قرارات ووقفات

التغيير تجدد وانطلاق ومواكبة، التغيير وعي بالأزمات واستجابة لها، التغيير دماء وحيوية وطاقات كفؤة تدخل المعترك لتساهم بنقلة نوعية في أداء آن له أن يتبدل، التغيير الايجابي هو أكثر مما قلته بكثير لأنه قدر العقلاء وتطلعهم، ومتعلق آمالهم.

التغيير الوزاري من جهة، ورفد هيئة كبار العلماء بدماء جديدة ذات ألوان متعددة من جهة أخرى، ودخول كفاءات جديدة لمجلس الشورى، وغيرها من التغييرات التي شملت أكثر من موقع،كلها تغييرات مهمة وضرورية في الجملة، مع أن الكمال لله سبحانه وتعالى وحده. وهنا وقفات:

الأولى: ليست المشكلة دائما في الشخص الوزير أو المدير أو المفتي، مع أن لكل شخصية ظلالها ولمساتها، لها جدها أو عبثها، ولها تسامحها أو تشددها، ولها إحساسها بالوطن والإنسان أو التصاغر والتقوقع على الذات وما يتوافق معها من فكر وقبيلة ومعتقد.

بصمات الشخص لا تنكر في أي مهمة يتصدى لها، لكن المشكلة والحل لا يتلخصان فيه هو بعيدا عن النظام الذي يحرك كافة المواقع والمهام ذات الصلة بمهمته ومسئوليته، وهذا ما نشهده أحيانا في ترامي الوزارات والمدراء لتبعات الكثير من الإخفاقات التي تواجه المواطن في مختلف النواحي، فمهما كانت كفاءة الإنسان فسيحتاج في عملية التطوير إلى تجاوب بقية الحلقات والدوائر معه ليصل تطويره إلى مداه المطلوب.

الثانية: التطوير كما يحتاج إلى كفاءة تكون في موقعها المناسب، وإلى طاقة مبدعة وحكيمة تعي مقتضيات الأمور، فهو كذلك بحاجة إلى إرادة فولاذية قوية لمواجهة اللوبيات الضاغطة، والجماعات المتنفذة التي تخشى النور وترفض التغيير.

ولعل التبرير الأقبح من ذنب التقصير هو حين تسمع من بعض المسئولين أنهم يريدون التغيير، وأنهم قادرون على إحداثه وأنهم تقدموا بخطط مبدعة ومشاريع متطورة، لكن المجتمع والضغوط التي واجهوها من هذا الطرف أو ذاك هي التي منعتهم من الذهاب حتى النهاية في تنفيذ خططهم.

المصيبة الكبرى هي حين يتمسكن المسؤول وغيره من أصحاب القرار لاستدرار الشفقة على أدائهم الباهت، ولإثبات ذاتهم العظيمة ذات القدرة التخطيطية والكفاءة العالية في التنظير، متناسين أن الناس تبحث عن واقع ملموس، ولا تبحث عن كلام يؤنس النفوس.

الثالثة: إن الكثير من الانطلاقات تكون واعدة وصادقة، لكن المشكلة التي تعتريها على الدوام، ويلاحظها المتابعون لها في أكثر من موقع ومشروع، هو تفريغ تلك الانطلاقات من محتواها الحقيقي ومن التطلع المرجو منها.

فمثلا حين نقلّم بعض الدروس المقررة سابقا في منهج ما من المناهج الدراسية بحيث تصبح مادة ترسي أسس التسامح والمحبة، وتعجن الجميع بعجينة الإسلام، وحب الإنسان، فإن ذلك قرارا يستحق الإكبار والاحترام، ويرجو العقلاء منه كل الخير، لكننا إذا قرنّا هذا التعديل بمدرس متشدد، وقبلناه معلما لهذه المادة التسامحية الإنسانية، فإننا في واقع الأمر نكون قد أفرغنا ما أحدثناه من تغيير في منهج التدريس من تطوير وتسامح ووعي من محتواه الحقيقي.

أتذكر حين انطلق الحوار الوطني في المملكة، كانت الكثير من الأقلام والكفاءات ترى فيه مطلبا مهما سيفعل فعله ويعالج الكثير من الأمراض الوطنية والإنسانية المتفشية، وكان بالفعل سيحدث تغيرا مهما لو استمرت مؤتمراته على نهج لقائه الأول والثاني.

الرابعة: تطلع أي منطقة أو محافظة أو قرية لموقعها ومكانتها ونصيبها من هذا التغيير الكبير ليس موقفا سلبيا من هذه الخطوة الإيجابية، فكل تغيير يتمنى الناظر والمراقب له لو كان أكبر وأشمل، لتكون الأيدي يدا واحدة في خدمة الوطن، لكن ما يمكن أن يقال هو أن أي تغيير حقيقي ستنعكس آثاره الإيجابية على الجميع، وتبقى فسحة العيش بفسحة الأمل.

السبت 26/02/1430هـ الموافق 21/02/2009م - العدد 13035