الشيخ الصفار يبشر بمستقبل زاهر للمرأة ويدعوها للارتقاء باهتماماتها

مكتب الشيخ حسن الصفار حسين زين الدين

قال سماحة الشيخ حسن الصفار أنه يوجد في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ممانعة كبيرة لإقرار حقوق المرأة وأخذ دورها الطبيعي، مرجعًا الأسباب إلى وجود ثقافة ممانعة تنسب إلى الدين من خلال نصوص لم يُتأكد من صحتها، موضحاً أن هذه الثقافة لا تزال تعوق المرأة عن التمكن من الوصول إلى حقوقها المشروعة التي أقرّها الشرع ويؤيدها العقل. بسبب الخضوع إلى الأعراف والتقاليد والتفسيرات والتأويلات المغلوطة أو إلى وجود فهم خاطئ لبعض النصوص من وحي بيئة الفقيه الذي فسّر هذه النصوص.

مضيفًا أن البعض يفسّر هذه الثقافة بأنها لرعاية الحشمة والعفاف ولمنع الفتنة، محذرًا أنه ينبغي ألا تكون بالافتراء على الدين وسلب حقوق المرأة، وتناول محورين:

المستقبل الزاهر للمرأة

بدأ الشيخ الصفار محاضرته التي عنونها بـ «المرأة بين واقع التهميش وإمكانات المشاركة» في الليلة الرابعة من محرم 1431هـ في مجلس المبارك في القطيف بالآية الكريمة: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ.

وبين أنه يحق لنا أن نتفاءل بمستقبل زاهر لواقع المرأة على مستوى العالم تتجاوز فيها واقع التهميش الذي عايشته خلال فترات تاريخها المرير؛ لأن الحيف على المرأة يضر كل المجتمع، وأخذها لمكانتها ينفع المجتمع، فهي النصف المكمل للرجل ؛ حيث ورد في الحديث: «إنما النساء شقائق الرجال». مضيفاً: أن المرأة خلقت في نفس الوقت ومن نفس الأصل والمصدر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [سورة النساء، الآية 1].

وأشار إلى أنه من المفترض أن يقدر الرجل للمرأة دورها الكبير في الحياة، لكن ما حصل في تاريخها أن الرجل نظر إليها وإلى رقتها وعطفها وطبيعتها على أنه حالة ضعف في المرأة أغراه ذلك بالهيمنة والسيطرة عليها، لذلك عانت المرأة في تاريخها الكثير من الحيف من الرجل من سوء سيطرته وهيمنته؛ بحيث تهمش دورها في هذه الحياة.

ورأى أن هناك بعض من يروج لبعض الآراء والمعتقدات تنسب إلى الدين لكي تبرر للرجل نظرته الدونية وهيمنته على المرأة، مع أنها تخالف الواقع والحقيقة، حتى أصبحت من المسلمات نتيجة التشبث والتمسك بنص لم يتأكد من صحته كقولهم: «المرأة خلقت من ضلع أعوج من آدم في الجانب الأيسر»، «صوت المرأة عورة»، «خير شيء للمرأة أن لا تر الرجل ولا الرجل يراها».

وتابع قوله: أن المرأة كان يتعامل معها كسقط متاع يورث من الرجل وإنها خلقت لخدمته. مؤكدا أن هذه الآراء لا أصل لها في التشريع، حيث سأل أحد أصحاب الإمام الباقر : من أي شيء خلق الله حواء؟ فقال: أي شيء يقول هذا الخلق؟ قلت: يقولون: إن الله خلقها من ضلع من أضلاع آدم، فقال: كذبوا، كان يعجزه أن يخلقها من غير ضلعه؟ فقلت: جعلت فداك يا بن رسول الله من أي شيء خلقها؟ فقال: أخبرني أبي عن آبائه قال: قال رسول الله: إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه ـ وكلتا يديه يمين ـ فخلق منها آدم، وفضلت فضلة من الطين فخلق منها حواء[1] .

وعن عبد الله بن عمر أن الرسول الله قال: «لا يمنعنَّ رجل أهله أن يأتوا المساجد، فقال ابن لعبدالله بن عمر: فإنِّا نمنعهن، فقال له عبد الله: أحدثك عن رسول الله وتقول هذا؟ قال: قال: فما كلَّمه عبدالله حتى مات»[2] .

ويوضح الشيخ الصفار أن هذا الواقع تغير مع انبعاث الرسالات السماوية وجهود العقلاء، وما فرضته المرأة لنفسها من كفاءة وقدرة ونضال تجاوزت الكثير من هذه المقولات والمظالم التي كانت تمارس بحقها، ملفتاً إلى أنه أصبح واقع المرأة على المستوى العالمي مختلفاً عما كان عليه في الحقب التاريخية الماضية، مشيرًا إلى مواثيق حقوق الإنسان والاتفاقات الدولية كاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) التي أقرّت بحقوق المرأة الإنسانية الكاملة كالرجل، مشيراً إلى التحفظ على بعض النقاط المخالفة للدين.

وذكر الشيخ الصفار أن المرأة في العصر الراهن قطعت شوطاً في أخذ مكانتها ودورها في كل المجالات العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فأصبح في بعض دول العالم بعض الوزراء غالبيتهم من النساء، ففي فنلندا (11) وزيرة من أصل (19) وزيراً، وفي النرويج (10) وزيرات من أصل (18) وزيراً، وفي غرينادا (6) وزيرات من أصل (12) وزيراً، فيما رأى أن المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لا تزال في بداية الطريق نتيجة وجود ثقافة تعرقل من حركتها والحصول على حقوقها المشروعة، داعيًا إلى أهمية تمكين المرأة في مجتمعنا للوصول لحقوقها.

وأشار الصفار أن المرأة في مجتمعاتنا لا تزال على المستوى العائلي والأسري تتعرض لكثير من حالات العنف والظلم التي تسجلها التقارير والإحصائيات في بلادنا، حيث تشير إحصائية إلى وقوع (16) محاولة انتحار شهريًا من النساء في المملكة، وبلغ عدد الهاربات من النساء والفتيات إلى أكثر من (3000) حالة هروب من منازلهن، ملفتًا أن هروبهن قد يؤدي بهن إلى مهاوي الرذيلة والانحراف. متسائلاً: ما الذي دعا هذه الفتاة تنتحر؟ ما الذي جعل هذه الزوجة تهرب؟ مرجعًا ذلك لسوء المعاشرة وحالات الضغط الذي يمارس على النساء، والقرآن الكريم يلفتنا إلى وجوب حسن العشرة: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ[سورة النساء، الآية 19] و﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[سورة البقرة، الآية 229]، وإذا آذى الرجل زوجته، فيحق للزوجة أن ترفع دعوى للحاكم، فيستدعى الزوج، ويعنّف ويعزّر، وإذا استمر في إيذاء زوجته، فإن الشرع يحكم بطلاق المرأة.

ويأمل أن تتجاوز المرأة في مجتمعاتنا هذه الحالة وواقع التهميش، ملفتا إلى بعض التطورات الإيجابية على هذا المستوى، لكنها خطوات أولية، ممثلاً بحالة تعيين أول امرأة بمرتبة وزير في بلادنا، وكذلك الاستفادة من بعض الاستشاريات في مجلس الشورى، كما أصبح للمرأة حق التصويت لانتخاب إدارة الجمعيات الخيرية في مجتمعنا، بالإضافة إلى مشاركتهن في انتخابات الغرف التجارية. داعيًا أن تتواصل هذه الخطوات وتتكامل، حتى تأخذ المرأة حقها، موضحًا أنه تفتقد الجهات الرسمية كالمحاكم الشرعية إلى أقسام متخصصة لاستقبال النساء ورفع الضيم والحيف وتوفير الحماية لتحميها من حالات العنف والظلم.

الارتقاء باهتمامات المرأة

ويبين الشيخ الصفار في هذا المحور أن المرأة وبسبب الواقع الذي تعيش فيه، صارت اهتماماتها متأخرة ومتخلفة في الغالب، ومن مظاهر التخلف في اهتمامات المرأة في مجتمعنا.

1- المبالغة في إبراز الأنوثة

في هذا العصر هناك تحريض للمرأة لإبراز مفاتنها، وغالباً ما تتعامل من خلال بُعد الأنوثة في شخصيتها، وهذا يضر بالمرأة نفسها وبأمن المجتمع، فهذا مدعاة للوقوع في الرذيلة والانحراف، وهو ليس في صالحها بل في صالح الرجل الشهواني، وهي التي تدفع الثمن.

داعيًا أن تعالج المرأة هذا الأمر بأن تتعامل كإنسانة وليس كأنثى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا. فعليها أن تحافظ على شخصيتها وإنسانيتها، وذلك بحفظ عفافها وحشمتها.و لا ينبغي للمرأة أن ترضى لنفسها أن تكون في سوق «النخاسة» أمام الرجال.

2- العاطفة الدينية

يلحظ الشيخ الصفار أن الوسط النسائي أكثر عرضة لكثير من موارد الدجل والشعوذة والسحر، لما تمتلكه من عاطفة دينية، الأمر الذي يجعل المرأة تقتنع وتقبل ببعض القضايا كالأطياف والأحلام.

ويرى أن بعض النساء مبتلاة بحالات الهوس والوسواس في أمور الطهارة والعبادة، وهذا لا مبرر له، فالدين يسر: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ.

ويختم الشيخ هذا الجانب بقوله: على المرأة أن ترتقي باهتماماتها في مجتمعاتنا عن هذه التعقيدات والخرافات والخزعبلات.

3- الكماليات والترف

وفي هذا الجانب قال الشيخ الصفار: إنه في مجتمعنا لدينا نساء يمتلكن ثراء وإمكانات مالية بل تذكر إحصائية أن نساء الخليج وصلت ثرواتهن (346) مليار دولار (46%) عند النساء السعوديات.

دافعًا بالمرأة في توظيف ثرواتها وإمكاناتها في خدمة قضيتها ومجتمعها، مشيرًا أنه بإمكان المرأة أن تسابق الرجال وأن تتفوق عليهم والقرآن الكريم يضرب مثلاً: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ.

ودعا سماحته إلى فتح آفاق العمل أمام المرأة، وإيجاد آلية وسبل لتحقيق ذلك، وأن لا تقتصر الاستفادة من الكفاءات والخبرات على الرجال، لا سيما وأن المرأة أثبتت نجاحاً على الصعيد العلمي، ذاكراً أنه من المؤسف أن تكون لدينا في المملكة 600 امرأة تحمل شهادة الدكتوراة، و3000 امرأة تحمل شهادة  الماجستير و2000 يحملن شهادة البكالوريوس وهن عاطلات عن العمل.

وأشار إلى أن هناك أفقاً أمام المرأة ينبغي أن ترتقي باهتماماتها، وأن تتجاوز حالات الترف والصرف غير المبرر في الحفلات والمناسبات المختلفة والتي تستنزف ثرواتها وأموالها، معددًا بعض الانجازات التي حققتها المرأة في مجتمعنا، حيث ذكر أن أديبة من أديبات المنطقة طبعت لها رواية عدد صفحاتها أكثر من (1000) صفحة، وأخرى اعتمد أحد نصوصها أخيرًا من قبل وزارة التربية والتعليم في المنهج التربوي الدراسي التعليمي، كما قدّر تأسيس جمعية العطاء الخيرية النسائية في القطيف، بجانب بروز مسابقة ملكة جمال الخلاق ومهرجان الأعراس النسائي بصفوى، وتخصيص أقسام نسائية في الجمعيات الخيرية، داعيًا المرأة في مجتمعنا إلى المشاركة والفاعلية وبذل أوقاتهن وجهدهن وأموالهن لخدمة مجتمعهن.

وأشار الشيخ الصفار إلى دور المرأة في حركة الإمام الحسين حيث قال: في واقعة كربلاء بطلان رئيسان الرجل إلى جانب المرأة، لا يذكر الحسين إلا وتذكر العقيلة زينب إلى جانبه، بل أن دور زينب في صناعة الثورة من الناحية الزمنية تجاوز دور الحسين، فالحسين انتهى دوره في اليوم العاشر من المحرم، ولكن السيدة زينب استمر دورها في صناعة هذه الملحمة الإلهية العظيمة التي نحتفي بها.

فيما نعى الشيخ الصفار رحيل آية الله العظمى المرجع الديني الشيخ حسين علي المنتظري رضوان الله تعالى عليه، مشيرًا إلى أن الراحل كان يمثل قيمة علمية كبيرة لا ينكرها أحد, كما كان من أبرز العلماء المجاهدين في حركة الثورة الإسلامية في إيران, حيث قضى سنيناً طويلة من حياته في السجون والمعتقلات والتبعيد, وكان أهم سند وعضد للإمام الخميني الراحلK في إقامة الجمهورية الإسلامية وإرساء أركانها.

[1]  بحار الأنوار. ج11 ص116.
[2]  مسند أحمد بن حنبل. ج2 ص306 حديث4933.