الشيخ الصفّار يستعرض موقف الإمام الرضا من الغلو والغلاة ويدعو الشباب لتحمل المسؤلية

مكتب الشيخ حسن الصفار حسین الشیخ

أشار سماحة الشيخ حسن الصفّار في خطبة الجمعة الأولى الموافق 17/ 02/ 1430ﻫ ـ 13/ 02/ 2009م إلى ما قام به الإمام الرضا من دور كبير في مواجهة الغلو والتطرّف لأن سنة النبي وأهل بيته لم تسلم من أيدي المتلاعبين، سواء عند الشيعة أو عند السنة، ما دعا العلماء من كلا الفريقين إلى وضع المؤلّفات العديدة في علمي الحديث والرجال التي احتوت على القواعد العلمية لتمحيص السنة من الأحاديث غير الصحيحة والضعيفة والموضوعة، داعيًا العلماء إلى التصدي إلى القيام بالعديد من الجهود لتنقية المصادر الإسلامية من مثل هذه الأحاديث، وبخاصّة ما يكون لها مدخلية في تكوين الشخصية الإسلامية، منتقدًا انحصار بذل الجهود في الروايات الفقهية.

وفي خطبته الثانية أشار سماحته إلى أن الإنسان خلقه الله مخيرًا في أفعاله وتصرفاته السلوكية، فيما لم يكن له الخيار في كثير من الأمور، التي من بينها مروره بهذه المراحل العمرية، مشيرًا إلى أن أهم تلك المراحل التي لا يودّ أي إنسان أن يفارقها، هي مرحلة الشباب، لأنها مرحلة العطاء والطاقة والقوّة والنشاط، مذكّرًا الحضور بأهمية استشعار هذه القيمة في هذه المرحلة، وداعيًا الجميع إلى استثمارها الاستثمار الخيّر والطيب، الذي يعود بالنفع والخير على الإنسان ومجتمعه ودينه ووطنه وأمته، وفي الوقت نفسه دعا أبناء المجتمع كافّة إلى التضامن مع طموحات وتطلّعات الشباب، وأن تكون مجتمعاتنا خير حاضن لطاقات هذه الفئة المهمّة والفاعلة، وذلك من خلال الدعم المادّي والمعنوي لجميع الأنشطة الشبابية الخيّرة الموجودة في المنطقة.

افتتاح

الحمد لله الذي جلّ بعزّته وكبريائه، وعلا بجلاله وقدرته، لا يحويه مكان، ولا يضمّه زمان، لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.

نحمده سبحانه على أن شرح قلوبنا للإيمان بربوبيته، وفطر عقولنا للإذعان بوحدانيته، ونشكره أن جعلنا ممن استجاب لدعوته، وهدانا لتصديق رسله.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو أن ننجو بها من النار، وننال بها الفوز بدخول الجنان.

ونشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، خير من تشرّفت به النبوة والرسالة، وأفضل من حمل لواء الإصلاح والهداية.

صل الله عليه وعلى آله النجوم الزاهرة، حملة القرآن، وحفّاظ السنة، وقادة الأمة إلى نهج الحقّ والصواب.

أوصيكم عباد الله ـ ونفسي ـ بتقوى الله التي لا تُنال إلا بجهاد النفس، ومخالفة الهوى، جعلنا الله ـ وإياكم ـ من السالكين لطريق الحقّ، والمتمسّكين بمنهج الصدق.

وبدأ حديثه في الخطبة الأولى عن الإمام الثامن من أئمة أهل البيت علي بن موسى الرضا ، مستحضرًا بعض وصاياه التي مثّلت ـ في عصرها ـ إحدى مفردات الدور الذي تميّز به ، حيث كان له دور بارز في محاربة موجة الغلوّ والتطرّف، فاستعرض ما رواه إبراهيم بن أبي محمود عنه أنه قال: «إن مخالفينا وضعوا أخبارًا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام، أحدها: الغلو، وثانيها: التقصير في أمرنا، وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلوّ فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا، وقد قال الله عزّ وجل: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ سورة الأنعام، الآية: 108، يا ابن أبي محمود، إذا أخذ الناس يمينًا وشمالاً، فالزم طريقتنا، فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه».

وفي معرض شرحه على هذه الرواية أشار الشيخ الصفّار إلى أن الروايات الواردة عن أهل البيت يتجه قسم كبير منها إلى تصحيح الأفكار والمفاهيم، فيما يتّجه القسم الآخر إلى بيان الأحكام الفقهية في العبادات والمعاملات، وهي الروايات التي يصرف فيها الفقهاء جهدًا كبيرًا، بخلاف ذلك القسم الأول، الذي لم يُعْنَ به العلماء كثيرًا من حيث التمحيص والتدقيق وفرز الصحيح والسقيم منه، فبقيت هذه الروايات في الكتب ومصادر الأحاديث، فأصبح المسلمون ينهلون منها دون وعي ومعرفة فاحصة، مما سبب العديد من المفاهيم المغلوطة المنتشرة في وسطنا الديني، ذلك أن العلماء لا ينحصر دورهم في تعليم الفقه ـ عباداتٍ ومعاملاتٍ ـ مع أنه دور مطلوب ومهم، فتوعية المجاميع الدينية وتثقيفها فكريًّا من المهمّات الأساسية للعلماء، وبخاصّة مع وجود العديد من النصوص المدسوسة في تراث أهل البيت ، التي تشكّل ـ بمجموعها ـ شكلاً من الانحراف عن خطّهم وهديهم .

مقسِّما دوافع هذه الظاهرة إلى دوافع خارجية يقوم بها أعداؤهم لتشويه سمعتهم، والتشويش على دورهم الرسالي الهادي إلى دين الحقّ، وقيم العدل، والانقياد إلى حكم الله وأسس دينه. وأخرى داخلية، تنشأ بفعل المصالح الشخصية أو الفئوية، وفي بعضها عن دوافع الترويج للدين بطرق خرقاء تضرّ الدين أكثر مما تنفعه.

مما دفع بالعديد من العلماء ـ سنة وشيعة ـ إلى تأليف الكتب العلمية حول وضع الأحاديث والوضّاعين من رواة الحديث، مستشهدًا سماحته بأن البخاري في صحيحه قد استقى أحاديثه البالغة 2761 حديثًا ـ بعد حذف المكرّر ـ من 600 ألف حديث، فيما استقى أبو داود في سننه 4800 حديث من 500 ألف حديث، وهي أرقام تدعو إلى التأمّل في كثرة ما وضع على رسول الله من أحاديث.

مذكِّرًا سماحته بأن أئمتنا كانوا ـ في حركتهم الرسالية ـ يقفون دائمًا حصنًا منيعًا أمام الانحرافات الفكرية والعقائدية، لأن بناء الفكر الصحيح والسليم هو أساس الشخصية الإسلامية القويمة، منبهًا إلى الدور الذي قام به الإمام الرضا في هذا الجانب، ممثِّلاً بعدّة أحاديث ذكرها مروية عنه ، مركّزًا الخطبة على الحديث المفتتح به، شارحًا بعض مفرداته، ذلك أن الأحاديث المروية عن أهل البيت كثيرًا ما دسّ فيها المخالفون لهم وذلك على أقسامٍ ثلاثة، فمنها ما تشتمل على مفاهيم ومفردات الغلوّ في الأئمة ، الذي يراد به إعطاؤهم بعض صفات الخالق عزّ وجلّ، وهو ما يتخذه المخالفون أداةً للتشنيع على الشيعة ومذهب أهل البيت، وهي توجّهات حاربوها ووقفوا ضدّ نشرها في وسط المسلمين، وقد استعرض سماحته بعضًا من هذه النماذج، وذلك مثلما روي في بعض الأخبار، دعا أحدهم أن يلبي الشيعة باسم الإمام الصادق ، فلما سمع ذلك، خرّ ساجدًا وألصق صدره بالأرض وبكى، وهو يقول: «بل عبدٌ لله، قِنٌّ، ذاخر» مرارًا كثيرة، ثم قال : يا مصادف، إن عيسى لو سكت عما قالت النصارى فيه لكان حقًّا على الله أن يُصِمَّ سمعه ويعمي بصره، ولو سكتُّ عما قال أبو الخطّاب، لكان حقًّا على الله أن يُصِمَّ سمعي وبصري.

وعن الإمام الرضا قوله: «الغلاة كفار، والمفوضة مشركون».

وقال أيضًا: «لعن الله الغلاة، أبرأ إلى الله منهم، برئ الله منهم».

وغيرها من النصوص الواردة عنهم في محاربة هذا الاتجاه الفكري داخل المجتمع الإسلامي.

ثمّ يعلّق سماحة الشيخ حسن على القسم الثاني من الأحاديث التي يدسُّها مخالفو أهل البيت ، وهي أحاديث التقصير في حقّهم، لينتقل سماحة الشيخ بعد ذلك للتحذير من القسم الثالث، وهي أحاديث التعريض بأعداء أهل البيت، وهو ما ينهى عنه الإمام الرضا هنا، إذ لا مانع ـ في منهج أئمتنا ـ أن نتعرض إلى أعدائهم في صفاتهم، ولكنهم لا يقبلون منّا أن نتعرّض إليهم بأسمائهم وأشخاصهم. مشيرًا إلى أن هذه هي طريق ومنهج أئمتنا ، يقبلون من يقبل بها، ويرفضون من يرفضها.

داعيًا إلى نشر فكر أهل البيت وتراثهم الثرّ، لأن الناس لو سمعوا محاسن حديثهم وتراثهم، لاتبعوهم.

وفي الخطبة الثانية، تحدث سماحة الشيخ عن مجريات الأحداث حول الإنسان، فبعضها يكون إجباريًّا، لا خيار للإنسان فيه، وبعضها يستطيع الإنسان أن يتدخّل فيه، ومِنَ الأُولى: ما يمرّ به الإنسان من مراحل عمرية، حيث الإنسان مجبور عليها، ولا خيار له فيها، وإلا لاختار الناس ـ في معظمهم ـ مرحلة الشباب، لا يريد أن يفارقها، وذلك أنها مرحلة الفتوّة والقوّة والإنتاج والعطاء والنشاط الفعلي للإنسان.

مذكّرًا سماحته المصلّين بأن هذه المرحلة من نعم الله على الإنسان، وعليه أن يصرفها فيما يرضيه سبحانه، وبما يعود على الإنسان ومجتمعه بالخير والفائدة، وهي من التوجيهات والإرشادات الدينية، حيث ورد عن رسول الله قوله: «إن لله ملكًا ينزل في كلّ ليلة فينادي: يا أبناء العشرين، جدّوا واجتهدوا»، وهي دعوة صريحة لدفع همّة الشباب في هذه السنّ وما يتلوها نحو العمل والفاعلية.

داعيًا المجتمع أن يكون له الدور الفاعل في تنشيط هذه الطبقة ودعمها في شتى النواحي، وذلك للارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل، مشيرًا في ذلك إلى قول الإمام الصادق : «عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير».

مشيدًا بما نشرته الصحف المحلية عن التجمعات الشبابية على مستوى الجنسين تحت مسمّى أولاد الدمام، يضمّ أكثر من 80 شابًّا، وبنات الدمام فيه أكثر من 70 فتاة، يتعاونون فيما بينهم لحل مشاكل البيئة، وللتعاون فيما بينهم وللتواصل مع الجهات الحكومية والرسمية، كما أن لديهم بعض الأنشطة الاجتماعية، مثل: رعاية المسنين والمرضى، وغيرها من الأنشطة الخيرة الطيبة، داعيًا الشباب في المنطقة إلى عقد مثل هذه التجمّعات الخيرة والنافعة.

كما شدّد على أهمية أن تتوفر هناك الفرص والتنظيمات الرسمية لإتاحة أكبر قدر مجال للشباب لتكوين جمعياتهم المدنية الخيرية والاجتماعية والعلمية والفنّية، ذلك أن القوانين الرسمية لا تزال تشكو نقصًا كبيرًا في هذا الاتجاه.