وإحياء عاشوراء ليس موجّهًا من فئة ضدّ فئة إسلامية

الشيخ الصفار في ليلة عاشوراء: الإمام الحسين (ع) ثار من أجل قيم الحكم الإسلامي التي انحرفت مع مجيء بني أمية

مكتب الشيخ حسن الصفار حسين الشيخ

تحت عنوان: «الحسين نداء العدل والمساواة» أحيا سماحة الشيخ حسن الصفّار ليلة عاشوراء، حيث استهلّها بالحديث عن هدف الثورة الحسينية، إذ نفى عنها تبشيرها بفكر أو مذهب معين، أو أنها كانت لغاية فئوية أو مصلحية، وإنما كانت ثورة من أجل إحياء القيم الإسلامية في الحكم، وأبرزها قيمتا: العدل وهو المبدأ الذي بعث الله أنبياءه من أجله، والمساواة، حيث تنبذ الأديان على اختلافها أي نوع من التمييز بين الناس، لذلك عدّ سماحته الثورة الحسينية ثورة إنسانية عامّة، دون أن تحدها القيود المذهبية أو الدينية، فهذه قيم إنسانية عامّة، داعيًا إلى نبذ جميع أشكال التمييز الذي تعيشه بعض مناطقنا الإسلامية في مستوياته: الدستورية أو نتيجة الفرز الاجتماعي لتجاوز ما تعيشه البلاد من تمييز مذهبي لا يمكن تجاهله، حفاظًا على المصالح الوطنية العامّة، داعيًا المسلمين جميعًا إلى نبذ لغة التطرّف في خطاباتهم.

وقد عالج سماحة الشيخ الصفّار عنوان المحاضرة في نقاط عدّة، منها:

أهداف الثورة الحسينية

حيث بدأ الحديث بذكر مقطع من خطبة الإمام الحسين : «أيها الناس، إن رسول الله قال: من رأى سلطانًا جائرًا مستحلاًّ لحرام الله ناكثًا عهده، مخالفًا لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقًّا على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وأنا أحقّ من غيَّر»، مستفيدًا منها بعضًا من أهداف الثورة الحسينية، التي نفى عنها الصفة الشخصية أو الثأرية أو الدعوة إلى فئة، أو التبشير بفكرة أو اتجاه معين داخل البيئة الإسلامية، بل هي ثورة قِيَمِيَّة، تهدف إلى إعادة قِيَم العدل والمساواة في نظام الحكم الإسلامي، فالسلطان وفق الرؤية الإسلامية ملتزم بطاعة الله تعالى، ومحارب للفساد، والناس عنده سواء في الفيء، ومقيم لشرع الله دون أي تغيير، وعلى المسلمين تقع مسؤولية المراقبة، وذلك من أجل تثبيت هذه القيم التي أرسل الله من أجلها رسله، فالمظاهر العبادية في المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت لا تزال قائمة حتى في الجيش الأموي الذي أقدم على قتل الإمام الحسين وصحبه، ولكن الهدف العامّ من حركة الإمام الحسين هو الثورة على القيم التي أخلّ بها الأمويون عندما تولوا على رقاب المسلمين، وأبرزها إشاعة الفساد، والإخلال بإقامة العدل بين الناس، مستشهدًا في ذلك بالعديد من الآيات الدالة على القيم الهادية التي بعث الله أنبياءه من أجلها، من ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾[1] ، وقوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[2] ، عادًّا الحركة الحسينية حركة إنسانية تنادي بالقيم الإنسانية العامّة، ورافضًا حصرها ونسبتها إلى فئة دون أخرى.

العدل والمساواة من أهم قيم الحكم الإسلامي

بعد ذلك انتقل الشيخ حسن إلى الحديث عن التفرقة بين قيمتي العدل والمساوة، حيث أشار في هذه النقطة إلى أن العدل الذي يعني إعطاء كل ذي حق حقّه من أهم قيم الرسالات الإلهية، بل إن جميع هذه الرسالات إنما جاء أنبياؤها ليبشروا بها لرفع الظلم والحيف الذي يقع على الناس جرّاء السياسات الظالمة والجائرة التي كانت شائعة وتتحكم في مصائر المجتمعات والشعوب، ويختلف عن مصطلح المساواة، والذي يعني أن يكون جميع الناس سواسية أمام القانون وإتاحة الفرص، فالدين الإسلامي جاء ليلغي سياسة التمييز العنصري الذي عانت منه المسيرة البشرية طوال تاريخها، من خلال المبدأ القرآني: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾[3] ، وما ورد عن الرسول الكريم من قوله : «الناس سواسية كأسنان المشط»، و: «لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى»، وكذلك من خلال السيرة النبوية التي قامت على أساس المساواة بين أفراد المجتمع الإسلامي في المناصب والمواقع والامتيازات، فالقرشي كالمدني، والعربي كالفارسي والرومي والحبشي.

التمييز العنصري في المسيرة البشرية

في هذه النقطة بيّن الشيخ الصفّار نقطة مهمة، حيث نفى عن الإسلام تبنّي السياسات التي انتهجتها الخلافة في صورتها الأموية، ذلك أن الإسلام لا يقرّ أي نوع من أنواع التمييز العنصري، مشيرًا إلى أن هذه السياسات هي من الجاهلية التي أرجع بنو أمية العرب والمسلمين إليها مع توليهم السلطة، وهي آفة اجتماعية وإنسانية عانت منها جميع الشعوب والمجتمعات، ممثّلاً بالعهد الروماني، والدولة الساسانية، وبالحضارة البرهمية في الهند، وكذلك بحالة التمييز العنصري الممارسة في أمريكا إلى وقت قريب، حيث ألغيت سياسة التمييز العنصري في أمريكا عبر كفاح ونضال من قبل السود في أمريكا، داعيًا إلى أهمية تجاوزه في بلادنا العربية والإسلامية وبكافّة أنواعه ومظاهره، فذلك يهدد الأمن الاجتماعي والوطني بالخطر في كلّ دولة، مشدّدًا على أن هذه الحالة هي ضدّ تعاليم وقيم الإسلام. ويشير الشيخ حسن إلى أن التمييز يحرم الأوطان والمجتمعات من الاستفادة من كفاءاتها وطاقاتها، ويهدد أمنها وسلمها الاجتماعي واستقرارها السياسيّ، ويخلّ بالعلاقات بين أفراد مواطنيها، فلا يكون هناك انسجام حقيقي وفاعل بينهم، ويعطي فرص كبيرة لأعداء الأمة ويمكنها من اختراق مجتمعاتنا، ذلك أن كل مواطن هو شريك في النهوض والقيام بوطنه، ولذلك تقع المسؤولية على القيادات السياسية في هذه البلدان في أن تشعر مواطنيه بهذه الحقيقة.

محاربة سياسات التمييز بكافة مستوياتها

في هذه النقطة يشير سماحة الشيخ الصفّار إلى أن التمييز في مستويات مختلفة، فتارة يكون مقرًّا في الدستور والقوانين الرسمية ـ كما كانت الحال في أمريكا وفي جنوب أفريقيا سابقًا ـ، أو ممارسة من جهة أو مؤسسة رسمية، أو أن يكون من قبل الجماعات الضاغطة في بعض المجتمعات، بحيث يكون هناك فرز اجتماعي بين فئات الوطن الواحد، مذكرًا بالمادتين الثامنة والثانية عشرة من نظام الحكم في المملكة، اللتين تدعوان بشكل صريح إلى إلغاء أي نوع من أنواع التمييز بين المواطنين.

تقول المادة الثامنة: يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية.

وتقول المادة الثانية عشر: تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام.

وفي هذه النقطة الأخيرة تساءل سماحته: «لماذا يشعر الناس بالتمييز بالرغم من الإنكار الإعلامي؟»، معتبرًا أن هذا الإنكار يفاقم المشكلة ولا يحلها، مذكرًا بأننا عندما انتهجنا إنكار الكثير من المشاكل التي يعايشها الناس ـ كمشكلة الفقر وانتهاك بعض حقوق الإنسان ـ لم يقدم هذا الإنكار أي خطوة للأمام في حلّ هذه المشكلات، وأدركنا أخيراً ضرورة الاعتراف بهذه المشكلات والتصدي لمعالجتها. داعيًا إلى أهمية الإسراع في معالجة الظاهرة الطائفية التي من أهم تجلياتها اضعاف الوحدة الوطنية والمجتمعية، منتقدًا المسار الذي اتخذه الحوار الوطني، حيث كان معوّلاً عليه أن يتخذ طريقه في معالجة هذه الظاهرة، ولكنه سرعان ما أهمل مساره الذي أسس من أجله.

المسؤولية المتبادلة بين الأطراف

في هذه النقطة التي ختم بها سماحته حديثه أشار إلى مسألة مهمّة، وهي (الولاء للوطن)، وهي التهمة التي غالبًا ما يتّهم الشيعة فيها، حيث أكّد ولاء الشيعة لأوطانهم، نافيًا أن يكون معنى الولاء والوطنية هو السكوت على الظلم والخطأ، ذلك أن انتقاد ما تعيشه مجتمعاتنا من أوضاع سيئة واقتراح معالجتها لا ينافي الوطنية، بل يعكس صدق الولاء والوطنية ممن يتلمّس هذه الأخطاء ويطرح السبل لمعالجتها، متّهمًا من يرمي بقية الأطراف بالولاء للخارج أو ينفي عنهم الوطنية لمجرّد انتقاد بعض الأوضاع والممارسات أو لمجرد المطالبة بالحقوق متهمًا هؤلاء بالتهريج والتشكيك بدون دليل واقعي، ذلك أن الشيعة في معظم البلدان العربية يعيشون حالة من التهميش وعدم المعاملة بالمثل مع بقية إخوانهم من المواطنين حتى في البلدان التي يشكلون فيها الأغلبية، كما هو الحال مع النظام العراقي البائد.

وفي المقابل طالب الشيخ حسن الصفّار المجتمعات الشيعية بتحمل مسؤولياتها، وأن تتصرف وفق المعطيات الراهنة، وأن يدرسوا ردّات الأفعال على ما قد يصدر ضدّهم، مذكّرًا بأن هناك فئات متطرّفة غالبًا ما يصدر عنها ما يثير الشيعة، من فتاوى التكفير والتبديع التي تظهر بين الفينة والأخرى، ومشيرًا إلى أن هذه الفئة تظلّ فئة قليلة في الأمة، غير أنها مرتفعة الصوت، رافضًا أن تكون ردّة الأفعال المزيد من التشدّد من قبل الشيعة، مثمّنًا الدور الواعي والمسؤول الذي تقوم به القيادات الشيعية التي تدعو دائمًا إلى عدم الوقوع في مزالق الفتن، فالتشدّد هو إعانة على النفس، موجّهًا الجمهور إلى عدم الانجراف وراء بعض الشعارات التي قد ترد من بعض المتشدّدين داخل الوسط الشيعي، فهي شعارات لا تراعي ما تعيشه أمتنا التي أمرنا الله بالوحدة داخلها، وتخدم القيم والأهداف السامية التي جاء بها ديننا الحنيف، ولا تنسجم مع توجيهات قادتنا وعلمائنا.

خاتمًا حديثه بالتذكير بأهداف الثورة الحسينية بأنها أهداف إنسانية عامّة، وأن إحياءها هو إحياء لهذه القيم، وليس موجهًا من جهة ضدّ جهة، فالإمام الحسين قتله الطغاة والمستبدون في هذه الأمة، والذين لا يمثلون مذهباً ولا طائفة.