الشيخ الصفار: نحن بحاجة إلى حالة جمعية تشاورية لاستراتيجيات خطاب المنبر الحسيني

مكتب الشيخ حسن الصفار إعداد / حسين زين الدين

قال سماحة الشيخ حسن الصفار: إنَّ إحياء الليالي العاشورائية التي عمرت أجواء المنطقة والمجتمع بشكل عام من خلال المجالس الخطابية والفعاليات المتنوعة، هي مظهر لفاعلية المجتمع الأهلي. وأنَّ هذه المناسبة وما تحمله من روح وتفاعل ولائي إيماني هو الذي جعل مثل هذا العمل مقدوراً ميسوراً وبلا كلفة، مشيراً إلى أنَّ إقبال الناس إلى هذه المجالس والفعاليات المختلفة (التبرع بالدم، مواكب العزاء، المعارض الفنية المتعددة...) هو إقبال عفوي ذاتي، لا تستخدم وسائل الدعاية والإعلام للحضور والتفاعل معها، مؤكداً على أنَّه نشاط أهلي يشارك فيه جميع أبناء المجتمع بشكل انسيابي.

جاء ذلك ضمن حوار مفتوح حول محاضراته وما حملته من أطروحات ثقافية واجتماعية لهذا العام،  مساء الأربعاء 17/1/1430 هـ بمكتب سماحته في القطيف.

 يقول الشيخ الصفار: إنَّ هذا العام تميز بمجيء العديد من الشخصيات من خارج المنطقة من دعاة ومثقفين وناشطين من إخواننا أهل السنة؛ حيث كان تفاعلهم تفاعلاً جيداً وملفتاً،مشيراً إلى إشادة الجميع بما رأوه من تنظيم وبرامج وأنشطة متنوعة، منبهرين لما وجدوه من كتب معروضة لم يروها في مناطق أخرى من حيث اجتماعها في مكان واحد وسهولة الوصول إليها.

وفي ذات السياق أشاد سماحته بجهود واهتمام بعض الإخوة والأخوات وما قاموا به من دعوة تلك الشخصيات لزيارة المنطقة والتعرف على برامجها وأنشطتها المتنوعة، موضحاً أنَّ  ما قاموا به ليس أمراً سهلاً كما يتصوره البعض، فقد نرى مجيء شخصيات من خارج المنطقة والمجتمع إلى المجالس الحسينية، لكن لا نعرف أنَّ هناك جهوداً بذلت من أجل ترتيب مجيء وحضور تلك الشخصيات، ملفتاً إلى حضور بعض الأكاديميات والمثقفات اللاتي حضرن من جدة والرياض ما كان لهن أن يحضرن لو لم يكن أحد قام بدعوتهن وترتيب الأمور لهن وعمل برامج وزيارات ولقاءات مع شخصيات اجتماعية وثقافية. داعياً إلى مضاعفة هذه الجهود؛ لأنَّ الكثيرين من خارج مجتمعنا قد يتصور أنَّ المناسبة مغلقة وصعبٌ عليه الحضور في مجتمع يعيش مناسباته الخاصة.

وحول اختياره للمواضيع قال الشيخ الصفار: كان ذلك على أساس ما شخصته من حاجة الساحة والمجتمع ومن خلال تشاوري الثنائي، وأغلبها تصب في المجال الاجتماعي والنهوض بالمجتمع، وتبقى المفردات والأطروحات الجانبية محل نقاش، موضحاً أنَّ هذا التشخيص - مع الأسف-  لا يزال شخصياً والذي عادة ما يكون مشوباً بالنقص ونقاط الضعف.

ورأى سماحته أنَّنا بحاجة إلى أن تكون - هناك - حالة جمعية تشاورية يشارك المعنيون بالشأن العام في المجتمع بآرائهم  في تحديد الأولويات وتقرير مفردات الخطاب التي ينبغي أن تكون في مثل هذه المناسبات والمواسم،  منوهاً إلى بعض المحاولات لجلسات تشاورية هنا وهناك إلا أنَّها لا تزال ضمن هذا المستوى المحدود.

ويؤكد على أنَّه لم تتشكل - إلى الآن - حالة جمعية تقوم على وضع استراتيجيات أو صنع برنامج لما ينبغي أن تكون عليه المحاضرات والخطابات.

وحول تعدد الخطابات وتنوعها أرجع سماحته ذلك  إلى تفاوت مستويات واهتمامات الخطباء وإلى طبيعة الأجواء التي يعيشها كل خطيب، بالإضافة إلى اختلاف اهتمامات الشرائح الاجتماعية والثقافية، مضيفاً إلى أنَّ هذا الاختلاف والتنوع في الخطابات له أثر في إثراء الساحة و المجتمع.

ثم ترك سماحته المجال للحضور بالمداخلات والأسئلة، والتي بدأها مدير الجلسة  الأستاذ عبد الباري الدخيل  بسؤال حول دور المستمع في الخطابة وتحمله المسؤولية، أجاب  الشيخ الصفار بقوله: بالنسبة للمستمع ينبغي أن يكون دوره في ثلاثة مستويات: ما قبل الاستماع ويتمثل في التشاور الثنائي وتوجيه الخطباء نحو القضايا التي يراها مهمة، وفي هذا الصدد أشاد سماحته بمبادرات السيد حسن العوامي لكتابته الرسائل للعلماء والخطباء قبل بداية شهر محرم من كل عام،  يذكر فيها مرئياته وما يراه مناسباً من المواضيع التي يجب أن تطرح وتناقش.مشيرًا إلى محاولات بعض الإخوة من الشباب في الاتصال وإبداء أرائهم حول المواضيع التي يرونها مهمة..

أما المستوى الثاني: هو  أثناء الاستماع إذ ينبغي عليه التركيز والملاحظة ولا يكون حضوره لمجرد البركة، ويرى الشيخ الصفار أنَّ وجود أشخاص يسجلون بعض النقاط المهمة أثناء الخطاب في مجتمعنا قليلة، فينبغي للمستمع الواعي تسجيل الآراء والأفكار،  وثم بلورتها، والنظر إليها بأفق واسع مع تطويرها، دون التركيز على الأمثلة، والانشغال بها عن جوهر الأفكار الأساسية، ودعا إلى تبني هذه الحالة والتشجيع لها.

أما الدور الثالث: ما بعد الاستماع من خلال تحفيز وتشجيع الخطيب، وتنبيهه إلى بعض النقاط الهامة في المواضيع والتي يراها جديرة بالتركيز والاهتمام، بالإضافة إلى حالة النقد من خلال توصيله بعض الملاحظات للخطيب.

وفي رده على  مداخلة للأستاذ السيد حسن الحاجي حول غياب آليات التنفيذ لتحويل تلك المحاضرات من واقع نظري إلى عملي، قال سماحته: هذا الكلام صحيح، نحن على المنبر نتحدث عن بعض القضايا ولا نتحدث عن آليات لتنفيذ المشاريع والمقترحات على المستوى الاجتماعي، مبيناً سبب غياب ذلك بقوله: إنَّنا نستطيع أن نشير وندفع باتجاه بعض الآليات، أمَّا الحديث الذي يأخذ شكلاً تفصيلياً للتنفيذ والتطبيق فهذا  أمر قد يصعب طرحه أمام شريحة جماهيرية عامة، ويكون ممكناً إذا كان أمام  نخبة أو شريحة معينة.

ورأى أنَّ ذكر بعض الآليات والحديث عنها قد تختلف من مكان لآخر، وقد تكون قابلة للأخذ والرد والنقاش، كذلك وضع المجالس لدينا لا تستوعب ولا تتحمل مثل هذه الحالة، إلا أنني أوافقك بالإشارة والدفع باتجاه آليات التنفيذ.

فيما كانت مداخلة الأستاذ زكي البحارنة حول إتاحة الفرصة بعد المحاضرة للنقاش وإبداء الآراء  فيما جاء في المحاضرة، أجاب الشيخ الصفار بقوله: هذا الأمر جيد، ولكن يبدو لي أنَّ  أغلب الناس خاصة في شهر محرم مرتبطين بمختلف المجالس، ورأى أن إبقاء الناس لمدة نصف ساعة بعد انتهاء المحاضرة قد لا يكون برنامجاً ناجحاً خاصة في شهر محرم، مضيفاً إلى أن أصحاب  الحسينيات يخشون من أن تطرح أشياء لا يرونها مناسبة بالنسبة لوضعهم فتحملهم مسؤولية.

وقال الشيخ الصفار ردا على مداخلة الأستاذ إسماعيل الجنبي حول إنشاء معهد يساهم في تطوير قدرات وإمكانيات الخطباء: كانت هناك مساعي لتحقيق ذلك لكن أوقفتنا بعض العوائق، وعلى هذا الصعيد أشار إلى بعض المبادرات في العراق ولبنان والبحرين تناولت أولويات المنبر وأساسيات الخطاب وما يهم المناسبة في كل عام، يدعى _ قبل وبعد شهر محرم – كبار العلماء والخطباء والمعنيين بشؤون الفكر والمنبر الحسيني إلى مؤتمرات وندوات تقدم من خلالها التوصيات والتوجيهات، ملفتاً إلى أنَّ المجال مفتوح لجميع العلماء والخطباء للحضور والمشاركة في هذه المؤتمرات.

وفي إجابته على سؤال للأستاذ محمد المدن: هل تنقصنا قيادة في المجتمع؟ في إشارة إلى المحاضرة التي ألقاها سماحته عن الدور التغييري  الذي حققه الإمام موسى الصدر قال  الشيخ الصفار: إنَّنا عادة ننظر إلى المجتمعات في الفصل الأخير من كتابة تجربتها دون النظر في الفصول التي قبلها، ويرى أنَّ القيادة تفرزها التطورات والظروف في المجتمع، وأنَّ القيادة لا تصدر بمرسوم ولا يقررها قرار، أو أنَّ شخصاً يقرر هو أن يكون قيادة، أو جماعة تقرر لنفسها بأن تكون هي قيادة، ويضيف إنَّ بروز القيادات في المجتمعات يأتي من خلال تراكم تاريخي، مشيراً أنَّ مجتمعنا لا يملك تراكماً تاريخياً بحيث يبرز لنا قيادة في مجتمعنا، مبرراً ذلك بأنَّ مجتمعنا لا زال حديث عهد، ولا يوجد عندنا نشاط ثقافي سياسي تاريخي يمتد لأكثر من عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن، وطالب أن نعطي مجتمعنا وقتاً في بناء الكفاءات والقيادات وأن نشجع كل المبادرات والجهود التي تصرف من أجل تحقيق ذلك.

فيما كان السؤال الثاني لنفس السائل حول آراء الشيخ كاشف الغطاء، حيث بيَّن أنَّ لدى الشيخ آراء جريئة في المسائل الفقهية والعقدية، موضحاً أنَّه لم يكن يرى أنَّ الوقت مناسباً لطرحها على المنبر، مفسراً سبب ذلك إلى أنَّ البعض يصور طرحك لرأي عالم كأنَّك تتبنى هذه الآراء، ملفتاً لبعض الآراء التي تؤخذ على المرجع السيد فضل الله، طرحها الشيخ  كاشف الغطاء.

من جهته أشاد الأستاذ عبد الباقي البصارى بمحاضرات سماحة الشيخ الصفار واصفا إياها بالمثالية بما احتوته من مواضيع قوية ربما تمت مناقشتها من قبل لكنها في هذا العام طرحت بشكل أقوى، وقد توجت بمحاضرة الليلة العاشرة التي كانت رائعة وتعد بألف محاضرة، كما شكر سماحة الشيخ على حضور قضية غزة في كل ليالي عاشوراء برغم غيابها عند الكثير من الخطباء.

هذا وقد وافق الأستاذ حسن علي الزاير الشيخ الصفار في رؤيته حول تحويل النظرية إلى تطبيق، وقال: قد لا نحتاج إلى ألف مجلس إذا استطعنا أن نحول النظرية إلى تطبيق فالمطلوب الكيف وليس الكم، وهذا ما أشار إليه الشيخ خلال بعض محاضراته.

وقد عبر ممثلو اللجان والأنشطة الاجتماعية والثقافية المشاركون في الجلسة عن خالص شكرهم وامتنانهم لسماحة الشيخ لإشادته بالجماعات الثقافية والفنية وبدورهم الكبير أثناء محاضراته لهذا العام، وكان من بينها جماعة الخط المستقيم لمكافحة المخدرات، وجماعة الخط العربي بالقطيف، وقطيف فريندز، وجائزة القطيف للإنجاز، إذ كان لسماحته العديد من المساهمات في تلك الجماعات. فيما  عبر الشيخ الصفار عن مشاعره تجاه هذه المجاميع، ودعا المجتمع إلى احتضانها وتشجيعها والتفاعل معها لتساهم في ارتقاء المجتمع والوطن.

كما طرحت أفكار أخرى ضمن مداخلات مختلفة لا تختص مباشرة بمحاضرات سماحة الشيخ، لكنها كانت عن الموسم العاشورائي عموما، كضيق بعض الحسينيات على الرواد، وضعف إدارة بعضها، كما تحدث بعض المداخلين عن مستوى وعي الحضور وتطور بعض الخطباء في الطرح والأسلوب، واستنكر آخرون ما يسمعونه من بعض الخطباء من قصص هي أقرب للخرافات والأساطير.

ولم يقتصر الحضور على الرجال، فقد كان للعنصر النسائي تواجدهم في هذا الحوار والمشاركة في إبداء أرائهن وملاحظاتهن، وعبرن عن مشاعرهن وشكرهن لسماحة الشيخ، وقالت إحداهن: "بالنسبة لي أنا اعتبر كل محاضرة من محاضرات الشيخ التي أحضرها درس في البرمجة النفسية والعصبية وأحرص على وجودي فيها".

و قدَّم سماحته شكره للإخوة الذين كان لهم دوراً في مساعدته في الإعداد للمحاضرات والتسجيل والتصوير والكتابة  وللقائمين على الحسينية.