سماحة الشيخ الصفّار يذكّر بخصائص الإمام علي (ع) وان سيرته حاجة العصر

مكتب الشيخ حسن الصفار حسين منصور الشيخ

بافتتاحه بآية المباهلة، أشار سماحة الشيخ حسن الصفّار ـ في ثاني ليالي شهر محرّم لهذا العام 1430ﻫ في مجلس الشيخ  محمد صالح المبارك في القطيف ـ إلى القيمة والمكاسب الشخصية والاعتبارية للقرب من العظماء والقادة التاريخيين الذين يقع رسول الله محمد في مقدّمتهم وعلى رأسهم، فأشار إلى ما اكتسبه أصحاب رسول الله من مكانة اجتماعية لقربهم منه، وكذلك ما اكتسبه البعض منهم على المستوى الشخصي والإنساني، حيث يقع الإمام علي على رأس هؤلاء الذين كان لقربهم من الرسول إضافة نوعية بما كانوا يتمتّعون به من قابليات تَتَنَمَّى بهذا القرب وتسمو به.

ثم بدأ سماحته باستعراض لأهم خصائص ومناقب الإمام علي ، فذكر أن من أهمها القرب من رسول الله، وهذا ما تصرّح به آية المباهلة التي عدّت الإمام علي نفس الرسول ، ومنها تربيته في بيت الرسول ، ومن ثَمّ ملازمته الرسول إلى أن قبض رسول الله وهو في صدره . وأشار إلى أن من بين أهم خصائص الإمام علي التزامه الكبير بتعاليم الرسول التي لم يكن ليحيد عنها قيد أنملة، فكانت سياسته ومنهجه في الحكم والسلطة أنموذجًا ما أشدّ ما تحتاجه البشرية اليوم. إذ سلّط الضوء على قيمة العدالة الاجتماعية التي مارسها علي في حكمه، وهي قيمة تفتقدها معظم الأنظمة الحاكمة اليوم، ولا أقل في الممارسة الفعلية من قبل القادة السياسيين الذين تغلب عليهم الحالة الشخصية والحزبية على حساب الإخلاص لمصلحة الجماعة والأمة. وفي هذه النقطة عقّب بالإشارة إلى منهج العزّة في الدفاع عن الأمة الذي كان يدعو إليه ، وكذلك إلى نهج التنمية الاجتماعية التي مارسها أيام حكمه، فما أصبح في الكوفة محتاج أو فقير.

وقد رتّب سماحة الشيخ الصفّار حديثه في محاور ثلاثة، هي:

المحور الأول: قيمة القرب من رسول الله

إذ بيّن أن اقتراب الإنسان من أي عظيم يكسبه لونين من المكاسب، هما:

مكاسب ذاتية تتمثّل في استفادته من إيجابيات ذلك العظيم، فيستفيد من تجاربه الحياتية وسلوكه الشخصي ومن تحصيله العلمي والفكري، ومن إخلاصه لمبادئه وقيمه، وهو أمر مرغوب تدعو إليه التعاليم الدينية، إذ تدعو إلى الاقتراب من الصالحين والعلماء وصحبتهم للاستفادة من نميرهم وعطائهم وصلاحهم.

ومكاسب اعتبارية، فيكون لصاحب العظيم والقائد موقعية مميّزة في وسطه ومحيطه الاجتماعي، فلحب الناس وتقديرهم لهذا العظيم أو ذاك القائد يحترمون ويقدّرون أصحابه والمحيطين به، ولذا تدعو الروايات الإنسان إلى احترام وتقدير الابن لأصحاب أبيه ومواصلتهم، احترامًا منه وتقديرًا لأبيه.

وفي هذه النقطة تعرّض إلى المكانة التي يحتلّها أصحاب رسول الله عند المسلمين، وذلك لصحبتهم للرسول، وهو أعظم خلق الله قدرًا ومكانة، مشيرًا إلى أن هذه الصحبة يكتسب منها الأصحاب البعدين ذاتهما: الشخصي والاعتباري، مشدِّدًا على أن الاستفادة في بعدها الأول تتفاوت من شخصية إلى أخرى، فكل صحابي له استعدادات تختلف عن الآخر، وهي طبيعة اجتماعية إنسانية عامّة، ولا تخصّ مجتمع الصحابة فقط، إذ ليس من المعقول أن يكون الصحابة ـ الذين بلغ عددهم في بعض المصادر إلى أكثر من مئة ألف صحابي ـ يكونون على المستوى الفكري والاستعداد النفسي والسلوك العملي نفسه، فكل إنسان منهم له استعداداته الخاصّة التي تختلف عن الآخر، معضّدًا هذه الفكرة بما يعرضه القرآن من أن بعض المحيطين بالرسول كانوا غير صادقين في ايمانهم، يقول تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ[1] .

مستدرِكًا سماحته ـ في هذه النقطة ـ أن الأصل هو أن لصحبة الرسول والقرب منه فضلاً لا يجاريه فضل، حيث تحدث القرآن الكريم عن جهاد الصحابة ودورهم في نصرة النبي واظهار الدعوة، وأثنى عليهم الامام علي في بعض خطبه، وخصص لهم الامام زين العابدين دعاءً في الصحيفة السجادية في الصلاة على اصحاب الرسل وخاصة اصحاب النبي ، ولذلك ليس من الصحيح ما يثار حول الشيعة من اتخاذهم موقفًا سلبيًّا حول الصحابة، موضحًا بأن الشيعة يختلفون عن جمهور أهل السنّة في أنهم لا يرون أن صحبة الرسول كافية للاقرار بعدالة كل المنتمين إليها، وإلا فإن كثيرًا من الصحابة كانوا من أنصار أهل البيت، فمن شهد مع الإمام علي صفّين من البدريين ما بين 70 و80، وممن شهد بيعة الرضوان 800 ومن سائر الصحابة 400، وفي تاريخ مروج الذهب للمسعودي ورد بأن جميع من شهد من الصحابة مع علي في صفّين 2800، ومن شارك منهم في جيش معاوية لا يتجاوز أصابع اليد.

ثمّ انطلق سماحة الشيخ الصفّار من هذه النقطة لبيان السبب الذي يجعل المسلمين يكنّون الحبّ والمودّة لأهل البيت ، وذلك لقربهم من رسول الله قرابة النسب، وكذلك لتوارثهم علوم الشريعة إمامًا بعد إمام، فجمعوا بذلك بين الانتماء النسبي والسببي.

المحور الثاني: خصائص الإمام علي

في هذا المحور ركّز سماحة الشيخ حسن حديثه في ذكر بعض أهم خصائص الإمام علي بن أبي طالب فأشار إلى أنه الصحابي الذي تحصّل على القرابة الخصيصة من رسول الله ، فلم يدانيه فيها أحد من المسلمين من مجايليه، ولعل خير شاهد على ذلك ما تشير إليه آية المباهلة، إذ تعبّر بِـ (أنفسنا وأنفسكم)، فوصفت الإمام علي بأنه نفس الرسول ، ولا دلالة أوضح من هذه الدلالة في أن عليًّا أقرب الناس لمحمد .

ومما يوضح القرابة أن عليًّا تربّى في كنف الرسول من صغره حينما تكفّل بتربيته تخفيفًا عن أبيه أبي طالب ، فتربّى على خلق وطباع وهدي النبي منذ صغره، وكان أول من آمن بدعوته واستعدّ لنصرته في نشرها وتحمّل أعبائها، فلازمه في جميع مراحل هذه الدعوة، إلى أن انتقل رسول الله من هذه الدنيا ورأسه على صدره، مشيرًا سماحته إلى قول علي : «لقد قبض رسول الله وإن رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله والملائكة أعواني .. فمن ذا أحق به مني حيًّا وميّتًا».

وهناك العديد من الأحاديث التي يرويها الطرفان من السنّة والشيعة في فضل ومكانة عليّ من رسول الله، إذ ورد في صحيح البخاري أن رسول الله قال: «يا علي، أنا منك وأنت منّي».

كما أن الجميع يروي حادثة خروج النبي لمعركة تبوك، عندما خلّف النبي على المدينة المنورة الإمام علي ، إذ رغب الإمام بالالتحاق بالنبي، فأخبره رسول الله بقوله: «أما ترضى بأن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى الا أنه لا نبوة بعدي».

المحور الثالث: الإمام علي حاجة العصر

في محور المحاضرة الأخير أشار سماحته إلى أن الإمام علي لقربه وصحبته الملازمة لرسول الله كان أشدّ الصحابة والمسلمين التزامًا بمنهجه وسيرته، ولذلك تعدّ أيام حكمه وتوليه أمور المسلمين من أنصع اللحظات التاريخية التي مرّت على المسلمين، وذلك لما تقيّد به أمير المؤمنين من قيم وتعاليم الإسلام، وأهمها ما جاءت به الديانات السماوية، وهو إقامة العدالة الاجتماعية، ذلك أن أهم ما تحتاجه البشرية طوال تاريخها هو العدل، وأهم خطر يداهمها هو الظلم والجور، وإننا اليوم نعيش في نظام عالمي يفتقد أدنى مقوّمات العدالة، إذ تسيطر خمس دول (أمريكا، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا والصين) على أي قرار يصدر عن أهم المؤسّسات الدولية، وهو مجلس الأمن الدولي، وذلك بما تملكه هذه الدول من حق النقض (الفيتو) حيث يستغل هذا الحق في اضاعة مصالح الشعوب.

بينما كان علي يطبّق مبدأ العدالة بين الجميع، ما جعل الكاتب المسيحي الشهير جورج جرداق يصف عليًّا بأنه صوت العدالة الإنسانية وذلك عنوان كتابه الذي يقع في خمسة اجزاء..

وفي هذه النقطة استعرض سماحة الشيخ الصفّار العديد من النصوص الواردة عن الإمام علي في الأمر بإقامة العدل ورفع الظلم، منها الأحاديث التالية:

* العدل أساس به قوام العالم.

* العدل جنّة الدول.

* بالعدل تتضاعف البركات.

* العدل يصلح الرعيّة.

* العدل نظام الأمر.

* ما عمرت البلاد بمثل العدل.

* العدل حياة.

كما ورد عنه : «أَ تَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ واللهِ لا أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَمِيرٌ ومَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً لَوْ كَانَ الْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ الله أَلا وإِنَّ إِعْطَاءَ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وإِسْرَافٌ وهُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي الدُّنْيَا ويَضَعُهُ فِي الآخِرَةِ ويُكْرِمُهُ فِي النَّاسِ ويُهِينُهُ عِنْدَ اللهِ ولَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ولا عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلا حَرَمَهُ اللهُ شُكْرَهُمْ وكَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ فَإِنْ زَلَّتْ بِهِ النَّعْلُ يَوْماً فَاحْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ فَشَرُّ خَلِيلٍ وأَلأمُ خَدِينٍ».

وقد أشار سماحته إلى أن المسلمين بحاجة ماسة إلى استحضار التجربة العلوية في ممارسة الحكم والسلطة، وذلك للنهوض بمجتمعاتها ولتحقيق جانب كبير من الكرامة الإنسانية لمواطنيها، وبالخصوص ما تمتلكه هذه التجربة من خصائص حضارية عالية، فبالإضافة إلى التزام الإمام علي بقيمة ومبدأ العدالة الاجتماعية، كان يتحلى أسلوبه في الحكم والإدارة بمنهج العزّة في الدفاع عن الأمة ومصالحها، فلم يكن ليقبل بمظاهر إخلال الأمن التي كانت تحدث في بعض مناطق سلطته، فها هو يقول: «أَلا وإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً ونَهَاراً وسِرّاً وإِعْلاناً وقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ ومُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الأوْطَانُ وهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الأنْبَارَ وقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وَقَلائِدَهَا ورُعُثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلا بِالاسْتِرْجَاعِ والاسْتِرْحَامِ»، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ ولا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ.

مندِّدًا بمواقف السلطات الحاكمة في البلاد الإسلامية الساكتة عمّا يجري هذه الأيام من مجازر بشعة في غزّة، من قبل فلول الصهاينة الغاصبين، مع ما تمتلكه الشعوب الإسلامية من مصادر قوّة وضغط.

خاتمًا حديثه عن القيمة الثالثة من القيم البارزة في ممارسة علي للسلطة والحكم، وهي: (التنمية الاجتماعية)، وهي النتيجة للقيمتين السابقتين، ذلك أن مبدأ العدالة والعزّة إذا ساد في المجتمع سيتمتّع أفراده بالتنمية الاجتماعية التي لا يعودون ـ معها ـ بحاجة إلى غيرهم، وهو ما يستفاد من قوله: «ما أصبح في الكوفة أحد إلا ناعمًا، وإنّ أدناهم منزلة ليأكل من البرّ، ويجلس في الظل، ويشرب من ماء الفرات». يعني توفر أهم متطلبات الحياة آنذاك الطعام المناسب (يأكل من البر)، والماء الصالح، والسكن المناسب (يجلس في الظل).

ثم عرج على ذكر سيرة سيد الشهداء الحسين بن علي وخروجه من مدينة جده رسول الله .

[1]  سورة التوبة، الآية: 101.