الشيخ آل سيف يُحذّر من تنامي الأزمة المالية، ويدعو لإلتزام التشريع الاقتصادي الإسلامي

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان


حذر فضيلة الشيخ فوزي آل سيف من تنامي الأزمة المالية العالمية، التي يُتابع نتائجها وأخبارها العالم بمجمله. ورداً على أؤلائك الذين يظنون أن هذه الأزمة لا تمت لهم بصلة، أكد الشيخ السيف على ضرورة الاستفادة من كل ما يحدث حولنا من تجارب ناجحةٍ أو فاشلة، من أجل أخذ العبرة والعظة. مضيفاً: إن الاقتصاد العالمي اليوم مترابط كترابط أجزاء الدم في جسم الإنسان. ونتيجةً لذلك فإن هذه الأزمة إن لم تكن قد أثّرت عليها فإن آثارها ستصل إلينا، ولذا ينبغي أخذ الحذر والحيطة من ذلك.


وأكد في خطبة الجمعة 17 شوال 1429هـ (17 أكتوبر 2008م) في حسينية الإمام الرضا بالقطيف، أن الأحداث العالمية التي تعصف بالاقتصاد العالمي تزيدنا ثقةً بأن التشريع الإسلامي هو الخيار الوحيد القادر على تجاوز كل المشاكل العالمية، فقد اتجه العالم نحو الاشتراكية لعقود طويلةٍ من الزمن، حتى سقطت الاشتراكية، وجرّب الرأس مالية لعقود من الزمن، وها هو اليوم يرتطم بجدار الخيبة.


ملفتاً النظر أن الله تعالى يُريد للأمة أن تنتهج صبغة الله تعالى في جميع أحوالها، لا أن تنتهج المناهج الوضعية التي وضعها الإنسان ليبتعد عن تشريعات الله تعالى. يقول تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (البقرة، 138).
وأشار الشيخ آل سيف إلى بعض المعاني الأخلاقية مقارناً بين النهج الرأس المالي والنهج الإسلامي، في التعاطي مع الإقتصاد وتيسير أمور الناس:


أولاً- المجتمع الغربي الرأسمالي يعتمد في حياته الاقتصادية على عدة أمور:


• الاستهلاك والتفاخر والتكاثر، وإن اقتضى ذلك الأمر أن يغرق في مستنقع الديون.


• تأسيس المؤسسات المالية التي تُسهّل الاقتراض وتُسوّق له.

• هذه القروض بالطبع لا تكون وفق الشرع الإسلامي، وإنما هي تنتهج النهج الربوي بمختلف مقاييسه.


والنتيجة كما يُؤكدها الشيخ آل سيف:


• يتورط الإنسان بوقوعه في مستنقع التباهي والاستهلاك والتكاثر والتفاخر.


• تُصنع للإنسان حاجات غير حقيقية من جهة، وغير قادر على تلبيتها من جهةٍ أخر إلا عن طريق الديون.


• اقناع هذا الإنسان بالقروض لكي تربح تلك الشركات والمؤسسات الرأسمالية.


• وبكل تأكيد هذه القروض ربوية.3


ثانياً- المجتمع الإسلامي الذي يطبق صبغة الله تعالى في جميع شؤون حياته، يعيش وفق الضوابط التالية:


• الدعوة للقناعة والاقتصاد، فشخصية الإنسان ومكانته لا تتحدد بمظاهره، وإنما تتحدد بما يختزنه من فضائل الأخلاق، ومحاسن الصفات. وقد سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن تفسير قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (النحل، 97)، قال : هي القناعة. وقال النبي الأكرم : ((ما عال من اقتصد))، والاقتصاد: هو التوسط والاعتدال.


• التأكيد على كراهية الاستدانة والاقتراض، وتخف هذه الكراهة بقدر شدة الضرورة.


• عدم جواز الربا لا أخذاً ولا إعطاءً، ولذلك جاء في الحديث: ((درهم ربا أشد عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم)).


• الإسلام يبني نظامه على أساس قول الله تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة، 280).


• وأخيراً فإن الإسلام يُعطي للمغبون فرصة فسخ العقد، بعكس الأحكام الوضعية التي تُشهر شعار: القانون لا يحمي المغفلين.


وأكد الشيخ آل سيف أن الإنزلاق في مستنقع الديون مصيبة كبيرة، يحكي عنها أمير المؤمنين بقوله: ((إياكم والدَّيْن فإنه مذّلةٌ بالنهار، مهمّةٌ بالليل، وقضاءٌ في الدنيا، وقضاءٌ في الآخرة)). ملفتاً نظر أؤلائك الذين يظنون بأنهم إذا أفلتوا من يد العدالة في الدنيا فضيّعوا حقوق الآخرين فيها، أنهم ناجون من حكم الله تعالى في الآخرة، مؤكداً لهم أنهم مخطئون، يقول تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (الفجر، 14).


واختتم الشيخ آل سيف الخطبة بالتوجيه إلى الاستفادة مما يحدث على مستوى العالم، وأن يعود الإنسان لذاته، ويدرس إمكانياته، ويعيش حياته على أساس القناعة والاقتصاد، وليس على أساس التكاثر والتفاخر والتباهي، فذلك مما نهى الله تعالى عنه، يقول تعالى: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (التكاثر، 1-8).

الخطبة الثانية:
 


استكمالا للحديث في الخطبة الأولى فقد تعرض سماحة الشيخ آل سيف في الخطبة الثانية إلى جانب من الأزمة المالية العالمية التي حدثت في أمريكا ـ مع تأكيده على أن القضية أشد تعقيدا وتشابكا من هذا الحديث وتحتاج إلى دراسات وخبراء.
داعيا سماحته: أن تتحول أموال المسلمين إلى عمل إنتاجي في منحى من مناحي المجتمع بدلا من أن يختار أصحاب المال الطريق السهل في ظنهم، والذي يفوت على المجتمع التنمية، كما قد يفوت على رب المال رأسماله كما حصل في الأزمة السابقة للأسهم وما هو حاصل اليوم .

والحمد لله رب العالمين