ملتقى الوقف الثالث وثقافة الوقف

ثمة أفكار جميلة ورؤى حيوية وبحوث فقهية، وإشارات مهمة عرضها السادة المشاركون في ملتقى الوقف الثالث والذي عقد تحت شعار (المقاصد الوقفية.. تأصيل وتطوير) في دولة الكويت الشقيقة بين 15-17 مارس 2009، برعاية من صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.

لن أتجه في المساحة المتاحة لي للإطناب والاسترسال مدحا وثناء على الجهد والعناية التي بذلها القائمون على ملتقى الوقف والراعون لنجاحه بما أوتوا من قوة وقدرة، ساهمت بفعالية ودقة في تحقيق رضا المدعوين وتفاعلهم المفيد، فهم يرجون ثوابهم من الله سبحانه وتعالى، ولكن سأشير لبعض القضايا الحيوية التي عرضها المشاركون في الملتقى، والذين توافدوا من عدة دول عربية وإسلامية.

1/ أشار الحاضرون إلى أن عددا كبيرا من الأوقاف كانت الدواعي لوقفها مستلة من حاجات الناس التي دفعت أهل الخير على وقفها وتحبيس عينها، رغبة في الثواب وطلبا لرضا الرب سبحانه وتعالى.

لكن الزمن المتغير رفع تلك الحاجات وعالجها، وأصبح موضوع تلك الأوقاف لا وجود له في زماننا هذا، فمثلا كانت هناك بعض الأوقاف لرفع الأحجار من الطريق، وبعضها للحفر التي يجتمع فيها ماء المطر وبعضها للحيوانات الضالة في هذه المنطقة أو تلك.

وهنا بدأ السؤال يعرض بإلحاح عن ضوابط تغيير قصد الواقف، لنقله من حاجة كانت ضرورية حين الوقف، وانعدمت اليوم، إلى حاجة أخرى حاضرة وضاغطة في زمننا الحالي.

لقد سعى المشاركون إلى تجلية الموضوع ليكون بين يدي العلماء وأصحاب الرأي الفقهي؟ وبذلوا جهودا محمودة للاقتراب من النصوص الشرعية والفتاوى السابقة للعلماء، لعلهم يمهدون ولو بعض الطريق في هذا الشأن.

2/ هل من مستند أو دليل يساعد على وقف الحقوق، كحق التأليف وحق الاختراع وحق الابتكار؟ بما أن هذه الحقوق لها مالية عرفية وفوائد مادية مجزية، علما بأن الفقهاء يشترطون أن يكون الموقوف عينا (لها وجود في الخارج)، هل يجدي تقليب المستند المعتمد لهم في الحصول على أول الخيط الذي يمكن هؤلاء المؤلفين والمخترعين من وقف حقهم في الاختراع والتأليف، ليكون رافده مساهما في تنمية المجتمع ورفع حاجاته.

3/ ماذا عن الوقف المشترك الذي يساهم فيه خمسون فردا مثلا من ذوي الدخل المحدود؟ فالروايات التي تدفع الناس للوقف كثيرة أبرزها قول رسول الله : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وعلم ينتفع به، وصدقة جارية». فهل يساعد الدليل الشرعي على الوقوف المشتركة التي يساهم فيها أكثر من شخص ثم يوقفونها؟ وإذا كان الدليل مساعدا فكيف نشجع الناس على هذا النوع من الوقف؟

إن كل إنسان وحتى الفقير يرغب أن تكون له صدقة جارية ووقف يعود عليه بالثواب بعد موته، وهذا النوع من الوقف إن ساعد عليه الدليل.

فسيعود على الأمة بإمكانات هائلة، تعالج لها الكثير من القضايا وتساعدها في رفع مستوى فاعليتها وأدائها.

4/ اتجهت آراء كثيرة في الملتقى نحو ضرورة تثقيف الناس وحثهم على الوقف مشيرين في ذلك إلى أمور، الأول: التشجيع على الوقف المفتوح لأعمال الخير دون الإكثار من القيود والشروط، كي يتمكن من التعامل مع الوقف في مختلف الظروف والأزمان، فيستمر ثواب الصدقة جاريا للإنسان بكثرة استفادة الناس منها.

الثاني: السعي وراء صياغة حجج وقفية توسع من أفق الواقف وتفتح عقله على الكثير من الأشياء المهملة عند الواقفين السابقين، أو التي لم تكن حاجاتها واضحة في زمانهم، فالكثير من المؤمنين يريدون من يرشدهم إلى موضوع يوقفون عليه ما عندهم من خير، فلا يرون أمامهم ولا يسمعون سوى ما اعتادت الأذهان على الوقف عليه كالمساجد والفقراء وغير ذلك.

الثالث: يتحمل خطباء الجمعة ورواد المنابر الإرشادية المسؤولية الكبرى على عاتقهم، باعتبارهم أقرب الناس وأكثرهم مشافهة للجمهور، مما يؤهلهم لنشر ثقافة الوقف بحيويتها وحلتها المتجددة بين الناس.

الرابع: لابد من تخصيص مساحة وحيز وفير في كل الفضائيات الهادفة للتبشير بثقافة الوقف، وإنتاج البرامج والحلقات التي تخلق حالة من الاندفاع والتحفز نحو الوقف، بما في ذلك تكرار الأحاديث والروايات التي تحث عليه، وتبشر من فعله بالثواب والأجر الكبيرين.

السبت 24/3/1430هـ الموافق 21/3/2009م - العدد 13063