الشيخ الصفار في تكريم الشيخ الهديبي: المنبر الحسيني اليوم لم يعد خطابا محليا

مكتب الشيخ حسن الصفار الاحساء: عبدالباري الدخيل

طالب سماحة الشيخ حسن الصفار من الخطباء تطوير خطاب الوعظ وتقريب المعارف الدينية إلى عقول الشباب، مع لحاظ أن المنبر الحسيني اليوم لم يعد خطابا محليا بل أصبح عالميا يسمعه القاصي والداني، وذلك بفضل النقل الفضائي المباشر أحيانا للمحاضرات الحسينية، كما دعا الخطباء إلى اختيار أحسن الأساليب لعرض أفكار أهل البيت مستجيبين لقول الإمام الباقر : حببونا إلى الناس.

جاء ذلك في الحفل الذي أقيم مساء يوم الخميس 27/12/1429هـ الموافق 25/12/2008م في قرية المنصورة بالأحساء بمناسبة تكريم الشيخ حبيب إبراهيم الهديبي.

وقد بدأ سماحة الشيخ كلمته التي جاءت بعنوان: (الخطابة والخطيب.. قراءة في سيرة الشيخ الهديبي) بشكر  اصحاب المبادرة قائلا:

في البداية أودّ أن أعرب عن شكري وتقديري لهذه المبادرة الرائعة، والالتفاتة الكريمة بتقدير وتكريم رمز من رموز العلم، والدين، والعمل الاجتماعي في هذه المنطقة، وهو أخونا وعزيزنا سماحة الخطيب الشيخ حبيب الهديبي حفظه الله تعالى.

وجاء شكر سماحته اعتراضا على عادة سيئة حيث "تعودنا في مجتمعاتنا أن ننتظر رحيل رموزنا، وشخصياتنا حتى نعترف بقدرها، وقيمتها، ومكانتها، وذلك من عادة المجتمعات المتخلفة، أما الأمم الناهضة الواعية فهي التي تقدر عظمائها وشخصياتها ورموزها في حياتهم، حتى يكون ذلك حافزاً وباعثا لأجيالها على سلوك طريق العطاء".

وأشاد الشيخ الصفار بهذه المبادرة الرائعة، "فأن يكرم هذا الرجل الذي خدم الدين، وخدم المنبر المجتمع أكثر من أربعة عقود، وهو في أوج عطائه، فعادة الشركات أو المؤسسات تكرم بعض موظفيها والعاملين فيها عند التقاعد، ولكن من يعمل في هذه الشركة، وفي هذه التجارة الرابحة مع الله، فإنه لا تقاعد له، فإنما هو يعيش القيام الدائم لخدمة أهدافه المقدسة"، وقال سماحته: إننا نكرم شخصاً هو الآن في أوج ونشاطه وهو يستحق التكريم ويستحق التقدير فللإخوة الأعزاء ولكم جميعاً جزيل الشكر والامتنان على إقامتكم هذا المهرجان الرائع الذي يستحقه هذا الشيح وتستحقونه أنتم أيضاً بولائكم وإخلاصكم وطيب محتدكم حفظكم الله جميعاً.

ثم تحدث سماحة الشيخ عن منبر الشيخ الهديبي مستعرضا ثلاث سمات يعتقد سماحته أنها من ابرز الخصائص، وذكر أن أولها: الاستناد العلمي، فالشيخ الهديبي يمتلك خلفية علمية جيدة، حيث درس المقدمات، ودرس السطوح، والسطوح العالية، وحضر جلسات أبحاث الخارج على يد أستاذه أية الله الشيخ الهاجري رحمة الله عليه، وبالتالي فهو حينما يتناول أي موضوع في منبره إنما يستند فيه على خلفية علمية رصينة.

وذكر الشيخ الصفار أن السمة الثانية لخطابة الشيخ الهديبي هي: سعة الأفق، إذ أنه لا يتحدث عن القضايا الدينية والتاريخية التي يتناولها في إطارها المحدود، وإنما يتحدث عن أبعاد ما يتناول من قضايا، وعن ارتباطها بالمجتمع، والحياة المعاصرة، وعن أبعادها الثقافية المختلفة، فهناك أفق واسع في القضايا التي يتناولها في منبره.

وعن السمة الثالثة: الاعتدال في الطرح، قال سماحته: إن الشيخ حينما يطرح القضايا العقدية، والقضايا الفقهية والاجتماعية، إنه يتناولها باعتدال، لا إفراط ولا تفريط، لذلك نحن نجد في شخصيته وسيرته تجسيدا لهذا الاعتدال، فهو لم يتخذ مواقف متشنجة تجاه هذه الفكرة أو تلك، ولا تجاه هذا الشخص أو ذاك، أو هذه الجماعة أو تلك، بل كانت مواقفه موضوعية تتصف بالحكمة والاعتدال، وهذه سمة من سمات منبره جسدها في سلوكه وسيرته.

ثم تناول سماحة الشيخ الصفار موضوع المنبر الحسيني ووظيفته في واقعنا المعاصر حيث كانت مهمة هذا المنبر في بداياته البسيطة الأولى هي تعميق الولاء لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، بذكر فضائلهم، واستحضار مآسيهم، ومواقف العطاء التي عاشوها في حياتهم، ثم أضيفت إلى هذه المهمة مع مرور الوقت مهمة أخرى وهي: الوعظ والإرشاد، ونشر المعارف الدينية والإسلامية في أوساط المستمعين، وأكد سماحته أن لهذه المجالس والمنابر الحسينية في هذا العصر مهمة ثالثة، وهناك تطوير يجب أن يحصل في المهمتين السابقتين أيضا.

والمهمة الثالثة التي يرى سماحته أنها أضيفت للمنبر الحسيني هي: "رسم صورة مذهب أهل البيت، ومدرسة أهل البيت أمام الآخرين، أمام الرأي العام.

كان المنبر الحسيني في الماضي ضمن حدود مجتمعاتنا، وفي داخل أزقة قرانا ومناطقنا، لكنه اليوم أصبح صوتا يسمع في العالم كله، أصبح صورة ترى في الفضاء، وبالتالي فإن هذا المنبر يتحمل وظيفة كبيرة وعظيمة، وهي تقديم صورة لهذا المذهب ولهذه المدرسة أمام الناس، وأمام العالم اجمع، المنبر الآن لم يعد منبراً داخل القرية، أو المدينة، أو ضمن المنطقة، إنما أصبح يسمع في مختلف أرجاء العالم، وهذه نعمة نحمد الله عليها، والاستفادة من الوسائل المتطورة من الفضائيات، ووسائل الاتصال والإعلام هذه نعمة كبيرة".

وأشار سماحته إلى ما كان عليه الوضع في الماضي حيث "كنا نشكو أن صوتنا لا يسمع، وأن صورتنا لم ترسم على حقيقتها، وأن هناك تشويها لصورة هذا المذهب، ولواقع هذه الطائفة، وكانت الشكوى صحيحة، ولكن الآن لا عذر لنا فالمجال أصبح مفتوحاً أمامنا لكي يصل صوت المنبر، ويصل صوت هذه المدرسة الإلهية إلى كل مكان، ولكي يعرفنا الجميع على حقيقتنا، وعلى واقعنا، وتبقى المسؤولية مسؤوليتنا نحن، أي صورة نقدم عن أنفسنا للعالم؟ وأي شكل نقدم عن مذهبنا؟

إنها مهمة خطيرة، ويجب أن نأخذها بعين الاهتمام والاعتبار، خاصة وأن أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وجّهونا، وحذرونا كثيراً من أن نكون سبباً في تشويه صورتهم، قد تشوه صورة أهل البيت، وصورة مذهبهم من قبل أعدائهم والمناوئين لهم، ولكن الحذر الذي صدر من أهل البيت وهو موجه إلى شيعتهم، وإلى أتباعهم، ألا يكون أحد من الشيعة سببا في تشويه الصورة، روايات كثيرة وردت عن أهل البيت في هذا السياق: (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً)، كما ورد عن الإمام الصادق : (رحم الله عبداً استجر مودة الناس إلى نفسه والينا حببونا إلى الناس ولا تبغضونا إليهم قولوا لهم ما يعرفون وكفوا عن ما ينكرون)، وروايات كثيرة في هذا السياق، تحملنا المسؤولية في رسم الصورة الصحيحة والمشرقة، لمن كانوا هم مصدر الإشراق، ومصدر النور والعطاء في هذا الوجود، وهم آل بيت محمد صلوات الله وسلامه عليهم".

ثم تحدث سماحته عن مطلبين  يجد الخطيب نفسه في كثير من الأحيان بينهما، وهما: تلبية رغبة جمهوره، وفي بعض الأحيان هذا الجمهور تكون له متطلبات عاطفية، ومتطلبات خاصة من وحي البيئة التي يعيشها، والتراث الذي نشا عليه، ولكن هناك متطلبا آخر – أضاف سماحته - وهو المتطلب العالمي، الرأي العام الذي يشاهد ويسمع ويرى مجالسنا ومناسباتنا، ونحن الآن على أعتاب موسم عظيم هو موسم عاشوراء، نسال الله تعالى أن يبلغنا وإياكم له، وأن يوفقنا وإياكم للقيام بالواجب تجاهه، لذلك على الخطيب أن يأخذ هذه المهمة الخطيرة بعين الاعتبار، كل كلمة، كل فكرة، كل نص ينقل الآن فإنه لا يصل إلى مسامع الحاضرين في المجلس فقط، وإنما يسمعه العالم كله في مختلف المواقع، ومن مختلف التوجهات، لذلك يجب أن نتقي الله في سمعة أهل البيت، وفي سمعة المذهب، وألا تتغلب علينا التوجهات العاطفية، ومتطلبات الحالة الجماهيرية على حساب تقديم الصورة المشرقة النقية لهذه العترة النبوية الشريفة.

وأكد سماحة الشيخ أن هناك تطويرا في مهمتي (تعميق الولاء لأهل البيت، والوعظ ونشر المعارف الدينية)، فهذا التطور الذي حصل في الحياة، وثقافة الناس، يستلزم تطويراً في العرض والطرح.

وتساءل سماحته: كيف يقدم الخطيب؟ كيف يعمق الولاء لأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام؟

نحن الآن أمام تحدٍ كبير في داخلنا، لم تعد المشكلة أن نجيب على الإشكالات التي ترد أو التي تصدر من الآخرين على المذهب، وإنما في وسطنا، وبين أبنائنا وناشئتنا أصبحت هناك تساؤلات، هذه التساؤلات هي طبيعية لتطور معرفتهم، وانفتاحهم على ما يدور في العالم، ولوصول مختلف الآراء والأفكار إليهم، ويجب أن لا نقلق من وصول التساؤلات، وطرح الإشكالات من بعض أبناءنا على بعض القضايا المذهبية عندنا، هذا لا ينبغي أن يثير قلقنا، لأننا واثقون مما عندنا، هذه التساؤلات ينبغي أن تبعثنا، وأن تدفعنا لتقوية ما نطرح، وللبحث عن معالجة لهذه الإشكالات.

واستشهد سماحته بكلمة للشهيد آية الله الشيخ مطهري رحمة الله عليه، ففي احد كتبه عن الاجتهاد في الإسلام، وإحياء الفكر الديني، كان يشير إلى أنه ربما يتصور البعض منا بأنه ليست هناك إشكاليات، ولا تساؤلات، كل القضايا الدينية واضحة، بينما لا تزال هناك آلاف الألغاز لم تحل بعد في الفكر الإسلامي، وعلينا أن نجتهد في معالجتها وحلها، إن وجود تساؤلات عند بعض أبناءنا وشبابنا، لا ينبغي أن يثير القلق فينا، ولا ينبغي أن نواجهها بالقمع واتهام النوايا، وإنما علينا أن نواجهها بتوضيح المفاهيم الصحيحة، وبالإجابة على هذه التساؤلات بنفس الطريقة التي كان أئمتنا صلوات الله وسلامه عليهم يواجهون بها حتى الزنادقة، وحتى الملحدين، دون غضب، ودون انفعال وتشنج، وإنما برحابة صدر، وبالحكمة والموعظة الحسنة، إن علينا أن نطرح الآن فكر أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم عبر التخاطب مع عقول الجيل المعاصر، في مراحل سابقة كان يكفينا أن نتخاطب مع العاطفة لأن الناس آنذاك لم تكن قد تقدمت ولا اتسعت مداركهم، أما الآن لابد لنا أن نركز على الجانب العلمي والفكري من عطاء أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.

وختم الشيخ الصفار كلمته بطلب تطوير آخر في المهمة الثانية وهي الإرشاد والوعظ، إذ على الخطباء  أن يركزوا على الجوانب السلوكية، وقال: نحن الآن نواجه تحديّاً سلوكياً في أوساط أبناءنا وشبابنا، فيجب الالتفات إليه، ومحاولة علاجه.

الحفل الذي أقيم في حسينية الإمام الصادق، حضره حشد كبير من الأهالي، ورجال الدين وأكاديميين ومثقفين، بدأ بتلاوة آيات من الذكر الحكيم بصوت القارئ الأستاذ عبدالمجيد الحمدان، ثم ألقى الدكتور عبدالله محمد الوباري "كلمة الحسينية" رحب فيها بالحضور وأشاد بشخصية المحتفى به الشيخ الهديبي معرفاً بدوره وعطاءه.

ثم ألقى الشيخ حسن الصفار "الذي عودنا بأن يتحفنا بالعطاء والمشاركة الفعالة في المناسبات الدينية والاجتماعية، فخرجت كلماته من قلب مخلص ولسان صادق وهو غني عن التعريف ولا تحتاج كلماته إي تعليق فهو متألق في كل المناسبات" كما عبر عنه عريف الحفل.

ثم كلمة للدكتور السيد علي الحاجي الأستاذ في جامعة الملك سعود، وقصيدة للشاعر المتألق الأستاذ جاسم الصحيح، وألقى بعده السيد محمد رضا السلمان كلمة تناول فيها فكرة التكريم والحديث عن شخصية المحتفى به اجتماعيا.

صور: