الشيخ الصفار يدعو للمسارعة في معالجة أحداث البقيع

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان

دعا سماحة الشيخ حسن الصفار حكومة البلاد للمسارعة في معالجة أحداث البقيع، مؤكداً أن ما حصل يصب في مصلحة الأعداء، ويُشوّه سمعة البلد، والسكوت عنه يولّد صدامات غير محمودة النتائج. كما استنكر غياب دور الأجهزة الأمنية للحيلولة دون وقوع ما حصل. ودعا العقلاء من مختلف التوجّهات والمذاهب الإسلامية لمضاعفة التواصل فيما بينها، كما دعا أبناء الشيعة لضبط الأعصاب وعدم الاستجابة لمثيرات الفتنة والشقاق. مبدياً اعتراضه على المنهجية السلفية في فرض آرائها على بقية المذاهب الإسلامية، مطالباً بتغيير حالة الاحتقان التي تسود البقاع الطاهرة في المدينة والمنورة ليُمارس المسلمون شعائرهم العبادية وفق مذاهبهم، دون فرضٍ من أي جهةٍ على الجهات الأخرى.

وفي سياقٍ آخر أكد أن انحراف الإنسان عن منهج الله تعالى وشرائعه يُعرضه للضرر في الدنيا، ومن مظاهر ذلك: أن يكون عرضةً للقلق والاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة، تأنيب الضمير، الآثار المادية للإنحراف، والمشاكل الاجتماعية، إضافة إلى عذاب الآخرة.

الافتتاحية

الحمد لله الملك الجبار، المطلع على ما في الضمائر من الأسرار، فطر النفوس على التذلل لعظمته، والاعتراف بقدرته، ومنع العقول من التوغل في إدراك ذاته وحقيقته، حليم على من عصاه، شكور لمن أطاعه، عفوّ عمن خالفه، غفور لمن استتابه. نحمده سبحانه على جزيل نعمه، ونشكره على عميم كرمه.

ونشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، غير مجحود في نعمائه، ولا مقنوط من رحمته، ولا مأمون من غضبه ونقمته.

ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، اختاره من أكرم سلاله، وبعثه بأفضل رسالة، صلى الله عليه وعلى العترة الطاهرة من آله، سفن الهداية والنجاة، وأصدق الأئمة والدعاة.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، فإن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. جعلنا الله وإياكم ممن يخشونه ويطيعونه ويرجونه إنه محل الرجاء وهو أرحم الراحمين.

الخطبة الأولى

أكد الشيخ الصفار في بداية خطبة الجمعة 2 ربيع الأول 1430هـ (27 فبراير 2009م) على وجود علاقة وثيقة بين التلاحم الداخلي في أي مجتمع وبين قدرته على الصمود ومقاومة الأعداء، فكلّما كانت حالة التلاحم الداخلي أكثر تماسكاً وقوّة استطاع المجتمع مواجهة العدوان الخارجي بقوّة وبسالة. أما إذا كان المجتمع يعيش تمزّقاً داخلياً فإن ذلك سيكون أدعى لإغراء الأعداء بالترصّد للمجتمع بُغية السيطرة عليه وعلى ثرواته، وهذا هو ما قد حصل بالفعل في كثير من البلاد العربية والإسلامية، مع الأسف الشديد.

وأضاف: هناك ترادفٌ في القرآن الكريم عند الحديث عن الحالة الداخلية للمجتمع الإسلامي، وعن الموقف تجاه الأعداء المغرضين، حيث أن القرآن الكريم يصف المؤمنين بصفتين متقابلتين، أحدها تُمارس داخلياً والأخرى خارجياً، يقول تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ (الفتح، 29)، ويقول تعالى: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ (المائدة، 54).

وأكد أن هذه المعادلة التي يُقدّمها القرآن الكريم طبيعية، ذلك لأن انشغال المجتمع بالعداوات والصراعات الداخلية يستهلك طاقته وجهده، ويبعده عن مواجهة الأعداء الخارجيين.

وأشار إلى أنه قد يحصل لدى بعض الجماعات فهمٌ خاطئ، ورؤية غير صائبة، فبدل أن يُسخّروا طاقتهم وجهدهم في مواجهة الأعداء الحقيقيين، تراهم يختلقون أعداءً وهميين، نتيجة الاختلاف في الرؤية والتوجه، بل قد يذهب البعض إلى ابعد من ذلك ليرى أن خطر المخالفين له في المذهب والرأي أشد من المعتدين من الصهاينة.

وأكد أن من سمات المجتمع الذي يعيش تمزّقاً داخلياً أن شرائحه وفئاته المختلفة لا تشعر إلا بذاتها، ولا تُفكّر إلا بمصالحها، فلو أصاب أحد الأطراف عدوان وظلم فبقية الأطراف لا تشعر بألمها وهمّها، وهذا الواقع على النقيض تماماً من الوصف الذي ينبغي أن يكون عليه واقع المجتمع الإسلامي، فهذا رسول الله يقول: «المسلمون في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو اشتكي له جميع الجسد بالسهر والحمّى». ويقول الإمام الصادق : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخوفه».

وفي إطار معالجته لهذه الحالة المؤلمة التي تعيشها أغلب الدول العربية والإسلامية، أكد الشيخ الصفار على عدة أمور:

أولاً- تأكيد رابطة الإنتماء المشترك، فلمسلمون جميعاً ينتمون إلى دين واحد، وهذا يكفي ليكون قاسماً مشتركاً يجتمع عليه الجميع، ويتآزروا ويتناصروا في ظله وتحت رايته.

ثانياً- تنمية النوازع الإنسانية في النفوس، حتى تنظر كل جهةٍ إلى الأخرى بعين المودة والرحمة.

ثالثاً- إزالة أرضية العداء والتخاصم، والتي تتجلى في سوء الظن والأحقاد والضغائن والشحناء.

رابعاً- تجريم أي نوع من أنواع إثارة الضغائن والعداوات بين الناس. مشيراً أن رسول الله حينما بدأت تظهر بعض دعاوات التخاصم بين المسلمين، وقف موقفاً حازماً أمام ذلك، وكان يقول : «دعوها فإنها منتنة».

وأضاف: إن سيرة المسلمين الأوائل كانت مبنية على مبدأ الإيثار والتراحم بين المسلمين، مستشهداً بموقفٍ تاريخي جسّده أصحاب رسول الله في إحدى الغزوات يكشف تأصّل قيمة الإيثار في نفوس المسلمين وتراحمهم فيها بينهم.

وأبدى الشيخ الصفار استياءه من الواقع المخجل الذي يعيشه المسلمون والعرب في غالب بلدانهم ومناطقهم، فهم يعيشون أوضاعاً بخلاف ما ينبغي أن يكونوا عليه، وبخلاف ما أكدته السيرة النبوية، وهذا يكشف مدى الابتعاد الذي بين المسلمين والقيم الإسلامية الحقّة التي جاء بها نبيّهم .

وحذّر من بذور الفتن وأرضيّتها في البلاد التي تعيش إلى حدٍ ما استقراراً أمنياً، مؤكداً أن البلاد التي وصلت إلى مرحلة متقدّمة من عدم الاستقرار الأمني إنما كان ذلك بسبب السكوت عن أرضية الفتن التي بدأت وتطوّرت حتى وصل الحال إلى ما هو عليه الآن.

وفيما يتعلّق ببلادنا أكد أن الأعداء الخارجيين، والحاقدين الداخليين ممن يعيشون الجهل والحماقة سيزجّون ببلادنا إلى مستنقع الفتن، وما حصل في المدينة المنورة، وفي باحة الحرم الشريف، وأمام المرقد الطاهر لرسول الله ، وبجوار البقيع الغرقد، يكشف عن وجود جذور لأحقادٍ ترسّخت في النفوس، وتعبئة صنعت احتقاناً عميقاً في القلوب، وما جرى هناك كان سبباً في ثوران هذا الاحتقان.

واستنكر الشيخ الصفار تلك الاعتداءات الآثمة، والتي لا مبرر لها من الأساس، إضافةً إلى أن المتورّطين بالحادثة لم يُفرّقوا بين كبيرٍ وصغير، وبين المشارك وغير المشارك، وما حصل للشيخ جواد الحضري، من ضربه وطعنه بالسكاكين صباح يوم الثلاثاء الماضي على أبواب المسجد النبوي، لدليلٌ صريح على خلفية الأحقاد التي شحنت صدور هؤلاء، مما دفعهم لمثل هذا العمل الشنيع.

كما استنكر الشيخ الصفار غياب دور الأجهزة الأمنية لمنع مثل هذه الاعتداءات، مؤكداً أن السكوت على مثل هذا الأمر يسمح بتكراره، كما أنه يُسبب اشتعال الفتن والنزاع، إضافةً إلى أنه يُشوّه سمعة البلد، ويُعطي الفرصة للأعداء.

ودعا مختلف الجهات لتدارك الموقف، مؤكداً أنه ناقوس خطر.

واعترض على المنهجية التي ينهجها بعض السلفيين في فرض آرائهم على بقية المذاهب الإسلامية، مؤكداً أن جميع المذاهب الإسلامية ترى جواز التبرّك والتوسل وزيارة الأولياء، وهذا ليس مما ينفرد به مذهب أهل البيت .

وأكد على ضرورة تجاوز هذه الحالة فهي عقبة كأداء في طريق تقدّم الأمة وتجاوزها لكثير من عوامل تراجعها وتخلّفها.

وأضاف: إن البقاع الطاهرة في المدينة المنورة ينبغي أن تشيع فيها حالة الأمن والاستقرار، وأن يُمارس المسلمون شعائرهم العبادية وفق مذاهبهم، وليس من حق أي جهة أن تفرض على المسلمين رأيها، مؤكداً حق التبشير بالرأي بأسلوب يتناسب والحكمة التي يدعو إليها القرآن الكريم: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل، 125)، لا أن تكون مجالاً لتكفير الناس والاعتداء عليهم.

ودعا أبناء المجتمع الشيعي إلى ضبط النفس، وأن لا يستجيبوا لدعاوى الفتنة والشقاق. إلا أنه في ذات الوقت أكد أن تكرار هذه الحالة واستمرارها قد يفقد الحليم حلمه، مضيفاً: إن درجة تحمل الناس تتفاوت، وتكرر هذا الاستفزاز بأكثر من أسلوب من شأنه أن يفقد الأعصاب، ويتحول الأمر إلى ما لا تُحمد عقباه.

وحمّل الدولة مسؤولية وضع جهات أمنية تُراقب الوضع هناك، وتمنع تكرار ما حدث. مؤكداً ضرورة المسارعة لعلاج الموضوع.

ودعا العقلاء من مختلف الأطراف لمزيد من التواصل فيما بينهم، مؤكداً أن مضاعفة التواصل من شأنه أن يحد من مثل هذه التصرفات، وأضاف: إن العقلاء في مختلف الجهات تتطلع لإخماد نار الفتنة، لا أن تصب الزيت على نار الفتنة، وبالتالي فإن نهجها في التواصل ينبغي أن يزداد رسوخاً واتساعاً.

واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على قداسة تلك البقاع، وضرورة حمايتها من مثل هذه التصرفات، ويتحقق ذلك بمنع مسببات ما حصل، وتغيير حالة الأجواء الاستفزازية هناك، ونشر ثقافة التعامل مع مثل هذه المواقف.

الخطبة الثانية

أكد الشيخ الصفار في الخطبة الثانية أن الإنسان حين ينحرف عن منهج الله فإنه يُعرّض نفسه للضرر في الدنيا، كما أن العذاب ينتظره في الآخرة. مضيفاً: إن المنهج الإلهي وأحكام الدين إنما جاءت لمصلحة الإنسان، ومخالفتها خسارة للإنسان. ممثلاً لذلك بأوامر الوالدين لأطفالهم، أو أوامر الطبيب للمريض.

وأوضح أن اعتقاد الإنسان بمنهج الله تعالى وأحكامه، وأن الله تعالى عدلٌ لا يجور، يدفعه إلى عدم مخالفة ذلك المنهج الإلهي، لأن المخالفة بكل تأكيد ستتبعها أضرار وخيمة؛ يقول تعالى: ﴿لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ (الرعد، 34).

وأشار إلى بعض مظاهر العذاب في الدنيا الذي يُوقعه الله تعالى بمن ينحرف من منهجه:

أولاً- أن يكون الإنسان عرضةً للقلق والاكتئاب والأمراض النفسية المختلفة. ذلك لأن الانحرافات تُبعد الإنسان عن دائرة الإيمان، في حين أن المؤمن مطمئن بذكر الله، فلا تعتريه هذه الاسقام النفسية.

وعلى خلفية الإيمان والرضا بقضاء الله تعالى وقدره أكد الشيخ الصفار على أن هذه الحالة لا تعني التكاسل والخمول والرضا بالظلم والوضع البائس، وإنما ينبغي أن تكون بعد السعي وبذل الجهد بكل الوسائل والسبل.

ثانياً- تأنيب الضمير.

ثالثاً- الآثار المادية للإنحراف.

رابعاً- المشاكل الاجتماعية.

واختتم الشيخ الصفار الخطبة بالتأكيد على أن التزام منهج الله تعالى، والسير وفق أحكامه وشرائعه، يمنح الإنسان الخير والبركة في الدنيا والآخرة.