المرجعية الدينية في المجتمع الشيعي

مكتب الشيخ حسن الصفار تقرير: ناصر أحمد الرهين

في الليلة الثانية عشرة من محاضرات موسم عاشوراء لعام 1431 هـ بدأ سماحة الشيخ الصفار محاضرته المعنونة (المرجعية الدينية في المجتمع الشيعي) في جامع الكوثر بصفوى بقراءة الآية المباركة ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ وفيها تناول الموضوع من ثلاثة جوانب:

الجانب الأول: المرجعية قوة واستقامة

وبين فيه سماحته بان أساس المرجعية الدينية هو الرجوع إلى المختصين والخبراء في الأحكام الشرعية، وأن هذا الرجوع يعتبر بديهياً لأن الإنسان يرجع فيما يشكل عليه إلى المختصين في ذلك المجال كمن يرجع للطبيب حينما يحتاج علاجاً من مرض معين وكذا الرجوع إلى علماء الدين في الأحكام والأمور الدينية التي يرى الإنسان المسلم نفسه ملزماً بها لأنها تتعلق بعلاقته مع الله عز وجل ومنها المسائل التفصيلية خاصة في عصرنا الراهن. وأشار سماحته أن هناك تساؤلاً وهو أنه هل يوجد حاجة للرجوع للعالم في وجود الكتاب والسنة؟ فأجاب: بأنه إذا كان الإنسان قادراً فلا بأس ولكن ذلك بحاجة إلى مستوى علمي وقدرة على فهم القرآن والأحاديث.

وفي سياق كلامه أشار إلى أن المرجع الديني هو كل من يرجع إليه في الأمور الدينية والشرعية، وبين أن من أهم الصفات المطلوب توافرها في المرجع شرطان:

العلم الكافي (الاجتهاد): وهو الوصول لمرحلة القدرة على استنباط الأحكام الشرعية, وأوضح أن مشهور الفقهاء يرون تقليد الأعلم والبعض يرى كفاية تقليد المجتهد الجامع للشرائط.

العدالة: وتعني النزاهة والالتزام الديني والأخلاقي وهو ما يعتبر شرطاً سلوكياً في المرجع.

بعد ذلك أشار الشيخ الصفار إلى مراحل تطور المرجعية الشيعية كما تكلم عنها الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، وقد تحدث عنها في أربع مراحل:

المرحلة الأولى: مرحلة الاتصال الفردي وهي الحالة العفوية والتفاف الناس حول الفقيه الموجود في منطقتهم وسؤالهم إياه عما يشكل عليهم شرعاً وقد استمرت هذه المرحلة حتى عهد العلامة الحلي (رحمه لله) المتوفى عام 726 هـ.

المرحلة الثانية: والتي كان رائدها الشهيد الأول الشيخ محمد جمال الدين العاملي صاحب كتاب (اللمعة الدمشقية) المتوفى عام 786 هـ وفي عهده تبلورت فكرة الجهاز المرجعي ونظام الوكلاء.

المرحلة الثالثة: في عهد الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى سنة 1227 هـ وفيه دخلت المرجعية حالة المركزية والاستقطاب حيث تمركزت في النجف.

المرحلة الرابعة: وتكونت بداية القرن العشرين حينما أتى الاستعمار البريطاني وسيطر على العراق وسعى لبسط نفوذه في إيران وفي ذلك الوقت تم تدخل العلماء في الشأن السياسي ففي العراق كان هناك الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي قاوم الاستعمار البريطاني وفي إيران كان الميرزا محمد حسن الشيرازي وفتواه المشهورة في (ثورة التنباك).

الجانب الثاني: المرجعية الدينية والانتماء الوطني

وفيه أشار سماحته إلى أن المرجعية الشيعية مستقلة وأن الناس يختارون مراجعهم بأنفسهم ضمن الضوابط الشرعية.

وفي سياق اختيار المرجع بين سماحته بأن المدار هو اجتماع الشرائط وليس العرق أو البلد أو النسب. وضرب أمثالاً بعلماء ماضين ومعاصرين من بلاد إسلامية متعددة (رحم الله الماضين وأطال في عمر الباقين).

بعد ذللك تطر إلى الفرق بين المرجعية المحلية والمرجعية المركزية وبين الإيجابيات في كل واحدة منها.

ميزات المرجعية المحلية: وجودها يرفع معنويات الناس ويستشعرون وجود سند لهم في بلدهم. ويقوي الحالة الدينية والعلمية, كما أن وجود المرجعية في المجتمع يجعلها أقدر على فهم ظروف بيئته, وتشخيص مشاكله وقضاياه.

ومع الظروف السياسية الحاضرة يبعد وجودها أي شبهة ارتباط بعلاقة خارجية.

وقد أشار إلى مرجعيات دينية كانت موجودة في القطيف والأحساء والبحرين كالشيخ أحمد زين الدين الاحسائي والشيخ حبيب قرين والشيخ محمد أبو خمسين والسيد ناصر السلمان في الاحساء, وفي القطيف مثل الشيخ محمد عبد الجبار والشيخ عبد الله المعتوق والشيخ أبو عبد الكريم الخنيزي والشيخ أبو الحسن الخنيزي, وفي البحرين مثل الشيخ يوسف البحراني والشيخ حسين العصفور والشيخ عبد الله الستري.

ميزات المرجعية المركزية: التفاف الشيعة حولها مما يزيدها قوة  ويحقق تماسك الطائفة الشيعية ويعزز جانب التعاون بين الجهات الشيعية.

وفي مسألة الانتماء الوطني أكد سماحته على أن المراجع الشيعية يشجعون الشيعة على احترام النظام داخل أوطانهم، وانه لم يحصل في تاريخ الشيعة تدخل في الشؤون الداخلية. ولكنه بين أن الناس أنفسهم هم من يتحركون إذا زاد الظلم عليهم وهذه حالة طبيعية ولا ربط لها بالتقليد. وقد ذكر سماحة الشيخ ما عايشه شخصياً حين تم استشارة الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) قبل الرجوع من الخارج إلى المملكة في التسعينيات وكانت إجابته لهم بأن هذا شأن خاص بهم وهذه بلدهم وهم من يقررون ذلك.

وفي مسألة التشكيك في الانتماء الوطني للشيعة بين سماحته بأنها نوع من التهريج والحملات الإعلامية عديمة الفائدة وتسائل هل أن رجوع بعض مسلمي أفريقيا إلى الأزهر في مصر معناه أن ولاء هذه الفئة لمصر وليس لوطنهم. وكذلك ولاء المسيحيين للبابا لا أحد يعتبره ضعفاً في ولاءاتهم الوطنية.

الجانب الثالث: النموذج المشرق

وفي هذا الجانب أبان الشيخ حسن الصفار أننا نفتخر بتاريخ مراجعنا ونعتز به وضرب مثلاً بآية الله العظمى المرجع السيد السيستاني وبين سماحته أن إشارته له لا يعني تجاهله للمراجع الأخرى بل كلهم أجلاء ولهم تقديرهم لكنه المرجع الأبرز، وبين أن المرجع السيد السيستاني عاش ظروفاً صعبة في ظل النظام المقبور في العراق وتجرع الويلات من ذلك النظام، وبعد أن سقط صدام لم ينطلق سماحته من موقع الانتقام بل كان صمام الأمان للشعب العراقي ووحدته وهو ما يعترف به الجميع.

واستنكر فضيلته ما قام به  العريفي من تهجم على السيد السيستاني ووصفه بكلام لا يليق وأن هذا الأمر ليس مقبولاً.

وختم مجلسه بالحديث عن اسائة ابن زياد للإمام الحسين وللسيدة زينب حينما ادخلوا اسارى أهل البيت عليه.