وأن الغطرسة الصهيونية إلى زوال

الشيخ الصفار يؤكد أن حرية التعبير عن الرأي لا تُعطى بل تُنتزع

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان

أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن حرية التعبير عن الرأي لا تُعطى بل تُنتزع، مستعرضاً تاريخاً حافلاً بالجرأة والشجاعة تمثّل في شخصية الشيخ محمد جواد مغنية، وقد شارك الشيخ الصفّار في مؤتمرٍ عُقد في بيروت مؤخراً احتفاءً بشخصية هذا العالم الكبير. وأشار الشيخ الصفار أن تاريخنا اليوم يؤدي شهادته لهذا العالم الجليل تأكيداً لوعد الله تعالى بأن من يعمل خيراً فإن عمله لن يضيع، بل سيبقى محفوظاً له، وسيُحقق ثماره في عاجل الدنيا أو آجلها.

وأضاف: إن مسيرة الشيخ مغنية الجريئة لم تسلم من الإتهامات العنيفة بحق الشيخ، إلا أنه كان صامداً أمام تلك الموجات العاتية، ولم تُثنه عن مواصلة مسيرة الحركة والعمل.

وقال في خطبة الجمعة 29 ربيع الأول 1430هـ (27 مارس 2009م): إن الشيخ مغنية كان من أوائل العلماء المؤسسين لنهضة الوعي والصحوة، وكان له دورٌ كبير في بث الفكر الإسلامي، ونشر ثقافة أهل البيت بلغةٍ عصرية يفهمها الجميع متجاوزاً اللغة المعقّدة التي كانت تسود الأجواء العلمية آنذاك.

وأشار إلى المقوّمات الذاتية التي كان يمتلكها الشيخ مغنية والتي جعلت منه شخصيّة جريئة، وفريدة من نوعها، وأهم تلك المقوّمات: البعد القيمي والروحي، الثقة بالذات، الانطلاق من العلم، قوّة الشخصية، الزهد في المواقع. ونوّه بأن الشيخ مغنية بهذه المنهجية يُجسّد لنا شخصية العالم عندما يعيش مستوى الوعي الرسالي، بعكس الكثير من الشخصيات في هذه الشريحة ممن يعيشون مستوى الوعي الاجتماعي، فيكون للمحيط الاجتماعي أثرٌ كبير على آرائهم وأفكارهم، لما يتطلعون إليه من زعامة اجتماعية.

وفي سياقٍ آخر أكد الشيخ الصفار أن زوال دويلة إسرائيل سيكون قريباً ببركة جهود المقاومة الباسلة في لبنان وفلسطين، مستنكراً الواقع المأساوي الذي تعيشه الأمة تحت وطئة العدوان الأمريكي والإسرائيلي، وسط غيابٍ لأي دورٍ عربي رسمي ضدّ هذا التوجّه الغاصب، مما جعل الأمة مطمعاً للأعداء، وغرضاً لمصالحهم وأطماعهم. وما أعلن عنه مؤخّراً عن الغارة الإسرائيلية على قوافل في شرق السودان، هو نموذجٌ واضح لهذا الوضع المأساوي، ليس لسبب سوى شكوك بأن هذه القوافل كانت تحمل أسلحة لغزة. ويحدث هذا الإجرام البشع ولا أحد يُحرّك ساكناً، وبعد شهرين، وعندما تُريد الإدارة الأمريكية والإسرائيلية للخبر أن يُذاع، يُعلن عنه، وكأن الضحايا ليسوا بشر، بل ليسوا من ضمن الموجوات في هذه الحياة.

الخطبة الأولى

شجاعة التعبير عن الرأي.. الشيخ مغنية نموذجاً

جاء القرآن الكريم كخطاب إلهي لاستنهاض الإنسان، وتفجير طاقاته، وتفعيل قدراته. فهو تارةً يلفته إلى ما ينطوي عليه من كفاءات وقدرات، وأخرى يوجه إليه الأمر بالحركة والعمل، وثالثة يبين له الآثار الإيجابية للعمل على مستقبله القريب والبعيد.

ومن أساليب القرآن لاستنهاض فاعلية الإنسان: إقناعه بجدوى وفائدة أي عمل صالح يقوم به، لأن الإنسان قد لا يُدرك النتائج، أو يستبطئ تحققها، أو يواجه في محيطه بحالة إنكارٍ لها. لكن الله تعالى يضمن للإنسان أن عمله للخير لن يضيع ولن يُجحد، يقول تعالى: ﴿وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (آل عمران، 115)، ويقول تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (الأنبياء، 94)، وهاتان الآيتان تؤكدان أن أي عمل من أعمال الخير يقوم به الإنسان فإن الله تعالى يُقدّم له ضمانين:

الأول: أن هذا العمل لن يُتنكّر له، بل سيُعترف به، عاجلاً أم آجلاً، ﴿فَلَن يُكْفَرُوْهُ، ﴿فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ.

الثاني: أن نتائج هذا العمل ستتحقق على أرض الواقع، وسيكتب التاريخ شهادته لها ولو طالت المدة، ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ.

معالجة قرآنية

وجاء هذا التأكيد القرآني لما يعتري الإنسان من مشاعر سلبية تجاه جدوائية العمل والحركة، خصوصاً إذا كان يعيش ضمن أجواء اجتماعية تتنكّر لأعمال الخير، إن لم تكن تُعيق انطلاقتها ومسيرتها. ولذلك قد تحصل لدى الإنسان حالة من الإحباط، ولمعالجة هذه الحالة جاء القرآن الكريم ليؤكد للإنسان:

أولاً- إن الله تعالى قد تعهّد بالأجر والثواب لكل من يعمل أعمال الخير والصلاح، يقول تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى (آل عمران، 195).

ثانياً- إن نتائج أعمال الخير تأتي ضمن مسيرة التراكم الطبيعي لفاعلية المجتمعات، والقرآن الكريم حينما يتحدّث عن الأنبياء والرسالات السابقة، إنما ليؤكد هذه الحقيقة بأن أعمال الخير بحاجة إلى تراكم جهود قد تشترك فيها أجيالُ متلاحقة.

ثالثاً- إن بعض أعمال الخير تكون نتائجها سريعة جداً، وبعضها الآخر تكون النتائج بطيئة، وقد لا تتحقق في حياة العاملين في سبيل تحقيقها، وإنما يقطف ثمارها جيلٌ أو أجيالٌ قادمة. ومثل ذلك كمن يزرع بستاناً من الخضروات التي تُثمر بسرعة، ومن يزرع بستاناً من النخيل التي تحتاج إلى فترة زمنية طويلة حتى تؤتي ثمارها.

رابعاً- إن التاريخ سيؤدي شهادته، وهذا وعدٌ إلهي: ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ.

وكم في تاريخ الأمة الماضي والحاضر من رجال تحرّكوا وناضلوا، إلا أنهم لم يقطفوا ثمار تحرّكهم، بل إن بعضهم قد واجهوا ألواناً من الاتهامات القاسية بسبب ما قاموا به من تحركّ لإنهاض الأمة.

الشيخ مغنية نموذجاً

ومن بين تلك الشخصيات المعطاءة الشيخ محمد جواد مغنية (رحمة الله عليه) (1322هـ - 1400هـ)، والذي يؤدي تاريخنا اليوم له شهادةً يُمجّد بها نضاله ونشاطه وفاعليته، وقد عُقد مؤتمرٌ في بيروت الأسبوع المنصرم  يومي الثلاثاء والأربعاء (27 – 28 ربيع الأول 1430هـ) حول شخصيتين هما الشيخ عبد الله العلايلي، والشيخ محمد جواد مغنية، والحديث هنا حول الشيخ مغنية لأن مشاركتي في المؤتمر كانت حول شخصيته.

كان للشيخ مغنية دورٌ كبيرٌ في إحياء الفكر الديني ونشر ثقافة أهل البيت ، فهو من أوائل علماء الشيعة الذين اهتمّوا بنشر الثقافاة والمعرفة على المستوى العالمي. حيث كانت معظم كتب الشيعة قبل مؤلفات الشيخ مغنية ضمن المنهج القديم للكتابة، فقد كانت تُكتب بلغة علمية محضة، لا تخلو من الغموض والتعقيد، وكانت مخصصة لطلبة العلم، وكبيرة الحجم، وتُطبع ضمن الأجواء الشيعية المحدودة.

وجاء الشيخ مغنية ليكتب بلغة واضحة، ويُقدّم بحوثه في كُتيبات صغيرة، وينشرها عبر دور النشر الشهيرة في بيروت، وكان منفتحاً على هموم المجتمع وقضايا السياسة، كما كان يكتب في الصحافة.

ومن مؤلفاته التي تجاوزت الستين مؤلفاً: الله والعقل، النبوة والعقل، إمامة عليٍّ والعقل. فقه الإمام الصادق (6 مجلّدات)، وله تفسيران للقرآن الكريم: تفسير الكاشف (7 مجلّدات)، والتفسير المبين (مجلّد واحد). وله شرحٌ لنهج البلاغة في أربعة مجلدات، وشرح للصحيفة السجادية، وكتاب في علم اصول الفقه، وغيرها.

وتمتاز كتاباته بطرح الآراء الجريئة والناقدة للواقع السياسي والديني والاجتماعي.

بكل تأكيد فإن هذا التحرّك يُعتبر جديداً على الساحة الشيعية، وقد تحمّل الشيخ مغنية نتائج جرأته وشجاعته، فقد وُجّهت له الاتهامات، حتى أنه أُتُّهم في دينه، إلا أنه كان من أشجع العلماء في عصره، وتحمّل كل ذلك في سبيل إيصال فكره ورأيه لأكبر شريحة من القراء في المجتمعات العربية والإسلامية.

والجدير بالذكر أن الشيخ مغنية لم يحظ بهذه الجرأة والشجاعة بسبب وجوده في بيئة مساعدة، بل على العكس لم تكن البيئة التي يعيش فيها مؤيدة لهذا التحرّك الذي قام به، ولم تكن شجاعته نابعة من نفوذ وموقع ومنصب.

إن وراء هذه الشجاعة والجرأة مقوّمات ذاتية جعلت منه شخصية رسالية جريئة، وأهم تلك المقوّمات:

1. الالتزام القيمي والارتباط الروحي بالله سبحانه وتعالى، فقد كان لا يخشى أحداً إلا الله، ويقول الحق، ويتحرّك لخدمة الدين والمجتمع.

2. الثقة بالذات، فقد كانت ثقته محرّكاً أساسياً له في مسيرته الجهادية.

3. الانطلاق من العلم، حيث كان تحركّه مبنياً على خلفية علمية، وليس مجرّد حديث جزافي يحكي به.

4. قوّة الشخصية.

5. الزهد في المواقع، فقد كان بعكس الكثير من العلماء الذين يتحفّظون على كلمة الحق حفاظاً على الموقعية والمكانة الاجتماعية، أما الشيخ مغنية فقد كان زاهداً في هذه الموقع، فلم يكن يطمح لمقام المرجعية، ولا لاستلام الحقوق الشرعية، ولا إلى إمامة الجماعة، وكل همّه كان في إيصال الفكر الحق لأكبر شريحة مكنة. وكان يقول: سأعبّر عن آرائي بكل حريّة لأني لا أخشى أن أخسر أي منصبٍ من المناصب.

وبهذه الجرأة والشجاعة حافظ الشيخ مغنية على استقلاليته، وأنتج نتاجاً علمياً زاخراً. واستطاع أن يُعلن للأمة بأن حرية التعبير عن الرأي لا تُعطى وإنما تُنتزع، وأن الذين ينتظرون اللحظة التي تُتاح لهم فيها الفرصة ليُعبّروا عن آرائهم بجرأة وحرية فإنهم يحلمون ويأملون.

والشيخ مغنية بهذه المنهجية يُجسّد لنا شخصية العالم عندما يعيش مستوى الوعي الرسالي، بعكس الكثير من أبناء هذه الشريحة ممن يخضعون لمستوى الوعي الاجتماعي، فيكون للمحيط الاجتماعي أثرٌ كبير على آرائهم وأفكارهم، لما يتطلعون إليه من زعامة اجتماعية.

وواقع الأمة العربية والإسلامية يعجّ بهكذا أحوال، على مختلف الأصعدة، حيث الإرهاب الفكري، ومصادرة حريّة التعبير عن الرأي، وحقّ لنا أن نستلهم من سيرة الشيخ محمد جواد مغنية دروس الحرية، وأن نجهر بآرائنا التي نؤمن بها بعلمٍ ومعرفة، وأن يكون اهتمامنا هو رضا الله تعالى، وأن لا نخشى في الحقّ لومة لائم.

الخطبة الثانية

الغطرسة الصهيونية إلى زوال

وجود أشخاص أشرار، وقوى ظالمة في المجتمع البشري أمرٌ طبيعي، وهذا هو ميدان الامتحان في الحياة الدنيا، فيمتحن الله تعالى الناس بمواقفهم من الظلم والعدوان، هل أنهم يخضعون ويركعون له أم يُقاومونه؟

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل يستطيع الناس أن يواجهوا عدوان بعضهم على بعض؟ بكل تأكيد نعم، إذا وثقوا بأنفسهم، وتوكّلوا على الله، وأحسنوا إدارة المعركة. أما إذا جبنوا فإن ذلك سيُغري الآخرين بهم، وهذا يعني استمرار العدوان عليهم.

يقول الله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ.

والأمة الإسلامية اليوم تعيش وضعاً مأساويّاً، حيث الاعتداءات المتتالية من قوات أمريكية وغربية، وغارات إسرائيلية، واحتلالٍ هنا، وقصفٍ هناك، والأمة على المستوى الرسمي واقفةٌ مكانها لا تُحرّك ساكناً، وكأن هذه البلاد لا سيادة لها، ولا أحد فيها حتى أصبحت مطمعاً للأعداء، وغرضاً لمصالحهم وأطماعهم. وكأن أمير المؤمنين في هذه الخطبة يعيش الوضع المعاصر للأمة، يقول : «فيا عجباً! عجباً والله يُميت القلب، ويجلب الهمّ، من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم، فقبحاً لكم وترحاً، حين صرتم غرضاً يُرمى، يُغار عليكم ولا تغيرون، وتُغزَون ولا تغزون».

وما أعلن عنه مؤخّراً عن الغارة الإسرائيلية على قوافل في شرق السودان، هو نموذجٌ واضح لهذا الوضع المأساوي، إذ قُدّر عدد الضحايا والجرحى بين 800 إلى 1000 قتيل وجريح. ليس لسبب سوى شكوك بأن هذه القوافل تحمل أسلحة لغزة. ويحدث هذا الإجرام البشع ولا أحد يُحرّك ساكناً، بل يُطبق الصمت على الأفواه، وبعد شهرين، وعندما تُريد الإدارة الأمريكية والإسرائيلية للخبر أن يُذاع، يُعلن عنه، وكأن الضحايا ليسوا بشر، بل ليسوا من ضمن الموجوات في هذه الحياة.

فأي مذلّة هذه التي تعيشها الأمة اليوم، إذ تُذعن لتآمر المجتمع الدولي مع دويلة إسرائيل فهم يُريدون لإسرائيل أن تكون أذرعها ممتدّة إلى أي أفق تُريد في محيط الشرق الأوسط، متى شاءت، وفي أي مكانٍ أرادت.

ودعم المقاومة في لبنان أو فلسطين أو أي مكانٍ في العالم من المحظورات الدولية، بل ويُعاقب عليها القانون، وجريمةٌ لا تُغتفر، ولماذا كلّ هذا التعسّف تجاه المقاومة؟ لأنهم يُدركون بأن المقاومة هي التي ستُزيل هذه الدويلة الغاصبة.

ومع شديد الأسف فإن الوضع الرسمي في العالم العربي والإسلامي خاضعٌ لهذه الإدارة الغربية الظالمة، بل إن بعض الدول العربية تُساهم في الحصار الظالم على غزة، كما هو الحال في معبر رفح.

إن المسلمين يُمارسون الظلم تجاه بعضهم البعض بهذا الواقع المخجل، لكن المقاومة الباسلة ستُغير هذه المعادلة، وستقلب الموازين، وإذا كان التفكير في الماضي بأن الطريق صعب أمام المقاومة تجاه هذا الكيان الغاصب، فإن دماء الشهداء عبّدت الطريق، وكل ما يلزم هو دعم المقاومة، أو على أقلّ تقدير عدم عرقلة طريقها.

إن بعض التقارير الامريكية تتحدث اليوم عن العمر المتبقى للكيان الصهيوني وأنه في حدود العشرين عاماً فقط، ونأمل أن يكون أقصر من ذلك إنشاء الله.