الشيخ الصفار يُحذّر من ظاهرة الابتزاز، ويُحمّل العائلة مسؤولية حماية الفتيات

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي العجيان

حذّر فضيلة الشيخ حسن الصفّار من ظاهرة الابتزاز التي بدأت تنتشر في المجتمع، مسببةً ضياعاً لحياة الفتيات ومستقبلهنّ، ولربما طالت الشباب أيضاً. محمّلاً العائلة مسؤولية حماية الفتيات حيث أنهنّ الأكثر عرضةً للابتزاز. مستعرضاً الأسباب التي قد توقع الفتيات أو الشباب في فخاخ الابتزاز، وأهمّها: ضعف الدفئ العائلي، وضعف الانفتاح العائلي، وعدم التفهم، وشعور البنت بأنها في موقع الضعف. مبيّناً أن القرآن الكريم حينما يستعرض لنا قصة خروج أبينا آدم وأمِّنا حواء من الجنة إنما من أجل أن تكون تجربة على مسرح الحياة، نستلهم منها دروساً وعبرة، تكسبنا خبرة في الحياة. داعياً الفتيات الاطلاع على التجارب التي وقعنّ فيها فتيات أخريات لتكون لهنّ درساً يحميهنّ من الوقوع في أمثالها، ومؤكداً على العائلة ضرورة توفير الأجواء التي تكفل للبنت الرعاية الكاملة، والاطلاع على مثل هذه القصص، وأن تكون العائلة لحمة واحدة في حماية الفتيات من شرور هذه الظاهرة الخطيرة.

وفي إطار آخر من خطبة الجمعة 14 ربيع الثاني 1430هـ (10 أبريل 2009م) استنكر الشيخ الصفار التصرّفات التي يُمارسها البعض من عدم احترامٍ لحقوق الآخرين، سواءً بالاعتداء على حقوقهم المعنوية أو المادية، مؤكداً أن الاعتداء على أموال الناس حرامًٌ شرعاً حتى وإن كان عن طريق القانون، ذلك لأن الإنسان قد يجد له منفذاً في القانون ينفذ منه لانتهاك حقوق الآخرين، إلا أن ذلك لن يعصمه من العقوبة الإلهية، حيث جاء التحذير الإلهي من هذا التصرف، وتواترت النصوص الدينية محذرةً من هكذا تصرّف، قد يجر بصاحبه في الأخير إلى نار جهنّم والعياذ بالله.

وأكد الشيخ الصفّار في ختام خطبة الجمعة أن على الإنسان أن تكون في نفسه حساسية تجاه مال الغير، فلا يقبل أن يقترب من المال الحرام، فإن ذلك يُعوّق استجابة الدعاء، وقبول العمل، وبركة الرزق، وصلاح النسل والذرية.

الافتتاحية

الحمد لله ذي القدرة الغالبة، والحكمة البالغة، والرحمة الواسعة، نحمده تعالى على ما منحنا من نعمه السابغة، وأولانا من فضله العميم.

ونشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، العليم الذي لا يحتاج إلى شهود، والخبير الذي احاط بكل مشهود.

ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، الخاتم للرسالات الالهية، والجامع للكمالات الإنسانية.

اللهم صل عليه وآله بأفضل صلواتك، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته، وارضه بالشفاعة في أمته، واجعلنا من المحظوظين بشفاعته.

عباد الله اوصيكم ونفسي بتقوى الله، والحذر من الاستجابة للأهواء، و الانقياد للشهوات، منحنا الله وإياكم قوة الإرادة، وإتباع الهدى.

الخطبة الأولى

ابتزاز الفتيات ودور العائلة

حب الإنسان لذاته يدفعه لتلبية الرغبات والشهوات التي تتحرك في داخل نفسه. لكن بعض هذه الرغبات قد توقعه فيما يضره. فلا بد وأن يستعمل عقله للموازنة: فرب أكلة منعت أكلات. وهناك من يخدع الإنسان عبر تحريك بعض رغباته، ليوقعه في المهالك. إما حسدا له أو استغلالا. وقد يقع الإنسان في فخ الخداع والتضليل، لبراءته وسذاجته، أو لغفلته، أو لسيطرة الرغبة عليه.

ولا يخفى دور الشيطان الرجيم في هذا الجانب، والقرآن الكريم يُسجّل لنا في أكثر من موضعٍ قصّة خروج أبينا آدم وأمِّنا حواء ، وكان سبب ذلك استجابتهما لوسوسة الشيطان الرجيم، الذي أوقع بهما في هذا الخطأ الذي كانت نتيجته، كما يحكي القرآن الكريم، خروجهما من الجنّة، يقول تعالى: ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (الأعراف، 19-21).

وجوهر القصّة أن الله تعالى أسكن آدم وحواء الجنة الواسعة ذات النعم الكبيرة، وكان النهي الإلهي من الاقتراب من شجرة واحدة والأكل منها، إلا أن الشيطان الرجيم تحرّك بإغوائه ليُحرّك الرغبة عند آدم وحواء للأكل من تلك الشجرة، وجاء لهما ناصحاً ومقسماً، وما كان في ذهن آدم وحواء أن أحداً من المخلوقات يُقسم بالله تعالى كذباً، فهذه أول تجربةٍ لهما في الحياة، لذلك استجابا لهذه الخدعة، وكانت النتيجة خروجهما من الجنة.

والقرآن الكريم حينما يحكي لنا هذه القصّة، إنما لأخذ الدروس والعبرة منها، وأن لا ننخدع بمكائد الشيطان الرجيم، ولا ننخدع بأي تضليل، وهي في ذات الوقت تجربة عملية يستعرضها الله تعالى أمام الإنسان كي لا ينخدع بتضليل من يُحرّك رغبته وشهوته.

ظاهرة ابتزاز الفتيات

نشهد في هذا العصر، ومع تطور وسائل التقنية والاتصال، زحفاً غير معهود من قبل الشيطان وقبيله، فالشيطان أصبح يتمثل في قبيلة، بل قبائل، ويتحرّكون جميعهم من أجل إيقاع الإنسان في فخ الشهوات والرغبات التي تنتهي بحياته إلى الخسران والدمار.

ويقع الكثير من الناس في هذه الفخاخ، إما لضعف التجربة، أو لسيطرة الرغبات والشهوات، أو للبساطة والسذاجة، أو للغفلة.

ويأتي الشباب في الدرجة الأولى من قائمة المستهدفين من هذه الإغواءات، وأصبح الأمر يُشكّل ظاهرة خطيرة، تؤدي بمن يقع فيها إلى خسائر جسيمة. هذه الظاهرة هي ظاهرة الابتزاز، ويتحرّك المهوسون بهذا الأمر لابتزاز الفتيات في الغالب، وفي بعض الأحيان يقع الإبتزاز على الشباب.

وقد يبدأ مسلسل الابتزاز بمكالمة عاطفية، تنجرّ الفتاة لها بحكم ظروفها العائلية، إلا أن هذه المكالمة تكون بداية نصب الفخّ لها، لتكون النتيجة دمار حياتها. والقصص في هذا الجانب كثيرة، والصحف المحلية تحكي عن جزءٍ من تلك القصص، فليس ما يُنشر هو كل شيء.

وتُشير الإحصائيات إلى أن 15% ممن يُراجعون المستشفيات النفسية، هم ممن تعرضوا للابتزاز. ولا يقتصر الابتزاز على الفتيات فحسب، وإنما حتى الشباب قد يتعرضون للابتزاز من قبل فتيات، أو من قبل شباب آخرين يحترفون هذا العمل الاجرامي.

أسباب ومعالجات

ومن أبرز الأسباب التي توقع الفتيات والشباب في فخاخ الإغواء:

أولاً- ضعف الدفئ العائلي

فمعظم القضايا التي سُجّلت لدي الجهات المختصة، كانت أسبابها ضعف الدفئ العائلي. وهنا يأتي دور العائلة في احتواء أبنائهم وبناتهم، وغمرهم بالدفئ والعاطفة والحنان الحب.

فنحن نعيش في عصر تعددت فيه وسائل الإغراء والإغواء، وعلى العائلة الأب والأم أن يأخذا هذا الأمر في اعتبارهما، وأن يتبادلا هم ابتداءً دور التبادل العاطفي، ويغرسا ذلك في نفوس أبنائهم وبناتهم، لتنعم العائلة جميعاً بالحب والحنان.

ثانياً- ضعف الانفتاح العائلي

حيث أصبح الابن في عالمه الخاص، والبنت في عالمها الخاص، والأب والأم كلٌّ في عالمه، ولقاء العائلة محدود، بل ومعرفة الأب أو الأم بحياة ابنائهم وبناتهم في مستوياته الدنيا. وهنا يستطيع من تُسوّل له نفسه التسلل إلى قلب الشاب أو البنت، ويبقى الأمر غائباً عن أنظار العائلة، حتى تتفاقم المشكلة ويقع الشاب في الفخ، أو تقع الفتاة في الفخ. وعندها لا يُفيد الندم.

فالمبالغة في الخصوصية للولد والبنت تجاه العائلة، انعكاساتها سيئة للغاية، كما أن القسر والقسوة نتائجها سيئة أيضاً، وهنا من المهم أن تسلك العائلة منهجاً وسطياً أساسه الانفتاح على الأبناء والبنات، والقرب منهم، وإحاطتهم بالرعاية والاهتمام، فهذا الأمر خير وقايةٍ لما يُعانيه المجتمع اليوم.

ثالثاً- عدم التفهم، وشعور البنت بأنها في موقع الضعف

فالخطأ وارد من البنت، إلا أنها إذا لم تستطع المكاشفة مع أحدٍ من اسرتها، تكون المصيبة أعظم وأعمق، فتستمر البنت للخضوع في الابتزاز. ولذا ينبغي للأباء والأمهات ان يتفهّموا أوضاع بناتهم وأن يتصرّفوا بحكمة في مثل هذه المواقف. فالتعامل بالعنف والقسوة وسوء الظن الشديد يُنفّر الأبناء والبنات من المصارحة والمكاشفة، وبالتالي يكون ما هو أسوأ وأفظع.

وعلى الفتيات أن يقرأن ويُتابعن أحداث المجتمع والقضايا التي تحصل لمثيلاتهنّ في المجتمع لكي يأخذن الدروس والعبر، ويعرفن كيف يتصرّفن في مثل هذه المواقف، والمسؤولية أيضاً تقع على عاتق العائلة، إذ من المهم أن ينفتح الأب والأم على الأبناء والبنات وإطلاعهم على ما يجري من حولهم، ليكون ذلك درساً لهم.

وهكذا القرآن الكريم حين يورد لنا قصة أبينا آدم وأمِّنا حواء من أجل أن تكون تجربة على مسرح الحياة، نستلهم منها دروساً وعبرة، تكسبنا خبرة تقينا من الانخداع والاستجابة لدوافع الرغبة والشهوة دون تفكير.

وعلينا أن نُعلن لأبنائنا وبناتنا عن هذه المشلكة والظاهرة، ونوجّههم للتصرف السليم حيالها، قبل وقوع المشكلة، فذلك أدعى لسلامتهم من أن ننتظر حصول المشكلة، لنفكّر في العلاج.

الخطبة الثانية

من أهم الحُرمات بعد حرمة النفس هي حرمة المال، فالإنسان يهتم بماله، ويسعى لحمايته والحفاظ عليه، ولا يقبل أي اعتداءٍ على ما يخصّه.

لهذا كان في المجتمع الإنساني أنظمةٌ وقوانين تحمي أموال الناس وحقوقهم، لكنها وحدها لا تكفي لأن الإنسان قد يجد طريقاً للالتفاف على القانون.

وميزة الأديان الإلهية أنها تخلق رادعاً ذاتياً في نفس الإنسان، يمنعه من الاعتداء على أموال الآخرين وأعراضهم وأشخاصهم، وهذا الرادع الذاتي هو جوهر التدين. وبعدم توفر هذا الرادع فمظاهر التدين لا تكفيه. فالتدين الحقيقي يتّضح من احترام الإنسان لحقوق الآخرين، ولذا قال رسول الله : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».

من هنا تُحذّر النصوص الدينية الإنسان من الاقتراب للمال الحرام، وهو مال الآخرين، أو ما يأتي عن طريقٍ غير مشروع، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة، 188).

والتصرف في المال الحرام نتائجه وخيمة، لذلك جاء التحذير الشرعي من ذلك، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: «من أكل لقمة من حرام لم تقبل له صلاة أربعين ليلة»، وعنه : «إن الله عز وجل حرّم الجنة جسدا غذّي بحرام»، وقال أيضا: «لا يدخل الجنة من نبت لحمه من السّحت، النار أولى به»، وعنه : «العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل (وقيل: على الماء».

ومن مصاديق أكل المال الحرام:

1. ما ورد عن الإمام الصادق في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ أنه قال: «أن يكون للمديون مال فينفقه على نفسه ولا يفي به دينه».

2. ما ورد عن الإمام الباقر أنه قال: «إنه أكل المال باليمين الكاذبة».

3. أخذ ما لا يستحق من الإرث.

فهناك من ينفذ من ثغرة الاختلاف الفقهي بين السنة والشيعة في بعض مسائل الارث، كالتعصيب والوصية للوارث، فيذهب للمحكمة السنية، ليأخذ عبرها ما لا يحق له حسب مذهبه.

4. ابتزاز المال من الآخرين كالزوجة دون رضاً منها.

حيث لا يحق للزوج أخذ شيء من مال زوجته إلا برضاها، ونفقتها واجبة عليه وان كانت الزوجة ثريّة، ان بعض الازواج يبتزون زوجاتهم الموظفات فيدفعن لهم اضطراراً، وذلك حرام شرعاً، صحيح أنه ينبغي للزوجة ان تساعد زوجها ولها في ذلك الثواب والاجر، لكن ليس عن طريق الفرض والابتزاز.

5. الأخذ من المال العام دون مجوّز شرعي.

فلا يجوز للموظف في أي جهة حكومية ان يتصرف في شيء من اموال وامكانات دائرته لشأن شخصي دون إذن من الجهة المسئولة.

6. ما ورد عنه أنه قال: «يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبال تهامة حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباء منثورا ثم يقذف بهم في النار . قيل يا رسول الله كيف ذلك؟ قال كانوا يصلون ويصومون ويزكون ويحجون غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم».

7. ورئي بعض الصالحين في النوم فقيل له ما فعل الله بك؟ قال خيراً غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها ولم أردها.

8. ما ورد عنه أنه قال: من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه.

9. وقال : من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار.

10. ان الشاب إذا تعبد أي عبد الهن وقام بالواجبات، قال الشيطان لأعوانه: انظروا من أين مطعمه، فإن كان مطعم سوء قال: دعوه يتعبّد ويجتهد فقد كفاكم نفسه إنَّ اجتهاده مع أكل الحرام لا ينفعه.

11. وقال : من حج بمال حرام فقال لبيك قال ملك: لا لبيك ولا سعديك حجك مردود عليك.

فعلى الإنسان أن تكون في نفسه حساسية تجاه مال الغير، فلا يقبل أن يقترب من المال الحرام، فإن ذلك يُعوّق استجابة الدعاء، وقبول العمل، وبركة الرزق، وصلاح النسل والذرية.