتٌ يؤكدون فيها ذمّ الحُزن، فعن الإمام علي أنه قال: ((الحزن شيّن الخلق))، وقال : ((الحزن يهدم الجسد)). وقال الإمام الصادق : ((الأحزان أسقام القلوب، كما أن الأمراض أسقام الأبدان)).

وعن السبيل لتجاوز حالة الحزن أكد الشيخ الصفار أنه يلزم الإنسان أن يعي ويتعرف طبيعة الحياة فهي بطبيعتها تُسبب موجبات الحزن، وقد ورد عن الإمام علي أنه قال: ((الدهر يومان: يومٌ لك ويومٌ عليك، فإن كان لك فلا تبطر، وإن كان عليك فلا تضجر)).

ومن ناحية ثانية على الإنسان أن يكون واثقاً من ربه راضياً بما كتب الله تعالى له، يقول الرسول الأكرم : ((إن الله بحكمه وفضله جعل الرّوح والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهمّ والحزن في الشكّ والسخط)).

ومن ناحية ثالثة أن يتحصن الإنسان بالإرادة القوية، وبالصبر، والاهتمام بالمستقبل، وقد جاء من كلمات أمير المؤمنين أنه قال: ((اطرد عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين)). وقال : ((لا تشعر قلبك الهمّ على ما فات، فيشغلك عن الاستعداد لما هو آت)).

وأشار الشيخ الصفار إلى بعض السلوكيات التي من شأنها أن تُساعد الإنسان على مواجهة الحزن، ومن تجلب له السعادة، ومنها: أن يُحيط الإنسان نفسه بمظاهر البهجة والسرور، لما لذلك من أثر في إراحة النفس، وفي كلمات أهل البيت ما يُشير إلى ذلك، فعن الإمام علي أنه قال: ((غسل الثياب يُذهب بالهم والحزن))، وقال الإمام الصادق : ((من وجد همّاً فلا يدري ما هو فليغسل رأسه))، وقال : ((شكى نبي من الأنبياء إلى الله الغمّ فأمره بأكل العنب)).

وأكد أن الإنسان المؤمن يحمل حزنه في قلبه، فقد ورد عن المعصومين : ((المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه)).

وأضاف الشيخ الصفار أن مناسبات الفرح التي شرّعها الإسلام، كالأعياد، فإنها بطبيعتها تُوجد الفرح والسرور في نفس الإنسان، والسرور بالتأكيد يُذهب الحزن والألم، فقد ورد عن الإمام علي أنه قال: السرور يبسط النفس، ويُثير النشاط، والغم يقبض النفس، ويطوي الانبساط)).

مشيراً أن في تراث أهل البيت الكثير من الأحاديث والرويات التي تُشجّع على إشاعة البهجة والسرور في نفوس المؤمنين، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: ((من سرّ مؤمناً فقد سرّني، ومن سرّني فقد سرّ الله))، وعنه : ((من أدخل على مؤمنٍ فرحاً فقد أدخل عليّ فرحاً)). وعن الإمام الصادق أنه قال: ((إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدمه أمامه، كلما رأى هولاً من أهوال يوم القيامة قال له: لا تجزع ولا تحزن. فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا السرور الذي كنت أدخلته على أخيك المؤمن)).

وأكد الشيخ الصفار على ضرورة الاهتمام بهذا الجانب من إشاعة البهجة والسرور في المجتمع، وخصوصاً في مناسبات الأعياد، وأن تكون في المجتمع برامج ترفيهية لإدخال السرور في النفوس، وبدرجة أكبر في نفوس الأطفال، وقد ورد التأكيد على ذلك في أحاديث المصطفى حيث قال: ((إن في الجنة داراً يُقال لها دار الفرح، لا يدخلها إلا من فرّح الصبيان)).

وأضاف: إن مختلف الدول ترصد ميزانيات من أجل الإهتمام بمظاهر البهجة والسرور، كالحدائق الغنّاء، والمنتزهات الترفيهية، والسينماءات، مؤكداً أن مجتمعنا يحتاج إلى توفّر مثل هذه الأمور، لأن ضآلة وجودها أو انعدام بعضها يُسبب الاحتقان والذي مع الوقت يتحول إلى مظاهر سلبية، أو في أدنى صوره إلى أمراض وعقد نفسية.

واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالإشارة إلى أن رسول الله في سيرته العطرة وكذلك الأئمة كانوا يُمارسون دور إشاعة البهجة والسرور، وكان يستغلون المواقف المناسب لذلك، كل ذلك من أجل التأكيد على هذا الجانب المهم، فقد ورد عن رسول الله قوله: ((إني لأمزح، ولا أقول إلا حقّاً)). وقد سأل أحد أصحاب الإمام الكاظم عن المزاح، فقال : ((لا بأس ما لم يكن –أي لم يُخالطه- إثم. ثم قال : ((إن رسول الله كان يأتيه الأعرابي فيُهدي له الهدية ثمّ يقول: أعطنا ثمن هديّتنا. فيضحك رسول الله . وكان إذا اغتم يقول: ما فعل الأعرابي ليته أتانا)). وعن يونس الشيباني قال: قال لي أبو عبد الله : كيف مداعبة بعضكم بعضاً؟ قلت: قليلاً. قال: هلا تفعلوا، فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك، وقد كان النبي يُداعب الرجل يُريد به أن يُسره)).

الخطبة الثانية

أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية على ضرورة أن يستشعر الإنسان رقابة الله تعالى عليه، وأنه سيُحاسبه يوم القيامة على أفعاله. ويأتي الاعتداء على حقوق الآخرين من أهم موجبات العقاب يوم القيامة، فالله تعالى لا يُحب هذه السلوكيات، يقول تعالى: ﴿ولا تعتدوا إن الله لا يُحب المعتدين. إضافةً لذلك فإن الأحاديث الواردة عن رسول الله تؤكد على سمةٍ أساسية ينبغي أن يتصف بها الإنسان المسلم، وهي أن يكون مسالماً ويسلم الناس منه، فعن رسول الله أنه قال: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))، وقال الإمام الصادق : المسلم من سلم الناس من يده ولسانه. والمؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم)).

وأكد الشيخ الصفّار أن الأوساط الدينية من باب أولى أن تسودها العلاقات المسالمة، إلا أن الواقع في بعض صوره يكشف عكس ذلك، حيث أن بعض الأوساط الدينية يستحلون حرمات بعضهم بعضاً لمجرد أنهم يختلفون في التوجه أو الأفكار أو المذهب، محذراً أن ذلك من موجبات عذاب الله تعالى، إضافةً إلى أن ذلك يشغل الأوساط الدينية ببعضها، مما يشغلهم عن القضايا المصيرية التي تُحيط بالأمة، وبالتالي قد يصدق عليهم قول الله تعالى: ﴿بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى، ذلك بأنهم قومٌ لا يعقلون. مضيفاً أن هذا الواقع يكس صورةً مشوّهة عن الأوساط الدينية.

وأشار إلى أن التطورات التكنولوجية الحديثة وسّعت من مدى حقوق الناس، فأصبح هناك مواقع إلكترونية يستفيد منها الناس لنشر نتاجهم الفكري والمعرفي على مستوى واسع من العالم، مضيفاً: كان يُفترض في هذه التقنية الحديثة أن تكون وسيلة أساسية لتبادل المعارف، والتعارف بين الأوساط الدينية، وأن تكون ساحة مفتوحة للحوار والنقاش الهادف والبنّاء، وأن تكون هذه التقنية وسيلة مهمة تستثمرها الأوساط الدينية في خدمة مبادئهم وقضاياهم الرئيسة، ونشر رسالتهم في الحياة.

وأبدى الشيخ الصفار استياءه من بعض مظاهر الواقع الذي أفرز حالات من العداء المتبادل باستخدام هذه التقنية الحديثة، مما غيّر أسلوب التفاعل معها والاستفادة منها. وأكد أن الاصطفاف الطائفي كان وراء هذه الاعتداءات، مما جعل من الشبكة العنكبوتية ساحة للحروب والمنازعات بأشكالٍ متعددة، ومن أبرز مظاهر ذلك:

أولاً- التراشق بالتهم والسباب عبر حوارات وجدليات عقيمة، في حين أن هذا الأسلوب لا يتناسب والدعوة إلى الحق، وليس من أبجديات صفات المتدينين، يقول تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن.

ثانياً- الهجوم المتبادل على المواقع الإلكترونية، وهو لونٌ من ألوان الصراع الحديث، بين الأوساط الدينية.

وأضاف: وقد قامت بعض العناصر المتطرفة من الأوساط السنية بالهجوم على عدد كبير من المواقع الشيعية والسيطرة عليها، حوالي (300) موقع، وفي المقابل وكرد فعل قامت بعض الجماعات الشيعية بالرد على هذا الاعتداء باعتداء مثله، حيث شنّوا هجوماً على (900) موقع سني وسيطروا عليها.

وأكد الشيخ الصفار إدانته لهذه المعركة بين الطرفين، فهي تُضيّع الجهود، وتشغل الأمة عن القضية الأهم. مشيراً أن هذه النزاعات لا تقتصر على الجهات المعادية فيما بينها، وإنما تطال الأبرياء ومن ليسوا ضمن دائرة الصراع، وهذا ما تُحذرنا منه آيات القرآن الحكيم، يقول تعالى: ﴿واتّقوا فتةً لا تُصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة.

ودعا الشيخ الصفار العلماء البارزين وذوي التأثير في المجتمع لإدانة هذه المعركة وإصدار فتاوى صريحة تُحرّم هذا العدوان بين الطرفين.

وأكد أن هذه الحالة هي نتيجة لحالة التعبئة التي يُمارسها بعض الجهات، مبدياً قلقه على شريحة الشباب الذين يرون أن بعضاً من كبار العلماء وممن يُعوّل عليهم لإنهاض الجيل الشاب ينزلقون في مستنقع التعبئة والفتنة. مؤكداً أن الجيل الشاب هو الضحية حيث أن هذه الممارسات يقوم بها شباب فهم الأكثر اهتماماً بهذه التقنية الحديثة، وبدل أن توجّه طاقاتهم وقدراتهم وإبداعاتهم في الطريق السليم وما يخدم الأمة، ترى أن بعض الجهات تستغل ذلك من أجل تحقيق مصالح زائفة، وتوجه الشباب للتطرف ليكونوا وقوداً للصراعات.

ودعا الشيخ الصفار في ختام خطبته للعودة إلى الله تعالى، وإلى نبع الإسلام الأصيل، مؤكداً مسؤولية المجتمع أمام الله تعالى لما يجري على ساحة المواقع الإلكترونية، ويأتي دور العلماء والمتصدين للشأن العام في المرتبة الأولى، مؤكداً أن على الجميع أن يتّقوا الله في الشباب والجيل الناشئ، وأن يأخذوا بأيديهم لطريق الهدى ولخدمة القضايا المصيرية، لا أن ينزلقوا بهم في وحل المهاترات.

والحمد لله رب العالمين