الشيخ الصفار يرأس الجلسة الثانية لمؤتمر عاشوراء في بيروت

بدعوة من مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر في بيروت شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في أعمال مؤتمرها السنوي تحت عنوان «عاشوراء النص والوظيفة وإمكانيات التعبير» حيث ترأس الجلسة الثانية صباح يوم الخميس 3 صفر 1430هـ الموافق 29 يناير 2009م.

وقد افتتح المؤتمر مساء يوم الأربعاء في قاعة المركز الإسلامي الثقافي في مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك ببيروت، بمحاضرة لراعي المؤتمر العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، حضرها حشد كبير من ممثلي القيادات السياسية والطوائف والأحزاب اللبنانية، وعلماء الدين ورجال الثقافة والفكر، كما حضرت شخصيات من العراق والبحرين والكويت وسلطنة عمان والسعودية.

وتتابعت جلسات المؤتمر الثلاث في «قرية الساحة التراثية» صباح ومساء يوم الخميس، حيث ترأس الجلسة الأولى سماحة الشيخ نعيم قاسم، وترأس الجلسة الثانية سماحة الشيخ حسن الصفار، وترأس الجلسة الثالثة الدكتور وجيه فانوس.

وفي إفتتاحه للجلسة الثانية تحدث الشيخ الصفار عن ملامح النهج القرآني في الحديث عن الوقائع والأحداث التاريخية وفيما يلي نص كلمته الارتجالية:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله  الطاهرين وصحبه الطيبين نجدد الترحيب بكم في هذه الجلسة الثانية لهذا المؤتمر الذي نرجو أن نستفيد من الأبحاث والمداخلات التي تدور فيه واسمحوا لي أن أبدأ هذه الجلسة والتي هي تحت عنوان (عاشوراء الرمز والوظيفة) بحديث مختصر حول موضوعها:

تحدث القرآن الكريم عن حوادث ووقائع في حياة الأمم بشكل عام، وفي حياة الأنبياء والأولياء بشكل خاص، وحدد القرآن الكريم أهدافاً وغايات لتناوله لهذه الأحداث والوقائع، فهو ليس كتاب تاريخ، ولا سفراً يعنى بتراجم الأعلام والشخصيات التاريخية، لكنه كما حدّد لنفسه كتاب هداية للناس، لذلك حدّد أهدافاً لتناول تلك السير والوقائع التاريخية في حياة الأنبياء والأمم، ولعل من أبرز تلك الأهداف التي تحدث عنها القرآن الكريم ما يلي:

أولاً: أخذ العبر والاستفادة من تجارب السابقين حيث إن كل إنسان يأتي إلى هذه الحياة هو جديد عليها، فهو بحاجة للاستفادة من تجارب من سبقه، والتطور البشري قائم على تراكم التجارب في مختلف المجالات، لذلك يتحدث القرآن الكريم عن القصص والوقائع السابقة من أجل أخذ العبر والتجربة منها، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [سورة يوسف: الآية 111].

ثانياً: إثارة الفكر لمعرفة السنن الاجتماعية، ذلك أن المجتمعات الإنسانية تحكم حركتها وإيقاعاتها سنن ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [سورة فاطر: الآية 43] لا تتقدم أمة من الأمم عبثاً واعتباطاً، ولا تتخلف أمة من الأمم عن طريق الصدفة والاتفاق، إنما هناك معادلات وسنن تصنع واقع أي أمة من الأمم، لذلك حينما يتحدث القرآن الكريم عن بعض أخبار الأمم السالفة، وعن حياة بعض الأنبياء والأولياء، إنما يريد إثارة فكر الإنسان لمعرفة تلك السنن الاجتماعية يقول تعال ﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [سورة الأعراف: الآية 176].

ثالثاً: رفع المعنويات وشحذ الهمم وذلك في البعد النفسي، لأن الإنسان الفرد و المجتمع تواجهه أزمات ونكسات، ومصاعب وعوائق، فيحتاج إلى معنويات رفيعة، وإلى تطلع نفسي كبير، وإلى فضاء من الأمل والأفق الواسع، حتى يستطيع أن يواجه كل تلك المصاعب في طريق التقدم والتحدي في هذه الحياة، وحينما يتحدث القرآن الكريم عن أحوال الأنبياء وقصص الأولياء فذلك من أجل أن يعطي للإنسان المؤمن هذا الزخم من الأمل والمعنويات الرفيعة يقول تعالى: ﴿وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [سورة هود: الآية 120].

رابعاً: إبراز القدوات الصالحة: الحديث عن الأنبياء والأولياء والصالحين والمصلحين في التاريخ من أجل أن يكونوا قدوات  لمن يأتي بعدهم من الأجيال، ولذلك يركز القرآن الكريم في حديثه عن موضع الاقتداء ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: من الآية 90].

تبعاً لذلك فإن القرآن الكريم لا يستطرد في ذكر أخبار وأحوال جميع الأمم، وفي ذكر قصص ووقائع حياة  الأنبياء بشكل كامل ومفصل، فالأنبياء عدد كبير، والرسل عدد كبير، يقال إن عدد الأنبياء كما في بعض الروايات 124 ألف نبي وعدد الرسل 313 رسول، ولكن من ذكرت قصصهم في القرآن الكريم كان عدداً محدوداً لعلهم لا يزيدون على 26 نبياً، لماذا لم يتحدث القرآن الكريم عن قصص جميع الأنبياء، إنما تحدث عن قصص بعض الأنبياء فقط؟ يقول تعالى: ﴿وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء: الآية 164] كما أن القرآن الكريم حينما يتحدث عن قصص الأنبياء لا يتابعها من حيث الخوض في التفاصيل والجزئيات، إنما يبرز الدلالة الرمزية لكل قصة، ويتجه نحو الوظيفة التربوية والإرشادية التي يستفيد منها البشر، ويركّز عليها في تلك الوقائع والقصص، ولهذا حينما تجادل الناس حول بعض تفاصيل قصة أصحاب الكهف، أمر الله نبيه أن لا يشترك معهم في هذا الجدل، لأنه لا تأثير له، ولا فائدة أساسية ترجى منه، كانوا يتناقشون حول عدد أصحاب الكهف ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا [سورة الكهف: الآية 22] هذه النقاط يمكنها أن تشكّل لنا ملامح عن منهج القرآن في التعامل مع الأحداث والوقائع التاريخية.

وكربلاء في طليعة تلك الحوادث والوقائع في تاريخنا الإسلامي، فكيف نتعامل مع هذه الحادثة؟ كيف نتعامل مع حادثة عاشوراء؟

لا بدّ لنا أن نتعامل معها ضمن هذا المنهج القرآني، بالتركيز على الوظيفة التي تريد أن تقولها لنا حادثة عاشوراء، عبر أبطال هذه الحادثة، وهذه الواقعة المهمة العظيمة، وأن نركّز على ما ترمز إليه عاشوراء، وما تريد أن تدفع الأجيال إليه. في بعض الأحيان نجد هناك تساؤلات وخاصة في مطلع كل عام هجري، حيث يحتفي المسلمون الشيعة على وجه الخصوص بهذه الذكرى، نجد هناك من يتساءل عن جدوى هذا الاحتفاء؟  أو من يثير بعض الإشكالات على هذا الاحتفاء، ولسنا الآن في موضع النقاش، تلك وجهة نظر، ولكلّ الحق في أن يعبر عن وجهة نظره، لكننا نرى أن الاحتفاء بهذه الذكرى والحادثة إنما يستهدف الاستفادة منها تربويّاً وتوعويّاً، والاستفادة من هذه الذكرى له جذور نابعة من اهتمام رسول الله بهذه الحادثة قبل وقوعها بخمسين عاماً، إننا لا نجد حادثة اهتم به رسول الله قبل وقوعها وحدوثها كما هو الحال في اهتمامه بعاشوراء، تحدث عن بعض ما سيحدث وعن بعض ما سيقع في التاريخ المقبل لأمته، ولكنه لا يوجد أي نسبة بين حديثه عن تلك الأمور التي يمر بها مروراً، أو يتحدث عنها فقط في بعض الحالات المحدودة، وبين هذه  الحادثة التي كان يتحدث عنها في  مرات متكررة وبتفاعل، كان يبدي تفاعله مع هذه الحادثة التي لم تقع بعد.

من ناحية أخرى نحن نجد أن بعض من يحتفون بقضية عاشوراء يركّزون على بعض الجوانب والجزئيات والتفاصيل، ويبالغون في بعض الأمور على حساب الوظيفة الأساسية لهذه القضية، وعلى حساب الدلالات الرمزية.

أيها الإخوة والأخوات هذه الجلسة موضوعها الرئيس هو تناول عاشوراء في هذا البعد (عاشوراء الرمز والوظيفة) ويشاركنا في هذه الجلسة عدد من الباحثين والعلماء:

• سماحة الشيخ شفيق جرادي بحثه بعنوان (الدلالات الرمزية للثورة الحسينية).
• الأستاذ رفيق نصر الله بحثه بعنوان (شخصية البطل في إعلام عاشوراء).
• الأستاذ محمد محفوظ بحثه تحت عنوان (الوظيفة الثقافية والتربوية للثورة الحسينية).
• سماحة الشيخ نجف علي ميرزائي وعنوان بحثه (عاشوراء القضية الإسلامية الجامعة).

ومن الباحثين الذين شاركوا في المؤتمر بأبحاثهم: سماحة السيد محمد الترحيني، والدكتور ابراهيم بيضون، والأستاذ محمد محفوظ، والشيخ محمد سردرودي، والسيد محمد الحسيني، والشيخ شفيق جرادي، والأستاذ رفيق نصر الله، والشيخ نجف علي ميرزائي، والمخرج جواد الاسدي، والمخرج سايد كعدو، والأستاذ نايف كريم، والشيخ حسين الخشن.

لقاءات الشيخ الصفار في بيروت:

مع العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل اللهوقد استقبل العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله في منزله سماحة الشيخ حسن الصفار صباح يوم الأربعاء 28 يناير 2009م.

كما استقبل دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري سماحة الشيخ الصفار ظهر يوم الأربعاء بقصره في عين التينة.

وزار سماحة الشيخ الصفار مجمع الإمام الصادق الثقافي صباح يوم الثلاثاء 27 يناير حيث استقبله الأستاذ حامد الخفاف ممثل المرجع الأعلى السيد السيستاني، وأخذه في جولة على أقسام المجمع.

وقام الشيخ الصفار بزيارة سماحة الشيخ غالب العسيلي لتعزيته بوفاة والده سماحة الشيخ حسين العسيلي رحمه الله، كما التقى سماحة السيد هاني فحص، ولبى دعوة لزيارة مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي ظهر يوم الثلاثاء 27 يناير حيث استقبله سماحة الشيخ نجف علي ميرزائي وعرض له مشاريع المركز وانجازاته العلمية الفكرية، حيث اصدر المركز أكثر من ثمانين كتاباً ضمن أربع سلسلات:

- سلسلة الدراسات القرآنية
- سلسلة الدراسات الحضارية
- سلسلة الفكر الإيراني المعاصر
- سلسلة اعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي.

صور:

 مع دولة رئيس مجلس النواب نبيه بريمع الأستاذ حامد الخفاف ممثل المرجع الأعلى السيد السيستانيمع سماحة السيد هاني فحصمع سماحة الشيخ نجف علي ميرزائي