السيد العوامي ثقة بالنفس واهتمام بالشأن العام

الشيخ الصفار يشارك في تكريم السيد حسن العوامي

مكتب الشيخ حسن الصفار

بعد ستة عقود من العطاء الاجتماعي، كرّمت لجان أهلية في محافظة القطيف، مساء أول من أمس، الوجيه الاجتماعي السيد حسن السيد باقر العوامي، في احتفالية، أقامتها «ديوانية القطيف»، تحت شعار «العوامي في وجدان الوطن»، وفاءً لعطائه الاجتماعي والوطني في مجالات عدة وذلك مساء الأحد 28 رمضان/ 1429هـ 28سبتمبر 2008م.

وشهد المهرجان الذي أُقيم في مزرعة رجل الأعمال جمال البيات، حضور حشد كبير من علماء المنطقة ومثقفيها، واشتركت أكثر من 25 جهة اجتماعية وثقافية ورياضية مختلفة في تكريم العوامي، نظير إسهاماته المختلفة في خدمة الوطن في شكل عام.

وتحدث العوامي أثناء تكريمه قائلاً: «لم يكن بودي أن يكون هذا التكريم لي، إلا أن الأخوة في ديوانية القطيف أصروا على ذلك، فلبينا دعوتكم، ووافقنا على وذلك، لأن التكريم له نواحٍ إيجابية، فربما يساهم في تحفيز الآخرين على العمل الخيري والاجتماعي»، مناشداً الجميع «التعاون على عمل الخير».

رغم صلابته وقوة شخصيته كان رقيق القلب، غزير الدمعة

وأكد «الحاجة الماسة إلى إنشاء مجلس أو جهة رسمية لهذا الأمر، تكون بمثابة القبة التي تجمع الشباب والمخلصين من أبناء المحافظة، للقيام بالأعمال الخيرية والاجتماعية، التي تساهم في رقي المنطقة». واستعرض العوامي في كلمته عدداً من الأمور التي تعلقت بتاريخه الاجتماعي، ممثلاً في تعدد الأجيال والشخصيات التي عمل معها خلال العقود السبعة الماضية.

تحدث في المهرجان عدد من شخصيات محافظة القطيف، هم الشيخ حسن الصفار، والكاتب نجيب الخنيزي، وعضو مجلس الشورى محمد رضا نصر الله، وعضو مجلس المنطقة الشرقية المهندس علي الملا، والمهندس الشيخ حسين البيات، وعصام الشماسي، ورجل الأعمال عبد الحميد المطوع.

وفي ختام الحفل قدم سماحة الشيخ الصفار هدية تذكارية للسيد العوامي.

فيما يلي نص كلمة سماحة الشيخ الصفار

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته
 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
 بسم الله الرحمن الرحيم
 والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين

إنها لحظة وفاء رائعة تأخرت كثيراً ولكنها جاءت في هذه الليلة المباركة، جزا الله من زفّها لنا، وللوطن خير الجزاء.


 هذا الرجل الذي نكرمه هذه الليلة، عالم رحب من الصفات الطيبة، يمكن للإنسان أن يتحدث عن كل جانب من جوانب

شخصيته ساعات طويلة، إنه رجل الثقافة والفكر والمعرفة، طول حياته لم يترك الكتاب يوماً، ولم يترك القلم يوماً، يقرأ ويكتب ويتابع، ويهتم بمتابعة التطورات الفكرية والمعرفية، وهو رجل في طليعة المتصدين لقضايا مجتمعه ووطنه، لم يسأم ولم ييأس ولم يسيطر الإحباط على قلبه، رغم الصعوبات والعقبات وتقلب الظروف والأوضاع..

وهو رجل رغم صلابته وقوة شخصيته؛ رقيق القلب، غزير الدمعة، ما عليك إلا أن تراه وهو في المأتم حينما يسمع شيئاً من سيرة أهل البيت ، وكم رأيته وهو يهتز حزناً وألماً حينما يسمع بعض المقاطع من الشعر. مرة كان الخطيب يردّد هذا البيت:


هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب   كالصافحين ببدر عن أسيركم


وإذا بالرجل قد دخل في عالم آخر من البكاء ومن التفاعل والانفعال، وكذلك حينما يسمع عن حاجة محتاج، أو مرض مريض، حتى أن البعض حاولوا أن يستغلوا هذه الرقة في قلبه فيقصدونه ليوهموه بحاجتهم، ويتفاعل مع أيّ قضية محتاج تطرح عليه، وفي بعض الأحيان يقال له: سيدنا هذه القضية تحتاج إلى بحث ودراسة حالة وتأكد، ولكن رقة قلبه تغلب في مثل هذه المواقف.


لا أريد أن استرسل في الحديث فالوقت محدود، لكنني أودّ التركيز على مفردة أراها مهمة من مفردات تصديه للشأن العام، الشأن العام الذي يحتاج أن نعمل لتوسيع رقعة الاهتمام به، هذا الرجل اهتم بالشأن العام، واهتمامه له مفردات عديدة منها: التصدي، والمبادرة، وتنسيق الجهود، وتوحيد الصفوف باتجاه خدمة الحقوق والقضايا المشتركة، لكنني أشير هنا إلى مفردة مهمة وهي قديم الرأي تكوين الرأي والتعبير عن الرأي، مجتمعاتنا في حاجة ماسّة إلى الرأي، إلى الرأي الناقد، إلى الرأي الإصلاحي، إلى الرأي المرشد لمسار حركة المجتمع، قسم من الناس يستصغر نفسه، لا يرى نفسه أهلاً لكي يصنع رأيًّا، أو يبدي رأيًّا، وقسم من الناس يخشى من تبعات إبداء الرأي، لأن المجتمعات الساكنة، التي تعاني من مشاكل التخلف والحصار والقمع والكبت؛ عادة ما يكون الرأي فيها مكلفاً له ثمن باهظ، قد يكون ذلك من جهة سياسية ترفض وجود رأي آخر يحفز الناس للمطالبة بحقوقهم أو لتغيير واقعهم، وقد يكون من جهة اجتماعية نافذة ورأي سائد مسيطر يرفض أي رأي آخر مخالف.


هذا الرجل استعد لدفع الثمن كان ممتلئاً ثقة بنفسه، انطلاقاً من ثقته بربه ودينه وحق تكريم السيد العواميمجتمعه المشروع، ولذلك ما كان يرى نفسه أقل من أن يبدي الرأي حول القضايا الكبيرة، ليست المحلية فقط، وليست في محيطه الاجتماعي فقط، لو قرأنا الحلقة الثالثة من حلقاته (من وحي القلم) لرأينا عدداً من الرسائل وجهها للمراجع العظام، ولإدارة الحوزات العلمية، وغالباً ما يتوقف الكثيرون حتى لو رأوا أن هناك سبباً للنقد أو إبداء الرأي يتهيب أن يقدم رأيه أمام ساحة المرجع، أو المرجعية أو قيادة الحوزة ظناً منه أنه أقل من أن يبدي رأيًّا، وفي الواقع إن أية قيادة مخلصة تريد من الناس أن يبدوا آراءهم، وتستفيد من آراء الناس، الرسول الأعظم نبينا محمد  يقول لأصحابه دائماً وأبداً: (أشيروا علي) إنه لم يخصص مجموعة من أهل الحلّ والعقد، إنما كان يخاطب المسلمين جميعاً في المسجد (أشيروا علي)، ومن كان من الأصحاب حول رسول الله  لم يكونوا كلهم عباقرة أو جهابذة، كان فيهم من له مقام وفضل ومعرفة، ولكن الغالبية وخاصة إذا أخذنا مسألة الزمن بعين الاعتبار، كانوا في مستوى بسيط أو عادي، وورد عن الإمام علي بن موسى الرضا أنه كان يتحدث عن أبيه الإمام موسى الكاظم قال: كان له رأي يوازي الجبال، كان له عقل يوازي الجبال، ولكنه ربما طلب المشورة من خادم من خدمه، أو اسود من سودانه، فيقال له: يا بن رسول الله أنت تطلب الرأي من مثل هذا؟ قال: وما يدريكم لعل الله يفتح على لسانه.

 

كان يعبر عن رأيه ويقدم النصح دون وجل

 إذن هذا الرجل ما كان يجد غضاضة في أن يكتب رسائل ناقدة ينقد فيها بعض ما يراه محتاجاً إلى الإصلاح ويعبّر عن رأيه أمام المراجع العظام، وأمام العلماء والقيادات الكبيرة، وهذا ما ينبغي أن يكون، نحن جزء من هذه الطائفة، من هذا المذهب، وبالتالي لا بدّ وأن نسهم أيضاً في ترشيد المسار، لا نعتبر أنفسنا مجرد جهة تابعة، أو جهة غير قادرة على أن تعطي وأن تقدم، نحن أيضاً كغيرنا، قادرون على أن نقدم فكرة و نقدم رأيًّا، وكذلك رسائله إلى المسؤولين في البلاد، التي يتحدث فيها بقوة وبكل صراحة ووضوح عن نقده لأوضاع التمييز الطائفي، وعن المشاكل التي يعاني منها أبناء المجتمع، وقد دفع ضريبة من أجل ذلك، وهو قرير العين، سعيد النفس، بما قدّم لوطنه ومجتمعه، وكذلك إلى مختلف الشرائح في المجتمع، رسائله إلى الخطباء، في كل مناسبة يبعث برسائل إلى الخطباء، ينقد فيها بعض التوجهات، ويؤكد على بعض الأمور التي يرى ضرورة تناولها وطرحها، حينما يطرح الإنسان رأيًّا ليس بالضرورة أن يكون رأيه صحيحاً، قد يكون رأيه صحيحاً، وقد يحتاج إلى تطوير، لكن المسألة المهمة هي مسالة إبداء الرأي، مجتمعاتنا إبداء الرأي فيها أصبح جريمة، أصبح ذنباً، وهو من أهم معوقات تقدم هذه المجتمعات، بينما نجد أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: ولَيْسَ امْرُؤٌ وإِنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ وتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللَّهُ مِنْ حَقِّهِ ولا امْرُؤٌ وإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ واقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ.

 

إبداء الرأي أمر مشروع

وهو الطريق لتقدم المجتمع وإصلاح أوضاعه، وأمير المؤمنين الذي قال هذا ما كان ينزعج من الرأي المضاد، وما كان ينزعج من الرأي المخالف، بل كان يرفض أن يتعامل مع الرأي كجريمة. بعد واقعة النهروان بعض أصحاب الإمام جاءوا له بشخص اسمه أبو العيزار الطائي قالوا: يا أمير المؤمنين هذا يرى رأي الخوارج ويبشر به، قال: وما اصنع به؟


قالوا : اقتله يا أمير المؤمنين.


قال: كيف اقتله ولم يخرج عليّ؟


قالوا: اسجنه يا أمير المؤمنين.


قال: كيف اسجنه ولم يرتكب جناية؟


قالوا: فما نصنع به يا أمير المؤمنين؟


قال: اتركوه، خلوا سبيله.


لأن إبداء الرأي ليس جرماً، ولأن الواثق من نفسه ومن موقفه، لا يخاف من إبداء الرأي الآخر؛ بل يستقبله برحابة صدر، ويناقشه ويستفيد منه، وإذا كان الرأي الآخر خطأ فإن الناس والعقول ستدرك ذلك الخطأ.

نسأل الله أن يحفظ هذا السيد الكريم النبيل، وأن يطيل في عمره، وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يوفقه للمزيد من العطاء في خدمة الوطن والمجتمع، فلا زلنا ولا زال المجتمع والوطن في حاجة إلى عطائه، وإلى آرائه..

واسأل الله تعالى أن يوفق جميع المتصدين لخدمة المجتمع والوطن..

واشكر الإخوة الأعزاء في ديوانية القطيف على هذه المبادرة الرائعة، واللفتة الكريمة.

حفظ الله الجميع، ووفق الله الجميع لكل خير، والحمد لله رب العالمين..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.